نموذج مصغر للأزمة.. كيف تثير رياح الحرب في أوكرانيا إعصارا في مولدوفا؟
أكد موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي أن أوكرانيا ليست وحدها التي تدفع ثمن الاضطرابات الأمنية المتصاعدة منذ سنوات بين روسيا والغرب في شرق أوروبا، وأن جارتها مولدوفا تعاني أيضا من أوضاع صعبة زادت حدتها مع الحشود العسكرية الروسية بالمنطقة.
وأوضح الموقع أن مولدوفا تواجه أزمة كبيرة مع روسيا في إمدادات المحروقات والقمح ما يؤجج الوضع الاجتماعي بالبلاد التي تعاني بالفعل من انقسام سياسي في ظل وجود انفصاليين موالين لموسكو على الحدود.
الوضع الحالي
وذكر الموقع الإيطالي أن مولدوفا تعاني من أزمة طاقة شديدة ناجمة عن الخلافات مع موسكو وشركة غازبروم الروسية، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير لذلك فضل العديد من سائقي سيارات الأجرة إبقاء سياراتهم في المرآب، كما ارتفع سعر القمح وتكلفة الخبز بشكل مريب.
وأكد أن هذه المشاكل اليومية يجب ألا تصرف الانتباه عن موقع الدولة الدقيق فيما يتعلق بأوكرانيا مرجحا بأنه إذا توسع التصعيد الحالي وتجاوز الأراضي الأوكرانية، فستتحول مولدوفا إلى جبهة متقدمة ليس فقط سياسيا فحسب، بل عسكريا أيضا.
ووصف الوضع في مولدوفا بأنه من بين الأكثر تعقيدا في أوروبا، نظرا لأنه منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي وهي مسحوقة بين رومانيا وأوكرانيا دون منافذ ساحلية، كما قسمت الخلافات الداخلية البلاد سياسيا.
ويتحدث غالبية السكان اللغة الرومانية ويرتبطون ثقافيا بها، ومع انضمام بوخارست إلى الاتحاد الأوروبي، تأسست مولدوفا حركات وأحزاب تنادي بالتقارب مع الغرب.
كما أن هناك شريط "ترانسنيستريا"، المنفصل بحكم الواقع منذ عام 1991 رغم تبعيته رسميا إلى مولدوفا، ويعيش به جزء كبير من السكان الناطقين بالروسية.
ويقود هذا الشريط حكومة مستقلة، وتمتلك عملة مستقلة عن عملة مولدوفا و كذلك توجها سياسيا أكثر ميلا لموسكو لدرجة أن سلطاتها المحلية طلبت في عام 2015 الانضمام إلى الاتحاد الروسي.
وأكد الموقع أن الحدود بين هذا الشريط ومولدوفا ساخنة للغاية في ضوء ما يحدث في أوكرانيا خصوصا وأنه في العامين الماضيين، اتجهت الحكومة المولدوفية أكثر نحو تكامل أكبر مع الغرب.
وبحسب إنسايد أوفر، أدى هذا الانفتاح في نهاية 2021 إلى اندلاع خلافات بين مولدوفا وشركة غازبروم الروسية لتوريد الغاز وهو ما نتج عنه أزمة طاقية أدت بدورها إلى أزمة اقتصادية حالية.
الوضع في ترانسنيستريا
وتعتبر مولدوفا رسميا محايدة فيما يتعلق بالنزاع بين روسيا وأوكرانيا، غير أن الحزب الاشتراكي المعارض فيها اتخذ موقفا أكثر تأييدا لروسيا.
وشجب الأخير اتفاقات مبرمة أخيرا بين الحكومة وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، واعتبر ذلك يقوض حياد البلاد، ويخاطر بتحويل البلاد إلى جبهة أمامية حاسمة بين الغرب والشرق.
ولفت الموقع إلى أن ما يثير القلق في شريط ترانسنيستريا لا يتعلق فقط بالأخبار السياسية المتعلقة بالعلاقات بين مولدوفا والناتو، ولكن أيضا بتسجيل تحركات عسكرية على جانبي نهر دنيستر في المنطقة نهاية يناير/كانون الثاني 2022.
إذ وردت أنباء عن تحركات لمركبات ثقيلة في مواقع غير بعيدة عن منطقة الأمان التي تم إنشاؤها لتجنب الاتصال المباشر بين الجيش المولدوفي وقوات ترانسنيستريا.
وشجب أوليغ بيلياكوف، الرئيس المشارك للجنة المراقبة المشتركة من ترانسنيستريا، هذه التحركات.
كما أظهرت مقاطع فيديو نقل مدافع وأسلحة إلى منطقة ليست بعيدة عن الحدود، تحديدا في قاعدة تقع في بلدية بولبواكا، حيث تمركزت وفقا لمصادر غير مؤكدة، وحدات تابعة للناتو كانت قد وصلت بعد الاتفاق الأخير المبرم بين مولدوفا والحلف.
في المقابل، على الجانب الآخر من الحدود، تم الإعلان عن مناورات للقوات الروسية الموجودة في ترانسنيستريا والمتمركزة في المنطقة منذ عام 1992.
وفي 25 يناير 2022، أكدت وكالة إنترفاكس الروسية التدريبات التي أجراها الجنود الروس وهو ما أثار احتجاج حكومة مولدوفا وتحدثت عن انتهاك الالتزامات الدولية.
نموذج مصغر
ولخص "إنسايد أوفر" الوضع بالقول إن ما يحدث في مولدوفا على نطاق ضيق يحدث في أوكرانيا بشكل كبير.
فعلى الجبهة الروسية، يتزايد عدد الجنود ، بينما على الجانب الآخر من الحدود تزداد إمدادات الأسلحة لحلف الناتو وحركة المركبات والذخيرة.
وجزم الموقع بالقول إنه من الاستحالة عدم ربط هذه الظروف بالتصعيد المستمر بين كييف وموسكو لذلك ستكون للجبهة المولدوفية قيمة إستراتيجية أساسية في حالة نشوب صراع.
ويرجح إمكانية أن تقع انقسامات داخلية في مولدوفا لا تقتصر فقط على مجرد تقسيم بين الأراضي التي تسيطر عليها الدولة المولدوفية وتلك الواقعة في أيدي سلطات ترانسنيستريا أو انقسامات داخلية مجتمعية بين أغلبية رومانية وأقلية ناطقة بالروسية.
وقال إن عليها الانشغال بداية بإمكانية حدوث خلافات بين الأطراف المؤيدة للغرب والأخرى التي تميل لموسكو، ثم من الضروري تقييم موقف الرأي العام لا سيما وأنه لسنوات، كانت هناك مجموعات تؤيد مزيدا من الحياد، بينما دعا آخرون إلى تقارب سياسي نهائي مع رومانيا.
نتيجة لهذا الوضع، يمكن للأزمة الأوكرانية أن تزيد من حجم المشاكل الداخلية المختلفة في مولدوفا بينما ستتكفل الأزمة الاقتصادية بما تبقى.
والانطباع الذي يسود في الوقت الحالي هو أن التوازن المولدوفي مرتبط بشكل كبير بالتصعيد الأوكراني، لذلك كلما هبت رياح الحرب من هناك، اقترب من مولدوفا خطر حدوث إعصار سياسي وعسكري.