"نجمات البتول".. لماذا اتجهت إيران إلى تجنيد عناصر نسائية شرقي سوريا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل نحو 4 سنوات فقط، لم يكن تفعيل العنصر النسائي بمعادلة التدخل الإيراني في الأراضي السورية بحجمه الكبير وشكله المنظم بدقة كما هو عليه داخل الجارة لبنان، وتحديدا بمعقل وجود حليف طهران الإستراتيجي "حزب الله".

إلا أن "الحرس الثوري" الإيراني حينما فرض وجوده في محافظة دير الزور شرق سوريا أواخر 2017، وجد نفسه أمام مجتمع سني بنسبة 99 بالمئة، وبدت محاولة تشييعه ليست بـ"الهينة"، فلجأ إلى "التغلغل الناعم" لتحقيق ذلك عبر اللعب على عوامل مجتمعية عدة، أهمها النساء.

دبيب النمل

ومنذ افتتاح المركز الثقافي الإيراني في مدينة دير الزور مطلع عام 2018، اتبعت طهران خطة "دبيب النمل" للتغلغل داخل المجتمع شرق سوريا، وخاصة فيما يتعلق بمشروع التشيع، وذلك عبر دعم الأهالي، في محاولة لجذب أكبر قدر من الحاضنة الشعبية لصفها.

لكن ما بدأ يتنامى شرق سوريا هو بحث إيران عن استمالة العنصر النسائي أكثر شرق سوريا، والانتقال إلى تشكيل قوة نسائية ذات مهام محددة، بما يعزز حضورها هناك ويخدم فكرها الأيديولوجي.

وكشفت شبكة "الشرق نيوز" المحلية، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن مركز "نجمات البتول" التابع للحرس الثوري الإيراني بسوريا، أنشأ أول كتيبة نسائية قتالية في دير الزور تتبع لمليشيا "أبو الفضل العباس العراقي".

ونجمات البتول" ليس مشروعا سوريا، بل مقتبسا من التجربة اللبنانية لـ"حزب الله" والذي أطلقته ما تسمى جمعية "كشافة الإمام المهدي" هناك عام 2011.

وتناط لمليشيا "أبو الفضل" مهمات كثيرة من قبل طهران ذات شقين في دير الزور، الأول مجتمعي مرتبط بالتنظيم اللوجستي وتقديم بعض الخدمات أو افتتاح مشاريع تدعم الوجود الإيراني.

والثاني يتعلق بالإشراف على تأمين ونقل الأسلحة والذخائر والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى القادمة من العراق إلى سوريا وتوزيعها على نقاط المليشيات الإيرانية في البادية السورية، وكذلك تخزينها في نقاط عسكرية محصنة بريف دير الزور.

وتمددت إيران في محافظة دير الزور على طول ضفتها اليمنى لنهر الفرات (الشامية) عقب طرد "تنظيم الدولة" منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017، من مدن دير الزور والميادين والبوكمال والقرى الواصلة بينهما حتى الحدود العراقية من جهة البادية السورية.

ومنذ ذلك الحين أنشأت مليشيات إيران عددا من الحسينيات في دير الزور وحولت مساجدا لحسينيات دينية؛ لتعليم المذهب الشيعي والصلاة لتباعه من قبل العناصر، كما بنت مزارا ببادية بلدة محكان أسمته "قبة علي".

وتكمن أهمية دير الزور من الناحية الإستراتيجية بالنسبة لإيران، كونها تعد بوابة الحدود السورية - العراقية عبر مدينة البوكمال التي تعد المنفذ الحدودي.

وحاليا تمثل البوكمال مركز الثقل العسكري المليشياوي الكبير لطهران في سوريا، بهدف تأمين الطريق البري الذي تنشد طهران فتحه حتى البحر المتوسط.

غزو ثقافي

ومن هنا كان اهتمام طهران منصبا على الغزو الثقافي وتشييع أبناء شرق سوريا، والعمل على طرح برامج مجتمعية يقودها المركز الثقافي الإيراني، بما يضمن مستقبلا تقبل وجودها العسكري طويل الأمد في البلاد.

وأكد الناشط المدني في المنطقة الشرقية، مناف العبد الله، أن "محاولات إيران تفعيل دور النساء شرق سوريا ليس بجديد، بل هو مشروع قائم تسعى له بهدف تعزيز مبدأ الالتزام باللباس والضوابط الشرعية ومنع حالة الانفلات هذا كهدف معلن".

وأضاف العبد الله لـ"الاستقلال" موضحا أن "ما هو خفي فسعيها لتمرير الآراء والأفكار والمعتقدات الشيعية عبر الأنشطة والفعاليات والاحتفالات التي تقيمها في مدن وقرى خط الشامية".

ولفت الناشط إلى أن "إيران تركز حاليا على إقامة المشاريع الخيرية لمساعدة الأهالي، وشكلت لجانا إغاثية توزع مساعدات بشكل شبه منتظم عليهم، كما عمدت إلى تأهيل بعض من الحدائق العامة وافتتحت مستوصفات مجانية لعلاج الحالات المرضية الخفيفة وتقديم بعض الأدوية".

وزاد بالقول: "هذا فضلا عن أنها قدمت للطلاب المنح الدراسية في جامعات إيران، وقد سافر الكثير من أبناء قادة مليشياتها المحليين إلى طهران وخاصة من لواء الباقر".

وأشار العبد الله إلى أن "المليشيات الإيرانية عمدت إلى استغلال المناسبات الاجتماعية المتعلقة بجيل الشباب كتقديم مكافآت مالية شهرية للطلاب المتفوقين في المرحلة الإعدادية والثانوية وإقامة احتفالات للطلاب".

وشدد على أن "إيران تهدف من وراء ذلك لكسب ود الأهالي الذين يعانون وضعا اقتصاديا كئيبا، جعل منهم يقعون في الفخ الإيراني بسهولة، في ظل غياب أي مساعدة من النظام الذي تركهم عاجزين أمام المد الثقافي الشيعي".

وأكد العبد الله أن "المليشيات الإيرانية زادت علاقتها مع منظمات المجتمع المدني ودعمت بعضها مقابل التعريف الدائم بإنجازات إيران وحربها المزعومة ضد الإرهاب، مثل جمعية النهضة".

وأوضح أن "جمعية النهضة تتلقى دعما مباشرا من منظمة الجهاد والبناء الإيرانية العاملة بدير الزور ومحافظات أخرى، من خلال دعم الأيتام والنساء الأرامل، وكل ذلك بهدف مستقبلي متصل بمشروع تشييع المنطقة أو خلق جيل متشيع يؤمن بأفكارهم".

كتائب نسائية

ورغم أن النشاط الثقافي أحد أبرز أوراق إيران للتغيير الديموغرافي والمذهبي في سوريا بشكل عام، إلا أن هناك فئات معينة من النساء استطاعت طهران توظيفهن للعمل لصالحها من أجل "تمرير" الغزو الثقافي.

وحول هذه الجزئية، أكد المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف أن "طهران منذ أواخر عام 2020 أوكلت لمليشيا أبو الفضل العباس مهمة تجنيد النساء ضمن صفوفها بشكل سري أو علني".

وقال الشريف في حديث لـ"الاستقلال" إن "مهمة هؤلاء إقناع النساء بارتياد المراكز الثقافية الإيرانية واصطحاب أطفالهن لتعلم مهارات وممارسة نشاطات مسلية، ويشرف نساء قادة المليشيات الإيرانية على هؤلاء السيدات ويقدمن لهن بعض الدعم والتعليمات".

وألمح إلى أن "فئة الموظفات في الدوائر الحكومية التابعة للنظام هي الأكثر والأغلب انجذابا للمشاريع الإيرانية انطلاقا من فكرة العمل مع ما يسمى محور المقاومة وفي نفس الوقت يكسبهن سلطة إضافية داخل المجتمع".

وكان ملاحظا أن إيران اعتمدت في بدايات العمل على استقطاب العنصر النسائي من زوجات قادة المليشيات المحلية، اللواتي ينشطن اجتماعيا ويعملن في مشاريع المجتمع المدني.

ووفقا لتقرير نشرته شبكة "عين الفرات المحلية، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020، فإن مديرة "مؤسسة الشهيد" بمدينة دير الزور المدعوة "منار الأسعد" قامت "بتجنيد النساء لصالح المليشيات الإيرانية وللقيام بمهام جمع المعلومات وإغراء شبان المدينة بالتجنيد بأي وسيلة".

والأسعد هي زوجة قائد مليشيا "الدفاع الوطني" في دير الزور، فراس ذياب الجهام الملقب بـ"فراس العراقية"، والذي أكدت الشبكة أنه دخل المذهب الشيعي بعد سيطرة المليشيات الإيرانية على دير الزور.

وحاليا "العراقية" من أكثر الشخصيات الذين يستغلون النفوذ العسكري والأمني بمحافظة دير الزور؛ لتوسيع استثماراته ومراكمة ثروته على حساب المدنيين.

وأكدت "عين الفرات"، أن عدد النساء المنتسبات لـ"مؤسسة الشهيد"، التي ظاهرها توزيع المساعدات الإنسانية وباطنها نشر الفكر الإيراني الديني والتجنيد، بلغ نحو 50 امرأة.

وأضافت الشبكة أن هناك تنسيقا مباشرا بين الأسعد ومدير المركز الثقافي الإيراني بدير الزور الحاج حسين، إذ تتوزع أنشطة المركز بين المجال الثقافي الديني وتقديم الدعم الصحي والإغاثي والتعليمي.

وفي دراسة لمركز "حرمون" للدراسات المعاصرة (مركزه إسطنبول)، صدرت في 29 أبريل/نيسان 2018، أكدت أن "دعاة التشيع في سوريا يقومون بدعوة الناس إلى حضور الاحتفالات في مراكزهم وتشمل الدعوة الرجال والنساء".

وبينت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا وأساليب التشييع"، أن تلك المؤسسات يخصصون في مراكزهم كلها "أقساما كبيرة خاصة للنساء".

وحول هذا الجزئية ألمح الشريف إلى أن "إيران تمتلك حاليا كتائب نسائية في مدينتي دير الزور والميادين ويتجولن بشكل اعتيادي وبحرية وبعضهن يلبسن الزي العسكري، ولهن مقرات داخل منازل سكنية لعقد الاجتماعات ويجرون لقاءات دورية مع المركز الثقافي الإيراني".

وبحسب الشريف، فإن المركز الثقافي الإيراني في دير الزور، يمسك جيدا بالقطاع التعليمي من ناحية رعايته للأنشطة وإقامة الحفلات للأطفال وتكريم المعلمين وتقديم سلات إغاثية للأهالي عقب كل فعالية، وذلك بالتنسيق مع الكتائب النسائية.

وختم بالقول: إن "النقطة الأكثر خطورة والتي باتت ظاهرة هي تأثر الأطفال بالفكر الشيعي وترديد الأهازيج أو ما يسمى اللطميات، وأصبح منتشرا بحكم قوة الدعاية الإيرانية وكثرة إقامة الاحتفالات الخاصة بالأطفال وتنظيم طقوس شيعية بمناسباتهم".