صعوبات قراءة وأخطاء بالنطق.. هكذا تنتهك اللغة العربية داخل البرلمان المغربي
تعرض البرلمان المغربي لانتقادات شعبية وحزبية مؤخرا، إثر ارتكاب بعض النواب المحسوبين على الائتلاف الحاكم أخطاء في القراءة بـ"اللغة العربية" ونطق الكلمات بشكل صحيح.
وأثار عدد من البرلمانيين جدلا واسعا، خاصة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استنكر ناشطون "التنكيل" باللغة العربية من طرف ائتلاف أطلق على نفسه "حكومة الكفاءات".
ودعت نخب سياسية إلى "معالجة" هذه الظاهرة التي تسيء لصورة المؤسسة التشريعية داخليا وخارجيا، حتى أضحت "مادة للسخرية" و"التندر"؛ ما يعطي "انطباعا سلبيا" عن العمل السياسي في المملكة.
صورة سيئة
وفي 11 يناير/كانون الثاني 2022، تفاجأ عدد من المتتبعين والبرلمانيين الذين حضروا جلسة الأسئلة الشفوية في مجلس النواب، بـ"المستوى الهزيل" الذي ظهرت به برلمانية عن فريق "الوحدة والتعادلية" التابع لحزب الاستقلال (ضمن الائتلاف الحاكم)، خلال قراءة مداخلتها بـ"اللغة العربية".
وظهرت النائبة البرلمانية جد مرتبكة وهي تتلعثم أثناء طرحها لسؤال موجه إلى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار وتقييم السياسات العمومية، محسن الجزولي، حول مستثمرين مغاربة في العالم.
وبالكاد استطاعت البرلمانية إكمال السؤال أمام استغراب المواطنين الذين تابعوا الجسلة على الهواء مباشرة، ووسط ذهول وابتسامات النواب الحاضرين.
كما أثار فيديو البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، هشام آيت منا، خلال مداخلة قرأها من ورقة، موجة سخرية في شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة أن العديد من المدونين تساءلوا "من كتب المداخلة البرلمانية له؟".
وبدا آيت منا، وهو رئيس ناد رياضي أيضا، في موقف محرج وهو “يتهجى” و”يتمتم” كلمته باسم الحزب قائد الائتلاف الحكومي، وظل عاجزا عن نطق جملة سليمة خالية من الأخطاء.
وقال الصحفي إدريس تزارني معلقا: "آلمني كمنتسب للرياضة وتفاصيلها أن يظهر رئيس ناد بتلك الصورة القاتمة.. من سوء الحظ (..) أن تتزامن سقطته اللغوية مع إحياء العالم يوم اللغة العربية".
وأضاف في تدوينة على "فيسبوك" أن "هذه السقطة وغيرها كثير مؤلمة مرعبة خصوصا إذا تعلق الأمر برئيس ناد لكرة القدم (ماكتعرفش) (لا تعرف) العربية أو الفرنسية سير (اذهب) واقرأ وتعلم لا بأس في ذلك".
من جانبه، كتب الناقد الرياضي، محمد مغودي، رسالة عبر صفحته على "فيسبوك" في 22 ديسبمر 2021 إلى آيت منا: "أعلن لك وأمام الجميع، أني مستعد لتقديم حصص الدعم والتقوية في اللغة العربية ودون مقابل، رحمة بالبرلمان المغربي".
وأضاف "المؤسسة التشريعية يجب أن تكون مدرسة نموذجية في إنتاج المعرفة الفكرية والسياسية والثقافة القانونية، وقواعد تقييم السياسات العمومية، وتقديم المقترحات ومشاريع القوانين، لكنك للأسف الشديد أسأت إلى كيانها وهيبتها".
واستطرد "صدقني، تألمت وأنا أتابعك، أشفقت على حال البرلمان، واستصغرت من زكاك، لأنه استصغر برلمان المغرب.. سي هشام.. حالك أمس لا أقبل به، ولا أرضاه إلا لعدو المغرب، والأخطر، بمستواك، دعمت من يردد شعار (لا ثقة في الحكومة.. لا ثقة في البرلمان)".
من جانبها، انتقدت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، تفشي "الأمية" داخل المجلس، قائلة خلال تصريح صحفي، في 20 يناير 2022، إن "ما يقع داخل البرلمان لا يجب أن يتحول لمادة يضحك بها المغاربة، لأنه واقع يبكي".
وأكدت أن "المغرب يتوفر على طاقات كثيرة وفي مجالات مختلفة يسمع صوتها بالخارج، لكن للأسف يجري تهميشها في بلدها، مع تشجيع الرداءة والبلادة بالمقابل".
وقالت منيب "طالبنا الدولة قبل الانتخابات، بأن المرشحين يجب أن يتوفر لها مستوى تعليمي، في البلديات المستوى شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، وفي البرلمان الإجازة (البكالوريوس) أو الدكتوراه، لكن الدولة لم تقبل ذلك وأصبحنا مهزلة".
مشهد بائس
وخاطب رئيس الجلسة، عبد الواحد الراضي، النواب وقتها بالقول: "من لا يعرف كتابة اسمه، يطلب من النائب الذي يجلس بجانبه أن يساعده".
مقطع الفيديو انتشر على منصات التواصل الاجتماعي في المغرب، وشهد ردود أفعال مختلفة حول أمية العديد من البرلمانيين.
واعتبر الحقوقي محمد الزهاري، عبر تدوينة على حسابه بـ"فيسبوك"، أن "ما وقع بقبة البرلمان يؤكد لماذا كنا نطالب دائما بضرورة تحديد شرط المستوى الجامعي العالي".
وأضاف "لا يعقل أن يتولى السلطة القضائية نساء ورجال القانون، والسلطة التنفيذية الكفاءات العلمية والأكاديمية، في حين تبقى السلطة التشريعية مفتوحة للأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة".
وأوضح الزهاري أن "الاختصاصات التشريعية والرقابية للبرلمان تقتضي أن يحدد مستوى الإجازة (البكالوريوس) على الأقل، للترشيح لمهمة النائب أو المستشار البرلماني حتى لا تتكرر المهزلة التي وقعت في مجلس النواب".
وفي غياب أرقام حديثة، سبق لمجلس النواب أن أفصح عام 2017 عن كون 100 برلماني لا يملكون على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، وأن 4.5 بالمئة من مجموع البرلمانيين لم يتجاوزوا المستوى الابتدائي.
هذا فضلا عن كون 20 بالمئة لهم مستوى ثانوي، في حين أن خمسة نواب في المؤسسة لم يلجوا المدارس بشكل مطلق، وذلك من أصل 395.
وسبق للحكومة أن رفضت مقترحات برلمانية بإقرار الثانوية العامة كشرط للترشح للانتخابات التشريعية، وهو المقترح نفسه الذي دعت له "فيدرالية اليسار الديمقراطي" (حزب معارض)، موضحة أن "هذا الشرط كحد أدنى، هدفه تجويد أداء البرلمان، المطالب بالاستجابة لانتظارات الشعب".
أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، رشيد لزرق، أوضح أن هناك جدلا بين طرحين، يذهب الأول في اتجاه ضرورة إلزامية أن يكون للمترشح مستوى تعليمي جامعي كشرط من شروط الترشح لمجلس النواب، فلا يمكن للمشرعين أن يكونوا أميين وجهلاء فذلك يساهم في انحدار الأداء التشريعي.
فيما الفريق الآخر، يعتبر هذا الشرط غير دستوري لأن "البرلمان ينبغي أن يكون مرآة تعكس المجتمع بكل فئاته المتعلمة وغير المتعلمة"، وفق ما قال لزرق في حديثه لموقع "القدس العربي" 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويرى المحلل السياسي المغربي المختص في الشؤون البرلمانية أن الأمر لا يتعلق بإشكال قانوني، بل يكشف عن واقع حزبي، موضحا أن رؤساء الأحزاب لا يهمهم سوى المقعد كغاية وليس كوسيلة وهو جزء من أعطاب المنظومة الحزبية.
مثار سخرية
السياسي عبد الرحيم بوعيدة، نشر في 16 يناير 2022 مقطع فيديو تحت عنوان "كوميديا البرلمان"، انتقد فيه "الوضع الحالي" لمجلس النواب، مطالبا بإلغاء البث المباشر للجلسات لأنها "تعطي صورة سيئة للبلد".
وشدد على أن "البرلمان ضعيف جدا، لا يتوفر على الميكانيزمات والقدرة على المعارضة، وذلك لغياب نخب سياسية حقيقة تدرجت في العمل السياسي، وليس الأفراد الذين فازوا بالريع والمال".
وختم بوعيدة حديثه قائلا: "يجب إعفاء المغاربة من هذا المشهد السياسي البئيس، ومن نقل جلسات البرلمان في بث مباشر، لأنها تستفزنا وتتعبنا، وتظهر ضعفنا أمام العالم، وتقول للعالم هذا هو البرلمان المغربي وهذه نخبنا السياسية، للأسف نسوق صورة سيئة عن هذا البلد ذي التاريخ الكبير".
وقال الباحث في العلوم السياسية، أمين الإدريسي، إن "الوقائع المتواترة للمستوى الباهت والمتواضع الذي ظهر به مجموعة من البرلمانيين يمكن قراءته انطلاقا من المسار الذي وصل به هؤلاء إلى مجلس النواب".
وأوضح الإدريسي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الانتخابات الأخيرة (في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021) كان رهان الأحزاب الأساسي عليها، وخاصة التجمع الوطني للأحرار، إسقاط حزب العدالة والتنمية".
وبين أن "الوصول إلى ذلك الهدف كان يهون دونه جميع الطرق والوسائل المستعان بها".
وأشار إلى أن "هدف أغلبية الأحزاب أيضا ترشيح أشخاص يضمنون المقعد البرلماني، ولهذا لم يكن معطى المستوى الثقافي أو التواصلي أو الوعي السياسي مطروحا.
وكان الرهان على ما يطلق عليه في المغرب "صحاب الشكارة" (أصحاب المال) أو الأعيان لحشد الأنصار، وفق قوله.
وتابع الإدريسي: "وبالتالي كان مستوى الكثير من هؤلاء الذين وصلوا للبرلمان بهذه الطرق ضعيفا، أظهرته الأيام اللاحقة بعد بدء الجلسات النيابية".
وأردف: "المشهد رديء ومتواضع جدا على مستوى الوعي السياسي للنواب وعدم قدرتهم على تركيب جملة مفيدة باللغة العربية أو حتى اللهجة المحكية في المغرب".
وأيضا ما يصطلح عليه بـ"الزبونية السياسية"، ويعني أن هناك مرشحين وصلوا إلى البرلمان إما لقرابتهم العائلية أو علاقتهم الوطيدة بمسؤولي الأحزاب.
وهذا معطى آخر يوصل من لا كفاءة لهم، من خلال اعتماد مبدأ القرب من الزعيم أو القيادة السياسية للحزب.
كل هذه النقاط السابقة، وفق الباحث في العلوم السياسية، أفضت إلى "مشهد برلماني مثار سخرية وتندر، وأصبح المواطن يتلقف وينتظر السقطات تلو الأخرى التي أصبح البرلمان المغربي مسرحا لها، خصوصا في هذه الولاية الحكومية".
وختم الإدريسي حديثه بالقول "الملاحظ بشكل جلي أن مستوى البرلمانيين على المستوى السياسي والنقاش في الجلسات العامة، يبعث على النفور من متابعة المشهد، وهذا إفراز لمسار تريده الدولة، وذلك بأن يكون البرلمان ضعيفا مقارنة مع الحكومة أو مؤسسات رسمية ذات صلة".