أسعار "حارقة" وركود اقتصادي متوقع.. هل تستطيع حكومة أخنوش إنقاذ المغاربة؟
شهد المغرب ارتفاعا غير مسبوق في أسعار المواد الاستهلاكية، ما أصبح يزعج المواطن المغربي ويثقل كاهله مع حدوث تراجع في قدرته الشرائية، وسط "لا مبالاة" من قبل حكومة عزيز أخنوش.
في موجز الظرفية الاقتصادية خلال الفصل الرابع من 2021، وتوقعات الفصل الأول من 2022، عزت مندوبية التخطيط (رسمية)، هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 2,6 بالمئة، عوض 0.5 خلال الفصل السابق.
وكذلك إلى ارتفاع أسعار المواد غير الغذائية 2.3 بالمئة عوض 1.8 خلال الفصل السابق.
أسباب وآثار
وحسب المندوبية، "يرجع تطور أسعار المواد الغذائية إلى الزيادة العالمية في المواد الأولية الغذائية، خاصة الزيوت النباتية والحبوب".
أما بالنسبة لأسعار المواد غير الغذائية، يضيف المصدر ذاته، أن ارتفاعها يعزى إلى الزيادات الأخيرة المتعلقة بالمواد الطاقية، بالإضافة إلى تسارع أثمنة المواد المصنعة، بعد تباطؤها سنة 2020.
خلال ندوة صحفية التي عقبت اجتماع مجلس الحكومة في 10 فبراير/شباط 2022، علق الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، أن ارتفاع أسعار البترول من الأسباب الرئيسة لتضخم أسعار المواد المستوردة.
وأضاف أنه رغم تأخر الأمطار فإن أسعار المنتوجات المغربية بقيت مستقرة إلى حد كبير، وأن المواد المستوردة هي التي شهدت ارتفاعا.
وفي ظل ما تشهده أسعار المحروقات المرتفعة بالمغرب وفي الوقت الذي يفسر فيه بعض المحللين أن ذلك راجع للزيادات بالسوق العالمية، قررت الجمعية المهنية للنقل واللوجستيك رفع أسعار المواصلات إلى 20 بالمئة في 14 فبراير 2022، لتتراجع عن ذلك في اليوم التالي.
وأكدت في بيان لها أنها "تتواصل مع الجهات الحكومية المسؤولة من أجل إيجاد الحل الأمثل للمشاكل التي تواجه النقل".
وبينت أن الارتفاع في المحروقات انعكس بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطن المغربي والذي ما يزال يعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية التي يعيشها جراء وباء "كورونا".
يقول الخبير في قانون حماية المستهلك وديع مديح لـ "الاستقلال"، إن الجمعية تتابع باهتمام كبير هذه الزيادات المتتالية في أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية وعلى رأسها المحروقات والتي تعتبر مدخلا أساسيا لعديد من القطاعات الإنتاجية الأساسية وعلى رأسها قطاع النقل.
وتابع مديح أن هذه الزيادات مكنت بعض المتربصين بالوضع باغتنام الفرص وزيادة بعض المواد الاستهلاكية والخدمات بدون أي مبرر، والتي أضرت بالوضع الاقتصادي لفئات واسعة من المجتمع المغربي بالإضافة للوضع الصحي والظروف العصيبة التي يمر بها المستهلك.
كما أنها أثرت سلبا على القدرة الشرائية جراء جائحة كوفيد وكذلك السلبيات الاقتصادية التي ألمت به، وفق مديح.
وأردف: "وعيا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا وإحساسا بالظروف الصعبة التي يعيشها المستهلك المغربي، فالحكومة مطالبة بالتدخل الفوري والسريع وفق ما يخوله لها القانون، وأن تسارع بتحديد أثمنة بعض المنتجات الأساسية والضرورية للشريحة الكبرى من المستهلكين".
وكذلك تسقيف نسب الأرباح لبعض المنتجات، وخصوصا المحروقات، وتسخير رقابة لضمان منافسة شريفة.
فمن الملاحظ عدم وجود منافسة حقيقية بين الموردين ومحاربة الاحتكار حيث يحتكر العديد من التجار بعض المواد، "وحفاظا على القدرة الشرائية للمستهلك فنظن أنه من الضروري تدخل الحكومة في هذا النطاق"، كما قال.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي محمد جديري لـ"الاستقلال" إن ارتفاع الأسعار بالمغرب يخص المواد المستوردة والمحلية.
بخصوص المواد المستوردة، هناك موجة لتضخم عالمي وذلك نتيجة ارتباك في سلاسل الإنتاج على المستوى الدولي وبالتالي أصبح الطلب أكثر من العرض، حيث نتحدث عن ارتفاع أسعار المواد البترولية والنحاس والقطاني.
وتابع جديري "أمر آخر أدى إلى ارتفاع الأسعار، وهو تكلفة النقل واللوجستيك، إذ ارتفعت بنسبة قياسية".
وبين أن "حاويات النقل التي كانت تأتي من الصين بألفي دولار، تجاوز سعرها اليوم 20 ألف دولار، وبالتالي فإن المواد القادمة من خارج المغرب تكون أثمنتها مرتفعة، خاصة مواد البترول والبناء"
وقال المحلل الاقتصادي: "هناك أيضا ارتفاع بالأسعار على المستوى المحلي، سببه تضخم ثمن المواد البترولية ووسائل النقل".
واستدرك أن "ما يرفع الأسعار بالمغرب بشكل غير مسبوق وجود مجموعة من الوسطاء والمضاربين الذين يستغلون هذه الفرصة ويرفعون من ثمن المنتوجات مثل الخضراوات والفواكه".
واستطرد جديري أنه "لو استمر الحال هكذا فستضرب القدرة الشرائية للمواطن المغربي، وهو أمر يمس بالأمن والاستقرار حيث إن السلم الاجتماعي سيصبح مهددا".
ما المطلوب؟
أكدت النقابة الوطنية لقطاع سيارة الأجرة المنضوية تحت لواء المركزية النقابية للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، في بيان لها، استنكارها الشديد للزيادات "الصاروخية" في المحروقات والمواد الاستهلاكية والتي لا تتطابق مع الدخل اليومي للمواطن والقدرة الشرائية.وتساءلت عن مآل ملف اللجنة البرلمانية الاستطلاعية للمحروقات التي كشفت عن تجاوزات وتلاعبات لوبي المحروقات من خلال الأرباح الخيالية.
كما تساءلت عن الإجراءات المتخذة في هذا الشأن من طرف مجلس المنافسة للضرب على أيادي المفسدين.
وحملت المسؤولية الكاملة للحكومة المغربية لما آلت إليه الأوضاع من فوضى وضرب القدرة الشرائية للمهنيين بسبب الزيادات في أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية، وترك المستهلك عرضة لجشع لوبي متحكم في دواليب الإدارة المغربية.
وطالبت النقابة الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لخفض أسعار المحروقات، وحملتها المسؤولية لما سيؤول له الوضع المهني من احتقان اجتماعي عن كل تأخير في الإصلاح.
ودعت إلى اتخاذ إجراءات سريعة للتخفيف من عبء معاناة السائقين اليومية مع هذه المادة التي أصبحت تقتسم معهم المدخول اليومي وتذهب إلى جيوب لوبي المحروقات دون موجب حق.
وأشارت إلى أهمية وضع قانون منظم للقطاع عبر المشرع، ومنح رخص الاستغلال للسائقين الممارسين الفعليين عبر دفتر تحملات واضح وشفاف.
وطالبت النقابة جميع المهنيين بوضع "اليد في اليد ورص الصفوف بعيدا عن أي حسابات ضيقة لمصلحة القطاع"، استعدادا لأي معركة منتظرة دفاعا عن حقوقهم المشروعة ضد الطبقة البرجوازية المحتكرة للسوق التجاري لهذه المادة الحيوية والتي بسببها تترتب عنها الزيادات في جميع المواد الاستهلاكية.
في السياق نفسه، عبر الصحفي المغربي رضوان الرمضاني قائلا "المنطق السليم يفرض أن تبين الحكومة، بأكثر من وسيلة، أنها تشعر بحرقة المواطنين الضعفاء مع الأسعار، وخاصة المحروقات، ومع بوادر (قوية) لجفاف حاد بهذا الموسم".
وتابع في تدوينته "مما قد يظهر هذا التفاعل الحكومي (على أن يكون جادا) هو أن توضح للرأي العام كيف ستتصرف إزاء هذه الوضعية القاسية، بعيدا عن منطق تبرير الواقع بالسياق الدولي".
ومن جانبه تحدث الصحفي مصطفى الفن عن ارتفاع الأسعار في منشور على فيسبوك قائلا: "وصل سعر البنزين إلى 12.84 درهما (1.37 دولار)، في بلد لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور سوى 2800 درهما (299.44 دولار).
المثير أيضا هو أن الذي يبيع لنا البنزين في هذا البلد السعيد ليس سوى رئيس حكومة البلد نفسه، وفق تعبيره.
وتابع "يحدث هذا دون أن نرى أي إجراء أو تدبير أو التفاتة من طرف الحكومة تجاه هذه الفئات الهشة من المغاربة الذين يموتون كل يوم فوق الأرض وليس تحتها".
كما أن الحكومة عليها أن تحد من عدد الوسطاء عبر سلاسل التوريد بالنسبة للمغرب بحيث لا يعقل أن يكون سبع أو ثماني وسطاء ما بين المنتج والمستهلك النهائي.
فهي مطالبة بسن مجموعة من القوانين تضع فيها حدا للوسطاء لتحافظ على القدرة الشرائية للمواطنين.