بمساعدة الأسد وأميركا.. لماذا تسعى إسرائيل لتغيير ديمغرافية الجولان؟

محمد أيمن | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أربعة عقود من قرار ضمها الجولان؛ وافقت حكومة الاحتلال بقيادة اليميني نفتالي بينيت على خطة لمضاعفة أعداد المستوطنين اليهود في مرتفعات الهضبة السورية التي احتلتها عام 1967.

تزامنت مصادقة حكومة تل أبيب على الخطة الاستيطانية الجديدة مع الذكرى الـ40 لتطبيق قانون الضم الإسرائيلي على هضبة الجولان الذي بادر به حينها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق مناحيم بيغن في ديسمبر/كانون الأول 1981. 

وقرر وقتها بيغن بصورة مفاجئة طرح "قانون الجولان" وجرى تمريره خلال يوم واحد في الكنيست (البرلمان)، بتأييد واسع من كل الأحزاب؛ التي رغبت في تبديد الغموض بشأن مستقبل الهضبة السورية.

وجاء ذلك بعد توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع مصر عام 1979؛ أعادت بموجبه شبه جزيرة سيناء كاملة إلى السيادة المصرية. 

جغرافية وتاريخ

وأوحت هذه الحقيقة حينها بأن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن الجولان كما فعلت مع سيناء؛ لكن ورغم تمرير قانون بيغن فإن ما تغير خلال الـ40 عاما الأخيرة في عمر المرتفعات السورية كان قليلا جدا، ولم تُبن تقريبا أي مستوطنات جديدة؛ كما ازداد عدد المستوطنين الإسرائيليين بصورة ضئيلة.  

لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بينيت، ومن أجل زيادة أعداد اليهود بمرتفعات الجولان؛ صدقت -خلال جلستها الخاصة التي عقدتها في 26 ديسمبر 2021 بمستوطنة "مافو حماة" في المنطقة السورية المحتلة على خطة لإقامة مشاريع استيطانية قد تكون جاذبة للمستوطنين اليهود.

وبادر إلى خطة زيادة مستوطنات الجولان المحتل؛ عراب الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة نفتالي بينيت، بالشراكة مع وزير القضاء الإسرائيلي جدعون ساعر؛ الذي يؤمن بـ"إسرائيل الكبرى".

 وترصد خطة الاستيطان الجديدة ميزانية أولية بقيمة مليار دولار بهدف جذب 23 ألف يهودي للسكن في الجولان حتى العام 2030.

وتهدف الخطة إلى بناء 7300 وحدة سكنية للمستوطنين على مدى خمس سنوات في المنطقة التي يستوطنها حاليا نحو 27 ألف يهودي، إلى جانب نحو 26 ألفا من الدروز والعرب السوريين، الذين رفضوا ترك أراضيهم بعد الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة.

تقع مرتفعات الجولان على مساحة قدرها 1800 كم مربع على الحدود الفاصلة بين الأراضي المحتلة وسوريا.

 وبالرغم من الاحتلال الإسرائيلي الحالي شبه الكامل لها؛ فقد كانت تحت السيادة السورية حتى حرب يونيو 1967.

ولم تشهد المناطق الحدودية سوى بعض المناوشات المتفرقة وتبادل إطلاق النار منذ استيلاء الاحتلال على مرتفعات الجولان في عام 1967. 

وكان الصراع الرئيس الوحيد الذي اشتعل بين دول المنطقة منذ احتلال الجولان؛ هو حرب 1973.

وخلال هذه الحرب، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جبهتين عربيتين مسلحتين بأحدث الأسلحة القادمة من الاتحاد السوفيتي حينها؛ على الجبهة المصرية في شبه جزيرة سيناء، والسورية في مرتفعات الجولان. 

ونشبت معركة كبرى بين القوات الإسرائيلية والسورية في الجولان ولو لم تتلق إسرائيل آنذاك الدعم العسكري الأميركي على الفور لخسرت الحملة العسكرية بأكملها، وليس تلك المرتفعات فقط؛ بحسب وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينغر.

لكن، وعوضا عن ذلك، مازالت الجولان تحت سيطرة إسرائيل ولا تزال المناطق الحدودية بين الطرفين تشهد مناوشات متفرقة حتى يومنا هذا.

ومنذ ذلك الوقت عمدت إلى عدم توثيق احتلالها لثلثي مساحة هضبة الجولان السورية، وحاولت طمس الحقائق؛ خاصة بشأن حقيقة أن عدد سكان المنطقة كان 138 ألف نسمة تقريبا قبل الحرب، بحسب صحيفة هآرتس العبرية.

وبحسب الصحيفة؛ لم يبق من أهل الجولان بعد التهجير سوى 6369 نسمة، فوصفت إسرائيل تهجير الجولانيين بأنهم "غادروا".

إذ يبلغ عدد سكان الجولان اليوم نحو 27 ألف نسمة، يتوزعون بين 6 قرى مجدل شمس، ومسعدة، وبقعاثا، وعين قينية، والغجر وسحيتا. 

ومنذ تسعينيات القرن الماضي عبرت الحكومات الإسرائيلية عن استعدادها للانسحاب من الجولان في مقابل اتفاق سلام مع النظام لسوري بحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق سابقا والباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة طلال المصطفى.

تخاذل وانحياز

وقال المصطفى لـ "الاستقلال" إن قرار تجميد إقامة المستوطنات في الجولان المحتل بدأ في بداية التسعينيات بعهد رئيس النظام السابق حافظ الأسد؛ على أمل إمكانية التوصل لاتفاق سلام بين الطرفين.

وكان هناك شكل من التقدم في مسار هذه المفاوضات؛ ظهر فيما عرف وقتها بوديعة رابين، التي نصت على الانسحاب من أجزاء واسعة من الجولان حيث جرى رسم الخرائط المتعلقة بهذا الشأن.

 لكن اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1996 علي يد الإسرائيلي "يجال عامير" خلَّص تل أبيب من تعهداتها بالانسحاب من الجولان.

وعزا الباحث في مركز حرمون للدارسات المعاصرة الخطوة الإسرائيلية بالتوسع في إقامة المستوطنات في الجولان إلى إستراتيجية النظام السوري القائمة على السعي للبقاء على رأس الحكم مهما كان الثمن ودون النظر لأي قضية أخرى.

وأضاف المصطفى بأن قضية تحرير الجولان أو حتى استرداد أجزاء منها؛ لا توجد في قاموس النظام السوري.

ويقول الباحث إن النظام أرسل العديد من الإشارات إلى إسرائيل بأنه لن ينفذ أي فعل لا عسكري ولا سياسي يؤشر لإمكانية المطالبة باسترداد الجولان حاليا أو مستقبلا.

وفي ذلك السياق قال نفتالي بينيت، الذي يعارض قيام دولة فلسطينية، وكان رئيسا سابقا لمجلس مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة؛ خلال إعلانه الخطة الاستيطانية الجديدة "إن مرتفعات الجولان إسرائيلية وستظل كذلك".

واستشهد باعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بذلك، وصمت إدارة خلفه جو بايدن على القرار.

فبعد تولي بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني 2021 أشار وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى أن هناك أسئلة قانونية تحيط بخطوة ترامب بشأن الاعتراف بإسرائيلية الجولان.

لكن بلينكن أكد أنه ليس هناك أي تفكير في التراجع عن القرار. في المقابل زعم بينيت أنه بعد عقد من الحرب في سوريا، خفّت الدعوات الدولية لإعادة الجولان إليها.

 وقال في معرض إعلانه خطة الاستيطان بالجولان نهاية ديسمبر 2021 "إن كل شخص مطلع يدرك أنه من الأفضل أن تكون مرتفعات الجولان إسرائيلية".

ويرى رئيس مركز القدس للدراسات عماد أبو عواد أن إسرائيل وجدت فرصة مواتية لإقامة مستوطنات جديدة في مرتفعات الجولان؛ التي تحظى بأهمية إستراتيجية كبيرة لإسرائيل.

وعليه سيكون توسيع بناء المستوطنات فيه أمر مهم وضروري لتعزيز تلك الأهمية، وفق حديثه لـ"الاستقلال". 

وقال عواد إن شعور إسرائيل بأن المعادلة الأميركية والروسية نجحت في ضبط مساعي النظام السوري وإيران لاستعادة الجولان؛ ساهم كذلك في إقدام تل أبيب على تعزيز احتلالها لتلك المرتفعات عبر خطة المستوطنات الجديدة.

ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة دمشق سابقا والباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة طلال المصطفى في حديثه لـ"الاستقلال" إن النظام السوري هو من عجل أيضا بالخطوات الإسرائيلية الاستيطانية في الجولان؛ منذ الأيام الأولى للثورة.

وينقل المصطفى تصريحات رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي قال "إن أمن إسرائيل من أمن سوريا".

وهي رسالة مبطنة مفادها "فلتتخذوا قرارا باستمرار بشار على رأس السلطة في سوريا ولن يكون لدينا مطالب غير ذلك". 

وهو ما ظهر بعد ذلك بحسب الباحث في تخلي الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية عن دعم الشعب السوري والمعارضة في مساعيهم لإسقاط نظام الأسد. 

الشرعية والأهداف

وبموجب القانون الدولي، فإن احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان غير قانوني، وذلك استنادا إلى ثلاثة قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: وهي القرار رقم 242 (1967)، وقراري مجلس الأمن رقم 338 (1973)، و497 (1981).

وتدعو الفقرة الأولى من قرار مجلس الأمن رقم 242 بوضوح إلى "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية" من المناطق المحتلة خلال حرب الأيام الستة، وهي شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان.  

كما يدعو قرار مجلس الأمن رقم 338، الذي مُرر خلال حرب رمضان (1973)، الأطراف المتنازعة إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 "بجميع أجزائه".

أما قرار مجلس الأمن رقم 497 فيذهب إلى أبعد من ذلك ويسلط الضوء بوضوح على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للجولان.

ويقول: "يعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة مُلغًى وباطلا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي".

وعزز قرارا مجلس الأمن 242 و338 خصيصا مبادرات السلام منذ تمريرهما، إذ استُخدم كلاهما لإضفاء الشرعية على مطالب العرب في خطط السلام مثل مشروع فاس 1982 ومبادرة السلام العربية 2002، ورفضت إسرائيل كلا المشروعين.

واستنادا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي وصف وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في حديثه إلى محطة الإخبارية التلفزيونية السورية تصرفات إسرائيل في الجولان المحتل بأنها "إجرامية"، مؤكدا أنها تنتهك القرارات الأممية، التي أعلنت بطلان ضم إسرائيل للجولان. 

كما اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في 27 من ديسمبر أن الخطة الإسرائيلية تمثل "انتهاكا صارخا" للقانون الدولي؛ الذي يعتبر المرتفعات أرضا سورية محتلة منذ عام 1967.

وطالب بيان الجامعة العربية المجتمع الدولي برفض وإدانة هذه الممارسات والضغط على إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية التي أكدت وجوب الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فيها الجولان. 

بدوره أكد الاتحاد الأوروبي عدم وجود تغيير في موقفه إزاء المنطقة، وقال إنه لا يعتبر الهضبة "جزءا من الأراضي الإسرائيلية".

فيما شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة بداية نوفمبر 2021 على سيادة سوريا على مرتفعات الجولان التي سيطرت إسرائيل على ثلثي مساحتها البالغة 1200 كيلومتر منذ حرب يونيو/حزيران عام 1967، وبنت عليها 33 مستوطنة يعيش فيها اليوم قرابة 27 ألف مستوطن يهودي.

ويرى عماد أبو عواد في حديثه لـ "الاستقلال" دافعا مهما للقرار الإسرائيلي بالتوسع في الجولان وهو الدفع باتجاه تخفيف ما يعرف بالضغط الديمغرافي في المناطق الوسطى، وما تعرف بمناطق غوش دان وشمال وجنوب هذه المنطقة. 

وفي ظل الحاجة الإسرائيلية للتوسع في عمليات الاستيطان؛ يتوقع أبو عواد أن تختلف مستوطنات مرتفعات الجولان عن المنطقة الاستيطانية في الضفة الغربية؛ بمعنى أنه يمكن أن يتواجد فيها طبقة علمانية أو ليبرالية، على عكس الطبقة القومية؛ كالحريديم.

وفي حال حدوث ذلك؛ ستؤثر تلك الخطوات بشكل كبير على المنطقة ككل بحسب أبو عواد؛ الذي يرى أن الخطة الجديدة ستعزز السيطرة الإسرائيلية على الجولان، ما قد يدفع باتجاه اعتراف دول أخرى بسيادة إسرائيل المزعومة عليها. 

وعلى الجانب الاجتماعي؛ ستكون للخطوة الإسرائيلية انعكاس سلبي على الفكر الجمعي؛ بشأن ضرورة مواجهة الاحتلال وانتقاله إلى ما يمكن وصفه؛ بتقبل الأمر الواقع له خاصة لدى سكان الشمال الفلسطيني والجنوب السوري في الجولان.

كما ستعطي هذه الخطوة بحسب الباحث طلال المصطفى دفعة معنوية للمستوطنين القدامى في الجولان المحتل؛ بأنهم لن يكون محل تفاوض مستقبلي لترك مستوطناتهم الغنية بالثروات الطبيعية.  

ويمكن أن تقطع هذه الخطوة بحسب المصطفى الطريق أمام أي حكومة إسرائيلية قد تفكر مستقبلا في التخلي عن مرتفعات الجولان لصالح السوريين؛ ما يعزز سيطرة الاحتلال على المنطقة.

يدعم ذلك كما يقول الباحث السوري تخلي الأسد عن أجزاء كبيرة من سوريا، سواء في مناطق الشمال التي تركها للأمريكان أو في طرطوس التي تركها للروس؛ وذلك بعد أن تحولت البلاد إلى عدد من الجزر؛ يحكم النظام بعضا منها فيما تتقاسم قوى أخرى بقيتها. 

ويتفق في هذه النقطة أبو عواد الذي يؤكد عدم وجود رغبة حقيقية لدى النظام السوري لاسترداد الجولان، خاصة أنه لم يبد مساعي حقيقية لتحقيق ذلك، في مقابل مساعيه الدائمة لتثبيت سلطته.