بعد 5 أشهر فقط من تولي أخنوش الحكومة.. هل يتجه المغرب إلى انتخابات مبكرة؟
.jpg)
يعيش المغرب احتقانا اجتماعيا غير متوقع بعد نحو خمسة أشهر فقط من تنصيب حكومة عزيز أخنوش، بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والمحروقات، لدرجة دفعت الاحتجاجات للانتقال من الفضاء الإلكتروني إلى شوارع وساحات مدن البلاد.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدر هاشتاغ "أخنوش ارحل" الترند المغربي في 18 فبراير/ شباط 2022، على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات، وما تلاه من إعلان جمعيات مهنية رفع تسعيرة النقل 20 بالمئة، قبل أن يتم إلغاء الزيادة لاحقا.
وتزامنا مع الحملة الافتراضية المطالبة برحيل أخنوش، خرج المغاربة بمناسبة الذكرى الـ11 لحركة 20 فبراير 2011، في مسيرات حاشدة بمختلف مدن المملكة، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية وضعف قدارتهم الشرائية.
وتفاعلا مع الاحتقان الاجتماعي، كشف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض، عبد الإله بنكيران، عن عرض سياسي جديد يمهل أخنوش سنة واحدة، وإذا تبين أنه غير قادر على مواجهة تحديات المرحلة، فإنه آنذاك ينبغي الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها.
عرض بنكيران
العرض السياسي لبنكيران، الذي ترأس الحكومة المغربية بين عامي 2011 و2017، جاء في مداخلته خلال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في 19 فبراير 2022 بمدينة بوزنيقة قرب العاصمة الرباط.
وعبر بنكيران عن رفضه المطلق للحملة التي أطلقها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة برحيل أخنوش، وقال إنه "لما رأى هذه الحملة تبادر إلى ذهنه أن هناك جهات تقف وراء ذلك، وتحرض على المطالبة برحيل أخنوش ودعوة الناس للخروج إلى الشارع".
وأشار إلى أن تاريخ حكومات المملكة المغربية لم يشهد أي ارتباك منذ أن اعتلى الملك محمد السادس العرش، باستثناء ولاية عباس الفاسي بفعل السياق المرتبط بالربيع العربي.
وقال بنكيران، إنه "لا يمكن المطالبة برحيل أخنوش بعد 5 أشهر من عمر الحكومة”، وتساءل "عما هي الإشارة التي نريد أن نعطيها كدولة مستقرة؟".
وأضاف: "طبعا إذا تبين بعد مدة على الأقل بعد مرور سنة أن أخنوش فشل وعجز عن تدبير الشأن العام وتسبب في مشاكل كبرى على غرار ما وقع في 2011".
وتابع: "ساعتها كما كان الملك واعيا في الانتخابات التي جرت قبل موعدها، فإنه يمكنه أن يعلن عن تنظيم انتخابات جديدة".
وفي نفس الاتجاه ذهب البيان الختامي للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)، مؤكدا على "حاجة البلاد إلى إصلاح سياسي حقيقي، يخرجنا من حالة المراوحة ويكرس الاختيار الديمقراطي بصفة نهائية، ويمكننا من مؤسسات قوية تقوم بأدوارها كاملة في الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية".
واعتبر البيان أن الحكومة الحالية المنبثقة عن انتخابات 8 سبتمبر/ أيلول 2021 تعاني من أزمة مشروعية وأزمة فعالية وأزمة تواصل.
وشدد على أنه اقتناعا منه بمستلزمات الاختيار الديمقراطي ودولة المؤسسات، فإن "الجواب الصحيح على فشل الحكومة في الوفاء بالوعود الغليظة للأحزاب المشكلة لها بعد مهلة معقولة، لا يمكن أن يكون إلا بانتخابات جديدة حرة ونزيهة وشفافة وعبر صناديق الاقتراع وليس عبر تغيير رئيس حكومة بآخر".
انتخابات مستبعدة
وتعليقا على هذا العرض، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس المغربية، الدكتور محمد غزالي، لـ"الاستقلال" أنه من المستبعد سياسيا اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها.
وأرجع غزالي ذلك إلى أن "المؤسسات المنتخبة تشتغل بشكل عادي رغم أن هناك إشكالات اقتصادية وغلاء معيشيا لكن الأمور لم تصل إلى حد الانسداد، والمؤسسة الملكية تضمن توازن وتفاعل الأداء الحكومي".
وأوضح أنه "في حالة عجز الحكومة عن حل هذه الإشكالات فستتدخل المؤسسة الملكية لإعادة الأمور لنصابها واتخاذ إجراءات تخفيف وقع هذه الإشكاليات وبالتالي دعم هذه التجربة الحكومية".
وفي نفس الاتجاه، سار رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني المغربي، الدكتور عبد الرحيم المنار السليمي، معربا عن استغرابه دعوة بنكيران، لإعطاء مهلة سنة لأخنوش، وفي حال فشله يتم تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
واعتبر السليمي في مقطع مصور عبر يوتيوب في 22 فبراير، أن المغرب دولة مؤسساتية وقوته في مؤسساته التي تشتغل طبقا لدستور جاء نتيجة تراكمات لعدة دساتير سابقة، في إشارة إلى أن دعوة بنكيران لا تنسجم مع القوانين المؤطرة لاشتغال المؤسسات بالمملكة.
وإذا كان تنظيم انتخابات سابقة لأوانها ليس له ما يبرره من الناحية السياسية ما دام أن الملك هو الضامن لتوازن وتفاعل الأداء الحكومي، فإنها أيضا ليس لها ما يبررها من الناحية القانونية، حسب الخبير بالعلوم السياسية، محمد غزالي.
وأكد غزالي، أنه من الناحية القانونية، ليس هناك ما يلزم الدولة قانونيا ودستوريا باللجوء لانتخابات سابقة لأوانها، خصوصا أن هناك عدة آليات سياسية ودستورية بيد الملك يمكنه عبرها التدخل.
وأضاف: فيمكن للملك إعفاء الوزراء المقصرين في أداء مهامهم أو من لم يثبتوا الكفاءة اللازمة بوزراء أكثر كفاءة، إضافة إلى أنه يتم توجيه العمل الحكومي من خلال المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، كما يعد محطة لتوجيه قوانين المالية وباقي مشاريع القوانين.
وأردف أن سلطات الملك المتعلقة بالتعيين في المناصب العليا يمكنها تنشيط بعض المؤسسات العمومية ودعمها لإنجاح التجربة الحكومية، فضلا عن ترؤس الملك لجلسات العمل وغيرها من شأنه أن يتخذ إجراءات تقوي العمل الحكومي وتقوم أداءه.
ومقابل ذلك، رأى القيادي بحزب العدالة والتنمية، عبد العلي حامي الدين، أنه إذا اتضح أن حكومة أخنوش عاجزة وفاشلة فإن الحزب سيكون مضطرا في غضون سنة أن يطالب بانتخابات سابقة لأوانها.
وبرر حامي الدين، في تصريح مصور، بمناسبة انعقاد المجلس الوطني للحزب، مطالب الحزب بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها في غضون سنة، بأنه "لا يمكن للمغرب إلا أن يكون مدعوما بديمقراطية مؤسساتية قوية يتمتع فيها ببرلمان وحكومة تستطيع أن تخاطب الشعب بلغة الحقائق وليس بلغة الوعود الزائفة".
وأكد أن حزب العدالة والتنمية أعطى الوقت الكافي لهذه الحكومة لتعبر عن إرادتها في الإصلاح، لكن يبدو لحدود الساعة أن هناك عجزا وفشلا وهو ما أصبح يواجه بغضب واحتجاج شعبي واضح.
من المستفيد؟
فيما يرى بعض المتابعين للمشهد السياسي المغربي أن تنظيم انتخابات مبكرة سيصب في مصلحة أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الذي تعرض لانتكاسة في الانتخابات الأخيرة حيث انتقل من المرتبة الأولى بـ125 برلمانيا إلى الثامنة بـ13 برلمانيا.
وعن هذه الجزئية، قال الدكتور محمد غزالي، إن "اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها من شأنه أن يعيد ولو جزءا من الاعتبار لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي هذا سيربك بعض الأطراف في الدولة التي لا تريد للحزب أن يعود لوضعه السياسي السابق".
وأضاف أنه "علاوة على أن الدولة راهنت على المكونات السياسية التي تشكل الحكومة وخاصة حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة أخنوش، وحزب الأصالة والمعاصرة بقيادة عبد اللطيف وهبي".
وأوضح أن "كل انتخابات سابقة لأوانها من شأنها إصابة أحزاب الأغلبية الحالية بانتكاسة سياسية سيترتب عنها تراجع نتائجها الانتخابية لصالح مكونات أخرى في المعارضة على رأسها حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية".
وبخصوص منح بنكيران مهلة سنة لأخنوش رئيس الحكومة، قال غزالي، إنه "حتى لو أعطى الحكومة خمس سنوات فلن يكون أداؤها مرضيا للشارع بسبب تشكيلها وظروف نشأتها ومكوناتها".
وأردف: "وبالتالي فهذه المهلة من مصلحة الحزب الذي خرج منهكا من الانتخابات الأخيرة والتجربة الحكومية لولايتين متتاليتين"، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية.
وفي مقابل مطالب رحيل أخنوش، رأى وزير التشغيل والإدماج المهني السابق محمد يتيم، أن "المشكلة فعلا ليست هي رحيل أخنوش أو غيره، لكن رحيل التدبير الذي قاده إلى احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات وتبوئه للمشهد الحزبي دون قاعدة شعبية حقيقية ومناضلين حزبيين حقيقين".
وأوضح يتيم، في تدوينة عبر فيسبوك، أنه لا ضمانة بخصوص إجراء انتخابات سابقة لأوانها "بشروط جديدة قانونية ديمقراطية وبإرادة سياسية مختلفة عن تلك التي حكمت الانتخابات الأخيرة" .
وأردف: "تصور أن مجرد رفع شعار (ارحل) في وجه أخنوش سيربك الأوضاع الاجتماعية، مبالغة وتهويل"، مشيرا إلى أنه كم من مرة رفع شعار "ارحل" في وجه رئيسي الحكومتين السابقتين بنكيران والعثماني، ومع ذلك أتما ولايتيهما الحكومتين إلى نهايتها.
واعتبر يتيم، أنه "إذا كانت الحكومة الحالية بهذه الهشاشة بحيث تعصف بها حملة في وسائل التواصل الاجتماعي فلترحل "وإن للبيت ربا يحميه".