الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. لماذا تعد إسرائيل أكثر المتضررين عالميا؟

خالد كريزم | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء التصعيد الروسي ضد أوكرانيا مطلع فبراير/ شباط 2022، علت أصوات الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأخرى على الحياد للتحذير من حرب وشيكة، بينما بقيت إسرائيل في صمت مطبق.

وبعد تمنع طويل، اضطرت إسرائيل لإصدار أول موقف رسمي في 23 فبراير بشأن تصعيد روسيا واعترافها رسميا باستقلال منطقتَي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا.

ودون أي إشارة إلى روسيا، جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية أن "إسرائيل تدعم سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية وأنها مستعدة لتقديم المساعدات الإنسانية إلى كييف".

وبعد بدء الغزو الروسي فجر 24 فبراير، قال الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ أيضا دون الإشارة إلى روسيا: "هذه لحظة تاريخية معقدة للغاية، أخشى مأساة إنسانية، وندعم سيادة أوكرانيا".

لكن بعدما نقلت وسائل إعلام أميركية أن واشنطن تضغط على تل أبيب لإصدار موقف أكثر وضوحا، أدان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في 24 فبراير في سلسلة تغريدات عبر تويتر الهجوم الروسي، واعتبره انتهاكا خطيرا للنظام الدولي.

أسباب الحذر

عن أسباب تجنب إسرائيل إغضاب موسكو أو حتى كييف، يقول معهد القدس للإستراتيجية والأمن (عبري) إن تل أبيب "نجحت خلال السنوات الأخيرة بصياغة مسار فريد في السياسة الدولية".

ولذلك، فهي لا تواجه موسكو علنا بشأن القضية الأوكرانية وتمتنع عن الانضمام إلى إجراءات الغرب العقابية الجماعية ضد روسيا.

وأحد أسباب امتناع إسرائيل أيضا عن إدانة أعمال روسيا بشكل مباشر، يعود إلى العلاقات الجيدة التي نشأت بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة في سوريا.

وتسمح روسيا لإسرائيل بحرية العمل العسكري ضد إيران في سوريا، بل وتبادر تجاهها بخطوات إيجابية، كما حدث مع إعادة موسكو رفات الجندي الإسرائيلي المفقود يعقوب زكريا باومل الذي يعد أحد قتلى معركة السلطان يعقوب في لبنان عام 1982.

ويعلق المعهد العبري بالقول: "وصلت العلاقات بين إسرائيل وروسيا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وقد تطورت بشكل كبير في السنوات الثلاثين الماضية مقارنة بالفترة السوفيتية".

في المقابل، تتوقع روسيا أن تساعدها إسرائيل في التوصل إلى اتفاقيات سياسية بشأن الشرق الأوسط بالتعاون مع الولايات المتحدة.

وأردف المعهد: "يشكل حوالي مليون ناطق بالروسية في إسرائيل جسرا ثقافيا بين الدولتين، وهناك علاقات تجارية مزدهرة تبلغ قيمتها 2-3 مليارات دولار في السنة".

وواصل: "كما تقدر روسيا إسرائيل كمدافع صادق عن دور الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية".

وفي هذا الصدد الذي له أهمية حاسمة بالنسبة للكرملين، يُنظر إلى تل أبيب في موسكو على أنها شريك لها على نطاق عالمي.

في المقابل، تقيم إسرائيل علاقات وطيدة مع أوكرانيا التي تقف إلى جانبها على الدوام، كما حدث خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة (مايو/أيار 2021).

وقال الرئيس الأوكراني في تغريدة وقتها متجاهلا جرائم الاحتلال: "سماء إسرائيل مفعمة بالصواريخ، ومدنها باتت على خط النار، مضيفا أنه بات من المستحيل أن ننظر إلى ما يحدث "دون أن نشعر بالظلم والأسى".

وتخشى إسرائيل على مصير عشرات الآلاف من يهود أوكرانيا وتسعى أيضا عبر قنوات مختلفة إلى التأكد من سلامتهم واستجلابهم إليها.

وتقول صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن تقديرات المنظمات اليهودية تؤكد أن نحو 75 ألف يهودي يعيشون في منطقة شرق أوكرانيا المهددة أكثر بالغزو الروسي، خاصة في مدن كبيرة مثل أوديسا وحيركوف وغيرها.

وأشارت إلى أن هؤلاء كلهم مرشحون للحصول على جنسية إسرائيلية بموجب ما يسمى بقانون "العودة".

طلب المزيد

ومن البداية، كان من الواضح أن دولا في الشرق الأوسط وإسرائيل من ضمنها معنية بالحفاظ على موقف محايد قدر الإمكان وتجنب الحاجة إلى اتخاذ موقف بشأن الصراع في أوروبا الشرقية واختيار الوقوف مع طرف ضد آخر.

وقال معهد الأمن القومي الإسرائيلي: "على الرغم من الفهم بأن الولايات المتحدة تقلص من تدخلها في الشرق الأوسط، لا تزال معظم دول المنطقة ترى في العلاقات الجيدة مع الإدارة الأميركية ركيزة أساسية في تصورها للأمن".

واستدرك خلال دراسة في 22 فبراير: "من ناحية أخرى فإن إسرائيل معنية أيضا بالحفاظ على العلاقة مع روسيا التي تعمقت في السنوات الأخيرة، وتشمل الآن توسيع العلاقات العسكرية والترويج لصفقات لشراء أسلحة روسية، على الرغم من تورط موسكو العميق في الحرب في سوريا".

ولكن، مع أن الغرب يظهر فهما نسبيا لحاجة إسرائيل للتحدث مع الكرملين، خاصة فيما يخص التنسيق بسوريا، فمن المحتمل أن يطلب المزيد.

ورأى المعهد أنه "إذا تصاعدت الأزمة الروسية – الغربية – الأوكرانية، فستُجبر إسرائيل على إعادة النظر في سياستها الحالية".

وتوقع أن تطلب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من تل أبيب، اختيار جانب "بشكل أكثر صرامة مما كان الأمر عليه في الماضي، والانضمام علنا إلى المعسكر الغربي في إدانة روسيا وقطع العلاقات معها"، وهو ما تحقق لاحقا.

وتابع المعهد: "في الوقت نفسه، سيُطلب من إسرائيل أن تفحص باستمرار مدى ملاءمة سياساتها، بينما تشتد المنافسة بين القوى، إذ تركز الولايات المتحدة على المواجهة على نطاق تاريخي مع الصين بعد أن انسحبت من الشرق الأوسط، وتعاني من صورة ضعف نسبي بين لاعبي المنطقة".

وبدلا من أن تصبح في موقف حرج، يوصي المعهد إسرائيل بالسعي لخلق آليات تشاور وثيق مع الحلفاء الغربيين؛ لوضع نفسها كجسر محتمل بينهم وبين روسيا، ولتقرر كيفية التصرف علنًا (على عكس المستوى السري والدبلوماسي)، واختيار المجالات التي يجب تطوير التعاون فيها، مع روسيا، وأين تكبح جماح نفسها؟

في حين أن الفشل في صياغة مثل هذه الإستراتيجية يمكن أن يضع إسرائيل في مرمى النيران بين القوتين.

وهو ما سيجبرها على الدخول في سلسلة من الشراكات التي تهدف إلى التخفيف من التوتر الدولي، بطريقة تقلل من شأن حريتها الإستراتيجية في المناورة وتؤثر سلبا على القضايا الأساسية لأمنها القومي، لا سيما فيما يتعلق بسياستها تجاه إيران، وفق تقديره.

مخاوف حقيقية

وتعتقد تل أبيب أنه على الرغم من موقفها تجاه الخطوة الروسية فإن بوتين سيسمح باستمرار الوضع الراهن في سوريا، وكان هذا الافتراض أحد أهم الاعتبارات التي أدت إلى دعم سيادة أوكرانيا، وفق صحيفة "إسرائيل اليوم".

وعن الخطوة القادمة، قالت الصحيفة في 24 فبراير إن إسرائيل في هذه المرحلة ليست مستعدة للانضمام إلى العقوبات الدولية التي يخطط الغرب لفرضها على روسيا.

وجاءت أولى التأثيرات سريعة في 23 فبراير، حيث اعلنت روسيا عدم اعترافها بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية، بعد وقت قصير من صدور بيان "تل أبيب" الذي يدعم "وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا".

وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن الأمر بدا كـ"رسالة" احتجاج، من موسكو إلى تل أبيب.

وحول التفاصيل، ذكرت هآرتس، أنه في "إحاطة شهرية حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي، هاجم نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، إسرائيل وأكد موقف روسيا بعدم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وأنها جزء لا يتجزأ من سوريا".

في السياق، رأى معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن استمرار الأزمة لن يدفع واشنطن للإصغاء إلى إسرائيل أو إبداء تفهما لمحاولاتها الحفاظ على مصالحها بإبقاء قنواتها مفتوحة مع موسكو.

ويمكن أن تؤثر الأزمة في أوروبا الشرقية على استقرار بعض البلدان في الشرق الأوسط، وذلك لأنها تعتمد بشكل كبير على إمدادات المنتجات الزراعية بشكل عام، والقمح بشكل خاص من أوكرانيا وروسيا.

في مثل هذا الواقع، ستزداد فرص عودة الأنظمة في المنطقة إلى مواجهة احتجاجات شعبية متباعدة ستجعلها عاجزة عن الاستجابة للمطالب العامة، وفق ما يوضح المعهد.

وفي ظل هذه الظروف التي تشهد أزمة دولية حادة، ستزداد المخاوف بشأن استقرار الأردن ومصر، وغني عن البيان أن عدم الاستقرار في الدول المجاورة يضيف طبقة من التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل.

ومن المرجح أن إسرائيل نفسها ستضطر أيضا إلى التعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة وانعكاساتها على تكلفة المعيشة.

تحديات أخرى

وثمة تحد آخر يواجه إسرائيل ويتمثل في تركيز الولايات المتحدة على أوروبا، وتسريع وتيرة النأي بنفسها عن الشرق الأوسط، فضلا عن الحد من دعمها العسكري لحلفائها في المنطقة.

ويبدو احتمالات أن تستغل روسيا ساحة العمل في سوريا لتوضح للولايات المتحدة أن الإمكانات لديها لتحويل أماكن أخرى بالإضافة إلى أوروبا الشرقية إلى ساحات متفجرة قد تحقق عمليا.

ويوضح معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أنه "في الآونة الأخيرة تضع موسكو الكثير من العراقيل أمام إدارة المعركة الإسرائيلية ضد التمركز العسكري الإيراني في سوريا وجهود طهران لنقل الأسلحة عبر الأراضي السورية إلى حزب الله في لبنان".

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية خلال يناير/كانون الثاني 2022 أن طائرات روسية وسورية أجرتا دورية مشتركة في سماء هضبة الجولان، وأن موسكو ودمشق تعتزمان الاستمرار في مثل هذه النشاطات.

وكانت هذه رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن لدى روسيا القدرة إذا أرادت أن تضع عراقيل أمامها في صراعها ضد المحور الإيراني كما يجرى التعبير عنه في الأراضي السورية.

ويعلق المعهد: "يجب أن يُنظر إلى ذلك أيضا على أنه خطوة تهدف إلى التوضيح لتل أبيب أن الوقوف إلى جانب طرف في الأزمة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي ينطوي على مخاطر بالنسبة لها".

وبالتالي فإن الرد الأميركي على الهجوم الروسي في أوكرانيا والذي انعكس حتى الآن في عزلة وعقوبات على موسكو، من المرجح أن يكون له عواقب سلبية على إسرائيل.

في ظل هذه الظروف، فإن المزيد من الضرر في صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتراجع في وجودها ونفوذها هي أخبار سيئة “لإسرائيل”، كما يقول عاموس يادلين الكاتب في موقع "N12" العبري.

وأوضح بمقال له في 24 فبراير أنه "من المتوقع أن يكون لمثل هذا الواقع تأثير سلبي على استقرار المنطقة وعلى الجهود المبذولة للحد من توسع إيران في المنطقة وبشكل غير مباشر على استقرار إسرائيل وقوة ردعها".

وبين أن المشكلة الإستراتيجية الأكثر إلحاحا في الشرق الأوسط اليوم هي برنامج إيران النووي، فالأزمة في أوكرانيا يمكن أن تقوي يد طهران التي تسعى إلى تمديد وإطالة المفاوضات في فيينا من أجل انتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من الولايات المتحدة، وهو أمر بالطبع يقلق إسرائيل.