كثيرة التحولات.. هل تغير ميرال أكشنار الخريطة السياسية التركية مجددا؟
سلطت صحيفة "صباح" التركية الضوء على مسيرة زعمية حزب الجيد التركي المعارض ميرال أكشنار، معتبرة إياها متعددة المنعطفات والتحولات السياسية والشخصية.
وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 أسست أكشنار (65 عاما) حزب الجيد بعد انفصالها عن حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، لتتحالف لاحقا مع حزب الشعب الجمهوري المعارض.
ولدى حزب الجيد 36 مقعدا من أصل 600 بالبرلمان التركي، وهو ضمن تحالف الأمة المعارض الذي يشمل أيضا حزب الشعب الجمهوري وأحزابا صغيرة أخرى، في مواجهة تحالف الجمهور الحاكم المكون من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.
الدخول إلى السياسة
وقالت الصحيفة في مقال للكاتب "رمضان أك كير" إن تركيا سمعت اسم أكشنار لأول مرة قبل الانتخابات المحلية في 27 مارس/ آذار 1994، عندما بدأت رئيسة الوزراء حينها، تانسو تشيللر، تبحث عن مرشح لحزبها الطريق القويم، لرئاسة بلدية "كوجا إيلي" الكبرى، لتعثر في النهاية على أكشنار.
وكانت أكشنار حينها أكاديمية قومية لم تنشط في السياسة سابقا، وخسرت انتخابات بلدية كوجا إيلي، وهو في أول سباق انتخابي دخلته، لتتولى بعدها رئاسة الفرع النسائي في حزب الطريق القويم.
وأضافت أن نجم أكشنار سطع في الانتخابات العامة في عامي 1995 و1999، إذ انتخبت نائبة بالبرلمان عن حزب الطريق القويم. ومنذ ذلك الحين أصبحت بمثابة اليد اليمنى والمستشارة والمحامية لتشيللر (رئيسة الوزارء).
وعينت أكشنار بشكل مفاجئ في منصب وزير الداخلية بعد استقالة وزير الداخلية آنذاك محمد آغير في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، وكانت لا تزال بالمنصب عندما حدث انقلاب ما بعد الحداثة في 28 فبراير/ شباط عام 1997 الذي كان بمثابة يوم أسود في التاريخ التركي.
وأكدت "صباح" أنه رغم زعم أكشنار أنها وقفت في مواجهة الجيش خلال تلك الفترة، إلا أن الواقع كان مختلفا تماما، إذ كانت على علاقة طيبة بالجيش وقالت في مقابلة حينها مع الصحفي محمد علي بيراند إنها "تعتقد من الضروري تنفيذ قرارات الانقلاب".
وبحلول نهاية التسعينيات، بدأ حزب الطريق القويم يفقد ثقله السياسي شيئا فشيئا وكانت الصراعات محتدمة داخل الحزب. وبدأ النواب في الاستقالة واحدا تلو الآخر، وكان على أكشنار، وفق الصحيفة، أن تواكب التيار وتطيح بتشيللر وتجلس مكانها.
وهكذا بدأت أكشنار تنتقد تشيللر وتتهمها بالكذب والسرقة، آملة أن ترأس الحزب الذي تشكل الطبقة الفقيرة غالبية قاعدته؛ مستغلة أن تشيللر كانت سيدة من الطبقة البرجوازية، أما هي ففتاة جاءت من القرية.
لكن رغم ذلك فشلت أكشنار في مساعيها، لتقطع علاقاتها بتشيللر وتستقيل من الحزب كليا في يوليو/ تموز 2001.
انعطافات متتابعة
وأشارت "صباح" إلى أن أكشنار بعد ذلك انعطفت في مسيرتها متجهة إلى حركة التجديديين الديموقراطية بقيادة رجب طيب أردوغان وعبد الله غول.
وأعلنت أنها ستشارك في الحزب الذي سيؤسسه التجديديون، لكن علاقتها بالحركة انتهت خلال 29 يوما، بعد إخفاق توقعاتها في تولي منصب بإدارة الحزب الجديد.
ولم يكن طموح أكشنار ليقف هنا. بل انعطفت مرة أخرى لتعود إلى القومية وتنضم إلى حزب الحركة القومية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، تضيف الصحيفة.
وهكذا أصبحت أكشنار مرشحة حزب الحركة القومية عن بلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية لعام 2004، غير أن الحظ لم يحالفها هذه المرة أيضا.
وهنا حاولت أكشنار أن تغطي على خسارتها في الانتخابات بالإدلاء بتصريحات ذات لهجة قاسية. واتهمت حزب العدالة والتنمية بتشويه القيم الوطنية.
وبعد تعيينها نائبة لرئيس كتلة حزبها في البرلمان التركي، وضعت أكشنار قيادة حزب الحركة القومية نصب أعينها، وبدأت في انتقاد رئيس الحزب دولت باهتشلي، وإلقاء اللوم عليه عندما استوجب الأمر.
لكنها وجدت اسمها غير مدرج في قائمة حزب الحركة القومية للانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر 2015، فرفعت راية التمرد لأنها وجدت نفسها "على وشك فقدان البرغل الذي معها أثناء محاولتها الحصول على أرز دمياط" (مثل تركي).
ولم يمض وقت طويل حتى طردت أكشنار من حزب الحركة القومية في 8 سبتمبر/ أيلول 2016. لكن أكشنار لم تكن لتستسلم، وأسست في 25 أكتوبر 2017، حزب الجيد وتولت قيادته، لتترشح للانتخابات الرئاسية في 24 يونيو/ حزيران 2018. لكن الفشل لم يفارقها في هذه الانتخابات أيضا.
هدف جديد
ولفتت الصحيفة إلى أن أكشنار أطلقت حزب الجيد بهوية قومية. لكنها صفت جميع القوميين فيه. وبعبارة أخرى، فقد الحزب جميع مؤسسيه تقريبا من أصحاب الخلفية القومية.
وتكشف تصريحات فاتح أريلماز، آخر المستقيلين وأحد مؤسسي الحزب، نوع السياسية الذي تتبعه أكشنار، إذ يقول: "لا يمكن تحقيق الكمال بأدوات ضعيفة. لقد كانوا أول من انتهك المبادئ التي وضعوها، وقضوا على آمال الناس في هذا الحزب، رأيت آسفا أنه من المستحيل إنتاج سياسات أخلاقية وقائمة على المبادئ بما أن الأقوال والأفعال متناقضة تماما".
ووفق الصحيفة، هكذا يبدو أسلوب القيادة لدى أكشنار من خلال التحولات السياسية، ما يشير إلى علة خفية في السياسة التركية.
وأوضحت: فقبل كل شيء، تتمحور السياسة في تركيا حول القائد. ما يعني أنه يمكن للقائد صاحب الرؤية أن يحدث تحولات سياسية واجتماعية كبيرة في تركيا. لذلك يعتمد الناخبون على القائد (رئيس الحزب) ويصوتون وفقا لذلك وليس بحسب توجه الحزب ككل.
أما العامل الرئيس الذي يجعل أي قائد سياسي ناجحا، هي السياسة القائمة على المبدأ. أما الانخراط في السياسة دون مبادئ، فلن تزيد على أن تضيع حياة القائد السياسي.
كما أن العمل الجماعي أحد أسس النجاح. فالفريق الذي سيحقق رؤية القائد سيبني مستقبلا واعدا للدولة والقائد.
ولا شك في أهمية أمور أخرى مثل خلفية القائد ومسيرته السياسية وشخصيته ومعتقداته وأسلوبه في القيادة ومواهبه وإستراتيجياته وأيديولوجيته وأهدافه ومساهماته في الديمقراطية التركية.
إذ إن أصل القائد وظروف دخوله إلى السياسة، وتحولاته في حياته السياسية وخصائصه الشخصية، كلها عوامل حاسمة في السياسة التركية.
لذلك ينبغي التفكير وإعادة النظر في منعطفات أكشنار السياسية، لمعرفة هل نحن أمام قائدة سياسية نرجسية؟ وهل ستبقى أكشنار في تحالف الأمة المعارض في ظل ماضيها في التخلي عن رفقائها؟ وهل ستحاول الإطاحة بكمال كيليتشدار أوغلو، العمود الفقري لتحالف الأمة؟
وأضافت الصحيفة التركية أن كل هذه الأسئلة ستجيب عليها تحولات أكشنار القادمة.