مع اقتراب موعد الانتخابات الليبية.. ما احتمالات اندلاع حرب أهلية جديدة؟
لا صوت يعلو اليوم في ليبيا على أحاديث الانتخابات الرئاسية، وما رافقها من استعدادات وخلافات وانتقادات وأحكام قضائية متعاقبة تقصي البعض وتعيد آخرين إلى السباق.
ورغم اقتراب الموعد المحدد في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، مثلما جرى الاتفاق عليه في ملتقى الحوار السياسي، فإن أطرافا ذات ثقل في المشهد الليبي أعادت مطالبتها بتأجيل هذا الاستحقاق إلى موعد تكون فيه الظروف أنسب.
وتعترض الانتخابات الرئاسية جملة من التحديات، منها ترشح كل من سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورفض التشكيلات المسلحة لهما.
إضافة إلى رفض بعض المكونات السياسية لقوانين الانتخابات، التي تسمح بقبول بعض المرشحين، كالقذافي وحفتر، فضلا عن التدخلات الدولية.
ويرى المتفائلون أن الوصول للانتخابات يمر بصعوبات كبيرة، بينما يعتقد آخرون أنها مستحيلة في ظل هذا الوضع وبغياب قاعدة دستورية، ومع وجود مرشحين جدليين وما يحملونه معهم من إرث دموي.
وهو ما قد يقرّب لعودة الصراع في ليبيا والانقسام من جديد مع تواصل احتفاظ كل الأطراف بقوتهم وعتادهم.
تراجع قضائي
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، قضت محكمة استئناف طرابلس، ببطلان حكم استبعاد اللواء المتقاعد خليفة حفتر من السباق الرئاسي، وأعادته للمنافسة في الانتخابات.
وقالت قناة "ليبيا الأحرار" إن "محكمة استئناف طرابلس أبطلت حكم محكمة الزاوية (غرب) باستبعاد خليفة حفتر من السباق الرئاسي وأعادته إلى المنافسة".
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قضت محكمة الزاوية الابتدائية باستبعاد حفتر من قائمة المرشحين للانتخابات.
وحفتر ثاني شخصية جدلية يتم إعادتها للمنافسة بحكم قضائي، بعد إعادة سيف الإسلام القذافي بشكل نهائي إلى سباق الانتخابات الرئاسية، بحكم من محكمة سبها، رغم الأحداث التي جرت حولها بعد محاصرتها من قبل مليشيات موالية لحفتر.
وكانت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا قد استبعدت سيف الإسلام القذافي من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية ضمن 25 مرشحا "لا تنطبق عليهم شروط الترشح".
وتناقلت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لاحتفالات نظمها عدد من مؤيدي وأنصار سيف الإسلام أمام مبنى المحكمة، معبّرين عن فرحتهم بعودته لقائمة مرشحي الانتخابات.
وجاء الاستبعاد استنادا "لمخالفته شروط الترشح، وفقا للمادة (10) من قانون انتخاب الرئيس في بندها (7)، الذي ينص على ضرورة أن لا يكون المترشح قد صدرت بحقه أحكام قضائية نهائية في جناية أو جريمة".
وصدر في حق سيف الإسلام القذافي بالعام 2015 حكما بـ"الإعدام"، رميا بالرصاص، بعد إدانته بتهم الضلوع بارتكاب جرائم حرب لقمع الثورة التي أطاحت بنظام والده العقيد معمر عام 2011، لكن الحكم لم ينفذ.
عام 2017، أعلنت المجموعة المسلحة التي كان محتجزا لديها إطلاق سراح القذافي وفقا لقانون "العفو العام" المثير للجدل الذي أصدره البرلمان الليبي، وكذلك، تؤكد المحكمة الجنائية الدولية أن مذكرة التوقيف بشأنه لا تزال "سارية المفعول".
في الوقت نفسه، نجح رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة بالعودة إلى السباق الرئاسي بعد أن تغلَّب على الطعن الذي تقدَّم به وزير الداخلية في حكومة الوفاق السابقة "فتحي باشاغا" ضد ترشُّحه.
واعتمد باشاغا على المادة 12 التي تشترط على المرشَّح تقديم استقالته وتوقُّفه عن العمل قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الانتخابات، وهو ما لم يفعله رئيس الحكومة الحالي.
توازنات عسكرية
منذ تحول ثورة 17 فبراير/شباط 2011، إلى ثورة مسلحة في وجه القمع الدموي لكتائب ومليشيات نظام معمّر القذافي، لم يتوقف الصراع لأسباب متعددة.
شهد الصراع أوجه بعد إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجوما في العام 2014، متأثرا بموجة الانقلابات والثورات المضادة في المنطقة العربية، قبل أن يقرر غزو العاصمة طرابلس في أبريل/نيسان 2019.
لكن مغامرة أمير الحرب الليبي السياسية والعسكرية لم تُؤتِ أُكلها في النهاية رغم الدعم الدولي والإقليمي الكبير الذي حظي به.
فبعد عام ونصف من القتال، صنعت قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا انتصاراتها المفاجئة، ونجحت في شنِّ هجوم مضاد استعادت به منطقة الغرب كاملة، ثم زحفت صوب تخوم الشرق الليبي، واستعدَّت لبدء معركة إسقاط مدينة "سرت" الإستراتيجية.
وتوصل طرفا الصراع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنيف في 23 أكتوبر/تشرين الثاني 2020 برعاية أممية.
إلا أن الحكومة الجديدة وإن كان من أهدافها توحيد مؤسسات الدولة، لم تحقق الشيء الكبير من ذلك، مع حفاظ جميع الأطراف على قوتها العسكرية، مما يجعل من نتائج الانتخابات غير قابلة للتنفيذ سوى بقبول أطراف النزاع بها.
واعتبر الصحفي الليبي معتصم وهيبة أن "مجلس النواب الليبي يحاول تأجيل الانتخابات لشبهات فساد في معركة الأحكام القضائية واتهامات لرئيس المفوضية العليا للانتخابات".
وأضاف وهيبة لـ"الاستقلال": "مجلس النواب ليس حياديًا وإنما يخضع لإرادة حفتر وهذا شيء لا يخفى عن الشعب الليبي".
وأردف: "نستطيع أن نستنتج أن حفتر لا يريد منافس قوي كسيف القذافي، والذي يمكنه ان ينتزع نسبة لا بأس بها من داعميه الذين أيدوه سابقا فقط لأنه حارب ما يصفونه بالارهاب والاخوان المسلمين".
وأكّد الصحفي الليبي أن " الانتخابات الرئاسية لا يمكن خوضها في وقتها، وسيتم تأجيلها لأسباب أمنية وتنظيمية المعقدة للغاية، فالشرق وأغلب الجنوب الليبي تحت سيطرة حفتر، وخارج سلطة وزارة الداخلية في طرابلس ".
واعتبر وهيبة أنه " في حال إجراء الانتخابات وفوز إحدى الشخصيات الجدلية، حفتر أو الدبيبة او سيف الإسلام، فإن الكثير من المناطق سترفض الانتخابات وستلجأ إلى السلاح من جديد".
فمدينة مصراتة مثلا وهي صاحبة الثقل العسكري الكبير في الغرب الليبي، ترفض وجود القذافي أساسا في السباق الانتخابي أو فوز حفتر، كذلك هو الحال لمعظم المنطقة الغربية.
من جهة أخرى لن يقبل المسيطرون على الشرق الليبي فوز أي شخصية عدا عن حفتر.
فضلا عن أن مؤيدي القذافي وعلى رأسهم الاعلامي حمزة التهامي، هددوا بزعزعة الامن في حال استبعاد سيف الإسلام بطريقة أو أخرى.
تمهيد للتأجيل
أبدى 70 نائبا في مجلس النواب الليبي، قلقهم إزاء "التطورات السلبية للعملية الانتخابية"، وطالبوا بعقد جلسة لمساءلة المفوضية العليا للانتخابات، والجهات القضائية المشرفة على العملية الانتخابية.
جاء ذلك في بيان صادر عن 70 عضوا بالمجلس، نشرته صحيفة المرصد (محلية خاصة) في 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، عبر صفحتها على "فيسبوك".
وقال البيان: "نتابع وبقلق شديد التطورات السلبية للعملية الانتخابية وعدم تنفيذ القانون والالتفاف عليه من قبل المؤسسات القضائية والمفوضية العليا للانتخابات والسكوت على شبهات التزوير وشراء الأصوات والتأثير على القضاء ترهيبا وترغيبا".
وطالب البيان "رئاسة مجلس النواب بعقد جلسة بالموعد القانوني ، على أن يمتثل رئيس المفوضية العليا للانتخابات (عماد السايح) وممثلي المؤسسات المشرفة على العملية الأمنية والقضائية للمساءلة".
وحذر النواب "المفوضية العليا للانتخابات من إعلان قائمة المرشحين النهائية، إلى حين انتهاء جلسة المساءلة ليتسنى لمجلس النواب تقييم الوضع وسبل إنقاذ العملية الانتخابية بموعدها".
قبلها بفترة قصيرة عبّر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في كلمة له أمام المؤتمر الوطني للشباب في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ، عن تخوفه من العودة إلى مربع الصراع بين الأطراف الليبية المتنافسة.
وقال في كلمته "نعي جيّدا حجم الصعوبات والمخاطر المحدقة ببلادنا، وتخوفنا الحقيقي من العودة إلى الصراعات القديمة التي تعب منها الليبيون وضاعفت من أزماتهم خلال السنوات الماضية".
"وهو ما يحتّم علينا من منطلق المسؤولية المحمولة علينا أن نبادر باتخاذ القرارات المناسبة التي تضمن السلم وتمكّن للمصالحة وتضع المنافسة السياسية في مربّع التنافس السلمي الديمقراطية دون عدوان أو مغالبة"، وفق البيان.
وبحسب مصادر خاصّة تحدثت لـ"الاستقلال" فإن المنفي يفكّر بجدّية في طرح مبادرة سياسية تدعو إلى تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية، إلى وقت تكون فيه الظروف أنسب وتأخذ المشاورات الوطنية وقتها الكافي لتجنيب البلاد سيناريوهات مشابهة لما شهدته إثر الاستحقاقات الانتخابية السابقة.
من جهته اعتبر رئيس مجلس الأمن الدولي، مندوب النيجر الدائم لدى الأمم المتحدة، عبده عباري، أن "الظروف ليست مواتية لإجراء انتخابات ليبيا في موعدها".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده عباري في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بمناسبة تولي بلاده للرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن لشهر ديسمبر/كانون الأول 2021.
وقال عباري في مؤتمر صحفي عقده عباري في مقر الأمم المتحدة في نيويورك "نقول لمن يرون ضرورة إجراء انتخابات في ليبيا بغض النظر عن التكلفة، إن الظروف ليست مواتية".
وأردف رئيس مجلس الأمن متسائلا "هل يمكن لليبيا أن تظل كدولة.. هل يجرون الانتخابات من أجل إجرائها فقط".
واعتبر الخبير والباحث في الشأن الليبي بشير الجويني أن "التحديات التي تواجه الانتخابات أكبر من الحسابات الداخلية والتوازنات بين المكونات أو مؤسسات الدولة".
وبين في حديثه لـ"الاستقلال": "الجزء الكبير من التأثير على الانتخابات يرتبط بتوازنات إقليمية وهو الذي يؤكّده عودة تعيين ستيفاني وليامز مبعوثة للأمم المتحدة في ليبيا التي سبق وأشرفت على الاتفاق السياسي قبل سنة".
وأكّد الجويني أن "هذا الغموض وهذه الحسابات الكبيرة والتغييرات الحاصلة تؤكّد صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وهو ما سيتأكّد خلال الأيام القليلة القادمة".
المصادر
- محكمة ليبية تقضي بإعادة حفتر لسباق الانتخابات الرئاسية
- ليبيا.. نواب يطالبون بمساءلة رئيس مفوضية الانتخابات وقادة من مدينة مصراتة يرفضون ترشح حفتر وسيف القذافي
- النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا
- ليبيا: حكم قضائي يعيد سيف الإسلام القذافي إلى قائمة مرشحي الانتخابات الرئاسية
- انتخابات ليبيا: ما هي أبرز التحديات التي قد "تعرقل" إجراء الانتخابات الرئاسية؟