شراء مايكروسوفت شركة ألعاب بـ69 مليار دولار.. خطوة مدروسة أم "جيم أوفر"؟

علي صباحي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بدا رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس مذهولا عقب الكشف عن استحواذ عملاق البرمجيات الأميركي "مايكروسوفت" على شركة  "أكتيفيجن بليزارد" لألعاب الفيديو.

وفي تعليقه على الصفقة التي أعلنت في 18 يناير/ كانون الثاني 2022، قال مالباس: "أذهلني هذا الصباح استثمار شركة مايكروسوفت 75 مليار دولار في شركة ألعاب فيديو، مقارنة بتبرعات بلغت 24 مليار دولار فقط على مدى ثلاث سنوات لمساعدة البلدان الأكثر فقرا، تقدمت بها 48 دولة غنية ومتوسطة الدخل".

وأعلنت "مايكروسوفت" في ذلك اليوم شروعها في الاستحواذ مقابل 69 مليار دولار على شركة "أكتيفيجن بليزارد" الأميركية لألعاب الفيديو التي تمتلك ألعابا واسعة الانتشار، منها "كاندي كراش" و"وورلد أوف ووركرافت"، فضلا عن "كول أوف ديوتي" أكثر الألعاب ذات الطابع العسكري مبيعا حول العالم.

عملية الاستحواذ، يمكن تشبيهها بمرحلة "الوحش" التي تمثل أصعب المراحل في الألعاب الإلكترونية، فهي إما أن تنقلك إلى ربح اللعبة وبدء مرحلة جديدة، أو تظهر لك شاشة "جيم أوفر Game Over" أي نهاية اللعبة، فإلى أين تسير مايكروسوفت؟

دوافع الصفقة

عملية شراء مايكروسوفت للشركة تعد أكبر استحواذ على الإطلاق في تاريخ صناعة ألعاب الفيديو عالميا، وقيمتها أكثر من ضعفي المبلغ الذي دفعته مايكروسوفت لشراء المنصة الاجتماعية الشهيرة "لينكد إن" عام 2016، وفق مجلة "إيكونوميست" البريطانية.

وتقول المجلة في تقرير بتاريخ 22 يناير إنه بالنسبة حتى لشركة كبرى تفتخر برأسمالها الضخم الذي يبلغ حوالي 2.3 تريليون دولار، فإن رقم 69 مليار دولار يعد أموالا طائلة، للإنفاق على ألعاب الفيديو.

وأضافت أن هذه العملية ربما تمثل رهانا كبيرا على مستقبل الترفيه، لكنها ليست قرارا مجنونا.

وأرجعت ذلك إلى أن صناعة الألعاب كانت تنمو بسرعة حتى قبل جائحة كورونا التي ألحقت ولا تزال تلحق ضربات موجعة بمختلف اقتصادات دول العالم.

غير أن عمليات الإغلاق عززت جاذبية ألعاب الفيديو مع توفر وقت أطول ورغبة البعض في كسر أجواء الملل.

وفي عام 2020، ارتفعت الإيرادات العالمية لألعاب الفيديو بنسبة 23 بالمئة، لتحقق 180 مليار دولار، وفق إحصاءات دولية.

وتعد  مايكروسوفت بالفعل لاعبا كبيرا في هذا القطاع، وتعتبر هذه الصفقة خطوة نحو التكامل الذي تسعى إليه، حيث تمتلك نظام ألعاب الفيديو "إكس بوكس" الذي لديه بالفعل ألعابا شهيرة مثل "ميني كرافت" و"هالو".

كما تمتلك 25 مليون مشترك بخدمة الألعاب الخاصة بها "غيم باس"، المعروفة بـ"نتفليكس ألعاب الفيديو"، وتمنح مشتركيها الوصول إلى مجموعة ضخمة من الألعاب من منتجين متنوعين مقابل اشتراك شهري.

وبشرائها "أكتيفيجن" ستسيطر على أستوديو ألعاب الهاتف المحمول "كينغ"، صانع لعبة "كاندي كراش"، إحدى أشهر ألعاب الهاتف المحمول على الإطلاق، بينما لم تكن تتمتع مايكروسوفت بأي حضور في الألعاب على الهواتف المحمولة، وهي الشريحة الأسرع نموا بالقطاع.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أنه بمجرد اكتمال إجراءات الصفقة ستصبح مايكروسوفت ثالث أكبر شركة ألعاب فيديو من حيث الإيرادات، بعد "تينسينت" الصينية، و"سوني" اليابانية صاحبة نظام "بلاي ستيشن".

وأوضحت أن قطاع صناعة ألعاب الفيديو كان يشهد بالفعل في الآونة الأخيرة الكثير من نشاط الاندماج، حيث أبرمت خمس صفقات بقيمة مليار دولار أو أكثر.

وفي 10 يناير 2022، أنفقت شركة ألعاب الفيديو الأميركية "تيك-تو إنترأكتيف"، 13 مليار دولار لشراء شركة إنتاج ألعاب الهاتف المحمول "زينغا".

ودخلت شركات كبرى مثل أمازون وآبل ونتفليكس مجال ألعاب الفيديو في السنوات الأخيرة، وقد تعمل أي منها على استحواذ جديد، على خطى مايكروسوفت، فضلا عن المنافسة "سوني" التي تعد الصفقة ضربة قوية لها، وفق المجلة.

تاريخ الصناعة

يعرف موقع "ذا راب" الأميركي ألعاب الفيديو بأنها وسيلة تقنية ترفيهية تفاعلية، يمكن استخدامها عبر أدوات متعددة بينها أجهزة الواقع الافتراضي، أو أجهزة إكس بوكس، أو بلاي ستيشن، أو الحواسيب، أو الهواتف الذكية.

وظهرت ألعاب الفيديو رسميا لأول مرة في السبعينيات، حين أصدرت شركة "نوتينغ أسوشيتس" الأميركية أول لعبة فيديو تجارية باسم "كومبيوتر سبيس" في عام 1971.

وبعد سنة واحدة فقط، ظهرت شركة الألعاب الأميركية الشهيرة "أتاري"، وما لبثت أن أطلقت أول ألعابها، بونغ التي حققت نجاحا كبيرا آنذاك.

وتوالت الألعاب لاحقا، لكنها كانت محدودة تقنيا، إلى أن طورت أتاري في عام 1977 أول جهاز ألعاب منزلي يسمح بتشغيل ألعاب عديدة، ما أحدث طفرة كبيرة.

واستقرت بعد ذلك الألعاب لفترة من الزمن، حتى طورت شركة "نينتندو" اليابانية في 1985 جهازا ترفيهيا جديدا، يعتمد على الأزرار بدلا من المقبض.

وبدأت بيعه بأسعار رخيصة وتحصيل الربح عبر بيع الألعاب، وهذا النظام القائم حتى الآن، والذي يرجع له الفضل في  انتعاش صناعة ألعاب الفيديو.

ولاحقا تطورت الأجهزة لتشمل لوحات مفاتيح وألعاب متعددة، وظهرت شركات متخصصة في الألعاب المنزلية مثل سوني وسيغا اليابانيتين.

وعام 1995 أطلقت سوني أول جهاز بلاي ستيشن، وفي 2005 أطلقت مايكروسوفت جهازها إكس بوكس.

وأدى ظهور الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية في السنوات الأخيرة إلى ظهور فئات جديدة مثل الألعاب المحمولة والألعاب الاجتماعية، التي تقدم رسومات أشبه بالحقيقة وتحاكي الواقع بدرجة مذهلة في كثير من الحالات.

ووفق منصة ستاتيستا الألمانية للبيانات والإحصاءات، حقق قطاع صناعة ألعاب الفيديو أرباحا قياسية عالمية خلال الثلاثة أعوام الأخيرة بإجمالي إيرادات تجاوز 300 مليار دولار، وأسهمت جائحة كورونا في تحفيز نمو القطاع بنسبة 46 بالمئة، حيث تجاوزت أرباح قطاعي السينما والموسيقى عالميا.

وكشف موقع ماركت ووتش الأميركي أن أرباح صناعة ألعاب الفيديو حققت 180 مليار دولار في عام 2020 لتتجاوز مثيلتها لقطاعي الرياضة والأفلام معا، بواقع 75 و100 مليار دولار على التوالي.

ويتوقع أن تكون أرباح القطاع فاقت 190 مليار دولار مع نهاية 2021، ويضم سوق ألعاب الفيديو أكثر من 2.7 مليار لاعب في العالم، ومن المتوقع أن تستقطب 400 مليون لاعب بحلول نهاية 2023.

معركة الميتافيرس

أثناء إعلانه عن الصفقة بمؤتمر الأرباح ربع السنوية في 18 يناير، وصف ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، عملية الاستحواذ بأنها خطوة نحو الميتافيرس، وهو مصطلح يقصد به العالم الافتراضي الذي تروج له شركات التكنولوجيا الكبرى على أنه امتداد لعالم الإنترنت الراهن.

وأضاف: "نشعر أننا في وضع جيد للانخراط في الموجة المقبلة للإنترنت، وبناء عالم ميتافيرس يشكل مستقبل الخريطة الرقمية، وألعاب الفيديو ممهدة لذلك".

وحققت مايكروسوفت بين أكتوبر/ تشرين الأول، وديسمبر/ كانون الأول 2021 إيرادات بلغت 51.7 مليار دولار، وسجلت أرباحا صافية بقيمة 18.8 مليار دولار، وهي نتائج فاقت التوقعات.

وتعليقا على ذلك، قال المستشار الإعلامي البريطاني مايكل وولف إن شركات التكنولوجيا الكبرى تعي جيدا أن ألعاب الفيديو مجال ينمو، وترتبط بطموحاتها المتعلقة بالعالم الافتراضي على نطاق أوسع.

ويضيف لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية في 21 يناير أنه مع توسع العوالم الافتراضية لألعاب الفيديو لتصبح أماكن يمكن للاعبين القيام فيها بأمور مثل عمليات الشراء أو مشاهدة الأفلام، سنكون قادرين على عمل كل ما نفعله في العالم الحقيقي داخل الألعاب".

لذا من المنتظر أن تصبح ألعاب الفيديو ساحة المعركة الرئيسة لشركات التكنولوجيا التي ترغب في الحفاظ على دورها المركزي في الحياة الرقمية المقبلة لمليارات المستخدمين.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن بعض أكبر شركات التكنولوجيا، تمتلك بالفعل حصصا كبيرة في عالم ألعاب الفيديو، حتى لو لم تذهب بعيدا في محاولة إنتاجها بنفسها.

وتشمل هذه الحصص متاجر تطبيقات الأجهزة المحمولة من شركتي آبل وغوغل، ويجري عبرهما أكبر قطاع منفرد في سوق ألعاب الفيديو.

وتجتذب منصتا تويتش التابعة لشركة أمازون، ويوتيوب التابعة لشركة غوغل جماهير ضخمة لمشاهدة ألعاب الفيديو.

ومن خلال سماعات أوكولوس تمتلك شركة ميتا (فيسبوك سابقا) حصة الأسد في سوق الواقع الافتراضي الناشئة.

وكشفت الصحيفة نقلا عن مصدر مطلع أن شركة أكتيفيجن بسبب أزمات متنوعة مرت بها ورغبتها في مزيد من الدعم كانت تواصلت مع جهات أخرى في مقدمتها فيسبوك، لمعرفة ما إذا كانت ترغب بعملية شراء، نظرا لتركيز القائمين عليها على العالم الافتراضي وتغيير اسم الشركة إلى ميتا.

وقال بوبي كوتيك، الرئيس التنفيذي لشركة أكتيفيجن، عند شرحه لصفقة مايكروسوفت إن انتشار المنصات والأشكال الجديدة للتوزيع جعلا من الصعب حتى على الكيانات مثل شركته مواكبة المتطلبات التكنولوجية لسوق ألعاب الفيديو اليوم.

وتصف كاترين رودي هاريجان، وهي أستاذة في جامعة كولومبيا الأميركية، تحرك مايكروسوفت تجاه أكتيفيجن بأنه ضربة وقائية لانتزاع الصدارة بعيدا عن ميتا في بناء الميتافيرس.

وتقول لـ"فايننشال تايمز": "سرقت ميتا البريق بانتقالها إلى الواقع الافتراضي، وشراء أكتيفيجن سيمنح مايكروسوفت فرصة لتكون لها على الأقل الأولوية في القرار قبل ميتا".