ندوة "سورية إلى أين؟".. هكذا تؤثر مخرجاتها على أداء المعارضة
اختتمت ندوة "سورية إلى أين" باستخلاص مخرجات تسعى لأن تشكل بها بداية لحراك مستقبلي لمختلف قوى الثورة والمعارضة السورية؛ بما يساهم في تحقيق الانتقال السياسي وتأسيس نظام ديمقراطي.
وخرجت الندوة، التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة ودعا إليها رئيس الوزراء المنشق عن النظام رياض حجاب واستمرت يومي 5 - 6 فبراير/شباط 2022، بالاتفاق على 17 توصية.
الندوة حضرها ممثلون عن مؤسسات قوى الثورة السورية والمعارضة، ومراكز الفكر، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلو الجاليات السورية، والإعلام المحلي، وعدد من الشخصيات المستقلة.
"رص الصفوف"
وشملت التوصيات انطلاقا من التحولات التي شهدتها سوريا، وكيفية الانتقال السياسي، والنهوض بأداء المعارضة، التوافق على جملة من المبادئ التي تعمل جميع أطراف قوى الثور تحت مظلتها وعلى رأسها وحدة الأراضي السورية واستقلالها ورفض دعوات التقسيم.
وكذلك التمسك بالهوية السورية الوطنية الجامعة، وتأسيس نظام ديمقراطي يقوم على قيم المواطنة المتساوية والتعددية، وعلى تداول السلطة، وفصل السلطات، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية.
كما حملت التوصيات، التأكيد على إعادة هيكلة مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، والارتقاء بأدائها بما يضمن استقلالية قرارها الوطني، عبر إستراتيجية وطنية شاملة، وكذلك الالتزام بالعملية السياسية عبر مسار جنيف وقرارات الأمم المتحدة بما فيها بيان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن (2254).
وأكد رئيس الوزراء المنشق في كلمته الافتتاحية في اليوم الأول من الندوة، على الإصرار "لتحقيق المطالب العادلة للشعب السوري، وتعزيز هويته الوطنية الجامعة، والتوصل إلى عملية انتقالية لا مكان فيها لبشار الأسد (رئيس النظام)".
ولفت إلى "ضرورة توحيد الكلمة في سبيل محاسبة الجناة وتحقيق العدالة بحقهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب".
وقال حجاب: "نجتمع في هذه الندوة، لتقييم عملنا، وتصحيح الأخطاء التي وقعنا فيها خلال مسيرتنا الشاقة لتحقيق دولة ديمقراطية حرة موحدة، تقوم على أساس سيادة القانون وحق الجميع في التعبير، والتمتع بحقوق المواطنة المتساوية، وواجباتها دون تمييز".
وأشار حجاب إلى أن "الادعاء بأن بشار الأسد قد انتصر على الشعب السوري أبعد ما يكون عن الحقيقة، إذ يعاني نظامه من خسائر فادحة على شتى الأصعدة".
وشدد حجاب على أن محاولات التطبيع مع النظام "تتعثر أمام تفشي الفساد، وسوء الإدارة، والتدهور الأمني والاقتصادي، وفقدان القيم الأخلاقية والإنسانية، وانهيار الليرة السورية".
واعتبر رئيس الوزراء السوري الأسبق، "أن حلفاء الأسد المنهكين يخوضون معركة دبلوماسية يائسة لإعادة تعويم نظام فقد شرعيته".
ونوه حجاب إلى "أنه لمعالجة الحالة المستعصية التي وصلت إليها سوريا، يتعين علينا التحلي بالمسؤولية لإعلاء المصلحة الوطنية، ورص الصفوف وجمع الكلمة وتدشين مرحلة جديدة ينتزع فيها السوريون كامل حقوقهم المشروعة من النظام القمعي الآيل للسقوط".
وترى الأوساط السورية إلى أن نجاح الندوة يكمن في تحريكها للمياه الراكدة لقوى الثورة، خارج الجسم الرسمي للمعارضة، ولا سيما أن أصواتا شاركت في الندوة دعت لوجود مخرج جديد ينعش حركة المعارضة، بما يضمن تطوير أدائها، واستثمار ذلك في الوصول للحل السياسي.
إنعاش المعارضة
وهذا ما يشير إليه مدير البحوث بمركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع، بقوله: "إن الندوة تعول على أن يجرى استرداد القرار الذاتي للمعارضة، وتلمس مساحات عمل يمكن البناء عليها سواء عبر الملف الحقوقي أو التنمية المحلية، وعبر الحوارات الداخلية لإنتاج عقد اجتماعي سوري كامل يؤسس إلى تعافٍ مبكر وقدرة على النهوض إلى الأمام".
وقال طلاع الذي شارك في الندوة لـ "الاستقلال": "خلال التجمع الأخير كانت هناك مواقف مطالبة بوجود مخرج جديد ينعش حركة المعارضة وقوى الثورة في ظل الصعوبات التي تعترض حركتها، وبالتالي الندوة في هذا السياق ناقشت العديد من القضايا المتعلقة بتطوير بنية المعارضة، وإعادة هيكلتها بخطط وبرامج زمنية واضحة".
ولفت الباحث السوري إلى أن "النقطة الإيجابية في الندوة تمثلت بوجود تفاعل إيجابي بين الفاعلين في المشهد الثوري، وأسس لأن تكون هناك نقاط مرجعية بعمل هذه المؤسسات عبر التضافر واستمرار فكرة مثل هكذا ندوات ونقلها لمساحات أخرى جغرافيا من الدوحة إلى إسطنبول وغيرها، والدخول في مساحات أكثر تخصصية في بنى المعارضة".
وزاد بالقول: "كما أن هدف إحداث رابط بين مراكز الدراسات والتأثير مع الفاعلين في المشهد المعارض، هو ما تبنته الندوة بحيث يكون هناك علاقة تفاعلية ترسم المشهد والسيناريوهات وخيارات العمل الممكنة للمعارضة".
ويرى الباحث السوري، أن "النظر إلى توصيات الندوة بحد ذاتها غير كاف للحكم، حول ما يرجى منها، لأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار مسألتين".
الأولى تتعلق بما بعد هذه الندوة والحركة المرتبطة بتصحيح المسارات وما تستلزمه من لقاءات وورش ووضع خطط زمنية، والأمر الثاني، يتعلق بمدى تلقف الأجسام المعارضة لهذه التوصيات ومحاولة تنفيذها.
وذهب طلاع للقول: "إن أدركت قوى المعارضة حجم الهوة بين حركتها الراهنة وطبيعة مخرجات المشهد السوري عموما، أو الهوة ما بينها وبين القواعد الشعبية، فسيجرى الانتقال إلى قضايا متعلقة بإنتاج الخطط".
وأشار مدير البحوث بمركز عمران، إلى أن "الأمر الذي نحتاج إلى أن نتلمسه، مرتبط بالمحددات العامة لعمل المعارضة، إذ جرى التأكيد عبر كل طروحات الحاضرين للندوة المراجعة الحقيقية للأداء واعتماد منهجية الخطوات الإستراتيجية وعدم وضع كل الغايات في مسار واحد".
وأيضا "نقل المعارضة من دائرة التحليل السياسي والانخراط في الرؤية الإقليمية والدولية والتماهي معها، إلى نقطة الفعل الذاتي والذي يحتاج إلى ما بعد الندوة ومتابعاتها لاحقا عبر الأنشطة والحراكات".
وختم طلاع بالقول: "لا يمكن لندوة واحدة أن تؤسس لتغيير الثوابت الإقليمية والدولية في المشهد السوري التي باتت تعتمد منطق التجميد، وعدم الانتقال من التوافق الأمني الذي جرى بشروط إقليمية مغيبة الشروط الوطنية إلى توافق سياسي وهذا غير متاح، لذلك هوامش الحركة هي من ستحد من ذلك الأمر".
"جسم سياسي"
من جانبه يرى سمير سعيفان المدير العام لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، المشارك في الندوة، أن أهميتها "تنبع من أنها جاءت بعد عدة سنوات من غياب أي فعل أو مبادرة لاجتماع السوريين، وخاصة أنها أتت بعنوان إعادة النظر بأداء المعارضة وتقييم الفترة السابقة، ورؤية ما يجب فعله في المستقبل، ولذا كان عنوانها (سورية إلى أين)".
وأضاف سعيفان في حديث مصور نشرته صفحة "سورية إلى أين؟" على فيسبوك، أن "هناك انتظارا كبيرا من السوريين لأن تكون هذه الندوة بداية لحراك ما، ولا سيما أنها أخذت طابعا علميا وقدمت أوراقا منظمة بشكل جيد على غير ما اعتدنا عليه من المعارضة، وهذا إنجاز، لكنه لا يكفي إلا إذا كان بداية عمل ينتهي بشيء ملموس".
وأكد سعيفان أن "المعارضة تحتاج إلى جسم سياسي كبير يستطيع أن يكسب مصداقية السوريين أولا ويمثل صوتهم، ثم بالدرجة الثانية، القوى الإقليمية والدولية".
ولذا فالندوة أسست لبداية يجب أن تستمر لتخلق مثل هذا الجسم الذي يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحقيق انتقال سياسي حقيقي بسوريا طالما انتظره السوريون.
كما يتفق أحمد قربي، وهو باحث في مركز الحوار السوري، بأن "الندوة تؤسس لزيادة التنسيق ولتطوير أداء قوى الثورة والمعارضة".
وهذا "يمكن أن يزيد من فعاليتها بما ينعكس في إيجاد حل للقضية السورية وتجاوز مرحلة الاستبداد والانتقال إلى دولة المواطنة والمساواة، ولا سيما أن القضية أصبحت إقليمية دولية".
وأضاف قربي الذي شارك في الندوة لـ "الاستقلال" أنها "يمكن أن تؤسس لمزيد من التعاون بين مختلف مكونات قوى الثورة السياسية والعسكرية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الفكر والبحث والمساعدة على ضخ دماء جديدة عبر ضمن هذه المؤسسات بما فيها الشباب والنساء، فضلا عن مزيد من التنسيق والحشد والمناصرة للملف السوري".
وركز قربي خلال حديثه على "أن الندوة تمكنت من جمع طيف واسع من قوى الثورة والمعارضة، وبالتالي المعول عليه إرسال رسالة إلى دول العالم حول فاعلية هذه القوى وإيصال صوتها إلى صانعي القرار الدولي".
مشروع وطني
وألمح الباحث إلى أن "الندوة يمكن أن تساهم في بلورة خطاب وطني يمكن أن يعيد القضية السورية على الساحة الدولية وأن يحرض بقية الدول على التعاطي معها وتفعيل مسار الحل السياسي".
وختم قربي حديثه بالقول: "إن إمكانية خروج خطوات عملية من هذه الندوة أمر مستبعد، لأنها بداية قد يترتب عليها أشياء عملية في المستقبل، كونها أقرب إلى جلسات العصف الذهني منها إلى مبادرة عملية".
من جانبه رأى محمد الزعبي من الجالية السورية في أميركا في حديث لـ "الاستقلال"، أن "الندوة كانت فرصة ثمينة لتلاقي السوريين بعد فترة من الغياب، خاصة أنها ضمت نخبة من شرائح مختلفة على صعيد الثورة، وجمعت أطيافا متعددة بعيدة عن التعصب والأيديولوجيا".
وتابع أنهم "يمكن أن يلتقوا على أهداف محددة تعبر عن حرصهم على مستقبل بلدهم والبحث عن حل للقضية السورية وجمع الشتات والوصول إلى أهداف الحرية والكرامة".
ولفت الزعبي الذي حضر الندوة، إلى أن "ما هو ضروري أن يكون هناك تطورات يمكن البناء عليها وإيصال التوصيات إلى مراحل التنفيذ، وإن حصل ذلك فإنه يعني خطوة من خطوات صياغة مشروع وطني جامع يلتف حوله السوريون".
ونوه إلى أن "التوصيات تحتاج إلى متابعة فعلية للتأكد من أنه جرى تنفيذها خلال فترة ليست طويلة، وهذا يتطلب جهدا من منظمي الندوة لاجتراح آلية للتنفيذ والتقييم حتى يجرى القياس في ندوات أخرى للمقارنة على مستوى النجاح".
وختم الزعبي حديثه بالإجابة على عنوان الندوة، بقوله: "سوريا إلى حيث يريد السوريون أن يوصلوها.. بجهد المخلصين ستصل إلى بر الأمان".
وجاءت الندوة التي انعقدت في الدوحة، في ظل انسداد أفق الحل السياسي بسوريا.
فحتى الآن ما يزال القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد للحل في هذا البلد دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
كما فشلت اجتماعات اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، في نسختها السادسة بصياغة دستور جديد لسوريا.
وخلق "تعنت" النظام في تحقيق أي تقدم بمسار الحل لسوريا، حالة من الرأي العام الداعية لضرورة انسحاب المعارضة من اللجنة الدستورية، لأنها "تؤدي أولا لكسب الوقت والمماطلة وفي نهاية المطاف لتعويم نظام بشار الأسد، وفق الرؤية الروسية"، وفق كثير من المراقبين.
وتوازى تعطيل النظام السوري للمسار السياسي الأممي، مع شروعه في محاولة تحسين علاقاته مع الدول العربية عبر تقديم نفسه كلاعب أساسي تارة عبر مشاريع اقتصادية مترابطة عربيا، وأخرى عبر استغلال تطبيع بعض الدول العربية معه.