لم ينته خلافهما الأخير.. هل تعمق "الحدود البحرية" الأزمة بين المغرب وإسبانيا؟

12

طباعة

مشاركة

بينما لا تزال تداعيات آخر أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا متواصلة، ظهرت في الأفق بوادر صراع جديد قد يزيد طين العلاقات بين البلدين بلة.

وعاشت الرباط ومدريد قبل أشهر أزمة حادة بعد استقبال إسبانيا زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، سرا في أحد مستشفياتها، للعلاج بهوية مزورة. 

وإلى اليوم ما زال موقع السفيرة المغربية في مدريد شاغرا بعد استدعائها من طرف بلادها لتقييم العلاقات بين البلدين.

وتفجرت في الأيام الأخيرة أزمة جديدة بين البلدين تتعلق بالصراع حول المياه الإقليمية.

ونقلت صحيفة "إلباييس" الإسبانية عن مصادر دبلوماسية لم تسمها، أن مدريد سلمت مذكرة احتجاج رسمية لدى السفارة المغربية، بسبب إقامة الرباط مزرعة أسماك بمحيط الجزر الجعفرية بالبحر المتوسط.

واعتبرت إسبانيا هذه الخطوة بمثابة تهديد لأمنها البحري واحتلالا غير قانوني لمياهها الإقليمية.

بينما لا يعترف المغرب بالسيادة الإسبانية على هذه الجزر وأيضا على مدينتي سبتة ومليلية.

ومنذ عام 1848 تسيطر إسبانيا على الجزر الجعفرية الثلاث، القريبة من سواحل مدينة الناظور المغربية، ويعتبرها المغرب جزرا محتلة ويطالب باستعادتها.

وكانت الجريدة الرسمية المغربية، نشرت في 7 مارس/ آذار 2021، منح رخصة إقامة مزرعة سمكية لشركة مغربية.

وأشرفت شركة إسبانية على صناعة أقفاص هذه المزرعة وتركيبها على بعد 700 متر من الجزر الجعفرية.

وبدأت عملية التركيب في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وتم تركيب 16 قفصا حسب ما جاء في وسائل إعلام إسبانية.

تصريحات حذرة

وتتعامل الحكومة الإسبانية بحذر مع هذه التطورات الميدانية، وحاول وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس التهوين من خطورة هذه الأزمة.

وقال في تصريحات إعلامية إن الاحتجاج على إقامة مزرعة الأسماك في مياه الجزر الجعفرية لن تكون له تداعيات على العلاقات بين البلدين. 

وأضاف أن إسبانيا ستدافع عن مصالحها بوضوح لكن ذلك "لن يفسد علاقة حسن الجوار".

 

وفتحت مدريد تحقيقا مع الشركة الإسبانية التي وردت وركبت الأقفاص البحرية لصالح الشركة المغربية المالكة للمزرعة وأمهلتها عشرين يوما لإزالة الأقفاص وإلا ستواجه عقوبات قانونية، وفق موقع "إل فارو دي مليلة".

بالمقابل، يتعامل المغرب بصمت مع هذه الأزمة ولم يصدر عنه أي موقف رسمي إلى اليوم.

تصاعد التوتر

وفي السياق، رصدت وسائل إعلام إسبانية مظاهر متعددة لتصاعد التوتر في المياه المتوسطية.

وقالت صحيفة "إل فارو دي مليلة" إن البحرية الإسبانية أرسلت الأسبوع المنصرم سفينة "إنفانتا كريستينا" للقيام بدورية في محيط الجزر الجعفرية، لضمان "الأمن في المياه الواقعة تحت السيادة الوطنية".

ونشرت هيئة أركان الدفاع الإسبانية على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي صورة السفينة بالقرب من الجزر لتسليط الضوء على الوجود البحري في محيط الأرخبيل حيث أقام المغرب مزرعة.

 وجاء في التدوينة أن سفينة "إنفانتا كريستينا" التي يبلغ طولها 88 مترا وعدد أفراد طاقمها 90 فردا، تواصل حضورها بالقرب من جزر "شافاريناس" كما تسميها إسبانيا، ما يضمن الأمن في المياه ذات السيادة الوطنية. 

واعتبرت وسائل إعلام اسبانية الإعلان عن هذه الدورية على مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة رسالة مموهة للمغرب.

كما أعلن عن إبحار سفينة أخرى اسمها "البوران" في اتجاه الجزر الجعفرية.

واستغل الحزب الشعبي المعارض هذا الوضع لمهاجمة الحكومة الإسبانية، حيث طالبها بالرد الصارم على ما قال إنها محاولات المغرب اقتحام المياه الإقليمية لمدينة مليلية والجزر الجعفرية.

واعتبر عدم رد الحكومة يعني أن اسبانيا دولة ضعيفة وهذا ليس في صالحها. وهدد برفع القضية للبرلمان الأوربي في حال عدم قيام الحكومة بأي رد فعل.

أزمة سابقة

وعاش المغرب وإسبانيا أزمة دبلوماسية كبيرة منذ ستة أشهر ما تزال تداعياتها تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.

وكانت مدريد استقبلت سرا زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء، في أحد مستشفياتها جراء إصابته بفيروس كورونا.

وانتقد المغرب عدم إخباره بهذه الخطوة ومعرفته بالخبر عبر الصحافة. 

وكانت صحيفة "إلباييس" ذكرت أن زعيم بوليساريو وصل إلى إسبانيا بسرية تامة في 18 أبريل/ نيسان 2021 في طائرة طبية، وتلقى العلاج في مستشفى باسم مستعار.

وفي 25 أبريل/نيسان 2021، استدعت وزارة الخارجية المغربية السفير الإسباني، واستنكرت استقبال غالي.

وبلغت الأزمة ذروتها عندما تغاضت عناصر الأمن المغربية عن مراقبة الحدود بين الفنيدق وسبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية ونجم عن ذلك دخول حوالي عشرة آلاف مهاجر المدينة منهم قاصرون ونساء.

واستدعت وزيرة الخارجية الإسبانية السفيرة المغربية وأبلغتها أن "مراقبة الحدود كانت ويجب أن تظل مسؤولية مشتركة بين إسبانيا والمغرب" .

إثر ذلك، استدعى المغرب سفيرته إلى الرباط للتشاور وتقييم العلاقات بين البلدين.

الحدود البحرية

ورأى الباحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس عثمان أمكور أن احتجاج مدريد رسميا على إنشاء المغرب مزرعة أسماك بمحيط الجزر الجعفرية، يؤكد أن المغرب لم يغلق بعدُ ملف الأزمة الدبلوماسية التي وقعت بين البلدين بسبب استقبال زعيم بوليساريو بشكل سري. 

غير أنه استبعد جنوح الطرفين في اتجاه التصعيد بحكم إدراك الطرفين للمآلات الاقتصادية الوخيمة لذلك وهو ما يسعيان لتجنبه بالنظر لكونهما يحاولان معا تجاوز مخلفات جائحة كوفيد 19 على اقتصاديهما. 

ورغم الأزمات التي تعصف بالعلاقات بين البلدين الجارين بين الفينة والأخرى، إلا أن إسبانيا تحافظ على صفة الشريك التجاري الأول للمغرب.

ويضع أمكور هذه الأزمة ضمن ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين والتي تُعدُ أحد أهم أسباب النزاع الحالية؛ فوضع مزارع أسماك في هذه المنطقة المتنازع عليها يحيل إلى الخطوة التي أقدم عليها المغرب حين صادق على قانونين يتعلقان بترسيم حدوده البحرية. 

هذه الخطوة وصفها الباحث في حديث مع "الاستقلال" بكونها "انعطافة مهمة قام بها المغرب في تدبير مناطقه البحرية، حيث عمل التشريع الجديد على تحديد حدوده البحرية لتشمل المياه والجرف القاري".

وأكد أن ما يحصل اليوم بين البلدين يجب تفسيره أساسا بالتنافس في ملف ترسيم الحدود البحرية، فالمضايقات التي يتعرض لها المغرب في محيطه الأطلسي يترجمها بمضايقات في البحر المتوسط.

وأشار أمكور إلى أن هذا التنافس يمكن لمسه في أمور عديدة، أحدها موقف المغرب من جبل طارق عقب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

وأضاف أن ما يحدث اليوم في الجزر الجعفرية هو امتداد لهذا التنافس الإقليمي بين البلدين القابل للتطور ولكن ليس على المستوى القريب بسبب الإكراهات الاقتصادية للبلدين.

لكنه في نفس الوقت يرسم ملامح التحديات المائية للمنطقة التي يشكل فيها المغرب طرفا أساسيا بحكم امتداد سواحله وموقعه الجيوسياسي المحوري.

جمود متواصل

وتعتبر الحدود البحرية من أهم أسباب اندلاع الخلافات بين المغرب وإسبانيا، إذ يتنازع على الحدود في البحر المتوسط حيث تسيطر إسبانيا على مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وعددا من الصخور البحرية.

وفي المحيط الأطلسي يتنازعان حول المياه التي تفصل سواحل جنوب المغرب عن جزر الكناري الخاضعة للسيادة الإسبانية، كما يظهر في خريطة نشرتها جريدة "هسبريس" المغربية.

وكان البرلمان المغربي صادق في يناير/كانون الثاني 2020 على قوانين تتعلق بترسيم الحدود البحرية للمملكة.

وبموجب هذه القوانين، سينشئ المغرب منطقة اقتصادية يبلغ مداها 200 ميل بحري في المياه الواقعة بين الصحراء وأرخبيل الكناري.

ورفضت إسبانيا هذه الخطوة لأنها بحسبها جاءت "من جانب واحد"، ورأت فيها تعديا صارخا على الحدود البحرية الإقليمية لجزر الكناري.

وكان من المنتظر أن يلتقي وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الإسباني خوسي مانويل ألباريس على هامش منتدى الاتحاد من أجل المتوسط الذي انطلقت فعالياته في برشلونة في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

من أجل إعادة العلاقات الثنائية الى سابق عهدها ومناقشة القضايا العالقة بين البلدين، إلا أن بوريطة فضل التوجه إلى العاصمة السنغالية دكار للمشاركة في القمة الصينية الإفريقية.

وبالرغم من إعلان الملك محمد السادس في خطاب في أغسطس/ آب 2021 انتهاء الأزمة مع إسبانيا وتدشين مرحلة جديدة على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات.

إلا أن الجمود لا يزال يلف العلاقات بين المغرب وإسبانيا حيث لم ينعقد أي لقاء مباشر بين مسؤولي البلدين ولم تعد السفيرة المغربية لدى مدريد إلى منصبها إلى اليوم.

كما لم يتم استئناف الرحلات البحرية بين البلدين ومازالت الحدود البرية مع سبتة ومليلية مغلقة، لأن الرباط ترغب في ذلك حسب ما قالت الصحافة الإسبانية.