صحيفة تركية ترصد طبيعة العلاقات بين إسرائيل وروسيا في سوريا
على عكس الجهات الفاعلة الأخرى كانت إسرائيل التي تعتبر أحد مخططي إجهاض مشروع الربيع العربي تعمل في الخفاء منذ بدء الحرب السورية لضمان تشكيل المعادلة في المنطقة.
وقالت صحيفة "يني شفق" التركية: "كانت إسرائيل في حرب مع سوريا منذ عام 1948 خاصة بسبب هضبة الجولان (تحتلها إسرائيل منذ 1967)".
غير أنه مع تغير الحكومة في إسرائيل نفذت إدارة تل أبيب هجمات صاروخية على سوريا في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقبل ذلك كان نظام دمشق قد حمل إدارة تل أبيب مسؤولية مقتل مدحت صالح، عضو مجلس الشعب السابق ومدير مكتب شؤون الجولان لدى رئاسة وزراء النظام السوري.
أهداف تل أبيب
وقال رئيس مركز "الحكماء" للدراسات الإستراتيجية النور إسماعيل إنه ليس من السهل الإجابة على سؤال "ما هي أهداف إسرائيل في سوريا؟".
لكن يمكننا إجراء المراجعات ووضع التقييمات بشأن إستراتيجياتها في السياسة الخارجية المتعلقة بالمنطقة بشكل عام، وبالتالي نستنتج أهدافها في سوريا، يقول الكاتب.
وتابع: إسرائيل تهدف إلى القضاء على أي تهديد عسكري أو إستراتيجي قد يأتي من سوريا إلى جانب إنهاء الوجود الإيراني هناك، وبالتالي حزب الله.
أضف إلى ذلك تقسيم الأراضي السورية على أسس عرقية وطائفية، وإقامة دولة كردية انفصالية في المنطقة التي تطل على البحر الأبيض المتوسط.
والحق أن النظام السوري الحالي لا يمكن أن يشكل أي تهديد حقيقي لإسرائيل، وفق تقدير الكاتب.
أما عن مسألة وحدة وسلامة الأراضي السورية في سياق التقسيم العرقي والطائفي لسوريا فهذه مسألة مثيرة للجدل.
خاصة وأنه لم يختف شبح الخطر المتمثل في إمكانية قيام حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب التي تصنفها تركيا "إرهابية" بتشكيل دولة في سوريا.
ويردف الكاتب التركي: هنا، يمكن ملاحظة أن دعم وحدات حماية الشعب الإرهابية ليس أولوية بالنسبة لإسرائيل، بل هي جماعة يمكن أن تتخلى عنها بسهولة عندما تحتاج لذلك.
فمثلا كان من مصلحة إسرائيل أن تتجه الجماعات المدعومة من إيران شمالا من الحدود الفلسطينية المحتلة لدعم وحدات حماية الشعب أثناء إطلاق تركيا حملتها العسكرية في عفرين ضد وحدات حماية الشعب.
وعقب: والآن، تواصل إسرائيل استهداف الأراضي السورية بالصواريخ متذرعة بالوجود الإيراني وحزب الله اللذين يحميان نظام بشار الأسد في سوريا.
وبالطبع لم تقل إسرائيل أبدا أنها تستهدف نظام الأسد بشكل مباشر، وهي تؤكد دائما أن هدفها ينحصر في القضاء على القوات المدعومة من إيران والتي تتمركز حول مرتفعات الجولان.
مكانة روسيا
ويشير إسماعيل إلى أن مصالح روسيا وإيران في سوريا مختلفة رغم أنهما تدعمان نظام الأسد اليوم، الأمر الذي يصب في صالح إسرائيل.
إذ باتت روسيا تخفف من ردود فعلها على هجمات إسرائيل الموجهة ضد القوات الإيرانية في دمشق ومحيطها بعد أن تطورت العلاقات بين موسكو وتل أبيب خلال عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
علاوة على ذلك ذكر في المصادر أن إسرائيل كانت تبلغ السلطات الروسية قبل إطلاق هجماتها.
وبما أن روسيا لم تفعل أنظمة الدفاع الجوي التي أرسلتها إلى سوريا لحماية نظام الأسد خلال الهجمات التي تم إطلاقها ضد إيران فإن هذا يظهر أن الكرملين لم ينزعج من الهجمات الإسرائيلية.
وسافر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى روسيا أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021 للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي وقت سابق التقى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو.
ويقول الكاتب: إن إقامة علاقات جيدة مع روسيا مهمة بالنسبة لإسرائيل، كما هو مهم تماما بالنسبة لموسكو أن تطور علاقاتها مع تل أبيب في الشرق الأوسط.
إذ كشف اقتراح لافروف المتعلق بإقناع الولايات المتحدة بفكرة عقد اجتماع ثلاثي بين أميركا وإسرائيل وروسيا بشأن الأزمة السورية أثناء زيارة يائير لابيد إلى موسكو أهمية الحفاظ على علاقات طيبة بين موسكو وتل أبيب في القضايا الإقليمية.
لذلك يحترم كلا الطرفين "الخطوط الحمراء" للطرف الآخر في الملف السوري، وفق وصف الكاتب.
وأضاف مشددا: هنا، وجب التأكيد على أن تعمق النفوذ الإيراني في سوريا هو ما يقلق كلا من إسرائيل وروسيا.
وقد جاء في بيان بوتين الذي أدلى به أثناء اجتماعه مع المسؤولين الإسرائيليين أنه يتفهم مخاوف تل أبيب الأمنية، الأمر الذي يظهر أنه لن يتدخل في إستراتيجياتها "العدوانية" في سوريا ما لم تكن مصالح روسيا في خطر.
شروط واضحة
وعلى الناحية الأخرى تستغل روسيا التنافس بين طهران وتل أبيب وتطوعها لصالحها.
إذ استضافت روسيا رئيس الأركان العامة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري وأكد البلدان على أهمية تطوير العلاقات العسكرية بينهما، وذلك قبل زيارة بينيت لموسكو مباشرة.
واستطرد إسماعيل: احتلت سوريا مكانها كأحد الأطراف في جميع الحروب العربية الإسرائيلية منذ قيام دولة إسرائيل.
لكن المشاكل الحالية لا تشبه أبدا المشاكل والصراعات القديمة؛ حيث أصبحت سياسات إسرائيل الخارجية في سوريا مبنية على إستراتيجيات لحماية أمنها دون إثارة أي ضجة.
وهنا تضع إسرائيل في أولويتها الحد من نفوذ إيران وأذرعها في سوريا والمنطقة عموما.
وتابع: لذلك ينبغي عدم إغفال تقييم الحروب بالوكالة التي تشنها إسرائيل في سوريا من هذا المنظور أيضا.
إذ يعني هذا أن تل أبيب ستستمر في استهداف القوات الإيرانية في سوريا دون تجاوز الخطوط الحمراء لروسيا.
وعلى الجانب الآخر ستبقى "ورقة إيران وخطرها الكبير" على جدول الأعمال للحصول على دعم القاعدة الشعبية كما كانت تفعل جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة.
غير أنه ينبغي أن لا ننسى أيضا أن دعم إسرائيل لحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب "الإرهابية" ضمن إستراتيجياتها يمثل تهديدا على أمن تركيا، وفق الكاتب.
لذلك يقول إنه "يجب على تركيا أن تعمل على إقناع إسرائيل بالتخلي عن اتباع مثل هذه السياسات في سوريا".