لاستعادة "هيبتها المفقودة".. هذه أسباب تصعيد الرياض أزمتها الدبلوماسية مع لبنان
سلطت صحيفة تركية الضوء على أبعاد وتداعيات استئناف السعودية استيراد البضائع من إيران، بعد انقطاع دام سنتين لأسباب سياسية، خاصة في ظل أزمة دبلوماسية مستمرة بين لبنان ودول خليجية منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقالت صحيفة "ستار" في مقال للكاتب نجم الدين آجار إن "استئناف استيراد البضائع من إيران يعتبر من أبرز الخطوات الملموسة التي تدل على تحسن علاقات السعودية بها".
واستدرك الكاتب: "غير أن أزمة لبنان أحدثت شرخا يعوق التقارب الإيراني السعودي، مثيرا العديد من علامات الاستفهام الجديدة".
مناورات عديدة
ولفت آجار إلى أن "لبنان كان دولة مهمة بالنسبة للسعودية؛ بسبب موقعها الجيوسياسي وبنيتها الثقافية، إذ إن الرياض تعتبر إقامة علاقات جيدة مع بيروت من أولوياتها في السياسة الخارجية رغبة منها في أن تتولى دورا مهما في القضية الفلسطينية".
وتابع: "بما أن إيران تعمل على ترسيخ وجودها في لبنان منذ الثمانينيات فإن السعودية تعتبرها تهديدا عليها وعلى دورها في القضية الفلسطينية".
وأشار إلى أن "النظام الحالي في لبنان قام مع اتفاق الطائف الذي تم عام 1989 بوساطة من السعوديين لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975، وللحد من نفوذ الشيعة الخاضعين للنفوذ السياسي والأيديولوجي لإيران".
ولفت إلى أن "إيران كانت إحدى أسباب تحسن العلاقات بين السعودية ومصر بعد أن كانا متنافسين كبيرين حتى ثمانينيات القرن الماضي، إذ بدأت كل من القاهرة والرياض تتقاربان بعد ذلك لموازنة النفوذ الإيراني الذي بدأ يتوسع في بلاد الشام خلال تلك الفترة".
"ولسنوات عديدة قدمت حكومة الرياض دعما اقتصاديا ودبلوماسيا كبيرا للقاهرة، بما أنها رأت فيها الدولة الوحيدة التي يمكن أن تحد من النفوذ الإيراني في بلاد الشام"، وفق آجار.
وبالفعل، وفق الكاتب، "قطعت إدارة الرئيس المصري المعزول حسني مبارك العلاقات الدبلوماسية مع طهران حتى عام 2011، غير أن الظروف التي مرت بها مصر خلال الربيع العربي جعلت من الصعب جدا على السعودية موازنة إيران".
ولفت إلى أن "إيران بدأت ترسخ نفوذها في لبنان باطراد خلال الفترة التي أعقبت حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006، وكان للسياسات النشطة التي اتبعتها حكومة الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد فعالية أيضا في هذا التوسع".
وتابع آجار: "كذلك أدى سقوط العراق تحت النفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأميركي إلى وصول إيران لمنطقة بلاد الشام بشكل مباشر، أضف إلى ذلك اعتماد النظام السوري على طهران في البقاء على عرش الحكم، الأمر الذي مهد الطريق أمام إيران في سوريا ولبنان".
وشدد على أن "دخول لبنان في مرحلة تفاقمت فيها الأزمات الاقتصادية والسياسية وحدث فيها الانفجار الكبير في ميناء بيروت عام 2020، كان فرصة نادرة أمام إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، لذلك شمرت الأخيرة عن ساعديها لتوسيع نفوذ حزب الله في السياسة اللبنانية".
وأضاف "أما حزب الله فقد استخدم ورقة المساعدات الاقتصادية التي شقت طريقها من طهران إلى بيروت في أحلك أيامها، والحق أن إيران تعتمد على حزب الله وتأثيرها المتزايد على السياسة اللبنانية لتوسيع نفوذها في بلاد الشام وتولي دور رئيس في القضية الفلسطينية".
وأكد أن "لبنان يعيش اليوم أعمق أزماته السياسية والاقتصادية، وهو يستعد في الوقت نفسه لإجراء انتخابات أوائل عام 2022، لكن التقييمات التي تفيد بأن الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد ستساعد حزب الله على تقوية نفوذه في سياسات البلاد خلال الانتخابات المقبلة زادت من شعور السعودية بالتهديد".
وأعقب: "فقد اعتاد السعوديون على استخدام الحصار الاقتصادي والدبلوماسي كأداة فعالة في السياسة الخارجية".
وتابع: "غير أن رفع الحصار عن قطر مطلع عام 2021 وبدء المحادثات الاستكشافية مع إيران في الأشهر الماضية رفع الآمال بأن الرياض ستلجأ للدبلوماسية لحل المشاكل في المنطقة بدلا من العقوبات والحصار، ولذلك ظهرت توقعات تقول بأن المصالحة الخليجية والحوار السعودي الإيراني يمكن أن ينهي الحرب في اليمن".
الحل الأخير
ولفت آجار إلى أن "قيام السعودية بفرض حصار على لبنان متذرعة بتصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي قبل أن يصبح وزيرا، وتضامن دول مثل الكويت والبحرين والإمارات معها، أثار العديد من التساؤلات المهمة".
وفي هذا، يمكن القول بأن هناك ثلاثة أسباب محتملة خلف تعمد السعوديين تصعيد الأزمة مع لبنان، وفق الكاتب التركي.
أولا، يتبع السعوديون سياسة الحصار الاقتصادي التي من شأنها أن تعزز نفوذهم السياسي في لبنان، إذ إن الحصار الاقتصادي الذي ستفرضه دول الخليج ولا سيما السعودية على لبنان سيفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية أضعافا مضاعفة، ويعود ذلك إلى أن دول الخليج لها دور كبير في استقرار لبنان اقتصاديا.
وأوضح ذلك بالقول: "يعتبر لبنان من أشهر الوجهات السياحية للخليجيين، إضافة إلى أن هناك 400 ألف عامل لبناني يعملون في دول الخليج، ويصل حجم التحويلات السنوية التي يرسلها هؤلاء العمال والمساعدات الحكومية إلى لبنان من الإمارات إلى 1.5 - 2 مليار دولار".
لذلك تمثل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان اليوم فرصة مهمة للسعودية لإضعاف شوكة حزب الله في السياسة اللبنانية.
وتكشف التصريحات التي أدلى بها كل من وزير الخارجية عبد الله بوحبيب ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن الرياض ترغب من إدارة بيروت أن تتخذ خطوات من شأنها أن تضعف حزب الله، يقول آجار.
وأضاف: "ثانيا، ذهبت كل من طهران والرياض إلى استخدام أوراق الضغط في الساحة؛ لتعزيز موقفهما في المحادثات على الطاولة والحصول على التنازلات التي ترغبان بها، فمثلا أدى الضغط المتزايد للحوثيين على مدينة مأرب، آخر معاقل الحكومة المدعومة من السعودية في شمال اليمن، إلى تضاؤل حجم السعودية في اليمن بشكل كبير".
وأردف: "لذلك يمكن القول بأن قيام السعودية بتصعيد الأزمة مع لبنان بشكل متعمد إنما هو لاستعادة هيبتها التي فقدتها في الساحة اليمنية، إذ ترغب الرياض أن تجلس على الطاولة مع طهران وبيدها ورقة ضغط قوية مثل الأزمة مع لبنان".
ثالثا، كان تطوير العلاقات بين سوريا ومصر ودول الخليج هو ما شجع السعودية على فتح جبهة ثالثة ضد إيران في لبنان بعد اليمن والبحرين، وما يؤكد هذا إيداع السعودية 3 مليارات دولار بالبنك المركزي المصري وتمديد الودائع السابقة، ومع تقارب النظامين السوري والمصري عرفت السعودية أنها تملك القوة الكافية لموازنة إيران.
وقال آجار آسفا: "لقد كان لبنان ولعقود من الزمان ساحة صراع بين دول الخليج وإيران، وما يزيد الأمر سوءا بنيته السياسية الهشة القائمة على التمييز العرقي والديني والطائفي. ورغم أن الاقتصاد اللبناني يعتمد على دول الخليج، إلا أن حزب الله مكون مهم للغاية، كما أن استبعاده من الهيكل السياسي للبلاد يفوق مقدرة إدارة بيروت".
وختم آجار مقاله منوها: "الجدير بالملاحظة أن عدم قدرة دول الخليج على الحد من النفوذ الإيراني في لبنان مع ما لها من دور في الاقتصاد اللبناني، يظهر أن الخليج دائما ما تكون في موقف ضعيف للغاية في كل أزمة تحتاج لحلول مبنية على القدرات العسكرية في المنطقة".
وتابع: "كذلك يكشف عدم قيام قطر وعمان بقطع العلاقات مع لبنان أن الخلاف بين دول الخليج عميق للغاية؛ فمع أن المصالحة الخليجية تمت، إلا أن أزمة لبنان الأخيرة أظهرت أن هذه الدول تملك رؤى مختلفة تماما حول القضايا الإقليمية".