مظاهرات رفض "الغلاء الفاحش" في المغرب.. هل تحيي حراك 20 فبراير من جديد؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد غياب طويل عن الاحتجاجات الميدانية في المغرب، تظاهر مئات المواطنين في عدة مدن رفضا لـ"الغلاء الفاحش" الذي تشهده الأسواق المحلية خلال الفترة الأخيرة.

وبدأت "كرة ثلج" الاستنكارات تنتقل من العالم الافتراضي إلى الواقع وسط صمت من حكومة عزيز أخنوش الذي عينه العاهل المغربي محمد السادس رئيسا لها بعد تصدره نتائج الانتخابات التشريعية في سبتمبر/أيلول 2021.

وتتزامن هذه الاحتجاجات مع الذكرى الـ 11 لحراك "حركة 20 فبراير" الذي خرج إلى شوارع المملكة، في سياق انتفاضات "الربيع العربي" التي بدأت أواخر 2010.

أسعار حارقة

وفي 13 فبراير/شباط 2022، احتج المئات في عدة مدن مغربية أمام مقرات "نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" (التي دعت إلى الاحتجاجات، وهي ثاني أكبر نقابة)، في وقفات احتجاجية رافضة لموجة الغلاء التي تعرفها البلاد.

وبحسب مقاطع فيديو نشرت على منصات التواصل الاجتماعي، دعا المحتجون السلطات إلى رفع أجور العمال والتراجع عن رفع أسعار المواد الأساسية والمحروقات، وفتح باب الحوار الاجتماعي مع النقابات.

ورفع المحتجون لافتات كتب عليها "لا لغلاء الأسعار"، و"أجور هزيلة وأسعار حارقة"، ورددوا شعارات من قبيل "يا حكومة الهزيمة أعطي للشعب الكلمة"، "هذا المغرب الجديد.. مغرب الغلاء والتشريد".

بينما توعدت الهيئة النقابية المنظمة للوقفة بتنظيم "محطات نضالية أكثر تصعيدا".

وبحسب النقابات المغربية، فإن "أسعار عدد من المواد الاستهلاكية سجلت زيادات حادة في الآونة الأخيرة، ما ينعكس على جيوب المواطنين، خاصة الفئات الهشة منهم، التي تضررت من تداعيات جائحة كورونا".

من جانبه، قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، حسن بناجح، إن “ارتفاع الأسعار أمر خطير وينذر بالكارثة، ويؤكد أن مقولات الدولة الاجتماعية مجرد شعارات ولا وجود لها على أرض الواقع”.

وأضاف بناجح لموقع “بديل” (محلي)، أن “المواطن اكتوى بلهيب غلاء الأسعار، في مجمل المواد خصوصا المتعلقة بالمعاش اليومي والتي تظهر آثارها سريعا، كالمواد الغذائية الأساسية والخضراوات والفواكه وكل مواد البقالة، ثم المحروقات وكل الأمور المتعلقة بالفلاحة، وكل هذه الأمور الكارثية تؤثر على المواطنين بشكل يومي”.

وأكد بناجح أن “الأمر يزداد خطورة عندما نعرف أننا نعيش في بلد تشهد فيها الأجور جمودا دون تحرك كما هو موجود في دول أخرى تعتمد أنظمة اجتماعية تأخذ مصلحة المواطن في الاعتبار”.

وقال الصحفي بلعيد كروم، إن "المغربي الوحيد المستفيد من ارتفاع الأسعار هو أخنوش، أما باقي الشعب كامل يأكل العصى".

وأردف في منشور على فيسبوك: "الزيادات يومية، هل هذا هو التغيير اللي وعدتونا بيه؟؟ ماذا يعني هل احتقرتمونا أو ضحكتو علينا!! يجب أن تعرفوا جيدا أن المغاربة يصبرون ولكن حين يشعرون بالاحتقار لن يسكتوا بعدها على حقهم".

وأضاف أن "الاحتقان الاجتماعي يتزايد..وإذا لم يكن تدخل في أقرب وقت لحماية قفة  المسكين، سترون أسوأ الأيام والأسابيع ولا الأشهر في حياتكم!!أتمنى أن تسمعوا صوت المواطن المحگور قبل أن يقع الفاس في الرأس!!!".

سوء تدبير

رئيس "الجامعة المغربية لحقوق المستهلك"، بوعزة الخراطي، انتقد بشكل لاذع صمت الحكومة إزاء الارتفاعات الصاروخية التي شهدتها أسعار المواد الغدائية والمحروقات.

وقال الخراطي في تصريحات صحفية في 13 فبراير 2022، إن "أخنوش قال في البرلمان إن جميع الأسعار مستقرة باستثناء الزيت، وكأنه رئيس حكومة لدولة أخرى وليس المغرب".

واستطرد: "هذه الحكومة بدل أن تلتزم الصمت، عليها أن تتواصل مع المواطنين وتشرح لهم أسباب هذه الزيادات المتوالية".

وتابع: "نعاني من سوء تدبير أزمة التي هي عالمية، ولكن كان على الحكومة أن تواكب الأمر بإجراءات داخلية وخاصة فلاحية حتى لا تتأثر القدرة الشرائية للمواطنين".

وأوضح أن "الأسعار منذ أغسطس/آب 2021 وهي في ارتفاع سواء المواد الغذائية أو الصناعية"، مشيرا إلى أن "هذا الارتفاع شمل أيضا مجموعة من المواد الأخرى لكن بتفاوت". ودعا الخراطي إلى "إعادة النظر في الضريبة على المواد".

ونبه إلى أن "بعض المواد الاستهلاكية تنتج بسعر وتُباع في المغرب بأسعار مضاعفة قد تصل الى أربع مرات من السعر الأساسي، لأنه ليس هناك تحكم في السوق الداخلي المحتجز من قبل الوسطاء وهو ما يؤثر على المنتج وبالمستهلك".

الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، قال إن "أسعار المواد التي ينتجها المغرب محليا مستقرة"، مشيرا إلى أنه "يتوفر على مجموعة من المعطيات حولها خاصة أسعار المنتوجات الفلاحية التي بقيت، متوقفة، في المستوى الذي كانت فيه".

وأضاف بايتاس، خلال الندوة الصحفية الأسبوعية، في 10 فبراير 2022 أن "العديد من المواد المستوردة هي التي ارتفعت أسعارها"، معتبرا أن "الحكومة تبذل مجهودا للحفاظ على القدرة الشرائية بالإضافة إلى الحماية الاجتماعية وتوفير فرص الشغل بشكل سريع ومباشر".

وزاد قائلا: "نتمنى من الله أن يغيثنا قريبا ونتمنى أن تنخفض أسعار مجموعة من المواد التي لها انعكاس على الاقتصاد الوطني".

من جانبه، قال رئيس الجامعة الوطنية لجمعية المستهلك بالمغرب، وديع مديح، في حديث مع "الاستقلال": "في وقت تقول الحكومة إن الزيادات عالمية وبالتالي التجارة ككل تخضع لهذا السوق العالمية، فإننا نتساءل عن دورها في حماية الفقراء والفئات الهشة من هذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار التي تنخر جيب المستهلكين".

وخلال يناير/كانون الثاني 2022، أظهرت بيانات رسمية، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في المغرب بنسبة 1.4 بالمئة في 2021، بضعف الزيادة المسجلة (0.7 بالمئة) في 2020.

وأرجعت المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء، في بيان، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، المحدد الأساسي للتضخم، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ0.8 بالمئة، والمواد غير الغذائية بـ1 بالمئة.

احتقان اجتماعي

وفي السياق، تصدر وسم (هاشتاغ) "#لا_لغلاء_الأسعار" و#لا_للزيادة_في_الأسعار_في_المغرب موقعي "فيسبوك" و"تويتر".

كما تصدر في 15 فبراير 2022، هاشتاغ "أخنوش ارحل" مواقع التواصل الاجتماعي، وبدا أن حالة الغضب من أداء الحكومة، بلغت مستويات غير مسبوقة؛ بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات .

وعبر عدد من الناشطين عن "انخداعهم في وعود حكومة أخنوش"، مؤكدين أن هذه الزيادة في الأسعار "لم يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة".

وطالبوا حكومة أخنوش بـ"التدخل لوضع حد لهذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار، وتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن المغربي البسيط، لأنها تنذر بكوارث قادمة".

من جانبها، نبهت "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" الحكومة إلى ضرورة "إيلاء الأهمية القصوى للأمن الاجتماعي أمام غلاء أسعار المحروقات والمواد الأساسية وضرب القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة وتسريح العمال".

وأكدت خلال بيان في 10 فبراير 2022، أن "غلاء الأسعار يشكل مؤشرا على الاحتقان الاجتماعي".

واتهمت الكونفدرالية، الحكومة بـ”عدم الوفاء بالوعود التي قدمتها إلى المغاربة، في برنامجها، بعد مرور مائة يوم على تنصيبها”، منتقدة بشدة ما سمته “القرارات الحكومية التعسفية التي أرهقت جيوب المواطنين، وكانت وبالا عليهم”.

فيما قال رئيس الجامعة الوطنية لجمعية المستهلك بالمغرب، إن "الأسعار ستزيد الثقل على كاهل المواطنين والمستهلكين الذين يعانون منذ جائحة كورونا إلى يومنا هذا من الدخل المحدود والمتدني مقارنة مع الزيادات التي شهدتها عدد من المنتوجات التي تهم بالخصوص الشريحة الفقيرة والمحتاجة للزيت والدقيق والتنقل عبر المواصلات العمومية".

وأضاف في حديث مع "الاستقلال" أن "هناك بعض المواد أصبحت أثمانها خيالية بالنسبة للفئات الهشة ولا تواكب قدرتها الشرائية مقارنة بدخلها اليومي أو الشهري، وكل ما سبق سيؤدي بنا إلى أزمة اجتماعية في البلاد ونحن في منأى عنها".

تفاقم الاستبداد

لكن الموجة الجديدة لارتفاع الأسعار، تزامنت مع قرب الذكرى الـ11 لـ"حراك 20 فبراير" التي شهدته المدن المغربية عام 2011.

وقال الناشط ناصر موحا "مع حلول الذكرى الحادية عشر لحركة 20 فبراير يسود سكون مخيف ربوع المغرب، رغم أن شروط هبة شعبية أكبر وأوسع وأصبحت متوفرة وبزيادة".

وأشار في تدوينة نشرها في 14 فبراير 2022 إلى أن "آخر هذه الشروط الزيادة الصاروخية في أسعار النقل مما يعني زيادة أوتوماتيكية في أثمنة كل شيء... فعلا تستاهلو أكثر (في إشارة لشعار قائد الائتلاف الحكومي الحالي، حزب التجمع الوطني للأحرار، خلال الحملة الانتخابية في سبتمبر/أيلول 2021)".

من جهتها، دعت "الجبهة الاجتماعية المغربية" (أهلية) إلى تخليد الذكرى الحادية عشرة لانطلاق حركة 20 فبراير، بتنظيم وقفات احتجاجية في مختلف مناطق المغرب يوم 20 فبراير 2022، ضد الغلاء و"الإجهاز على الحريات".

وقالت الجبهة عبر بيان في 8 فبراير 2022 إن "الأوضاع اليوم تتميز بتفاقم الاستبداد، والتلاعب بالإرادة الشعبية، ومواصلة الدولة لسياساتها الليبرالية المتوحشة، وما ينتج عنها من تقشف وإجهاز على المرافق العمومية الأساسية وغلاء فاحش للمعيشة، ناهيك عن الاعتقال السياسي، والمتابعات القضائية وقمع الحريات".

وذكرت بـ"حركة 20 فبراير" وشعارها الذي حملته, والمتمثل في إسقاط الفساد, وتحقيق مجتمع الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية بين الجميع.

وفي 20 فبراير/شباط 2011، تجمع آلاف الشباب المغاربة من تنظيمات سياسية ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، فأطلقوا حركة "20 فبراير".

وانضمت إلى الحركة لاحقا، قوى سياسية وحقوقية للمطالبة بدستور جديد، وحل الحكومة والبرلمان، وقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة "الضالعين في قضايا فساد واستغلال نفوذ ونهب ثروات البلد".

وشدد رئيس الجامعة الوطنية لجمعية المستهلك بالمغرب، على أنه "حان الوقت للحكومة أن تأخذ قرارات جريئة وآنية ومسرعة للحد من ارتفاعات الأسعار المجحفة بحق المستهلك المغربي".

وحذر وديع مديح من أن المواطن "لن يتحمل هذه الزيادات، وأن ذلك سيؤدي إلى عواقب اجتماعية غير سارة".