تنافس أبل و"ميتا" في تطبيقات الواقع الافتراضي.. كيف يؤثر على عالمنا الحقيقي؟

12

طباعة

مشاركة

في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021 منحت شركة أبل مهندسيها مكافآت كبيرة وصلت إلى 180 ألف دولار لكل فرد، في محاولة لمنعهم من تركها والذهاب للعمل لدى منافسيها، وتحديدا ميتا (فيسبوك سابقا) بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.

ما فعلته أبل كان محاولة للاحتفاظ بالمواهب، في خطوة استباقية لقطع الطريق على شركة ميتا التي تخطط لاجتذابهم، في ظل الحرب التقنية المستعرة بين العملاقين للتحكم في شكل الإنترنت المستقبلي و"الميتافيرس".

وما أقلق أبل أنها كانت مشتبكة في حرب لاستقطاب المواهب مع شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، وتتنافس مع "جوجل".

ففوجئت بتهديد شركة "ميتا" لها ونجاحها في استقطاب قرابة 100 من مهندسيها في الأشهر القليلة الماضية.

حروب تكنولوجية

أبل نجحت في استدراج بعض موظفي ميتا الرئيسين، وكان آخرهم أندريا شوبارد التي كانت تشغل منصب مدير الاتصالات وتقود فرق ميتا البحثية في مجال الواقع الافتراضي "ميتافيرس".

بالمقابل، طالت حرب استنزاف المواهب فريق العمل على سيارات أبل ذاتية القيادة، وآخر يعمل على أجهزة الجيل التالي، والإصدارات المستقبلية لهواتف أيفون - أيباد فضلا عن سماعات الرأس.

ما يجري بين عملاقي التكنولوجيا الأميركيين، أبل وميتا ليس سوى جانب من حرب طاحنة في سوق التكنولوجيا، عناوينها "مستقبل الإنترنت" و"عالم ميتافيرس".

إذ تحاول كل شركة فرض سيطرتها على هذه المجالات عبر تطوير أجهزة خاصة بها.

بجانب التنافس للسيطرة على طريقة تزويد المستهلكين بالإنترنت (بالمال أو عبر الإعلانات)، امتدت المنافسة لعالم ميتافيرس، أو الواقع الافتراضي، الذي أصبح الوصول إليه سهلا عبر سماعة رأس تجعلك تشعر كأنك في مكان مختلف.

أو تنقلك، على غرار فكرة السفر عبر الزمن، إلى فترة زمنية مختلفة، بواسطة أجهزة وتقنيات تتنافس الشركتان في إنتاجها، مثل سماعات وأجهزة الرؤية الافتراضية التي تظهر واقعا مختلفا.

هذه التقنية تسمح للمستخدمين بالعيش في أماكن مختلفة، وهمية، باستخدام الواقع الافتراضي الذي توفره هذه الأجهزة التكنولوجية.

لهذا تتنافس الشركتان بشراسة في مجال إنتاج سماعات الواقع الافتراضي والساعات الذكية، وأجهزة الرؤية، وغيرها، وتخططان لإصدار أجهزة رئيسة متطورة باستمرار.

حرب اصطياد المواهب بين أبل وميتا ليست إلا جزءا بسيطا من معركة تكسير عظام بين عملاقي وادي السيليكون، انتقلت لمجالات عدة مثل قطع أبل الطريق على فيسبوك للربح من الإعلانات الموجهة، وحرمان الثانية منها عبر تقنياتها.

حرب أخرى بينهما تدور في الوقت ذاته، حول شراء أراض (صفقات عقارية افتراضية) في عالم ميتافيرس الموازي الموجود بالفعل منذ سنوات داخل ألعاب الفيديو، ويتنافس فيه غالبية عمالقة التكنولوجيا.

"أبل" خسرت في هذه الحرب مليارات الدولارات خلال 2021 في معارك حول قطع غيار أجهزتها وانخفاض نسبة أرباحها من جميع المبيعات التي تجري عبر متجر التطبيقات الخاص بها من 30 إلى 15 بالمئة.

وخسرت ميتا حوالي 240 مليار دولار في يوم واحد خلال فبراير/شباط 2022، بعد أن سجلت أسهم الشركة خسائر بنسبة 26 بالمئة.

وتسببت خسائر منصات ميتا، في تراجع ثروة رئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ بمقدار 31 مليار دولار، حسب مؤشر بلومبيرغ لأصحاب المليارات.

كما أعلنت ميتا أنها ستخسر 10 مليارات دولار أخرى هذا العام 2022 بعد أن قررت أبل السماح لمقتني هواتفها آيفون اختيار خاصية "عدم تتبع فيسبوك" لهواتفهم ما أثر على إعلانات ميتا، بحسب المدير المالي للشركة دايف وينر.

وانتقد تيك كوك المدير التنفيذي لشركة أبل بشكل قوي تسريب فيسبوك البيانات الشخصية لأكثر من 87 مليون أميركي خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016، ما أثر على أبل ماديا.

صراع "الميتافيرس"

"الميتافيرس" قريب جدا من عالم الأفلام المبنية على محاكاة الواقع الافتراضي، لذا يقصد به العالم الافتراضي أو "ما وراء الكون".

ينقسم مصطلح ميتافيرس إلى شقين، الأول ميتا (meta) ويعني "ما وراء"، وفيرس (verse) وهي اختصار للكلمة الإنجليزية (universe) التي تعني الكون.

ويشير المصطلح إلى الإصدارات المستقبلية من عالم الإنترنت المكون من مساحات ثلاثية الأبعاد لا مركزية، ومتصلة بشكل دائم وتعمل كالواقع تماما.

ويمكن الدخول إليها عبر نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز والجوالات والحواسب المكتبية ومنصات الألعاب وغيرها.

وبحسب إصدارات تجريبية لعالم "ميتافيرس"، أعلنت عنها شركة "ميتا" في 2021، أن فكرة الواقع الافتراضي تقوم على استخدام صور رمزية للأشخاص (أفاتار)، يمكن أن تضاهي تماما كل ما يفعلونه في العالم الحقيقي.

مثل الذهاب في رحلة افتراضية أو حفلة موسيقية أو حضور اجتماعات العمل، وهو ما يتوقع أن يكون القفزة الكبيرة المقبلة في تطور الإنترنت.

فبدلا من مجرد الجلوس أمام جهاز كومبيوتر والتصفح، يمكن للشخص عبر نظارة أو جهاز يوضع على الرأس دخول عالم افتراضي يوفر له ما يريد.

مثل تنفيذ مغامرة معينة أو أداء وظيفة ما أو طلب اللعب أو الرقص أو المناقشة وغيرها مع أشخاص على بعد آلاف الكيلومترات منه.

وبحسب من جربوا أجهزة الواقع الافتراضي، يولد محتوى الواقع الافتراضي أنماطا من التحفيز، بما في ذلك فوتونات ضوء للعيون، ومدخلات صوتية للأذنين، ومحفزات لمسية.

وتمنح هذه المحفزات المستخدم إحساسا بالانغماس والواقعية، كأنه يعيش في واقع لا وهم أو تصور يريده "أونلاين".

إذ تؤدي هذه المميزات لأن يشعر المستخدم وكأنه في بيئة أخرى حقيقية، وهناك تجسيد عبر التكنولوجيا للواقع والشعور بأن الجسد الافتراضي (الأفاتار) هو الجسد المادي.

وصمم الواقع الافتراضي بشكل أساسي بحيث لا يستطيع العقل والجسم التفريق بين التجارب الافتراضية –الرقمية، والواقعية.

هذا الصراع حول عالم الميتافيرس، نتج عنه تنافس على بيع وشراء عقارات وأراض داخل "عالم ميتافيرس" بقيم تجاوزت مئات الآلاف من الدولارات، وبلغ سعر المتر المربع من الأرض الوهمية الافتراضية 4 آلاف دولار. 

وبات المستثمرون يتزاحمون من أجل شراء الأراضي على "عالم ميتافيرس" التي يرون أنها ستكون نواة أساسية لبناء الألعاب وتطبيقات الواقع الافتراضي.

وأعلنت شركة تدعى "ميتافيرس" تابعة لـ (Tokens.com) عن شرائها في وقت سابق قطعة أرض عبر العالم الافتراضي المسمى (Decentraland) مقابل 2.4 مليون دولار أميركي، كانت قد دفعت بواسطة عملة (MANA) المشفرة.

ولشراء عقار في "عالم ميتافيرس"، عليك التسجيل بأحد منصات "ميتافيرس"، (Decentraland)، و(Sand Box) وغيرها.

ثم استخدام تقنيات "البلوك تشين" لبيع الأراضي، وعمليات البيع والشراء وحتى التأجير يجري من خلال العملات الرقمية فقط.

وفي تقرير لها 3 ديسمبر 2021، وصفت مجلة فورتشن (Fortune) هذا الاندفاع لشراء أراض افتراضية بأنه "فرصة بمليارات الدولارات"، وأن الكثير من المستثمرين يسعون للاستثمار بهذا المجال الرقمي.

وذكرت أن الكثير من الأشخاص يتهافتون للاستثمار في "عالم الميتافيرس" خوفا من ضياع الفرصة كما حدث معهم عندما لم يستثمروا في العملات المشفرة، وشبهت الأمر بـ "حمى شراء الذهب" التي سادت الولايات المتحدة في عصور سابقة.

شكل الإنترنت القادم

هذه الحرب ستؤثر علينا في العالمين العربي والإسلامي، تقنيا وأخلاقيا، فضلا عما توفره من آفاق تقدم تكنولوجي كبير.

الأثر الأول يتعلق باستهلاكنا الإنترنت باعتباره سلعة غربية، فالفائز في هذه المعركة التقنية بين القوى الغربية العملاقة سيقرر شكل الإنترنت للمستهلكين في المستقبل.

ترى شركة "أبل" أنه يجب على المستهلكين دفع مقابل مادي للحصول على تجربة خاصة وآمنة في المساحات الرقمية، بدل الإنترنت المجاني مقابل انتهاك خصوصيتهم.

بالمقابل ترى فيسبوك أن غالبية العالم المستهلك غير قادر على شراء الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، لذا ترى أن يظل مفتوحا ومجانيا.

وأن تحصد الشركات، بالمقابل، على مكاسب من خلال الإعلانات الموجهة التي تظهر لمستخدمي الإنترنت المجاني بعدما تنتهك خصوصيتهم.

تبرهن على ذلك بأن مليارات الأشخاص تمكنوا من الوصول إلى الشبكات الاجتماعية والبريد الإلكتروني والأخبار والترفيه بشكل مجاني، لأن الإعلانات تدفع ثمن استخدامهم.

لكن ليستمر ذلك الإنترنت المجاني، فإن فيسبوك ميتا تجمع البيانات من أجل استخدامها خلال إطلاق الحملات الإعلانية التي تقتحم الخصوصية.

بالمقابل، ترى "أبل" أن الإعلانات المفروضة مقابل الإنترنت المجاني تتغول على خصوصيات المستهلكين وتشدد على أن من حقهم أن يكون لديهم الخيار حول تتبعهم عبر التطبيقات أم لا.

وأكدت أن هذا لن يجري إلا لو أصبح الدخول إلى الإنترنت برسوم لا مجانيا.

وتشعر فيسبوك بالقلق من تضرر أرباحها بسبب ميزة أبل الجديدة التي تقيد الإعلانات على المنصة.

وتسوق أبل هواتفها وأجهزتها على أنها المكان المناسب للخصوصية، وتعوض نصيبها في الإعلانات بالحصول على مليارات الدولارات كل عام من جوجل، أكبر شركة إعلانية مستهدفة.

هناك أثر آخر على مستهلكي عالمنا العربي والإسلامي خصوصا الشباب، وهو انعزال من يستخدمون هذا الواقع الافتراضي عن واقعهم، وإنتاج أجيال أكثر عنفا وكسلا، وهو ما جعل خبراء عالم "ميتافيرس" يحذرون منه.

يقولون إن هذه الثورة في عالم التواصل الرقمي لها ضحايا، أخطرها الصحة العقلية لمستخدمي تقنية "ميتافيرس".

إذ إن هذه التقنية تقوم على انعزال من يستخدمها وعيشه في واقع غير حقيقي، وبالتالي تبدو أشبه بالمخدرات، لأنها توفر متعة وهمية لمن يفتقدها وتجلب له ما يريد وهو جالس بشكل افتراضي يشاهده ويشعر به.

مع هذا قال خبراء لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية 9 يناير/كانون الثاني 2022 إن المخاطر والمميزات في عالم ميتافيرس "نسبية".

آثار مدمرة

"جيريمي بيلنسون" مدير مختبر التفاعل البشري الافتراضي بجامعة ستانفورد، يرى أن لها آثارا سلبية، لأن قضاء وقت طويل في عالم مثالي يبحث عنه المستخدم سيدفعه إلى المقارنة، على مستوى اللا وعي، بين الواقع الذي يعيشه والعالم الافتراضي الذي يتمناه.

الأمر ذاته يراه الباحث المغربي "خالد حاجي" الذي يؤكد أن التكنولوجيا المتمثلة في نظارات تتفاعل مع الواقع الافتراضي "لا تكثف الإحساس بالحضور في المكان المحسوس، بل تزيد الإنسان إحساسا بالاغتراب في هذا المكان".

أوضح في مقال نشره بموقع الجزيرة 7 فبراير 2022 أن "تكنولوجيا الميتافيرس وشبيهاتها لا تسهل تواصل الإنسان بالطبيعة وتكثف إحساسه بالحياة فيها، بقدر ما تزيده اغترابا في عوالم اصطناعية".

لكن "نيك ألين" أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة أوريغون، يرى أن الحكم على هذه التقنية الناشئة يأتي من إجابة سؤال: "هل طريقة الاستخدام ستعزز أهداف الصحة العقلية مثل العلاقات الاجتماعية، والنوم الصحي، والنشاط البدني، أم ستثبطها؟".

يرى أن من الضروري قياس ذلك وتأثير استخدام الميتافيرس على هذه الأمور الصحية، لا النظر إلى مقدار وطول الوقت الذي يقضيه المستخدمون بتلك التقنية.

ويطالب علماء آخرون مثل أستاذ علم النفس "بيتر إيتشل" بالاستفادة وعدم إضاعة الفرصة الهائلة من تلك التكنولوجيا لمجرد انتشار مخاوف حولها.

وتحدثوا عن هواجس مماثلة حين ظهر التلفزيون وألعاب الفيديو وغيرها ثم التأقلم عليها.

كان أسوأ ضرر هو ظهور مشاكل داخل الإصدارات التجريبية لعالم ميتافيرس، آخرها عملية الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها امرأة داخل هذا العالم الخاص بشركة ميتا، والتي وصفتها بأنها "كابوس". 

المرأة التي تدعى نينا باتيل (43 عاما)، كتبت تقول في مقال على موقع "ميديم" 21 ديسمبر 2021 إن "الأفاتار" الخاص بها (شخصيتها الافتراضية) تعرضت للاغتصاب "في غضون 60 ثانية من الانضمام" لعالم ميتافيرس.

أوضحت: "تعرضت للمضايقات اللفظية والجنسية من 3 إلى 4 شخصيات رمزية من الذكور، بأصوات ذكورية، ثم اغتصبوا الأفاتار الخاص بي جماعيا والتقطوا صورا لها".

ووصفت التجربة بأنها "كابوس"، و"على أقل تقدير صادمة لأنني لست معتادة على التعرض لهذه الطرق المهينة".

وحذرت من المخاطر الكبيرة التي يمكن أن يواجهها المستخدمون لهذه المنصات الجديدة في المستقبل بعد تجربتها المريرة التي "حدثت بسرعة بعد ثوان" من دخولها العالم الافتراضي، كما قالت.

وبينت في مقالها أن مطوري الواقع الافتراضي، يقولون إنه وسيلة لصالح البشرية ويسردون الفوائد مثل زيادة الاتصال البشري، والفرص الجديدة للتعليم، لكن مثل كل استخدامات الإنترنت يمكن التحرش بالفتيات عبر هذا الواقع الافتراضي.

وأكد موقع "ذا فيرج" 21 ديسمبر 2021 وجود مشكلة "العنف الجنسي" في الإصدارات التجريبية الحالية، مشيرا إلى حالة امرأة أخرى تعرضت لاعتداء جنسي على "الأفاتار" الخاص بها من قبل شخص لا تعرفه.

وقد وصف فيفيك شارما، نائب رئيس "ميتا" ما حدث بأنه "مؤسف تماما"، مشيرا إلى أن المرأة لم تستخدم ميزة "زر الأمان"، الذي يوفره هذا النظام لمنع التعرض للمضايقات.

وضمن التحذيرات الأخرى من هذا العالم الافتراضي غير المقيد بقيود، يحذر خبراء من استخدامه في سلوكيات عنصرية أو عنيفة مثل التعليقات المعادية للأقليات، وذلك لتحرر المستخدمين من القيود وأخلاقيات التعامل المطبقة نسبيا على أرض الواقع.

ويطالبون عمالقة التكنولوجيا بأخذ تلك التحذيرات بعين الاعتبار والعمل على سلامة المستخدمين وعدم التركيز على الأرباح والمكاسب التجارية على حساب الأخلاقيات وتوفير البيئة الافتراضية الآمنة لجميع الأعمار ومختلف الأجناس والأعراق.