"اتركوا الكرة".. خبيرة إيطالية تقترح على روما خطة لعب جديدة في ليبيا
حذر موقع إيطالي من حرب أهلية مجددا في ليبيا، وذلك بعد تعيين برلمان طبرق، وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، رئيس وزراء جديدا، فيما يرفض رئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد الدبيبة، التنحي.
وقال موقع "إيل سوسيداريوا" إن الأزمة الجديدة في ليبيا "كانت متوقعة ومن شأنها أن تتسبب في عواقب مأساوية".
تقويض الاستقرار
وفي 10 فبراير/شباط 2022، أعلن البرلمان الليبي، ومقره مدينة طبرق شرقي البلاد، في جلسة عقدها عن تعيين باشاغا رئيسا جديدا للوزراء بعد انسحاب المرشح المنافس، خالد البيباس.
وفي تصريح صحفي، أفاد المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، بأن المجلس "صوت بالإجماع على منح الثقة لباشاغا رئيسا للحكومة، وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة".
من جانبه، صرح الدبيبة بأنه "لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة"، مؤكدا أن حكومته المنتخبة في إطار ملتقى الحوار السياسي الليبي في فبراير/شباط 2021، "ستواصل أداء مهامها".
وفي تعليقها على هذه التطورات، قالت أستاذة التاريخ المعاصر بجامعة "ماشيراتا" الإيطالية، والخبيرة في الشأن الليبي، ميكالا ميركوري: إن "ما يحدث لا يعد بالأمر الجديد على أرض الواقع، لأن ليبيا ظلت دائما في حالة انقسام، إلا أن التطورات الأخيرة تقوض بشكل خطير استقرار البلاد".
واعتبرت أن "الأزمة داخلية بالكامل، كانت قد أثارتها شخصيات تريد الحصول على أكبر قدر ممكن من القوة، في حين تترك مختلف الجهات الخارجية مثل تركيا وروسيا، في حيرة من أمرها وخارج اللعبة لتكتفي في الوقت الراهن بمراقبة التطورات لفهم كيفية إعادة التموضع".
وأضافت أن "هذا الدور يقع أيضا على عاتق إيطاليا، التي يتعين عليها فقط التفكير في الحفاظ على مصالحها في مجال الطاقة دون اتخاذ خطوات قد تضر بها".
وأوضحت الأكاديمية الإيطالية أن "تحرك برلمان طبرق بانتخابه باشاغا في تصويت بالأغلبية أدى إلى انقسام جديد في البلاد مهدد للاستقرار المحقق".
وأشارت ميركوري إلى أنه من ناحية، يبدو وزير الخارجية السابق مدعوما من قبل المصريين وبعض الأطراف في طرابلس، بينما يحظى الدبيبة من ناحية أخرى بدعم المجتمع الدولي.
وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قد أجاب بنعم على سؤال عما إذا كانت المنظمة الدولية لا تزال تعترف بالدبيبة رئيسا للوزراء، وذلك خلال مؤتمر صحفي تلا مباشرة جلسة البرلمان الليبي.
وتراجع نفس المتحدث عن موقفه ليصدر بيانا أكثر حيادية في 11 فبراير 2022، قال فيه إن "الأمين العام للأمم المتحدة يتابع الوضع في ليبيا عن كثب"، مشيرا إلى أنه "يدعو جميع الأطراف إلى مواصلة الحفاظ على الاستقرار كأولوية أولى".
خيبة أمل
وعن موقف الشعب الليبي، اعتبرت الخبيرة الإيطالية أنهم "يشعرون حاليا بالإحباط، لاسيما بعد أن سجل الآلاف أسماءهم في القائمات الانتخابية للتصويت في استحقاقات كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وهو ما خلف خيبة أمل شعبية".
ولفتت ميركوري إلى "تواصل نشاط العديد من المليشيات والجماعات المسلحة القوية التي تواصل القيام بأنشطة غير مشروعة، مثل الاتجار بالمهاجرين غير النظاميين".
وقالت إن "هذه الأطراف تفضل مناخ عدم الاستقرار، الذي يمكنهم بفضله تحقيق مكاسب مادية بدلا من امتلاك قيادة مستقرة"، مضيفة أن "هذا عامل آخر من عوامل عدم الاستقرار التي قد يؤدي إلى الإلغاء الكامل للانتخابات التي تم تأجيلها الآن لمدة 14 شهرا".
وفي سؤال الموقع عما إذا كان اتفاق فبراير/شباط 2021 برعاية الأمم المتحدة يتحمل المسؤولية، والذي نص على أن يكون مقر البرلمان في طبرق، بينما يكون مقر حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، أجابت الأكاديمية الإيطالية أن "البرلمان كان قد انتقل إلى طبرق عام 2014 بعد الحرب الأهلية، بينما مارست الحكومة مهامها من العاصمة طرابلس".
وذكرت أن "هاتين المؤسستين ظلتا باستمرار متباعدتين جغرافيا وسياسيا، وكان من المستحيل توحيدهما أو الاستغناء عن إحداهما".
ولحماية الاستقرار، "اضطرت الأمم المتحدة إلى الحفاظ على هذا الفصل الذي أكد كما هو متوقعا بأنه عقبة أمام تحقيق وحدة بلد ظل دائما مقسما إلى هذين الواقعين"، وفق قول الخبيرة الإيطالية.
وعن إمكانية أن يؤدي وجود رئيسي وزراء إلى عودة ليبيا لحالة الفوضى والعنف مثل تلك التي كانت سائدة قبل اتفاق فبراير/شباط 2021، أجابت ميركوري بأن "ذلك مؤكد، خاصة وأن هناك مؤشرات أولية لذلك".
وذكرت في هذا الصدد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الدبيبة في 9 فبراير 2022، قبيل ساعات من انتخاب باشاغا.
ولفتت إلى أن رئيس الوزراء الجديد المعين مقرب من كتائب مصراتة، المعادية للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، كما أنه مقرب من مليشيات حفتر والعديد من الجهات الفاعلة في الشرق، وقد يدفع هذا بعض المليشيات للقيام بأعمال حربية.
مناخ الحرب
من ناحية أخرى، تعادي بعض المليشيات الدبيبة، و"قد يؤدي ذلك إلى مزيد من مناخ الحرب، لذلك تهدد كل هذه العناصر بوقوع تصعيد محتمل لأعمال العنف"، وفق تقدير ميركوري.
وفيما يتعلق بدور الأطراف الخارجية وعلى رأسها تركيا وروسيا والإمارات ومصر، ترى الخبيرة في الشأن الليبي بأن الأزمة الحالية داخلية ومرتبطة برغبة أطراف مختلفة في الفوز في الانتخابات.
واستدلت في ذلك بأن "الدبيبة يريد البقاء في السلطة، بينما تقرب باشاغا أكثر من شرق البلاد".
وفي هذه المرحلة، ترى ميركوري أن "تركيا وروسيا اللتين تمتلكان مصالح مهمة في ليبيا، لهما دور هامشي فيما يتعلق بالديناميات الداخلية، لذلك يراقبان ما يحدث في هذه الأزمة الداخلية بالكامل لمعرفة كيفية إعادة التموضع".
واستطردت قائلة: "إيطاليا بدورها تراقب هذه الديناميكيات الداخلية من الخارج بالنظر إلى العديد من المصالح التي تمتلكها على الأراضي الليبية".
وأوصت الأكاديمية الإيطالية، سلطات بلدها بـ"عدم عقد مؤتمرات أو تحديد مواعيد للانتخابات في مثل هذا البلد المضطرب"، مشددة بالقول "من الضروري ترك الكرة لليبيين".
وشددت ميركوري على "ضرورة مراقبة المسار الداخلي ومواصلة إنجاز المشاريع والأعمال، خاصة فيما يتعلق بمسائل الطاقة"، مؤكدة على "أهمية التحرك خطوة بخطوة".