ذات الأطراف.. كيف تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية على مستقبل سوريا؟
ما إن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24 فبراير/ شباط 2022، شن "عملية عسكرية" واسعة النطاق على الجارة أوكرانيا، حتى برز الملف السوري على الواجهة، وفتحت أقواسا عريضة حول تأثر عمليته السياسية المتعثرة أصلا، بما يجرى بدولة تبعد عن سوريا نحو 2500 كيلومتر.
ما يجعل أوكرانيا تلقي بثقلها على القضية السورية، هو تشابك وارتباط الأطراف الفاعلة في سوريا (روسيا– أميركا– تركيا) مع تطورات الأحداث فيها.
إذ ذهبت الولايات المتحدة لدعم كييف عسكريا وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وعلى بوتين ومسؤولين روس ردعا لمهاجمة أوكرانيا.
تحذيرات أممية
لكن اللافت هو إعراب مبعوث الأمم المتحدة الرابع لسوريا والدبلوماسي النرويجي "غير بيدرسون"، عن قلقه من أن العملية السياسية في دمشق أصبحت أكثر صعوبة مع الحرب الأوكرانية، وذلك في إحاطة له قدمها لمجلس الأمن الدولي في 25 فبراير 2022.
ولم يكتف بيدرسون بذلك بل سلط الضوء على الوضع العسكري في سوريا ملوحا بالقول: "ما نزال نرى كل بوادر الصراع الساخن المستمر"، واعتبر أن "الوضع يمكن أن يشتعل في أي وقت".
كما أعلن الوسيط الأممي أن الجولة السابعة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية السورية ستعقد بجنيف في 21 مارس/آذار 2022، معترفا بالقول: "من الواضح أن هناك حالة من الجمود ومعاناة شديدة، والحل السياسي هو المخرج الوحيد".
والخشية التي تدور حاليا هي حول تأثير الحرب في أوكرانيا على تأزيم المشهد السوري مجددا، عبر تحويل البلاد لساحة تصفية حسابات بين موسكو وواشنطن.
ولا سيما أن روسيا تنظر إلى الوجود العسكري الأميركي بسوريا على أنه "غير شرعي" وليس بطلب من النظام السوري كما تدعي هي، حينما تدخلت عسكريا في 31 سبتمبر/أيلول 2015 لمنع نظام بشار الأسد من السقوط.
وتأتي العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا في ظل انسداد أفق الحل السياسي بسوريا.
فما يزال القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد للحل بسوريا دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع وهي: الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
كما فشلت اجتماعات اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، في نسختها السادسة بتحقيق أي تقدم على صعيد صياغة دستور جديد لسوريا بإشراف أممي، وخاصة أن بيدرسون، اعترف في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن وفد النظام "لم يقدم أوراقا في اليوم الأخير للاجتماعات، ما شكل خيبة أمل كبرى".
الاهتمام الدولي ينصب راهنا على غزو أوكرانيا، إلا أن كثيرا من المراقبين يقللون من تأثير الغزو على الحل السياسي بسوريا، وإن كانت روسيا وأميركا الطرفان اللذان يملكان مفاتيح الحل يخوضان معركة كسر عظم هناك شرق أوروبا.
النقطة الأضعف
وفي هذا الإطار، شرح الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد قربي، لـ "الاستقلال" وجهة نظره حول ما إذا كان هناك تداخلا بين الملفين السوري والأوكراني.
يقول قربي: "حاليا المسار السياسي في سوريا مقتصر فقط على قضية اللجنة الدستورية التي خاضت ست جولات فاشلة ولم تحقق أي تقدم، وبالتالي العملية السياسية شبه متوقفة، ولا تطبق قرارات الأمم المتحدة 2254 و2118 ".
واعتبر الباحث أنه "لا يوجد تأثير للحرب في أوكرانيا على الملف السوري، لأنه بالأساس اللجنة الدستورية لا تتقدم منذ عامين ونصف العام، كما أن النظام رافض بالأساس أن يحقق أي تقدم بمسارها، أو الاتفاق على مادة واحدة في الدستور".
واستدرك قائلا: "تطور الأحداث في أوكرانيا من عدمه باعتقادي لن يؤثر على مسار اللجنة الدستورية، لكن مع ذلك هناك ارتباط كبير بين الملفين الأوكراني والسوري".
إذ يرتبط الملف السوري بتركيا والولايات المتحدة، ولذلك هناك إمكانية لاستخدام روسيا الورقة السورية لتوجيه رسائل لكلتا الدولتين.
ومضى يقول: "بمعنى أنه إذا كان هناك تصعيد من قبل أنقرة وواشنطن باتجاه تأييد ما يحصل في أوكرانيا اقتصاديا أو عسكريا، سيجرى تحريك الملف العسكري وسيصبح هناك ضغط على الدولتين بسوريا".
ونوه الباحث خلال حديثه إلى أن "روسيا لا تستطيع أن توجه أي رسائل للولايات المتحدة في دمشق، إذ هناك شواهد كثيرة خاصة في المناطق الشمالية الشرقية للبلاد حيث التحالف الأميركي مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
إذ كان الموقف الأميركي حازما وخير دليل على ذلك إبادة الطيران الأميركي لرتل تابع لمليشيا فاغنر الروسية كان يحاول اختراق مناطق النفوذ الأميركي.
وعليه يمكن القول: "إن النقطة الأضعف حقيقة هي الشمال السوري المحرر ومناطق عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات (تحت النفوذ التركي) والتي يمكن أن تشهد تصعيدا من قبل الروس في حال اتخذت تركيا مواقف مؤيدة للطرف الأوكراني".
ويتفق عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة السابق، إبراهيم الجباوي، مع التوقع السائد من عدم تأثير غزو أوكرانيا على الملف السوري.
ويقول لـ "الاستقلال": "باعتقادي فإنه إذا طرأ تغيير في الموقف فسيكون باتجاه التسريع بالحل السياسي في سوريا ليس أكثر بتوافق روسي أميركي".
ولفت الجباوي إلى أن "دخول روسيا إلى سوريا جرى بالتوافق مع الولايات المتحدة وهذا هو الأساس، وواشنطن ملتزمة بهذا الاتفاق، ولن تتعرض المسألة السورية في حديثها عن خروج موسكو من أوكرانيا".
وزاد بالقول: "بوتين ضرب بعرض الحائط كل المناشدات الأوروبية والأميركية والوساطات حتى لا يغزو أوكرانيا، ولكنه غزاها ملوحا بالقوة".
وقال بوتين جملة شهيرة "سنرد بالنووي وسنكون شهداء وندخل الجنة وهم لا يلحقون أن يتوبوا"، وفق وصف الجباوي.
واعتبر أنه "إذا استمر العالم على هذا المنوال من العقوبات ضد روسيا فستنال منها لا شك، ولكن سيكون هناك حل للمسألة السورية بالتوافق الروسي الأميركي وليس بطرد موسكو من دمشق".
توسعة المواجهة
لكن هناك من يدلي برأي مختلف مع كل هذا الميل في الآراء نحو وجود فصل تام بين الفاعلين الأساسيين (روسيا وأميركا) حول انعكاس المشهد الأوكراني على سوريا، رغم التصعيد الأميركي والأوروبي عبر عزل موسكو اقتصاديا ورياضيا وإغلاق دول عدة مجالها الجوي أمامها وتراجع عملتها (الروبل).
ففي اليوم الثالث من العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، أجرى بشار الأسد اتصالا هاتفيا مع فلاديمير بوتين، وأبدى تأييده للغزو، زاعما أن "ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفيتي".
وأكد الأسد أن وقوفه مع موسكو "انطلاقا من قناعته بصوابية موقفها، ولأن مواجهة توسع الناتو هو حق لروسيا لأنه أصبح خطرا شاملا على العالم".
ولم يكتف الأسد بذلك بل اعتبر "أن العدو الذي يجابهه الجيشان السوري والروسي واحد، ففي سوريا هو تطرف وفي أوكرانيا نازية".
والملاحظ أن الأسد منساق تماما وراء الرواية الرسمية الروسية التي جاءت على لسان بوتين حينما دعا بكلمة متلفزة في 25 فبراير 2022 العسكريين الأوكرانيين "إلى تولي السلطة" في كييف من خلال الإطاحة بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، وأوساطه الذين وصفهم بأنهم "زمرة مدمنين ونازيين جدد".
وهذا يتناغم مع رغبة روسيا بجعل سوريا في قلب معركة غزو أوكرانيا بشكل غير مباشر، وتحديدا حينما وصل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في 15 فبراير 2022 إلى دمشق ليتفقد بنفسه سير مناورات وتدريبات البحرية الروسية انطلاقا من قاعدة طرطوس الروسية المقامة على ساحل البحر المتوسط.
كما التقى شويغو بشار الأسد، في مطار الباسل الدولي باللاذقية، وأطلعه على سير التدريبات البحرية التي أجراها الأسطول العسكري الروسي هناك.
وأكد مراقبون عسكريون حينها، أن موسكو تقصدت إجراء مناورات وتدريبات للبحرية الروسية، انطلاقا من القاعدة التي استأجرتها من النظام السوري لمدة 49 عاما، تأكيدا لأهميتها بمعادلة الضغط على حلفاء أوكرانيا.
وضمن هذه الجزئية، يرى مدير مركز القارات الثلاث للدراسات الباحث السوري أحمد الحسن، أنه "سيتغير الكثير في الملف الداخلي لكن ليس بسرعة بل على مراحل في حال تحول الملف الأوكراني لحالة استنزاف لروسيا وقد تتوجه الأخيرة نحو توسعة ساحة المواجهة مع الناتو وأوروبا في سوريا وليبيا".
وأشار في حديث لـ "الاستقلال"، إلى أن "هذا ما سيدفع باتجاه تغيير أوروبا قواعد الاشتباك أيضا وربما المنطقة مفتوحة للتحول إلى ساحة مواجهة عسكرية وسياسية أيضا".
واعتبر الحسن أن "أي ضغط على روسيا سيؤدي إلى تحسين أوراق المعارضة لكن لا توجد آلية استثمار لديها حاليا وهذا قد يسبب استمرار حالة الجمود الداخلي، حتى بروز حاجة أوروبية لتوظيف الملفين السوري والليبي ضد موسكو".