لعبة جديدة.. لماذا تدعي "قوات سوريا الديمقراطية" حشد العشائر بالشرق؟
عادت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى اللعب مجددا بورقة العشائر العربية صاحبة الثقل الشعبي في مناطق شرقي سوريا، لتدعيم مواقفها التفاوضية بشأن مصير وجودها كقوة فاعلة هناك.
ومن الواضح أن مليشيا "قسد" تستغل الحدث وتضخمه إعلاميا، إذ أنها لم تنجح يوما في كسب أهالي العشائر لصفها في معظم قرى ومدن خط الجزيرة في محافظة دير الزور التي يشطر نهر الفرات نفوذ المليشيا على الضفة اليسرى منه، والنظام السوري على اليمنى.
ودفع "قسد" إلى هذا الطريق، وفق مراقبين، توجيه من روسيا، ظاهره نصيحة وباطنه توريط سيجبرها في النهاية على الإذعان لمطالب نظام بشار الأسد، الذي يضغط عليها بشكل متزامن عبر التواصل مع تركيا لتنشيط اتفاقية أضنة ودخول الجيش التركي إلى عمق 35 كلم حال تعرض أمنه القومي لتهديد.
حشد العشائر
في تطور جديد، عقد القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، اجتماعا مع الوجهاء وشيوخ العشائر العربية التابعين للمليشيا، داخل قاعدة حقل العمر النفطي شرقي دير الزور، أكبر قاعدة للقوات الأميركية شرقي سوريا.
وأكد عبدي خلال الاجتماع أن أي عملية تفاوض مع النظام السوري سيكون ذلك بوجود ممثلين عن أهالي دير الزور والرقة ومنبج بريف حلب، مشيرا أن لديهم خارطة طريق مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بدير الزور.
وكشف زعيم قسد، عن عرض تلقاه من نظام الأسد، يمنح قواته بموجبه استقلالية تامة بإدارة المناطق الكردية في شمال شرقي سوريا، شريطة انسحابها من المناطق العربية وتسليمها للنظام.
وأضاف عبدي أنه رفض هذا المقترح، وزاد قائلا: "العدو القديم ما زال يمكر لقسد وحاضنتها الشعبية"، في إشارة علنية لنظام الأسد.
وعن التسويات التي يجريها النظام والمليشيات الإيرانية غرب نهر الفرات، رفض عبدي المصالحة مع النظام، مرجعا ذلك لسعي "النظام إلى الالتفاف على الاستقلالية والديمقراطية".
وزعم عبدي أن الناس في تلك المناطق لا يعترفون بالنظام السوري، ولا يتفاوضون معه، إلا بشرط أساسي: وهو "الاعتراف بالإدارة الذاتية لقسد".
وتعليقا على الاجتماع ذكرت شبكة "فرات بوست" المحلية، أن قوات قسد هي من حددت أسماء الوجهاء وشيوخ العشائر، وكذلك المواضيع التي يمنع الحديث عنها أو طرحها في الاجتماع مع قائد قسد كي لا يجري إحراجه أمام وسائل الإعلام.
وبدا واضحا أن صراعا خفيا يدور بين النظام السوري وقسد دفع الأخيرة إلى محاولة تحشيد العشائر العربية حول المليشيا، وخاصة أن قائد قسد هاجم النظام وانتقده بشدة، لا سيما أن الطرفين يخوضان مفاوضات برعاية روسية.
تكسير عظام
وتسيطر "قسد" على غالبية من حقول النفط في الضفة اليسرى من نهر الفرات بمحافظة دير الزور، وأشهرها حقل "العمر" النفطي، الأكبر في سوريا، ويعد اليوم قاعدة عسكرية أميركية متقدمة.
ووفقا لوزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة عبد الحكيم المصري، فإن "قسد" تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، فيما يسيطر نظام الأسد على ما تبقى.
وتشكل هذه الحقول الخلاف الأكبر بين النظام السوري و"قسد"، وتتمحور حولها جميع المفاوضات بينهما، لكون استفادة النظام منها حاليا ضئيلة.
ولهذا فإن عقد قائد قسد لهذا الاجتماع مع العشائر العربية، برعاية أميركية وداخل نقطة عسكرية شديدة التحصين يمنع الاقتراب منها كونها منطقة عسكرية، هي رسالة تريد إيصالها للنظام السوري.
لكن مع حالة الخلاف الظاهر بين النظام السوري وقسد، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو ورقة العشائر، لا سيما وهي الكفة الرابحة في ميزان القوى هناك.
فمن جهة يرفض الأهالي إجراء أي اتفاق يبرم من وراء ظهورهم بين قسد والنظام السوري حول مصير مناطقهم، مفضلين بقاءها على وضعها الراهن تحت نفوذ المليشيا الانفصالية لأخف الضررين، على أن تصبح بين ليلة وضحاها تحت سيطرة النظام السوري، وبالتالي عودة أجهزته الأمنية بعد طردها لأكثر من تسع سنوات.
كما أنه على الطرف المقابل فإن الأهالي منزعجين من قسد التي تفرض سيطرتها بقوة السلاح الأميركي وبالترهيب والاعتقالات والاغتيالات والتهديد بعودة تنظيم "الدولة".
فمنذ أن أعلنت قوات قسد بدعم كامل من التحالف الدولي والولايات المتحدة، القضاء على تنظيم "الدولة" في 23 مارس/آذار 2019 في آخر معقل لها بالبلاد في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور، فشلت قسد في جمع العشائر العربية تحت مشروعها.
ويعود ذلك لتركيز قسد على التغلغل الأمني والتنكر لجميع الوعود التي قطعتها في القضايا التي تهم سكان دير الزور، فضلا عن سرقة عائدات النفط وعدم استخدامها في الخدمات، وتوفير الأمن، وخلق فرص العمل.
وتدرك قسد في ظل عدم توصلها إلى نتائج حول وجودها شمال شرقي سوريا ورفض النظام السوري الاعتراف بإدارتها الذاتية، أن الأهالي ينظرون لها على أنها سلطة أمر واقع وأداة بيد الولايات المتحدة، وما أن ترفع الأخيرة يدها حتى تختفي ولن يعود لها أي وجود.
حسابات أخرى
ويعتبر مراقبون كثيرون أن محاولة قائد قسد التحصن بالعباءة العربية شرقي سوريا ضد نظام الأسد، خطوة فاشلة ولن تأتي أكلها، وهناك حسابات أخرى أيضا للخطوة.
ويرى هؤلاء ومنهم الصحفي السوري حسن الشريف أن الرابح الأكبر من فشل هذه المناورة من قسد، ليس بشار الأسد بل تركيا التي تخشاها جدا قسد، لا سيما أن حشود أنقرة باتت متأهبة على الحدود لساعة الصفر ضد قسد".
وأضاف الشريف لـ"الاستقلال" أن هناك جملة من الأسباب تقف وراء محاولة قسد تمتين العلاقة مع العشائر العربية و"بدفع مباشر من روسيا".
أولها: "تهيئة الأجواء لأي انكفاء لقوات قسد من الشريط الحدودي مع تركيا مسافة 32 كليومترا ضمن محاولات الأخيرة حاليا تعديل اتفاق أضنة مع النظام السوري وبذلك تكون موسكو منعت العمل العسكري المحتمل من قبل تركيا ضد قسد".
واستدرك: "تدرك قسد أن كل تقليص لمساحة سيطرتها بسوريا عبر قضمها عسكريا من طرف تركيا كما حصل في عملتي نبع السلام وغصن الزيتون هو عامل مهم في تأليب المكون العربي عليها نتيجة نهبها للثروات وتحكمها بخيرات المناطق منذ 2019".
وتقضي اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1998 بأن تتوقف دمشق عن دعم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، وعدم السماح لعناصر الحزب في الخارج بدخول سوريا، وحظر أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها. كما تسمح لتركيا بتعقب عناصر التنظيم داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات.
وتعد "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد"، هي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من "بي كا كا" الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق.
وكانت وكالة سبوتنيك الروسية، نقلت بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 عن الرائد حيدرة جواد وهو ضابط مفاوض تابع للنظام السوري، قوله إن هناك مفاوضات جارية مع تركيا بخصوص منطقة شرق الفرات تتضمن وجودها العسكري، و"تنشيط اتفاقية أضنة".
وأضاف جواد أن "أهم نقاط التفاوض هي منطقة شرق الفرات والوجود العسكري التركي، ومناطق سيطرة قسد، إضافة إلى تنشيط اتفاقية أضنة بين سوريا وتركيا لدخول الجيش التركي بعمق 35 كم داخل الأراضي السورية في حال حدوث أي تهديد للأمن القومي التركي".
وأضاف جواد أن "هناك تقدما في المفاوضات ونأمل أن نتوصل إلى حل لهذه الأزمة".
وبحسب مراقبين، فإن وجود قوات النظام السوري بشكل رسمي على الحدود (باتفاق مع الروس) كطرف عازل بين الأكراد والأتراك، ربما يشكل أحد الضمانات التي يمكن للنظام السوري تقديمها لتركيا.
السلاح الأقوى
وأمام حالة الحراك التي تسعى عبرها قسد لاستمالة العشائر العربية، أو محاولة إظهار ذلك على الأقل، يرى القيادي السابق في الجيش السوري الحر المعارض شرق سوريا، صالح الحميدي أن قسد حاليا تعيش في وضع حرج".
وأرجع الحميدي ذلك بقوله لـ "الاستقلال": "نتيجة لاقتراب تفاهمات بين النظام السوري وتركيا انطلاقا من اتفاقية أضنة، ما جعلها تعود للسلاح الأقوى وهو الحاضنة الشعبية، والعمل على إظهارها تلتف حولها".
واستدرك الحميدي قائلا: "ما جرى من لقاءات بين مظلوم عبدي وشيوخ عشائر عربية موالية لقسد بالأساس ولا تملك قرارا داخل بنية القبيلة بمناطقها هو للاستهلاك الإعلامي كما تعودنا من أحداث مشابهة".
واعتبر الحميدي أن ما جرى "خطة روسية صريحة لها بعدان، الأول الظهور بمظهر المساند لقسد في هذه المرحلة التي تقترب من خلط الأوراق وتغيير خارطة السيطرة، وبنفس الوقت هي توجه قسد إلى نحو يصب في النهاية بمصلحة النظام السوري بدون شعورها بذلك".
"فقسد تتقاذفها الأمواج بين روسيا وتركيا والنظام، وتركت وحيدة من الولايات المتحدة تصارع للبقاء وستضطر في نهاية هذا الاستعراض الإعلامي غير المجدي للتفاوض مع النظام حول شرق الفرات، وهو ما تريده روسيا"، يضيف الحميدي.
وأردف قائلا: "لهذا أريد أن أنبه لمسألة هامة هنا، هو أن واشنطن عسكريا لم تعد تريد المنطقة، بل تريد أن لا يقترب حاليا أحد من النفط والغاز ومن قواعدها العسكرية الضخمة شرق سوريا لحين، على الأقل، تقرير إدارة جو بايدن حسم ملف الوجود الأميركي في سوريا".
وتابع قائلا: "فضلا عن ترسيخ قناعة لدى واشنطن كما أكد كثير من المسؤولين أن مسألة وجودها بسوريا مرتبط بالحل السياسي، فهي تمتلك الآن بيضة القبان في أي حل مرتقب من خلال الإمساك بملف النفط والوجود العسكري مع الناتو في قاعدة التنف جنوب سوريا".
المصادر
- مظلوم عبدي يناقش مع وجهاء عشائر دير الزور علاقة "قسد" بنظام الأسد
- “الأسد” يفاوض “قسد” بتسليمه المناطق العربية مقابل إطلاق يدها في المناطق الكردية
- "سبوتنيك": مصدر عسكري سوري يكشف عن مفاوضات مع تركيا
- مصادر: القوات الروسية تنفذ تدريبات شمال شرق سوريا وسط تهديدات تركيا بشن عملية عسكرية
- صحيفة تركية: أنقرة تجهز 35 ألف جندي لعملية عسكرية محتملة شمال سوريا