مصر تغرق.. هل ينهار نظام السيسي أمام تضاعف العجز والقروض؟
في ظل استمرار انتهاج نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سياسة اقتصادية قائمة على الاقتراض لتمويل العجز أو تسديد قروض مستحقة من خلال أخرى جديدة، يتزايد الدين العام يوما بعد آخر، وبخاصة الخارجي الذي وصل إلى نحو 137.8 مليار دولار.
ووفق تلك الآلية المتبعة أعلن البنك المركزي المصري في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، بيع أذون خزانة مقومة بالدولار لأجل عام بقيمة مليار دولار وعند متوسط عائد 2.995 بالمئة.
كما أعلن البنك عن أسعار الفائدة على سندات الخزانة في طرح 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
إذ تراوحت بين 13.8 بالمئة لسندات الخزانة التي تبلغ مدتها عامان، ونحو 14.5 بالمئة لنظيرتها التي تبلغ مدتها 5 سنوات.
بينما بلغ سعر الفائدة على سندات الخزانة التي تبلغ مدتها 10 سنوات نحو 14.7 بالمئة.
كذلك طرح البنك المركزي المصري في ذات اليوم سندات الخزانة بقيمة 10.250 مليارات جنيه (1 دولار = 15,74 جنيها)، نيابة عن وزارة المالية، لتمويل عجز الموازنة.
وتلجأ الحكومة لتمويل عجز الموازنة من خلال طرح سندات وأذون الخزانة كأدوات استدانة، وتعتبر البنوك الحكومية أكبر المشترين لها.
وبلغ حجم الدين الخارجي في مصر نحو 137.85 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2021، بينما بلغ الدين المحلي 270 مليار دولار أي بواقع 4.7 تريليونات جنيه في يونيو/حزيران 2020.
ومقارنة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن ديون مصر تعد الأعلى، حيث تعادل نحو 35.5 بالمئة من إجمالي ديون المنطقة في 2020، وفق تقرير للبنك الدولي.
وأشار تقرير البنك الدولي، الصادر في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلى أن ديون مصر ارتفعت من 36.77 مليار دولار في نهاية عام 2010 إلى نحو 131.58 مليار دولار بنهاية 2020 وبنسبة ارتفاع بلغت نحو 257 بالمئة.
بينما ارتفعت بحوالي 90 بالمئة خلال خمس سنوات؛ حيث بلغت في نهاية عام 2016 نحو 69 مليار دولار.
تداعيات الاقتراض
هذه الشهية المفتوحة في الاقتراض لها تداعيات اقتصادية سلبية كبيرة، فبدلا من إنفاق الدولة إيراداتها على المشروعات التنموية أو تقديم خدمات لمواطنيها تنفقها على سداد الديون، خاصة وأن ما تقترضه مصر لا ينعكس على القطاعات الحيوية في البلاد مثل التعليم والصحة وغيرها.
وبحسب الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، فإن اتجاه الحكومة المصرية للاعتماد على الديون في تمويل جزء كبير جدا من الموازنة وكذلك الاستثمارات العامة يدلل على أن ما تدعيه من تحسن في الناتج المحلي الإجمالي أو معدل النمو ليس له مردود إيجابي.
ودلل على ذلك خلال حديثه لـ"الاستقلال"، بالقول: "حال كان هناك مردود إيجابي فكنا سنرى حيزا ماليا للحكومة، يجري تحصيله من عوائدها أو عبر الضرائب أو الرسوم التي تأتي من السلع والخدمات التي تقدمها، يمكنها من التمويل الذاتي".
ويأتي رأي الصاوي متوافقا مع تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الصادر في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021، والذي حذر من اعتماد مصر على التمويلات الخارجية، وهو الأمر الذي توقعت الوكالة أن يجعل البلاد عرضة لتغيرات الظروف النقدية العالمية.
وأشارت الوكالة إلى أن الحل بالنسبة لمصر يأتي من خلال صندوق النقد الدولي عبر برنامج لحالات "صدمة السيولة"، ما يعني أن الأزمات الاقتصادية في البلاد أصبحت رهينة الحلول الخارجية وقرارات المستثمرين الأجانب في الدين المحلي.
فبعد تثبيت الوكالة مؤخرا التصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر عند مستوى +B مع نظرة مستقبلية مستقرة، حذرت الوكالة الدولية من أن التدفقات الوافدة "يمكن أن تنسحب استجابة لأي صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية.
وهو ما قد يضع السيولة من العملات الأجنبية وأسعار الفائدة والصرف تحت الضغط.
ووصلت حيازات الأجانب من الديون الحكومية إلى 34 مليار دولار خلال سبتمبر/أيلول 2021، في نمو قياسي بعد صدمة الأسواق العالمية في بداية جائحة كورونا عام 2020.
وأوضح الصاوي أن آلية الاستدانة المتبعة من قبل الدولة تنعكس على أرقام الموازنة العامة، فما تفعله الحكومة من سداد لأقساط الديون وفوائدها يقترب من إجمالي الإيرادات العامة.
لذلك نجد أن الحكومة في كل عام تدفع فوائد عالية بنحو 579.6 مليار جنيه وبما يعادل 37 بالمئة من حجم الإنفاق العام، يقول الصاوي.
ويبلغ إجمالي استخدامات مشروع الموازنة لعام 2021/2022 حوالي 2.461 تريليون جنيه (نحو 156.8 مليار دولار)، مقسمة إلى المصروفات بواقع تريليون و837 مليارا و723 مليون جنيه، وحيازة الأصول المالية بقيمة 30 مليارا و292 مليون جنيه، وسداد أقساط القروض بإجمالي 593 مليار جنيه.
ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة في العام المالي الجديد نحو 1.172 تريليون جنيه.
بينما يستهدف مشروع الموازنة لعام 2021/2022 زيادة الإيرادات العامة للدولة إلى 1.365 تريليون جنيه (78 مليار دولار)، منها إيرادات ضريبية تقدر بنحو 983.1 مليار جنيه (62.5 مليار دولار).
وهذا يبرز مدى تأثير الديون على موازنة الدولة، ويؤثر على قدرة صانع السياسة المالية والاقتصادية في أن يقدم خدمات جيدة، ويجعله عاجزا عن الوفاء باحتياجات المواطنين المتزايدة في تلك المجالات التي تعد بنودا رئيسة في صناعة التنمية البشرية بالمجتمع المصري، وفق تعبير الصاوي.
وتقع مصر في موقع متأخر على مؤشر رأس المال البشري الذي يصدره البنك الدولي، قياسا بباقي الدول العربية، أو بمتوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأيضا مقارنة بمتوسط العالم.
علما بأنه لم يطرأ أي تحسن على بيانات مصر بين 2018 و2020 بحسب البنك الدولي.
فعلى الرغم من أن الحكومات المصرية كانت توجه إلى التعليم المدرسي بأنواعه ما يوازي حوالي 5 بالمئة من الدخل المحلي حتى وقت قريب، فإن مصر أصبحت تعاني حاليا من نقص كبير في الإنفاق على هذا القطاع.
وبحسب قاعدة بيانات البنك الدولي، لم تعد الميزانية المخصصة للتعليم تتجاوز ثلث النسبة التي تخصصها له الدول النامية في المتوسط.
ويبلغ متوسط نصيب الطلاب من تلك الموازنة نحو 5405 آلاف جنيه سنويا، بينما يصل نصيب الطالب من الإنفاق العام في الدول المتقدمة (أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) إلى 11.200 دولارا في العام (ما يوازي نحو 175 ألف جنيه)، وفق بيانات رصدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بناء على بيانات البنك الدولي ووزارة المالية.
هل يوجد عاقل يصدق أن الطاغية الذي أغرق شعب مصر في الديون بمعدل تريليون (ألف مليار) جنيه لكل سنة من سنوات اغتصابه للحكم تنهبها العصابة الإجرامية الحاكمة دون أن يعود على الشعب أي عائد من جبال الديون هذه إلا أن سينوء شعب مصر بأجيالة الحالية والقادمة بعبء سدا الديون والفوائد.
— Nader FERGANY (@nfergany) March 14, 2019
من جهته قال الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، إن إقدام مصر على قروض جديدة سواء من الداخل أو الخارج أصبح أمرا اعتياديا، مشيرا إلى أن الحكومة في البداية كانت مخيرة ما بين الاقتراض أو عدمه في الماضي.
واستدرك ذكر الله في حديث لـ"الاستقلال": "الآن الحكومة مدينة للخارج بأموال كبيرة للغاية بسبب الاقتراض والإنفاق على مشروعات غير ذي جدوى اقتصادية ولا تعود بالعائد المناسب على الاقتصاد الوطني وعدم قدرتها على التحول نحو الإنتاج".
وبلغت قيمة الصادرات المصرية نحو 34.4 مليار دولار خلال عام 2020/2021.
فائدة مرتفعة
وتقدم مصر أسعار فائدة مرتفعة من خلال أطروحاتها لأذون الخزانة أو السندات لإغراء المقرضين، مما يعرضها إلى إضافة ضغوط مالية تسهم في تآكل إيرادات الاقتصاد المصري، فضلا عن ما تسهم فيه حجم القروض نفسها.
وأوضح الصاوي أن طبيعة الحكومات بشكل عام عندما تطرح أذون الخزانة والسندات تقدم هامشا في سعر الفائدة أعلى من البنوك لترغيب الجهات الأخرى للاكتتاب بها.
وأشار إلى أنه في مصر سعر الفائدة على الإقراض بالبنوك يبلغ 9.5 بالمئة وعلى الودائع 8.5 بالمئة بينما الفوائد على أذون الخزانة والسندات تبدأ من 13.5 حتى 15.5 بالمئة.
وبالتالي "نجد هامش الفارق في سعر فائدة البنوك، وأذون الخزانة والسندات يتراوح بين 4.5 وأحيانا 5 بالمئة، وهو هامش مرتفع، لكن الحكومة مضطرة لاستخدام هذه الآلية حتى تستطيع استيفاء احتياجاتها من التمويل".
ولفت الصاوي إلى أن سعر الفائدة الحقيقي الذي يعكس الفارق بين معدل التضخم وهذا السعر، يغري المستثمرين للإقدام على أدوات الدين المطروحة من قبل الحكومة.
فبطرح سعر الفائدة من معدل التضخم المقدر من قبل جهاز التعبئة والإحصاء عند 6.5 بالمئة فإن المدخرين في البنوك المحلية يحصلون على 2 بالمئة.
بينما يحصل المستثمرون في الدين العام الحكومي على سعر فائدة حقيقي قد يصل إلى 7 أو 9 بالمئة، والتي تعد هوامش ربح عالية.
وهو ما يجعل المستثمرين الأجانب يأوون للاستثمار في الدين العام الحكومي؛ لأنهم يحصلون على معدلات أرباح كبيرة جدا مقارنة بالأسواق الأخرى.
وأكد الصاوي أن الواقع الاقتصادي المصري يتطلب تخفيض سعر الفائدة قدر المستطاع حتى يستطيع المستثمرون الحصول على تمويل يقومون به بتنفيذ مشروعاتهم.
وأشار إلى أن ما يصلح للاقتصاد المصري والعربي والإسلامي بشكل عام هو الانتقال من آلية سعر الفائدة إلى آلية المشاركة.
يضاف إلى مخاطر الفوائد العالية ارتباط الاقتصاد بشكل مباشر بالتغيرات العالمية.
وحذرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، في 5 سبتمبر/أيلول 2021، من مخاطر تواجه الاقتصاد المصري بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، بالتزامن مع احتمال زيادتها عالميا.
وذكرت الوكالة أن أسعار الفائدة المرتفعة في مصر نجحت في جذب الأموال الأجنبية إلى السوق المحلية، على شكل استثمار في أدوات الدين (سندات، وأذونات).
لكن هذه الأموال، وفق الوكالة، قد تخرج من السوق المحلية في حال تنفيذ زيادات على أسعار الفائدة عالميا خلال الفترة المقبلة.
وبالتالي، في ظل عدم وجود أموال تقدم إلى المشروعات الحكومية المختلفة إلا من خلال القروض الأجنبية، يرى ذكر الله، أن مصر الآن في ورطة كبيرة.
وبين أنها مضطرة إلى الاستمرار في هذه القروض مستقبلا حتى تستطيع السداد.
ويرى أنه "في حال توقفت عجلة الاقتراض الخارجي التي تضع سيف الهيمنة والتبعية على المصريين، ستواجه الدولة أزمة عدم القدرة على السداد التي هي ممكنة في أي وقت".
ومع استمرار سياسة الاقتراض التي يصاحبها أسعار فائدة مرتفعة فإن مصر وضعت نفسها داخل دائرة مفرغة تلزمها بالاستمرار دون توقف، خاصة في ظل عدم وجود حلول اقتصادية حقيقية محلية تمكنها من خلق بدائل تمويلية.
وقال الصاوي، إن الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة مع الديون إلى الآن هي استبدالها، وهي آلية تعد مرهقة وتعكس عدم قدرة الدولة على إيجاد تمويل جديد لتنمية النشاط الاقتصادي.
وحول مسألة عجز مصر عن سداد ديونها، يرى الصاوي أن هذا الأمر لا نستطيع حسمه الآن؛ لأن الحكومة تحصل على مصادر تمويل من خلال الداعمين الإقليميين والمؤسسات الدولية.
وكذلك فهي تستطيع الاستدانة من سوق السندات الدولية بضمان بعض الموارد الاقتصادية.
لذلك فمسألة عجز نظام السيسي عن سداد الديون تحتاج إلى شيء من التروي في الحكم عليها حتى يتضح لنا طبيعة الأداء خلال المرحلة المقبلة، وفق تعبير الصاوي.