مركز كارنيغي: لهذا انقلبت روسيا على التسوية مع المعارضة السورية في درعا

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكد مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، أن انقلاب روسيا على اتفاق تسوية رعته في 2018، بين النظام السوري ومعارضين له في درعا، دفع إلى تعزيز الاعتقاد بعدم جدوى الوثوق بالحلول التي تقدمها موسكو للسوريين.

وشهدت مدينة درعا نهاية يوليو/تموز 2021، تصعيدا عسكريا بين قوات نظام بشار الأسد ومجموعات مسلحة معارضة، بعد ثلاث سنوات من تسوية استثنائية رعتها روسيا.

وأبقت التسوية على تواجد مقاتلين معارضين في مناطق عدة من المحافظة الجنوبية، بينها أحياء داخل المدينة تعرف باسم "درعا البلد".

قادت روسيا خلال هذا التصعيد مفاوضات للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين، جرى خلالها إجلاء نحو 70 مقاتلا معارضا من أحياء المدينة إلى مناطق سيطرة فصائل معارضة في شمالي البلاد.

بعد قبول الأطراف المعارضة تحت ضغط روسي بشروط النظام، زحف الأخير إلى مدن وبلدات وقرى أخرى في محافظة درعا حاملا معه ملف التسوية كي يعيدها إلى عصا طاعته، وقد نجح في ذلك.

قصة درعا

إذ تحدثت وسائل إعلام النظام في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عن "طي ملف التسويات" في محافظة درعا جنوبي سوريا بشكل نهائي، بعد استكمال تطبيقها في آخر منطقة شمال المحافظة وهي مدينة إزرع والقرى والبلدات التابعة لها.

يستطيع المتابع للسياسة الروسية في سوريا الإدراك أن موسكو تضع لنفسها هناك تكتيكات معقدة لخدمة إستراتيجيتها.

 فتظهر تارة بصورة المحارب لكل من يقول "لا" للنظام السوري، وأخرى وهي ترعى التفاوض معه، وهو ما يفسر عدم انخراطها عسكريا في الحملة الأخيرة على محافظة درعا، وفق ما يقول مركز الدراسات "كارنيغي". 

تعيش محافظة درعا منذ يوليو/تموز 2018، حالة غير مكتملة من الهدوء التي فرضتها تسوية قادتها روسيا بعد حملة عسكرية على المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة دمشق، وأفضت حينها إلى تهجير الرافضين للبقاء تحت سلطة النظام، وبقاء من وافق على شروط التسوية.

تركزت وقتذاك أبرز بنود التسوية على تسليم المعابر الحدودية لقوات النظام، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من الفصائل العسكرية إلى الأسد.

كما شملت دخول مؤسسات النظام إلى المناطق التي كانت خارج سيطرته سابقا، وعودة الموظفين إلى أعمالهم.

إضافة إلى تسوية أوضاع "المسلحين والمطلوبين" من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة ستة أشهر لمستحقي الالتحاق بالخدمة الإلزامية، ووقف عمليات الاعتقالات والملاحقات الأمنية والإفراج عن المعتقلين، يقول المركز. 

لكن معظم بنود الاتفاق المتعلقة بمصالح سكان درعا لم تُنفذ من قبل النظام بعد مرور ثلاثة أعوام على توقيع الاتفاق، خاصة ما يتعلق بخروج المعتقلين وتسوية أوضاع "المنشقين والمطلوبين"، وإيقاف الملاحقات والبلاغات الأمنية بحق أصحاب التسويات، وعودة المؤسسات والموظفين إلى عملهم.

 بل على العكس كان الشلل يحكم القطاعات الخدمية والتعليمية والاقتصادية في درعا، إلى جانب الفلتان الأمني المتمثل بهجمات متواصلة تنال القوات العسكرية والأمنية، وعمليات الاغتيال المتكررة ضد شخصيات وقيادات مدنية وعسكرية بعضها معارض.

بالإضافة إلى ذلك فإن النظام فتح الأبواب بشكل واسع لعمليات تجنيد مقاتلي فصائل التسوية والمطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية.

وقد التحق الآلاف من هؤلاء بقوات النظام وأفرعه الأمنية بعد حصولهم على وعود بعدم مشاركتهم في أي معارك خارج المحافظة.

وهو الأمر الذي مهد لحالة استطاع فيها آلاف المقاتلين السابقين الحفاظ على أسلحتهم، والحصول على بطاقات أمنية أو عسكرية تسهل لهم حركتهم، دون إغفال أن من بين هؤلاء قياديين سابقين في المعارضة، بحسب كارنيغي. 

انقلاب على الاتفاق

ليست درعا المثال الأوحد على عمليات التسوية التي نفذتها روسيا بين النظام ومعارضيه، لكن الاتفاق فيها كان مختلفا عما جرى في حمص وغوطة دمشق.

يرجع هذا بحسب المركز إلى أن روسيا أوجدت قوة موالية لها تسيطر على مساحة مهمة من ريف درعا الشرقي لا يستطيع الأسد ولا إيران دخولها على الإطلاق.

إذ تعتبر طهران ومن خلفها حزب الله المنطقة الجنوبية من سوريا ذات أهمية جيوإستراتيجية، وخط جبهة عسكرية لأي مواجهة محتملة مع إسرائيل.

والحديث هنا عن اللواء الثامن التابع لـ"الفيلق الخامس" وهو فصيل مؤسس من "قوات شباب السنة" (كان قبل تسوية 2018 في قوات المعارضة) الذي يسيطر على مدينة بصرى الشام ومحيطها. 

ويتمثل انقلاب روسيا على تسوية درعا في كونها تراجعت عن وعود كانت قد قطعتها للأهالي بعدم السماح للنظام السوري بدخول مناطقهم ومضايقتهم أمنيا عبر مطالبتهم بتسليم بعض الشبان أو الأسلحة.

إلى جانب تراجع الضباط الروس عن تأكيداتهم للأهالي بأن مناطقهم ستكون تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية التي من المفترض وفق الوعود بأنها لن تسمح للأفرع الأمنية والثكنات العسكرية للنظام السوري بدخول مناطقهم، والاكتفاء بتمثيله ببعض مخافر الشرطة والدوائر الخدمية.

وتعد موسكو عرابة مسار التسويات هذا في سوريا، ويعود أصل التسويات إلى مايو/أيار 2017، عندما اتفقت روسيا وتركيا وإيران، الأطراف الثلاثة الراعية لمفاوضات أستانا، في نسختها الرابعة على إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد بين مقاتلي فصائل المعارضة وجيش النظام والمليشيات الداعمة له. 

وشمل الاتفاق "تحسين الوضع الإنساني وخلق ظروف ملائمة لدفع التسوية السياسية للصراع" وفقا لنصه. 

والمناطق الأربع هي: محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، وحماة، وحلب)، ومناطق معينة من شمالي محافظة حمص وجنوبي حماة، الغوطة الشرقية، ومناطق معينة من جنوبي سوريا (محافظتا درعا والقنيطرة).

 واعتبر الموقعون على الاتفاق الذي اقترحته روسيا على أنه إجراء مؤقت ستكون مدته مبدئيا ستة أشهر، وسيتم تمديده تلقائيا بالاستناد إلى توافق الضامنين.

عرابة التسويات

ولأن روسيا هي عرابة التسويات، يُعتقد بأنها نجحت في الأحداث التي شهدتها درعا في يوليو/تموز 2021 من حملة تصعيد شنها النظام ابتداء على أحياء درعا البلد وانتهت بمدن وقرى في أرياف المحافظة.

ونجحت روسيا جزئيا في الترويج على أنها وسيط في المفاوضات الجارية لتسوية الأوضاع في درعا، لكنها في الغرف المغلقة للتفاوض كانت تمارس ضغوطا قاسية على لجان المعارضة الممثلة لأهالي المحافظة.

ويرى المركز أن موسكو تجاهلت الضمانات التي قدمتها للمعارضة في اتفاق التسوية المبرم في صيف 2018.

وهو ما يشير بوضوح إلى أن موسكو مستمرة في اللعب لصالح النظام، وإلى هشاشة جميع التسويات المبرمة بوساطة وضمانات روسية، واحتمال تفجر الأوضاع في العديد من المناطق التي أعاد الأسد سيطرته عليها باتفاقات تسوية جزئية مع المعارضين له.

لماذا درعا الآن؟

اكتسبت درعا ومعها عدد من المناطق الجنوبية من سوريا، أهمية إضافية أكبر مع الحديث عن إعادة العمل بمشروع "خط الغاز العربي" الذي يمر عبر أراضي المحافظة، إلى جانب أهميتها الإستراتيجية السابقة بوقوعها على الحدود مع الأردن وبالقرب من حدود فلسطين المحتلة.

 لهذا بات من الضروري أن تكون تلك المناطق منضبطة أمنيا وهادئة، وهو ما عمل عليه نظام الأسد وموسكو بالاتفاق مع الأردن، الذي يتخوف دائما من اندلاع مواجهات بين إسرائيل والمليشيات الإيرانية المسيطرة في عدد من مناطق الجنوب السوري.

المتوقع هو أن التسويات التي جرت تحت تهديد السلاح في درعا، قد تتكرر في مدينة السويداء جنوبي سوريا أيضا التي يوجد فيها فصائل محلية من الطائفة الدرزية ترفض الانصياع للنظام، وفق تقدير المركز. 

وإلى جانب أهمية مشروع خط الغاز لروسيا وللنظام السوري الذي أكسبه بعض التعويم الدولي كونه حاصلا على مباركة أميركية وتمويل من البنك الدولي، لضخه إلى لبنان من مصر، فإن المنطقة الجنوبية تعد بالغة الأهمية بالنسبة لروسيا.

 فهي تشكل ضغط إقليمي على دول الخليج والأردن وإسرائيل، بصفتهم حلفاء الولايات المتحدة، ومن يمتلك هذه المنطقة ويضبطها يصنع أوراق التفاوض فيها وعليها.