الفيدرالي الأميركي يعتزم رفع الفائدة.. لهذه الأسباب قد تدخل الدول العربية أزمة جديدة

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يستعد البنك الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة عن نطاقها الحالي بين صفر - 0.25 بالمئة، لكبح جماح التضخم الحاد في البلاد، ما قد يؤدي إلى تباطؤ تدريجي في النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة والدول التي تربط عملاتها بالدولار والدول الناشئة.

إذ ترتفع قيمة الدولار برفع سعر الفائدة عليه لانخفاض المعروض منه وترتفع كذلك العملات المرتبطة بالدولار لأن البنوك المركزية التي تصدرها تحذو حذو الفيدرالي الأميركي، مما سينعكس بالسلب على الدول المستوردة وبخاصة الناشئة.

وارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة بأسرع وتيرة منذ حوالي أربعين عامًا خلال ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث صعد المؤشر إلى 7 بالمئة على أساس سنوي وهي أسرع وتيرة منذ يونيو/حزيران عام 1982.

ويؤدي رفع الفائدة إلى انخفاض أرباح الشركات وارتفاع تكاليفها نتيجة رفع تكلفة الاقتراض للأفراد والشركات.

فكلما زاد سعر الفائدة ارتفعت كلفة الاقتراض وانخفضت أحجام السيولة في السوق.

ومع تراجع أحجام السيولة، يتراجع الطلب وتنخفض أرباح الشركات ما يدفعها إلى مراجعة خططها التوسعية وتخفيض أحجام استثماراتها وربما تخفيض نفقاتها.

وهذا الأمر ينعكس سلبا على النشاط الاقتصادي ونسب النمو، ما قد يؤثر بالسلب على أميركا نفسها وليست الدول الأخرى فقط.

الاقتصاد العالمي

ويختلف تأثير رفع الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي بين بلد وآخر من حيث مكونها الاقتصادي واحتياجاتها، ومدى ارتباط عملتها المحلية بالدولار وحجم البطالة والنمو لديها.

وبحسب أستاذ الاقتصاد بالجامعة اللبنانية، جاسم عجاقة، فإن التداعيات تختلف من دولة لأخرى بحيث طبيعة اقتصادها، فبمجرد ارتفاع أسعار الفائدة تهاجر رؤوس الأموال من الدول المختلفة إلى أميركا طمعا بالفائدة العالية.

وأضاف عجاقة، لـ"الاستقلال": "هنا تبدأ التداعيات نظرا لأن ذهاب جزء من هذه الأموال يعني فراغ هذا الجزء في البلد الأم ما يعني خروج الأموال من الدول الناشئة وحتى الدول النفطية".

وذلك لأنه بمجرد رفع الفائدة بشكل تدريجي تصبح العائدات على الاستثمارات بأميركا أهم من هذه الدول الأخرى.

وهو ما يعني أن الدول الناشئة والنفطية وتلك التي تربط عملتها بالدولار بشكل أو بآخر تتضرر وكذلك بعض الدول التي ليس لديها مقومات اقتصادية.

وبالتالي يمكن القول إنه سيكون هناك إضعاف للنمو الاقتصادي بالدول التي خرجت منها رؤوس الأموال لصالح النمو الأميركي، وفق تعبير عجاقة.

ويؤدي ارتفاع قيمة الدولار نتيجة رفع سعر الفائدة إلى مزيد من الضغط على أسعار النفط إضافة إلى العوامل الأخرى مثل حجم المعروض منه وانخفاض الطلب عليه.

لهذا، فإن تراجع أسعار النفط يضع أعباء على الدول المصدرة للنفط ويجعلها أمام تحدي تطوير بدائل أخرى للدخل.

ويظهر دور الدولار بشكل جلي كونه يستحوذ على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، ويتميز بكثافة التداول، حيث يعد على رأس العملات المستخدمة في التجارة العالمية.

ويجرى سداد قيمة أكثر من نصف قيمة صادرات العالم بالدولار الأميركي. وتسعر كل دول منظمة أوبك (المصدرة) نفطها بالدولار، ولذلك فإن أي اضطراب في سعره يؤثر على أسعار تلك السلع، وعلى تقييم العملات الأخرى.

كما يستخدم الدولار في نحو 90 بالمئة من العقود التجارية على مستوى العالم، أي ما يقدر بنحو 5 تريليونات دولار يوميًا.

ويُستخدم تريليونا دولار في معاملات أسواق الصرف الأجنبي يوميا كما يدخل في تعاملات البورصات المالية العالمية بكثافة قدرها 87 بالمئة من التعاملات.

 لذا تتميز التعاملات الدولارية بسهولة التحويل من وإلى العملات الأخرى أو الذهب.

بدوره، قال رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، إنه من الطبيعي أن ترفع أميركا الفائدة لكبح التضخم الذي تشهده ليست وحدها ولكن العالم كله أيضا.

ويرجع هذا إلى أن المصارف المركزية العالمية تعتمد سياسة تيسيرية لتخفيف من وطأة جائحة كورونا التي كبلت الاقتصاد العالمي.

وأشار مارديني، لـ"الاستقلال"، إلى أن الولايات المتحدة الآن تشهد وضعا اقتصاديا جيدا، حيث بلغ معدل النمو بها 3.9 بالمئة وكذلك مؤشر الاستهلاك والمعاشات.

كما أن أسعار الأصول المالية (أسهم الشركات أو العقارات وغيرها) مرتفعة، وبالتالي لن يؤثر رفع الفائدة كثيرا بشكل سلبي على الاقتصاد الأميركي.

وأوضح أن المشكلة الأساسية الآن تتمثل في الارتفاع الكبير للأسعار على المستوى العالمي التي يعد أحد أبرز أسبابه أزمة سلاسل التوريد.

ومع الانتشار السريع لمتحور أوميكرون الجديد فقد يكون هناك مشكلات بسلاسل التوريد بأعداد أكبر.

وذلك نظرا لوجود طلب كبير من قبل المستهلكين عالميا يصعب ملاحقته، لأن هناك دولا كثيرة ما زالت مغلقة بسبب الوباء ما يعني مزيدا من الارتفاع في الأسعار.

 هذا الأمر بدوره، يدفع البنوك المركزية حول دول العالم وليست أميركا فقط إلى رفع الفوائد.

ويعتزم البنك الفيدرالي الأميركي مع بداية مارس/آذار 2022، وقف شراء السندات الحكومية ضمن سياساته التشددية بجانب رفع أسعار الفائدة لوقف التيسير الكمي الذي حدث لمواجهة جائحة كورونا.

ويرى مارديني، أن هذا القرار يعد صحيحا كونه سيخفف الضخ الكمي للدولار، وبالتالي مع رفع الفائدة على أربع مراحل سيؤدي إلى معالجة التضخم بشكل سريع.

ولفت إلى أنه بمجرد رفع الفوائد في الولايات المتحدة سترتفع أسعارها عالميا، ما يعني العودة إلى الانضباط النقدي لوقف التضخم ومشكلة الفقاعات الموجودة بالأسواق المالية العالمية.

وألمح إلى أن البلدان التي ترفع فوائدها قبل غيرها سترتفع قيمة عملتها بشكل أكبر.

كذلك الدولة التي ترفع الفائدة بشكل أكبر دون التأثير على النمو الاقتصادي أو البطالة بشكل كبير سينعكس ذلك على عملتها بشكل إيجابي.

ومع ارتفاع قيمة الدولار تنخفض الصادرات الأميركية بسبب ارتفاع كلفتها ويكون ذلك في صالح الدول المصدرة ذات العملات الأخرى غير الدولار مثل دول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وغيرها.

وذلك نظرا لأن العملات الأجنبية الرئيسة مثل اليورو والاسترليني والين وغيرها تنخفض مقابل الدولار في وقت ترتفع أسعار وارداتها إذا كانت بالعملة الأميركية.

ويستخدم اليورو في التعاملات المالية العالمية بنحو 33 بالمئة من التعاملات، بينما المعاملات المالية بالين الياباني فلا تتجاوز نحو 23 بالمئة ونحو 12 بالمئة من التعاملات تتم بالجنيه الإسترليني.

الدول العربية

وتعد الدول العربية أبرز المتأثرين بارتفاع الفائدة الأميركية والدولار كونها تعتمد في غذائها وصادراتها على الاستيراد بتلك العملة.

بالإضافة إلى اعتماد بعضها على الديون الخارجية من خلال السندات والأذون التي تطرحها، وبالتالي مع هروب تلك الأموال سيتأثر النمو الاقتصادي بهذه الدول.   

وقال عجاقة، إن الدول العربية مقسمة إلى ثلاثة أقسام هي النفطية والخدماتية وشبه الصناعية.

وتابع: "الدول العربية ستشهد مثل كل الدول الأخرى خروج رؤوس الأموال منها إلى أميركا، وبالتالي سنجد الدول النفطية وشبه الصناعية تشهد تداعيات كبيرة عليها".

إذ ستربط دول مثل الخليجية عملاتها أيضا بالدولار بشكل اضطراري ومن ثم ترفع الفوائد حتى لا يزيد الضغط على عملاتها الوطنية مما يشكل ضررا كبيرا عليها، وفق قوله.

وينعكس تأثير رفع الفائدة سريعا على البنوك الخليجية، حيث سترتفع تكلفة الإقراض للأفراد والمؤسسات، الأمر الذي يزيد من صعوبة وتكلفة تمويل المشروعات والشركات، وبالتالي حدوث تباطؤ في النمو، خاصة مع تراجع أسعار النفط.

ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن دولة مثل لبنان سيكون وضعها صعبا نتيجة أنها ستشهد ضربة اقتصادية أيضا وضغطا كبيرا على عملتها الوطنية مما سيؤثر بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطن.

أما بالنسبة للدول العربية غير النفطية مثل مصر والسودان والمغرب والأردن والعديد من الدول الفقيرة، فإن قوة الدولار ستنعكس سلبا على اقتصاداتها، بسبب حاجتها الماسة للدولار الرخيص لاستيراد السلع والخدمات من الخارج به وبالتالي ستزيد فاتورة وارداتها.

كما سينعكس ذلك على الدول العربية التي اقترضت بالدولار حيث إن قيمة تلك القروض سترتفع عما كان عليه سابقا، وبالتالي ستزداد أعباؤها وقد ترتفع عجوزات ميزانيتها.  

من جهته، قال مارديني، إن الدول العربية تنقسم إلى نوعين، النفطية التي تتمتع بفوائض مالية سواء بميزان المدفوعات أو الميزانية العامة نتيجة أسعار النفط المرتفعة حاليا.

بالإضافة إلى ما لديها من احتياطيات مالية ولقاحات كورونا تكفيهم ونسب البطالة لديهم مقبولة، لن تتأثر بشكل كبير بارتفاع الفائدة الأميركية.

بينما الدول غير المستوردة للنفط تعاني اقتصاديا من مشكلات تفاقم البطالة وتضاؤل النمو بالإضافة إلى التضخم.

وبالتالي هؤلاء في حال اتخذوا خطوات بعدم رفع الفائدة، فسيؤدي ذلك إلى انخفاض عملتهم المحلية وارتفاع التضخم أكثر.

وفي حال رفعوا الفوائد فسيحافظون على قيمة عملتهم بشكل نسبي نتيجة الحفاظ على استقرار نقدي معين إلا أن معدلات النمو لديهم ستتراجع والبطالة سترتفع.

وحول الحلول، لن يبقى أمام الدول العربية الكثير خاصة في ظل ما تعانيه من ريعية واعتماد كبير في احتياجاتها على الخارج، بالإضافة إلى تبعية اقتصاداتها لنظيرتها الكبرى، وبالتالي فهي ستتأثر لا محالة، ولكن بنسب مختلفة عن بعضها البعض.

لذا يرى عجاقة، أن رفع الفوائد قد يكون حلا لكن ببعض الدول العربية لكن البعض الآخر منها شبه مستحيل، نظرا لعدم وجود نمو اقتصادي بالأساس بها.

وأشار إلى أن دولا مثل لبنان والأردن والسودان لا يمكن رفع الفائدة بها. لذلك فإن تخفيف تأثير رفع الفائدة بأميركا لا بد أن يكون قائما بالأساس على طبيعة مناخ الأعمال وتطلباته من أجل جذب الاستثمارات بشكل كبير، "وهذا بإطار دولنا العربية ليس بأمر سهل".

يضاف إلى تلك الدول مصر والمغرب والسودان وتونس وهي تعتمد على الاستدانة الخارجية في تلبية احتياجاتها.

وهو الأمر الذي سيدفعها إلى رفع أسعار الفائدة للحفاظ على استقطاب الأموال الخارجية إلى خزانتها لسد العجوزات التي تعاني منها، ما سيؤدي إلى اتساع خدمة الدين لديها. 

ويعكس هذا الواقع مدى احتياج الدول العربية على خلق اقتصادات منتجة قائمة على الاستثمار الحقيقي والصناعات ذات القيمة المضافة التي تمكنها من الاعتماد على نفسها خاصة في أوقات الأزمات العالمية بعيدا عن التبعية التي تسكب عليها فضلاتها.

فيما يرى مارديني أنه على الدول العربية وبخاصة التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم حذو الاقتصاد الأميركي باتباع سياسة نقدية شديدة عبر رفع الفائدة بشكل واضح وشفاف.

بالإضافة إلى تخفيض نفقاتها لتجنب زيادة العجوزات في ميزانيتها والحفاظ على توازن مالي مقبول يواكب هذه السياسة النقدية.