قطب سياسي جديد.. ما هي نتائج تشكيل منظمة الدول التركية؟
سلط "مركز أنقرة لدراسة السياسات والأزمات" الضوء على تشكيل نظام دولي أحادي القطب تحت هيمنة الولايات المتحدة مع انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن العشرين.
غير أن هذا النظام بدأ يضعف شيئا فشيئا مع ظهور عديد من القوى الجديدة، تاركا مكانه لنظام دولي متعدد الأقطاب.
وأوضح المركز التركي في مقال للكاتب مصطفى جيم كويونجو أن الصين احتلت مكانها كأحد الفاعلين الرئيسين في النظام الدولي الجديد مع صعودها الاقتصادي وقوتها السياسية والعسكرية.
بينما كانت روسيا أحد العوامل التي أثرت في الانتقال إلى النظام متعدد الأقطاب دون أن ترقى لمستوى الولايات المتحدة والصين.
ويرجع ذلك إلى ما أقدم عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خطوات لإعادة تشكيل تقدم دولته بما يتماشى مع قوتها العسكرية.
وإلى جانب هذين الاثنين، ظهرت تحالفات ومنظمات واتفاقيات جديدة على ساحة السياسة العالمية ودخلت مضمار سباق القوى العظمى وبدأت تتنافس فيما بينها.
الجدير بالذكر أن هذه المنظمات تشكل عادة بناء على مصالح دولة واحدة مهيمنة، وليس على أساس المصالح المشتركة لجميع أعضائها.
قطب جديد
وعلى عكس هذه التكتلات، برزت منظمة الدول التركية (المجلس التركي سابقا)، كتجمع يسعى للسلام ويضع احترام الديناميكيات المحلية وتحقيق الرفاه والاندماج والتعاون، على رأس أولوياته بدلا من التركيز على المصالح والتنافس على الساحة الدولية، وفق الموقع.
وأضاف أن حجر أساس المجلس التركي وضع إثر اتفاق على هامش قمة ناختشيفان التاسعة في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، بين تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان.
وفي قمة رؤساء المجلس التركي العاشرة التي عقدت في إسطنبول في 15 سبتمبر/ أيلول 2010، دخل المجلس حيز التنفيذ رسميا.
ومع القرارات الجديدة التي اتخذت في القمة الثامنة للمجلس التركي في إسطنبول في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، دقت الأجراس معلنة ظهور قطب جيوسياسي جديد.
ولفت الموقع أن إلى زيادة أهمية المنطقة الجغرافية، بداية من غرب الصين وحتى تركيا، التي تعتبر المحطة الأخيرة للوصول إلى أوروبا.
ولا شك أن زيادة التعاون بين الدول التركية يساعد على حل القضايا العالقة منذ سنوات طويلة وباتت تؤرق دول المنطقة وتتسبب في عدم استقرارها.
فعلى سبيل المثال، تم حل مشكلة إقليم قره باغ الأذربيجاني في إطار قرارات الأمم المتحدة وإن كان ذلك بالحرب بعد أن كانت عالقة لسنوات طويلة.
وكذلك تم حل الخلاف بين أذربيجان وتركمانستان بشأن حقل نفطي متنازع عليه بين الجانبين في بحر قزوين، عبر توقيع اتفاق على تشغيل الحقل بشكل مشترك، وتسميته بـ"حقل الصداقة".
وقد كان موقف الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية من حل الأزمة في أفغانستان تطورا زاد من الآمال في حلها.
ولهذا، يجب دعم صعود الوجود التركي الجيوسياسي، لأنه لا يشارك في صراع القوى العظمى الذي يؤدي إلى انعدام الأمن والاستقرار.
قلب السلام
وأشار الموقع إلى أنه بالنظر إلى المنطقة الجغرافية الأوراسية، يظهر خط تركيا وجنوب القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى، كأحد أهم الطرق التي تمر عبر قلب المنطقة.
كذلك تشكل المنطقة مركزا لطرق الطاقة والتجارة والثقافة والدبلوماسية لمناطق عديدة، في مقدمتها روسيا، والصين، والهند، والبحر الأسود، وغرب آسيا، وإفريقيا.
وفي الواقع، يكمن هذا العامل وراء عدم تدخل روسيا في حرب قره باغ الأخيرة وموقفها البناء تجاه الأمر برمته.
كذلك فإن تقييم الصين للجغرافيا السياسية التركية بشكل صحيح، يشكل السبب الرئيس لعدم انحيازها لأي طرف من الأطراف خلال نفس الحرب.
فالتعاون وإرساء جذور السلام بين دول هذه المنطقة التي تحتضن مشروع الحزام والطريق الذي أطلقته بكين عام 2013، ضروريان جدا لأمن الخطوط التجارية القادمة من الصين.
كما ترتبط إمدادات الطاقة وأمن الدول الأوروبية بزيادة وتنوع الخطوط المتجهة من تركمانستان إلى أذربيجان فناختشيفان وجورجيا وصولا إلى تركيا.
ومن مصلحة جميع البلدان أن تكون خطوط النقل مستقرة وآمنة في النظام الدولي الذي تتزايد فيه النقاشات حول المشاريع الاقتصادية وأمن العرض وسلاسل التوريد.
كما تؤكد مشاركة تركمانستان، المعروفة بسياساتها الحيادية وعدم مشاركتها في أي تنظيم دولي، في منظمة الدول التركية بصفة "مراقب"، أن هذه المنظمة ستساهم في إحلال السلام وترسيخه.
وبسبب خاصيتها هذه، لن يكون من الخطأ النظر إلى الجغرافيا السياسية التركية على أنها "جيوسياسية سلام" بالنسبة للفاعلين الإقليميين وغير الإقليميين.
ولفت الموقع إلى أن البيان الختامي لقمة إسطنبول الأخيرة سيأخذ مكانه بين كتب التاريخ كوثيقة إرشادية تهدف لإحلال السلام دون الانحياز لأي طرف من الأطراف سواء كان ذلك في المشاكل الإقليمية أو الثنائية أو تلك التي تتعدد الأطراف فيها.
كما ركز البيان على مبدأي "الحياد" و"احترام الديناميكيات المحلية"، الذي كانت المنطقة بحاجته منذ سنوات طويلة.
وأكد الموقع أن الجغرافيا السياسية التركية ستغير مصير منطقة آسيا للأفضل وتؤثر عليها بشكل إيجابي في الوقت الذي تتأرجح فيه المنطقة بين الحرب والسلام والاستقرار والفوضى والفقر والثراء.
لتصبح قبلة عديد من مراكز القوى بمنظور يركز على أهمية المنطقة ويحترم الديناميكيات المحلية.