تحذيرات من تصاعد العنصرية تجاه العرب والمسلمين في أوروبا.. هل يمكن مواجهتها؟
.jpg)
تتفاقم حالة العداء ضد الجاليات المسلمة في أوروبا بشكل مثير للجدل، وسط مخاوف من أن تتغلغل تلك الحالة داخل مؤسسات صناعة القرار والتشريع ولدى ساسة الاتحاد الأوروبي، والشعوب أيضا.
عدة مشاهد ظهرت أخيرا تكشف أن حجم العداء للمسلمين في أوروبا يتضاعف، بل وانتقل من النخب اليمينية المتطرفة الكارهة للإسلام إلى الشارع الذي يجرى توجيهه بشكل مرعب في بعض الدول.
مشاهد كاشفة
المشهد الأول: ظهر عبر مقاطع فيديو لهتافات رددها متعصبون بمدينة "بريبوي" الصربية 7 يناير/كانون الثاني 2022، هاجموا خلالها المسلمين قائلين: "إنه عيد الميلاد، فلتطلقوا النيران على المساجد".
مقاطع فيديو تداولها نشطاء تُظهِر هتافات ردّدها متعصّبون في مدينة بريبوي الصربية يوم 7 يناير/كانون الثاني الجاري، هاجموا خلالها المسلمين قائلين: إنّه عيد الميلاد، فلتطلقوا النيران على المساجد! pic.twitter.com/dOubMzlnQ3
— TRT عربي (@TRTArabi) January 11, 2022
وفي بلدة "بانيا لوكا" بجمهورية صرب البوسنة، اعترض متطرفون صرب طريق مسلمين عقب أداء صلاة فجر 6 يناير 2022، وأطلقوا أعيرة نارية لترويعهم، مرددين عبارات معادية للإسلام.
أيضا، "نوفي بازار"، المدينة ذات الغالبية المسلمة داخل صربيا (جنوب غرب) شهدت هتافا عدائيا ضد المسلمين.
Bosniak Muslims who were leaving the mosque after early morning Fajr prayer in Janja, Republika Srpska, Bosnia were met with a column of cars who shot gunfire in the air to intimidate them and shouted fascist insults. https://t.co/cXrVB5ozOc
— Mersiha Gadzo (@MersihaGadzo) January 6, 2022
المشهد الثاني: توعد فيه مرشح الرئاسة الفرنسية اليهودي من أصول جزائرية والذي يقوم مشروعه على عداء الإسلام والتضييق على المسلمين، إريك زمور، 10 يناير 2022، بحظر جماعة الإخوان المسلمين حال فوزه بانتخابات الرئاسة.
صوت متطرف آخر يستهدف الإخوان المسلمين.. بعد استقبال ماكرون للناشط المصري رامي شعث، المرشح الفرنسي اليميني المتطرف إيريك زمور يتوعد بحظر الإخوان المسلمين في فرنسا حال فوزه في الانتخابات الرئاسية pic.twitter.com/rLWP4mCTGE
— مجلة ميم (@MeemMagazine) January 11, 2022
ومع قرب الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في أبريل/نيسان 2022، فإن المرشحين اتخذوها وفق مراقبين موسما للهجوم على المسلمين والمهاجرين.
العديد من السياسيين الفرنسيين فاقموا حالة الإسلاموفوبيا وأججوا مشاعر الكراهية لدى الناخب الفرنسي متخذين من العداء للمسلمين إستراتيجية لجذب الأصوات.
وتحدث الكاتب البريطاني ويل هوتون، في مقال له بصحيفة "الغارديان" البريطانية، 9 يناير 20221،عن الصحفي والسياسي إيريك زمور، الذي ظهر على الساحة في خريف 2021.
وأكد أنه "من متشددي الإسلاموفوبيا الذي يجادل بأن فرنسا على وشك أن يسيطر عليها الإسلام، ويتم اعتبارها البديل العظيم، وتنضم إليه الممثلة القديمة لليمين الفرنسي مارين لوبان، التي ظلت تقول أشياء مماثلة".
ولفت إلى أنهما يحظيان معا بأكثر من 30 بالمئة باستطلاعات الرأي، بينما حصل الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون على حوالي 24 بالمئة.
الكاتب أكد أن المسلمين الفرنسيين، يتكدسون في الضواحي، واصفا إياهم بـ"المهمشين والمعزولين"، فيما أسماه رئيس الوزراء السابق مانويل فالس بـ"الفصل العنصري الإقليمي والاجتماعي والأخلاقي"".
الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة، تحدث عن مخاوف مما قد يطال مسلمي أوروبا قائلا: "حين يكون الإسلام في قلب الحملة الانتخابية باريس، ويحذر إريك زمور من احتلال المسلمين لها، وتعزف لحنه ماري لوبان، وينخرط ماكرون بطريقته؛ فهذا يعكس شيخوخة فرنسا".
وأضاف عبر "تويتر": "لكنه يعني أيضا أن المسلمين أصبحوا عنصرا مهما في حاضر أوروبا ومستقبلها، وعليهم أن يعوا ذلك ويتصرفوا على أساسه".
حين يكون الإسلام في قلب الحملة الانتخابية بفرنسا، ويحذّر "إريك رمور" من احتلال المسلمين لها، وتعزف لحنه "ماري لوبان"، وينخرط "ماكرون" بطريقته؛ فهذا يعكس شيخوخة فرنسا، لكنه يعني أيضا أن المسلمين قد أصبحوا عنصرا مهما في حاضر أوروبا ومستقبلها، وعليهم أن يعوا ذلك ويتصرّفوا على أساسه.
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) January 10, 2022
مرحلة قاسية
المشهد الثالث، حذرت فيه صحيفة "الغارديان" البريطانية من تعرض المسلمين في عموم أوروبا للخطر مع تولي فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي مطلع يناير 2022، ولمدة 6 شهور قادمة.
وتحدثت الصحيفة عن مخاوف من دفع باريس بإجراءات أكثر صرامة ضد المسلمين بكل دول أوروبا.
وعلى مدى 6 أشهر، ستحظى فرنسا بنفوذ كبير للمضي قدما ببعض المسائل والتوصل إلى تسويات بين الدول الأعضاء، فيما يدعو ماكرون إلى تعديل منطقة "شنغن" بشكل أفضل في وجه موجات الهجرة، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية مطلع يناير 2022.
وفي مقال لها كتبت المعلقة في شؤون الاتحاد الأوروبي شذا إسلام، 3 يناير 2022، أن "السبب الأدعى للخوف الآن هو أن فرنسا ستستغل فترة رئاسة الاتحاد الأوروبي للدفع بإجراءات أكثر صرامة على مستوى أوروبا".
وأثار حديث للرئيس الفرنسي ماكرون، الجدل بعد أن تحدث عن مخاوفه من انتشار الإسلام بأوروبا في 8 يناير 2022.
وقال ماكرون في تصريح للصحفيين، إنه يعارض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لأن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تساهم في انتشار الإسلام.
الكاتبة، أشارت إلى تطبيق فرنسا مجموعة سياسات معادية، وقرارات إدارية بإغلاق منظمات كالتجمع ضد الإسلاموفوبيا، ومساجد، ومدارس، ومطاعم بناء على ادعاءات صلتهم بجماعة الإخوان المسلمين.
ولفتت إلى هجوم وزراء فرنسيين على المفوضة الأوروبية للمساواة هيلينا دالي، بعد اجتماعها بأعضاء منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية (فيميسو)، الشبكة المشاركة بحملة مناهضة التمييز، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وختمت مقالها بالقول: "على الرغم من حديث الاتحاد الأوروبي النبيل عن المساواة والتنوع وعدم التمييز، يجب أن يستعد مسلمو أوروبا لبداية صعبة للعام الجديد 2022".
واعتقلت فرنسا وحدها 4 أضعاف "المشتبه بهم" من الإسلاميين مقارنة بأي دولة في أوروبا.
ومن باريس إلى فيينا، فإن المستشار النمساوي السابق سيباستيان كورتز، أطلق موقع "إسلام ماب"، في مايو/أيار 2021، ونشر أماكن 600 مسجدا، ما تسبب في ارتكاب وقائع عنف عديدة ضد المسلمين.
كما أقامت فيينا منتدى لمكافحة الفصل والتشدد في سياق الإدماج، كمؤتمر سنوي بمشاركة باريس وكوبنهاجن لمكافحة "الإسلام السياسي" و"التشدد اللاعنفي والإسلاموية اللاعنفية"، وفق تعبيرها.
ويوم 7 يناير 2022، أذاعت قناة "الجزيرة" القطرية فيلما وثائقيا بعنوان: "ليلة الاقتحام"، عرض وثائق سرية وشهادات حصرية تكشف عن معاناة المسلمين في النمسا، واعتقالات عملية "الأقصر" الأخيرة بإيعاز من دول عربية.
ووفق مقال الكاتبة شذا إسلام، فإن "الديمقراطيات الغربية بسكانها متعددي الأعراق في ورطة حقيقية إن لم تعم سياسات التسامح والاحترام المتبادل".
ورصد العديد من المراقبين حالة السباق بين الأحزاب اليمينية في معظم دول أوروبا على تصدير شعارات ضد المسلمين لكسب أصوات الناخبين وتحريضهم على الحضور الإسلامي.
السياسي والأكاديمي التونسي أحمد القديدي، كتب بمقال موقع "عربي 21"، بعنوان "الإسلاموفوبيا تحدد نتائج انتخابات أوروبا"، 6 يناير 2022.
وقال: "أينما اتجهت هذه الأيام في عواصم الاتحاد الأوروبي واستمعت للشعارات السياسية المرفوعة من قبل الأحزاب المرشحة إلا وقابلك الكم الهائل من استعمال شعارات (الإسلام يغزو قارتنا ويهدد هويتنا)".
وأضاف القديري: "لم يقتصر هذا الانحراف على أحزاب اليمين المتطرف المعروفة بل امتد لأحزاب اليمين الجمهوري المعتدل، فتسابقت جميعا لكسب الناخب الأوروبي محدود الثقافة السياسية والذي يشكل الضحية الأولى للتوجهات العنصرية".
لعبة سياسية
وكشف تقرير بعنوان "الإسلاموفوبيا في أوروبا 2020"، أن تلك الظاهرة تجتاح النظام التعليمي في أوروبا، مع اتساع انتشارها في المجالات السياسية والقانونية والاجتماعية، وارتفاع نسبتها بمنصات التواصل الاجتماعي بالقارة العجوز.
وأوضح التقرير الصادر في 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن "غالبية الدول الأوروبية لا تسجل حوادث الإسلاموفوبيا كفئة منفصلة عن جرائم الكراهية، رغم أهمية تسجيل الجرائم المعادية للمسلمين كفئة منفصلة عن تلك الجرائم للكشف عن نسبتها الحقيقية، ووضع إستراتيجيات لمكافحتها".
وأضاف أن "12 بالمئة فقط من المسلمين في الاتحاد الأوروبي، ممن تعرضوا للتمييز الديني، يبلغون السلطات بالحوادث التي يتعرضون لها"، مشيرا إلى تسجيل فرنسا 235 جريمة معاداة للإسلام عام 2020.
ووفق التقرير، يتعرض الطلاب الأتراك والمغاربة في هولندا للتمييز بسبب انتماءاتهم الدينية والعرقية، رغم حصولهم على جنسية البلد الأوروبي، وذلك بجانب حظر الحكومة البلجيكية ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم العالي.
وفي تعليقه على تصاعد حالة العداء والإسلاموفوبيا في أوروبا، قال الحقوقي المصري المقيم في المملكة المتحدة أحمد العطار، إن "العداء ضد الإسلام والمسلمين هنا ليس بالجديد ولا بالمستحدث".
"ولكن وتيرته تزداد وتنقص مع بروز أو وقوع أحداث معينة، من شأنها أن تثير العداء"، لافتا إلى أنها أصبحت لعبة سياسية بين الأحزاب بعدد من الدول.
وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أضاف العطار: "حتى نكون منصفين فإن بعض هذه الأحداث التي تفاقم حالة العداء؛ يُسأل بعض المسلمين المقيمين بأوروبا عنها وعن نتائجها".
واستدرك: "هذا لا ينفي أن الكثير من الأحداث والمواقف العدائية نابعة من طبيعة اليمين المتطرف في أوروبا، وما أكثره وبنسب مختلفة ببلدان القارة، فهم المسؤولون الأساسيون عن حالة العداء المتعمد هذه".
"ويشاركهم في ذلك؛ تساهل الحكومات المصنفة غير اليمينية في الظاهر والمتعاقبة، في عمليات للتصدي لهم؛ بل نستطيع القول إن أغلبها تنمي حالة العداء المعلنة من اليمين المتطرف وتساعد في إظهارها وإشعالها لحصد مكتسبات سياسية مختلفة".
الحقوقي المصري، أكد أن "العداء ضد الإسلام والمسلمين رغم بروزه بغالبية دول أوروبا بنسب متفاوتة وبين طبقات عمرية مختلفة يعتبر مصدر قلق كبير للجاليات المسلمة المتواجدة بأوروبا منذ عشرات السنين".
ولفت إلى أنه "بالرغم من المحاولات العديدة من الجاليات المسلمة بالاندماج في المجتمعات الغربية مع تقديم تنازلات معينة؛ إلا أن هذا الاندماج لم يتحقق بشكل مناسب، وبالتأكيد ليس كاملا لأسباب راسخة بأذهان الجميع".
ويعتقد أن تلك الحالة "لن يغيرها التصريحات الدبلوماسية والأحاديث والكلمات الطيبة دون تغيير جذري في وجدان الجميع؛ وشخصيا لا أعتقد أن يحدث ذلك بسهولة والدليل ما حدث في النمسا بحق الجالية المسلمة، والذي كشف عنه وثائقي لقناة الجزيرة".
وقال العطار: "إذا نظر للعدد الكبير الذي تعرض للتوقيف والاعتقال والاتهام بالرغم من تكريم المجتمع النمساوي لبعضهم والإشادة الحكومية بدورهم، وبالرغم من ذلك جرى اتهامهم بناء على وشاية أو معلومات غير صحيحة لم تتحر السلطات لبيان صدقها قبيل الاعتقال".
وأكد أن "هذه نماذج موكدة في أوروبا للتعامل الرسمي بحق المسلمين، ولكن يختلف باختلاف البلدان والحكومات كل حسب مصالحها وأجندتها الخاصة".
وختم العطار حديثه بالقول: "يجب على الجاليات الإسلامية عامة والعربية خاصة العمل للحفاظ على الهوية الإسلامية وتفعيل قضاياهم بشكل لا ينمي العداء ضدهم، والحرص على أفعالهم وتحركاتهم حتى لا تكون هدفا لهجمات أو تضييق".
المصادر
- "استحضار التاريخ".. لمَ يردد متطرفون صرب هتافات عدائية ضد الدولة العثمانية؟
- Islamophobia in Europe 'has worsened' in 2020: Report
- Why Europe’s Muslims are braced for France’s stint running the EU presidency
- Once Europe’s liberal hope, Macron is now prey to France’s toxic populism
- الإسلاموفوبيا تحدد نتائج انتخابات أوروبا