تأجج النزاعات في دارفور.. هل بدأ شبح الحرب القبلية يخيم على الإقليم؟
أفادت صحيفة إيطالية بأن إقليم دارفور السوداني لا يعرف السلام نتيجة ارتفاع حوادث العنف والاقتتال القبلي في عام 2021.
وبحسب صحيفة "نيغريسيا"، فإن الأسباب التي تقف وراء تصاعد الأعمال القتالية والعنف عديدة إلا أن أهمها التنافس للسيطرة على المناطق الغنية بالموارد داخل الإقليم وهي محل نزاع منذ ما يقرب من عشرين عاما.
مسرح للصراع
أشارت الصحيفة إلى أن إقليم دارفور، الواقع في غرب السودان وبمساحة كبيرة تعادل مساحة فرنسا، ظل مسرحا لصراع طويل منخفض الحدة اندلع في فبراير/شباط 2003 بين الجنجويد.
والجنجويد هي مليشيات عربية من أصل بدوي تنتمي إلى قبائل البقارة، يشكلون أقلية في المنطقة.
ولكن الأغلبية في بقية البلاد، ضد السكان غير البقارة في المنطقة، ويمثلهم الجماعات المتمردة من حركتي تحرير السودان، والعدل والمساواة.
وذكرت الصحيفة الإيطالية أن الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص، اتسم بالعنف غير المسبوق على غرار التطهير العرقي والاغتصاب الجماعي وتجنيد الأطفال وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية.
ولفتت إلى أن وقوع هذه الجرائم أدى لاحقا إلى اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني السابق عمر البشير بالمسؤولية عن ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
واستنكرت الصحيفة ما وصفته بتهيئة الظروف منذ عام على الأقل في الإقليم لتجدد الأعمال العدائية والتي تسببت عام 2021 بفرار أكثر من 400 ألف شخص من أراضيهم، وهو رقم أعلى بأربعة أضعاف مما كان عليه في 2020.
من جانبها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية في ديسمبر/كانون الأول 2021 أن فرعياتها بدارفور رصدت ارتفاع ضحايا الاقتتال بالإقليم إلى 248 قتيلا.
كما أعلنت اللجنة بولاية شمال دارفور، تسجيل 49 قتيلا بالولاية جراء أحداث دموية منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول.
وأفادت اللجنة المستقلة بأن الصعوبات التي تعترض السكان في الوصول إلى المستشفيات، قد تكون سببا لعدم وجود حصيلة دقيقة للضحايا.
وبدورها أفادت الصحيفة الإيطالية بأن حوادث العنف الجنسي ارتفعت بشكل ملحوظ وبلغت 200 حالة خلال العام 2021 وهو ما يثير مخاوف كبيرة خصوصا مع انعدام الأمن.
وتابعت: "الأنباء التي تفيد بأن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قد علق عملياته في جميع أنحاء شمال دارفور بعد نهب ثلاثة من مستودعاته، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع المتردي".
ووقعت عمليات النهب لمستودعات البرنامج في 24-25 ديسمبر بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وأعرب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي عن "سخطه من الهجمات غير المنطقية"، محذرا بأن تعليق التدخل الإنساني قد يؤثر خلال عام 2022 على ما يقرب من مليوني شخص.
انعدام الأمن
أردفت "نيغريسيا" بالقول: "هناك العديد من الأسباب وراء زيادة انعدام الأمن في الإقليم السوداني أبرزها بالتأكيد الفراغ الناجم عن انسحاب اليوناميد، بعثة حفظ السلام المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي التي ظلت نشطة في دارفور طيلة 13 عاما".
وفي 31 ديسمبر 2020، توقفت رسميا مهمة "يوناميد" في دارفور، التي تدخلت على خلفية نزاع بين القوات الحكومية وحركات مسلحة أودى بحياة نحو 300 ألف، وتشرد قرابة 2.5 مليون آخرين.
ألمحت الصحيفة بالقول إنه "على الرغم من أن اليوناميد لم تحم المدنيين بشكل مناسب دائما، فإن وجودها كان من المحتمل أن يمنع موجة عنف طويلة ومميتة".
وتابعت بأن انسحاب قوة حفظ السلام تسبب في تفاقم الوضع، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين المليشيات التي لا تزال نشطة في بعض المناطق.
وذكرت على وجه الخصوص منطقة جبل مرة الجبلية التي لا تزال معقل فصيل مسلح معارض هو حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور.
كما أسهمت التوترات التي سببتها الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام مع السلطات السودانية، في 31 أغسطس/آب 2020 في جوبا، بتجدد أعمال العنف وذلك لخشيتها من فقدان المناصب التي تحصلت عليها من الحكومة العسكرية بالخرطوم، وفق قول الصحيفة.
وعلى الرغم من أن اتفاق جوبا نص على انضمام مليشيات المتمردين إلى قوة مشتركة لحفظ الأمن، لم يحدث هذا لأن معظم الاتفاقات الأمنية لم يجر تنفيذها، تشير الصحيفة.
وقالت إن "اللجنة الدائمة لوقف إطلاق النار بقيادة الأمم المتحدة لا تزال تعمل على الرغم من الجمود السياسي في الخرطوم. لكنها لا تملك الوسائل لحماية المدنيين ولا الأدوات اللازمة لإحلال سلام دائم في دارفور.
عموما، لا يزال الانتقال السياسي العسير للبلد يواجه صعوبات أدت إلى استقطاب مجتمعي وغذت مظالم النخب المحلية ونتجت عنها درجة معينة من التمرد والانشقاق داخل بعض الجماعات مثل حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق جوبا.
كما أرجعت نيغيريسا جزءا من العنف الذي يشهده إقليم دارفور اليوم إلى الهجرة الموسمية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والتي تشق طريقها من وعلى طول الحدود مع تشاد إلى الجنوب نحو جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وشمالا باتجاه ليبيا.
وبحسب الصحيفة، تهدف الهجمات المستمرة ضد المدنيين إلى إجبار الفلاحين على مغادرة قراهم لإفساح المجال لمجتمعات البدو الرحل.
ناهيك عن أن الفلاحين يواجهون أيضا تهديدات مستمرة تتمثل في عمليات السرقة والجريمة التي تسببت في مزيد من زعزعة الاستقرار بإقليم دارفور.
من جانبهم، يلوم المراقبون المحليون المليشيات شبه الحكومية على غرار قوات الدعم السريع المجندة محليا، بشكل أساسي لعدم التدخل أو الأسوأ من ذلك، تقديمها الدعم لطرف ما على حساب آخر في النزاعات المحلية.
ويرتبط ذلك بالمصالح المتعلقة بمناطق تعدين الذهب في المنطقة.
وخلصت الصحيفة إلى القول إن هذه الأحداث تؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات متضافرة بين وكالات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين والسلطات السودانية لتجنب المزيد من التصعيد، وبالتالي منع تكرار وقوع أعمال عنف مروعة شبيهة بما حدث قبل عشرين عاما.