فائدة للسعودية وروسيا وكارثة على الشعوب.. ما سر مواصلة أسعار النفط الصعود؟

تواصل أزمة ارتفاع أسعار النفط صعودها حول العالم مع زيادة الطلب وتراجع المعروض، ما يمثل عبئا كبيرا يثقل كاهل الدول المستهلكة التي تعاني بالفعل ويلات التضخم وتراجع النمو الاقتصادي على خلفية جائحة كورونا.
وفي 3 فبراير/ شباط 2022، سجلت أسعار النفط أعلى مستوى لها منذ أكثر من 7 سنوات متخطية حاجز 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014.
وعقب يومين ارتفعت الأسعار إلى 93 دولارا للبرميل، بسبب مخاوف تعطل إمدادات النفط، في ظل العواصف الشتوية التي ضربت مؤخرا عدة دول، في مقدمتها الولايات المتحدة، إضافة إلى تصاعد حدة التوتر بأزمة أوكرانيا بين روسيا والغرب.
وما زاد الوضع سوءا إصرار تحالف "أوبك+" (23 دولة) بزعامة السعودية وروسيا في اجتماعه الأخير بالثاني من فبراير على الالتزام بزيادة الإنتاج المتواضعة بقدر 400 ألف برميل يوميا حتى نهاية مارس/ آذار 2022، رغم ضغوط أميركية للزيادة بوتيرة أكبر.
وهي خطوة دفعت مراقبين إلى التأكيد أن الأزمة لن تشهد انفراجة قريبة وسط توقعات بتجاوز سعر 100 دولار للبرميل على المدى المنظور، ما يربك سياسات الدول لكبح التضخم ويسبب أزمة معيشية لملايين الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
معالم الأزمة
ترجع بداية أزمة النفط الحالية إلى عام 2020 مع انتشار كورونا وتسارع دول العالم لفرض قيود على الحركة والسفر وإغلاق الحدود لأشهر، ما تسبب في تراجع الطلب العالمي على الذهب الأسود بحدة.
وفي مواجهة ذلك، اقترحت السعودية في 5 مارس/آذار 2020 على حلفائها في "أوبك+" خفض الإنتاج لاستعادة التوازن للأسواق، غير أن المقترح جوبه برفض روسي، ما فتح الباب أمام أقسى حرب تخفيض أسعار في تاريخ الصناعة.
وشكل يوم 21 أبريل/ نيسان 2020، ذروة هذه الحرب، إذ هوى سعر خام برنت إلى أقل من 16 دولارا للبرميل، فيما انهار سعر خام غرب تكساس الأميركي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ، وبلغ سالب 40 دولارا للبرميل.
وبرنت هو الخام الأوسع انتشارا في عقود النفط الدولية، ويستخدم كمعيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، بينما خام غرب تكساس يستخدم لتسعير عقود النفط في الولايات المتحدة.
ودفعت الأضرار البالغة التي تسببت بها حرب الأسعار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى التوسط بين الرياض وموسكو، في ظل ارتباطه بعلاقات جيدة مع نظاميهما.
وأسفر ذلك عن اتفاق على خفض قياسي للإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا، يجري تقليصها تدريجيا حتى أبريل 2022.
وتحسن الطلب على النفط لاحقا بفضل الانفتاح التدريجي للاقتصاد العالمي، مع انحسار مخاطر كورونا بفضل انتشار عمليات التطعيم ضد الفيروس التي أدت لحركية وتنقل أكبر.
وهذا التطور دفع تحالف أوبك بلس، الذي يضم منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، بقيادة السعودية، ومنتجين من خارجها، بقيادة روسيا، إلى اعتماد آلية جديدة لزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا تضاف كل شهر بداية من سبتمبر/أيلول 2021.
غير أن وتيرة هذه الزيادة لم تواكب تعافي الاقتصاد العالمي من الجائحة.
وعلى مدى أشهر، رفض تحالف أوبك بلس طلبات كبار المستهلكين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، بضخ المزيد من الخام، ما زاد في النهاية الأسعار عن مستويات ما قبل الجائحة.
وفي ظل أزمة أخرى بإمدادات الغاز الطبيعي رفعت مستوى الطلب على النفط كبديل، ارتفعت أسعار الخام منذ بداية 2022 نحو 15 بالمئة.
السياسة حاضرة
ويقف وراء هذه الأزمة عدة عوامل اقتصادية ولوجستية متنوعة، لكن أهمها التغيرات الكبيرة التي طرأت على السياسة الخارجية الأميركية مع هزيمة ترامب وانتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة.
وبايدن ديمقراطي وعرف خلال حملته الانتخابية بتصريحاته النارية ضد سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وقالت وكالة بلومبرغ الأميركية إن واشنطن حاولت عبر مبعوثين عديدين إقناع الرياض بضخ مزيد من النفط وبسرعة، لكن ابن سلمان لم يلب احتياجات البيت الأبيض ورغباته.
وأضافت في تقرير للكاتبين ماثيو مارتن وخافيير بلاس في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن ابن سلمان يستخدم النفط كسلاح ضد بايدن في ظل العلاقة المتردية بين الجانبين.
وأوضحت أن بايدن لم يتحدث مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز سوى مرة واحدة منذ دخوله إلى البيت الأبيض، ورفض الحديث مع ولي العهد مباشرة، بسبب دوره في مقتل صحفي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي بإسطنبول في عام 2018.
غير أن بايدن محبط بشكل عميق، وفق بلومبيرغ، فالتضخم داخل البلاد في أعلى مستوياته منذ 30 عاما بشكل يشعر به جميع الأميركيين، ما يؤثر سلبا على شعبيته.
واستدركت أنه لو أراد بايدن نفطا رخيصا، فمطلب ابن سلمان أن يجري التواصل معه.
ويتماشى مع طرح بلومبيرغ، قول بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2021 إن "كثيرين في الشرق الأوسط يريدون الحديث معي، ولست متأكدا أنني سأتكلم إليهم"، دون تسمية ابن سلمان.
وفي نفس الشهر، أعرب بايدن خلال قمة العشرين بالعاصمة الإيطالية روما عن أسفه إزاء امتناع روسيا والسعودية والمنتجين الكبار الآخرين عن ضخ مزيد من النفط، مؤكدا أن ذلك "ليس أمرا عادلا".
ونقلت الوكالة عن جيسون بوردوف، عميد مدرسة المناخ في جامعة كولومبيا الأميركية أن "السعودية في وضع قوي، ويزداد الطلب على النفط، ولم يعد الزيت الصخري الأميركي كما كان، وسيحتاج العالم لمزيد من النفط السعودي بالمستقبل القريب".
كما أنه من مصلحة روسيا استمرار ارتفاع أسعار النفط عند مستويات مضرة بالاقتصاد الأميركي وشعبية بايدن؛ ويعد ذلك ورقة رابحة بيد بوتين في ظل الصراع الدائر حاليا في أوكرانيا وشرق أوروبا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حذرت كارين جان بيير نائب المتحدث باسم البيت الأبيض، الدول المنتجة للنفط من إعاقة الانتعاش الاقتصادي العالمي، مؤكدة أن واشنطن ستستخدم كل الوسائل للتأكد من ذلك.
وأشارت إلى أن تحالف أوبك بلس لديه القدرة على طرح مزيد من النفط في السوق والتأثير على الأسعار، بينما تعمل الولايات المتحدة وفق نظام تكون فيه الشركات المنتجة للنفط هي التي تتخذ قراراتها بشأن الإمدادات.
مقاومة محدودة
ولمواجهة هذا الوضع وقبل دفع ثمن باهظ بانتخابات الكونغرس النصفية في الخريف المقبل، أمر بايدن في 23 نوفمبر 2021 باستخدام 50 مليون برميل من مخزون بلاده النفطي الإستراتيجي.
وجاءت خطوة بايدن بالتنسيق مع الدول الأكثر استهلاكا للخام، بينها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا، للتخفيف من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق والضغط على "أوبك بلس" لزيادة الإنتاج بكميات أكبر.
وفور إعلان بايدن، أكدت الهند أنها ستفرج عن 5 ملايين برميل من احتياطاتها الإستراتيجية بالتنسيق مع مشترين آخرين.
كما نقلت وكالة رويترز البريطانية عن مصادر مطلعة في يناير 2022 أن الصين تعتزم السحب من مخزوناتها النفطية قريبا في إطار خطة منسقة مع أميركا، للحد من ارتفاع الأسعار.
وتسببت هذه الخطة في إحداث ذبذبة قصيرة بأسعار النفط، وخاصة مع سرعة انتشار متحور كورونا الجديد، أوميكرون في مختلف دول العالم، وسيطرة مخاوف من عودة عمليات الإغلاق وتقييد الحركة من جديد.
لكن تحالف أوبك بلس أكد في تقريره الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2021 أن أوميكرون لن يكون له تأثير كبير على سوق النفط العالمي، نظرا لأنه سلالة معتدلة أقل فتكا من مثيلاتها السابقة، لتعود أسعار النفط بالصعود من جديد.
وتعليقا على هذه الخطة، قال ألكسندر فرولوف نائب مدير معهد الطاقة الروسي الحكومي إن قرار دول أوبك بلس الإبقاء على خطط زيادة الإنتاج بالكمية المحددة مسبقا يعكس عدم رؤيتها أي تهديدات بناء على مستويات العرض الحالية رغم محاولة واشنطن إثارة المخاوف عبر اللجوء إلى مخزونات النفط الإستراتيجية.
وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة إزفيستيا الروسية في 4 يناير 2022 أن أي تطورات تؤدي إلى نمو الطلب وتعافي الإنتاج وزيادة حجم المعروض في السوق سيكون لها تأثير مماثل على الأسعار، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه حاليا فإنه من غير المرجح أن تتغير الأسعار بشكل كبير.
من جانبه، قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان في 18 يناير إن أوبك وحلفاءها "فعلوا الكثير" لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية.
وأضاف في كلمة عن أمن الطاقة في معرض "إكسبو 2020" في دبي: "نعتقد أننا في أوبك بلس فعلنا ما علينا والأمر يرجع للولايات المتحدة فيما إذا كانت ستسحب المزيد من الإمدادات من احتياطياتها النفطية الإستراتيجية أم لا".
أبعاد أخرى
وبعيدا عن الصراعات مع الإدارة الأميركية، أشارت بلومبيرغ في استطلاع نشرته بالأول من فبراير إلى معاناة غالبية الدول المصدرة للنفط طوال شهر يناير، وفي مقدمتها روسيا في تلبية حصصهم المعتمدة من طرف أوبك بلس.
ومن أبرز أسباب ذلك أن استثمارات واستكشافات النفط في 2021 عند أضعف مستوى منذ 75 عاما بسبب كورونا، فضلا عن دخول عديد من الحقول في مرحلة صيانة، مثلما حدث في كازاخستان عام 2021.
وترى وكالة الطاقة الدولية أن السعودية والإمارات فقط هما الدولتان القادرتان على زيادة المعروض خلال 2022 بفضل الاستثمارات المتدفقة في حقولهما، لكن اتفاق أوبك بلس لا يسمح لهما سوى بحصص معينة.
وفي يناير، زاد 13 عضوا في أوبك الإنتاج بمقدار 50 ألف برميل فقط يوميا، بينما سجلت ليبيا انخفاضا قدره 140 ألف برميل يوميا، إثر تعرض الحقول الغربية لحصار من قبل مسلحين، ما أدى إلى إغلاق حقل "الشرارة" الأكبر بالبلاد.
ولفت الاستطلاع إلى قلق كبير يخيم على الساحة النفطية خوفا من حدوث أي اضطرابات، سواء كانت تتعلق بخسائر أعمق في ليبيا أو غزو روسيا المحتمل لأوكرانيا، أو هجوم آخر يستهدف البنية النفطية في الإمارات.
وبينما تعد الطبقة الفقيرة والمتوسطة حول العالم هي الأكثر تأثرا بزيادة أسعار النفط التي تؤجج معدلات التضخم بالوقود والسلع والخدمات الأساسية، تواصل شركات النفط الكبرى تعويض خسائرها، التي منيت بها خلال التراجع المرتبط بجائحة كورونا.
وفي 4 فبراير 2022، بالتزامن مع ارتفاع أسعار وسائل النقل في مصر إثر قرار الحكومة زيادة سعر لتر البنزين بمختلف أنواعه 25 قرشا (0.016 دولار) للمرة الرابعة تواليا؛ أعلن تفوق مؤشر "ستوكس يوروب 600" الفرعي للطاقة على كل قطاعات الأعمال الأخرى، في ظل تحقيق النفط الخام مكاسب للأسبوع السابع تواليا.
وقادت المكاسب شركات "شل" البريطانية الهولندية، و"بريتش بتروليوم" البريطانية، و"توتال إنرجيز" الفرنسية، لتنجح لأول مرة في محو جميع خسائر الوباء بالفعل، وفق بلومبيرغ.
وعن المرحلة المقبلة، أكد مصرف الاستثمار العالمي الأميركي "غولدمان ساكس" في بيان مطلع فبراير أن الانخفاض السريع في حالات الإصابة بكورونا، والطلب القوي منذ بداية 2022، والأرباح الأولية من الشركات الأميركية المنتجة للنفط، "كلها تعزز قناعتنا بارتفاع أسعار النفط بشكل حاد".
وأضاف أنه على الرغم من ذلك، يجب على تحالف أوبك بلس أن يأخذ في الاعتبار عددا من العوامل التي يمكن أن تضعف الأسعار، مثل لجوء واشنطن مجددا إلى الاحتياطي النفطي الإستراتيجي، وإحراز تقدم في المحادثات النووية الإيرانية الدائرة بفيينا، ما قد يؤدي إلى رفع العقوبات عن تصدير النفط الإيراني.
المصادر
- Oil Majors Are Close to Erasing All Losses Since Pandemic Began
- Flush With Cash, Saudi Prince Snubs Biden and Sends a Message
- النفط يبدل التحالفات.. روسيا والسعودية مقابل الولايات المتحدة
- Все пошли по плану: как решение ОПЕК+ скажется на нефтяных ценых
- OPEC+ Seen Hiking Supply Again Yet Data Shows It Struggling