حرب هاشتاغ أنصار السيسي ومبارك.. ما علاقتها بخلافات الدولة العميقة في مصر؟
.jpg)
مع اقتراب الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عاد أبناء الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك لإثارة الجدل، عقب انتقاد نجله علاء مزاعم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي أن حكام مصر السابقين كانوا خائفين على مناصبهم وأضروا بالبلاد وهو ما نفاه الأول.
وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021، هاجم السيسي نظام مبارك، قائلا إن خوف من حكموا مصر على الكراسي جعلهم يرفضون زيادة أسعار خدمات النقل حتى أصبحت البلد "كُهنة" (خردة/ تعبير يدل على القدم وعدم الصلاحية للاستخدام).
ورد علاء عبر تويتر في 2 يناير منتقدا السيسي ضمنا بقوله: "لم تكن مصر في يوم ولن تكون بإذن الله كهنة أو شبه دولة قد تمر بأزمات لكنها تظل دولة كبيرة"، في إشارة إلى ادعاء السيسي المتكرر أنه استلم مصر "شبه دولة" وأنه يحولها لـ"دولة حقيقية".
مع كل الاحترام لحضرتك لم تكن مصر فى يوم ولن تكون بأذن الله كهنة او شبه دولة ؛قد تمر بأزمات وتواجه صعوبات وتحديات لكنها تظل دولة كبيرة لها وزنها وثقلها وهيبتها دولة كبيرة بشعبها وتاريخها وحضارتها و قيادتها وجيشها خير اجناد الأرض الذى حارب وانتصر ،حفظ الله مصر و كل عام وحضرتك بخير
— Alaa Mubarak (@AlaaMubarak_) January 2, 2022
ولم تكن هذه أول مرة يتدخل فيها الذباب الإلكتروني المحسوب على أجهزة المخابرات ليهاجم أبناء الرئيس المخلوع، لكن الهجوم هذه المرة أظهر وجود بعض التحولات في ولاء منتسبي الدولة العميقة بعد ثماني سنوات من حكم السيسي.
ويرى مراقبون أن مؤيدي علاء، وهو يبدي اهتماما أكبر بالشؤون العامة أكثر من شقيقه "جمال" الذي كان يعده مبارك الأب لوراثته، هم خليط من شبكة الدولة العميقة التي تضم رجال أعمال ومسؤولين سابقين وحاليين، ينقلون ولاءهم لكل رئيس جديد حفاظا على مصالحهم.
ويُظهر دفاعهم البارز هذه المرة عن علاء، ومهاجمة نظام السيسي، تحولا في ولائهم، بعدما استهدف السيسي مصالحهم المالية، وغلب مصالح الجيش، واعتقل رجال أعمال، واحتكرت شركاته العسكرية شؤون الاقتصاد.
ماذا جرى؟
في خطوة أثارت انتباه كثيرين، احتشد مؤيدون لعلاء مبارك علي مواقع التواصل بعد تغريدته، ودشنوا هاشتاغ (وسم) #علاء_مبارك_واحد_مننا، وتفوقوا في التريند المصري علي هاشتاغات مؤيدي السيسي مثل #ياعلاء_خليك_في_خيبتك.
بل وغردوا في هاشتاغ #انت_عاوز_مننا_ايه المعادي للسيسي الذي شارك فيه عدد كبير من المصريين منددين بتزايد الأعباء، وهدم منازل كثير منهم، فضلا عن ارتفاع الأسعار.
وعبر هاشتاغ "يا علاء خليك في خيبتك"، تحدث مؤيدو السيسي عن تدمير "مبارك الأب" للتعليم بعد تجاهله تطوير المدارس والمناهج، وترك آلاف المرضى يفارقون الحياة يوميا بسبب تأخر قرار للعلاج على نفقة الدولة.
وتحدثوا عن فشل الرئيس المخلوع في وضع منظومة صحيحة للتأمين الصحي، وانهيار الأوضاع في سيناء بعهده، وهو ما رأه مغردون حديثا مكررا عن نفس الحال في عهد السيسي أيضا.
وعقب هجوم لجان السيسي، دشن مؤيدو علاء مبارك عدة هاشتاغات حظيت بترتيب مرتفع وجاءت في مقدمة الترند المصري.
ودافع مؤيدو علاء عن فترة حكم مبارك، عبر هاشتاغ "علاء مبارك واحد مننا"، وأكدوا أن حال المواطن كان أفضل في عهد والده وقارنوا بين الأسعار والأجور في عهدي مبارك والسيسي.
من جانبه، انتقد كريم حسين مسؤول صفحة "أنا آسف يا ريس" المعروفة بدعم الرئيس المخلوع، من يسبون علاء مبارك "الذي يعرف خيره القريب والبعيد"، متحدثا عن تكفله بأعمال خير وأيتام وعقد مسابقات تحفيظ قرآن، على حد قوله.
بيشتموا علاء مبارك اللي خيره يعرفه القريب و البعيد اللي ياما تكفل بجهاز وجواز بنات أيتام وسترهم واللي اللي ياما جاب اجهزه عناية مركزة للمستشفيات واللي كان عامل مسابقات تحفيظ قرآن على مستوى الجمهورية.. بقينا في زمن الروبيضه فلا يحزنك قولهم☝️ #علاء_مبارك_واحد_مننا@AlaaMubarak_ pic.twitter.com/igzmgTdUQD
— karim huseein (@karimhuseen) January 5, 2022
وحرص مؤيدو علاء على وصفه بأنه "برنس" و"الباشا" و"المؤدب المحترم" ووصفوا ما كتبه بأنه "#تويته_الشرف"، بينما وصفوا السيسي ولجانه وإعلامه بـ"اللص والكلاب".
بالتزامن مع هجوم السيسي على رفض مبارك رفع الأسعار، نشرت صفحة "أنا آسف يا ريس" مقطعا مصورا للرئيس المخلوع يقول فيه: "كانوا عايزنى أذبح المصريين الغلابة وأزيد عليهم الأسعار وأخفض قيمة الجنيه 30 بالمئة وأرفع الضرائب ولا مجانية تعليم".
ورأى معلقون أن المقطع اتهام واضح للسيسي، بأنه هو – وليس مبارك – من يذبح المصريين برفع الأسعار.
مقابل سخرية وشتائم لجان السيسي لعلاء مبارك، رد مؤيدو الأخير بنعت السيسي بأوصاف "العرة اللى بيحكم"، و"القزم الجاهل" و"بلحة المنافق"، على حد قولهم.
وبين هجوم مؤيدي السيسي على علاء مبارك، ودفاع آخرين عن فترة حكم الرئيس المخلوع، ظهر فريق ثالث يسخر من الفريقين.
الفريق الثالث وعماده نشطاء ينتمون لثورة 25 يناير، سخروا من هجوم مؤيدي السيسي على علاء مبارك، وأكدوا أن من يتهمون مبارك بالفساد هم أنفسهم من يهاجمون ثورة يناير ويتهمونها بنشر الخراب بسبب الإطاحة بمبارك.
وأبدى معارضو النظام الحالي سعادتهم بهذه المعركة بين مؤيدي كل من السيسي ومبارك متهكمين بأنها "عراك على أيهما خرب مصر أكثر".
عاركة دايرة بين السيساوية و المباركية
— صاحب السعادة (@Happiness_owner) January 4, 2022
المباركية :::-» #يسقط_حكم_العميل
السيساوية :::-» #ياعلاء_خليك_في_خيبتك
باقي الشعب :::-» طوبة علي طوبة خلي العاركة منصوبة �� pic.twitter.com/DJ1z5rBOKb
ولخص الإعلامي المعارض أسامة جاويش ما يجرى بأن السيسي وعباس كامل (مدير جهاز المخابرات) ولجانهم يتبعون مبدأ لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك"، مؤكدا: "الخناقة مع علاء تدور حول: من فيهم خيبته أكبر ومن خرب البلد اكثر؟!"
السيسي وعباس كامل ولجانهم ماشيين بمبدأ
— Osama Gaweesh (@osgaweesh) January 4, 2022
لا تعايرني ولا أعايرك ده الهم طايلني وطايلك
خناقتهم مع #علاء_مبارك دلوقتي عن مين فيهم خيبته أكبر ومين خرب البلد اكتر ومين اللي فاشل أكتر
#ياعلاء_خليك_في_خيبتك هاشتاج جديد عن الحرامية لما يختلفوا مع بعض والضحية دايما هو الشعب الغلبان
ليس أول اشتباك
ولم يكن هذا أول اشتباك بين أنصار السيسي ومبارك، إذ سبق في 18 سبتمبر/ أيلول 2018 أن اشتعلت حرب كلامية مشابهة بين مؤيدي مبارك الابن والسيسي عقب تبرئة محكمة لعلاء وجمال في قضية التأثير على البورصة.
حينذاك فتح الصحفي ياسر رزق، الداعم بشدة للسيسي، المعركة بالحديث عن وجود "صفقة بين جمال مبارك والإخوان"، وبدأ التراشق بين الفريقين على مواقع التواصل.
"رزق" تساءل حينذاك عن أهداف جمال مبارك وهل يسعى للرئاسة مرة أخرى بعدما أجهض الشعب بثورة 25 يناير سيناريو التوريث.
وبدا أن هناك صراعا مكتوما بين أنصار الدولة العميقة، وفق محللين، وقيل إن هذا دفع السيسي لعقاب علاء وجمال مبارك وتحريض إعلامه ضدهما وحبسهما في قضية البورصة قبل أن يتم تبرئتهما لاحقا.
وقبل ذلك زاد من حدة الأمر تعليق علاء مبارك الساخر في أغسطس/ آب 2018 على دعاء روتيني لأحد متابعيه بأن يصبح أخوه جمال على عرش مصر العام القادم.
وتعليقا على رسالة تهنئة من مواطن بعيد الأضحى عبر تويتر: "كل عام وأنتم بخير والسنة القادمة يكون جمال على عرش مصر"، قال علاء عبر تويتر إن "الجزء الأول من الرسالة جميل أما الجزء الثاني الخاص بعرش مصر يحبسوا فيه جمال حرام عليك".
وأغضب تعليقه السيسي ونظامه، فحذفها علاء لاحقا.
واشتبك علاء مبارك أيضا مع إعلاميي النظام عدة مرات، وهاجم المذيع ابراهيم عيسى في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، منتقدا غضبه من رؤية صيدلي يقرأ القرآن في صيدليته، بدعوى "مواجهة الفكر المتطرف"، قائلا له: "وأنت مالك".
��الحقيقة مش فاهم ايه اللي مزعل الأستاذ ابراهيم عيسى ومعصبه لهذه الدرجة من رجل صيدلي يقرأ القرآن فى الأجزخانة ! وهل ده موضوع يستحق كل هذه الدوشة! الحقيقة كلام غريب جداً الرجل يقرأ قرآن او يصلي هو حر وشيء جميل طالما لا يقصر فى عمله ، مع كل الاحترام للأستاذ ابراهيم ؛ وانت مالك .
— Alaa Mubarak (@AlaaMubarak_) November 7, 2021
كما دخل علاء مبارك في صراع مع المذيع عمرو أديب في فبراير/ شباط 2019 وسخر من تحولاته عبر نشر مقطع مصور يبين نفاقه بين ما كان يقوله من مدح لمبارك ثم تحوله للهجوم عليه.
أن تُولد ذكراَ فهذا قَدَرُك .. أما أن تكون رجلاَ فهذا صنع يداك . . pic.twitter.com/dv4dNeJ7Dy
— Alaa Mubarak (@AlaaMubarak_) February 22, 2019
الدولة العميقة
هي شبكة من رجال الأعمال وغيرهم من أصحاب المصالح، ولديهم اتصالات ونفوذ إعلامي واقتصادي، يرون أن مصالحهم مهددة في عهد السيسي الذي يحرمهم من مكتسبات ضمنوها منذ سنين، بحسب دراسة لمركز "المسار للعلاقات الإنسانية" (أهلي/ مقره تركيا).
وتوضح الدراسة المنشورة في 9 يونيو/ حزيران 2020أن علامات وجود دولة عميقة بنظام سياسي تظهر في وجود شبكات غير رسمية متغلغلة بأجهزة الدولة تعمل وفق قواعد راسخة، تتصارع مع أطراف أخرى داخل الدولة بشتى الوسائل.
وأكد الدكتور عبد الله الأشعل، مستشار وزير الخارجية المصري السابق، في مقال بجريدة القدس العربي في 10 فبراير 2014 أن حديث الدولة العميقة ظهر بعد ثورة 25 يناير 2011.
وقال إنها "الدولة التي صممها مبارك وقامت على الفساد، وترابط المصالح، وتحالف عدد من القوى على إعلاء المصالح الشخصية على المصلحة العامة، فأصبحت الدولة العميقة رمزا للتنظيمات العصابية".
ورغم أن دراسة لموقع "درج" (مستقل) ترى أن السيسي أمسك بزمام الدولة العميقة حين أحكم قبضته على ثلاثة أجهزة أمنية كانت كلها تخدم نظام مبارك حتى رحيله، وبعده بدأت الصراعات بينها، حتى جاء السيسي ليُحكم قبضته عليها، إلا أنها تشير لاستمرار الصراع.
وتشير دراسة "درج" المنشورة في 29 يوليو/ تموز 2019 إلى أن المعركة لم تنتهِ بعد وأن لها فصولا أخرى، لأن أحد هذه الأجهزة (المخابرات العامة) أعمق من أن تتم السيطرة عليه بهذه السرعة.
ويدرك السيسي جيدا الدور القوي لرجال الأعمال وأصحاب المصالح في أجهزة الدولة المختلفة، لذا يتبنى منذ مدة سياسة ممنهجة لاعتقال وسجن والاستيلاء على أموالهم وشركاتهم.
وتصور هؤلاء وغيرهم من رموز الدولة العميقة أن مصالحهم ستستمر مع السيسي، لكنها تضررت بشكل كبير، بعدما انتقلت الامتيازات منهم لقادة الجيش، إضافة إلى قرارات السيسي الاقتصادية العشوائية الي يصدر بعضها "على الهواء" وتستهدفهم باستمرار.
منافسة على الرئاسة
وهذا التأثير للدولة العميقة يحتاج لرمز سياسي يترجم قوته، والسيسي يسعى للقضاء على أي رمز سياسي أو عسكري يبدو منافسا له.
لكن السيسي لا يزال قلقا من منافسة جمال أو علاء مبارك له مستقبلا، وحين أُخلي سبيل علاء وجمال في قضية التلاعب بالبورصة في 20 سبتمبر/ أيلول 2018، بعد حبسهما يومين فقط، طُرحت عدة تفسيرات.
وأكد مراقبون أن السيسي هو صاحب قرار حبسهما ثم إطلاق سراحهما بعدما أبلغاه ضمنا أن "الدرس وصل" بعدما هددهما بتلفيق اتهام جديد هو عقد صفقة مع الإخوان، وكانت الرسالة واضحة بالتهديد أنهما يجب أن يقللا من "زيادة ظهورهما"، لكن التطورات الأخيرة تجعل هذا الاحتمال ضعيفا.
فيما رجح آخرون أن تكون سرعة إطلاق سراح جمال وعلاء، بمثابة هزيمة للسيسي وأن رموز الدولة العميقة التي لا تزال تدين بالولاء لأسرة مبارك، وبينهم قضاة، لعبت دور الحكم الفاسد في المباراة الأخيرة بين السيسي ونجلي مبارك.
لكن كان من الواضح أن السبب الحقيقي لإعادة اعتقال أبناء مبارك عام 2019 هو تخوف السيسي من احتمالات منافسة جمال مبارك وترشيح نفسه في انتخابات 2022، التي تأجلت إلى 2024 بعد تعديل الدستور في 2019.
وكان الإعلامي عمرو أديب، أعلن في 18 أبريل/ نيسان 2018 أنه من الضروري الاستعداد لانتخابات الرئاسة 2022 مؤكدا عدم ترشح عبد الفتاح السيسي في هذه الانتخابات.
وزعم أن "هذه الفترة الرئاسية للسيسي من 2018 حتى 2022 هي الفترة الثانية والأخيرة له، قائلا "أنا المسؤول عن هذا الكلام".
لكن التعديلات الدستورية عام 2019 أدت إلى التحايل وإبقاء السيسي في السلطة حتى 2024 بعد تمديد مدة الرئاسة من 4 لـ6 سنوات، مع احتمالية انتخابه مرة ثالثة 6 سنوات ليبقى حتى 2030.
ويؤكد ذلك حديث ياسر رزق عن "صفقة بين جمال مبارك والإخوان"، ومطالبته بـ"قطع الطريق على رموز النظام السابق والإخوان لعدم عودتهم إلى المشهد السياسي".