لترسيخ انقلابهم.. هكذا يسعى عسكر السودان لتجاوز أزمتهم الدولية المعقدة 

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل الانقلاب العسكري في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كان المشهد السياسي يعيش فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش والقوى المدنية، في إطار "شراكة أساسية" بضمانة دولية، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

لكن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بإجراءاته الانقلابية، أطاح بكل ذلك ووضع نفسه والجيش في مواجهة قطاعات شعبية داخليا، وأزمة دولية كبرى على وقع رفض القوى الدولية الكبرى، للانقلاب العسكري، ووأد مكتسبات حقبة ما بعد البشير. 

ومن سياق الفعل ورده، يبدو أن البرهان عازم على المضي في مساره معتمدا على مرتكزات أخرى، منها قوى إقليمية كالإمارات ومصر، ومنها إسرائيل التي قد تضمن له حلحلة معضلاته الخارجية.

إطاحة وغضب

ومن ضمن آخر إجراءاته، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن التلفزيون الرسمي السوداني، قرار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، إعفاء ستة سفراء من مناصبهم.

وورد في حيثيات القرار أن "البرهان قرر إعفاء سفراء البلاد لدى الولايات المتحدة نور الدين ساتي، والصين جعفر كرار، وفرنسا عمر بشير مانيس".

وكذلك، سفراء بلجيكا والاتحاد الأوروبي في بروكسل عبدالرحيم أحمد خليل، وسويسرا، ومكتب الأمم المتحدة بجنيف علي بن أبي طالب عبد الرحمن، وقطر عبد الرحيم صديق. 

ومع أنه لم يصدر توضيح رسمي بسبب قرارات الإعفاء، لكن هؤلاء السفراء صدرت عنهم مواقف واضحة رافضة لسياسات البرهان الأخيرة، التي وصفوها بـ"الانقلاب العسكري".

عقب ذلك مباشرة، أدان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، محاولة الانقلاب في السودان، داعيا لضرورة الانتقال إلى حكم مدني.

كما شدد بلينكن على ضرورة الإفراج الفوري عن القادة المدنيين الذين اعتقلهم الجيش.

وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، تقريرها عن موقف واشنطن من انقلاب السودان الأخير، قائلة إن "البرهان أحبط الجهود الأميركية لمنع سيطرة الجيش على السلطة، وسط مخاوف من معاناة السودان من تداعيات دولية قد تقلب العملية الانتقالية في السودان رأسا على عقب". 

ونقلت عن مبعوث إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان: "قلت للجنرالات في السودان، إن دعمنا وتطبيع العلاقات نابعة من دفع زخم العملية الانتقالية، فلو تعثرت أو تم خرق الاتفاقيات الدستورية، فإن هذا سيضع الكثير من الأسئلة حول التزاماتنا".

كما ذكر أن "المسؤولين والخبراء في واشنطن يراقبون الوضع الهش للديمقراطية في السودان منذ عدة شهور، وخافوا من تحرك جناح في الجيش ضد المدنيين، وهو ما حدث بالفعل". 

وتسبب انقلاب البرهان في سلسلة من الشجب الدولي، وأوقفت إدارة بايدن معونة مباشرة بـ700 مليون دولار، فيما ظل السؤال الذي يطرح نفسه عن الطريقة الذي سيستخدمها البرهان وجنرالات الجيش لعبور تلك المعضلة، وما هي الضمانات الخارجية الباقية أمامهم؟

الضامن الإسرائيلي 

بحسب مراقبين، فإن البرهان ربما يعول على قوة الدبلوماسية الإسرائيلية، وإن انسياقه الكامل إلى التطبيع سيفك الحصار المفروض على انقلابه الأخير، خاصة وأن ما تناولته صحف عبرية، يؤكد أن إسرائيل ليست ببعيدة عن المشهد السوداني وما يحدث فيه، وذهبت بعض الأطروحات إلى أن حكومة نفتالي بينيت تؤيد إجراءات البرهان.

وفي مساء الانقلاب العسكري، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أن "مصدرا إسرائيليا رسميا مطلعا على أحداث السودان، انتقد موقف الموفد الأميركي إلى منطقة القرن الإفريقي، فيلتمان، الذي اعتبر أن الانقلاب في السودان ليس مقبولا، ومن شأنه المس بالمساعدات الأميركية".

وقالت الصحيفة إن المصدر الإسرائيلي، الذي لم تسمه، أكد أنه في ظل الوضع السائد في السودان، يجدر بالولايات المتحدة دعم الجيش وقائده البرهان، وليس رئيس الحكومة المدنية عبد الله حمدوك". 

واعتبرت الصحيفة أن "الجيش في السودان هو الأقوى في الدولة، والبرهان هو القائد الأعلى للجيش، وأن التطورات التي وقعت تعطي فرصة لاستقرار أكبر في السودان، وهو استقرار ضروري للمنطقة، وأيضا لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل على وجه التحديد".

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لفتت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية" إلى أن "الجناح العسكري في السودان، هو أكثر تأييدا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من الجناح السياسي". 

وأضافت: "قد يسعى معارضو القيادة العسكرية إلى الإضرار بالتطبيع".

من جانبه، ذكر المراسل السياسي لموقع "واللاه" العبري، باراك رافيد، في مقابلة مع إذاعة "إف إم 103" بتل أبيب، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن "إسرائيل تلعب دورا مكثفا في السودان خلال العام الأخير، وحتى في الأسابيع الأخيرة، وأن هناك نشاطا كبيرا يشمل تواصلا بين مساعدي البرهان، وجهاز الموساد". 

وتابع: "إسرائيل تدعم الجناح العسكري في مجلس سيادة السودان، ولعبت دورا في التوتر بين جناحي البرهان وحمدوك". 

وبناء على هذه المعطيات، فإن التواصل والتعاون بين عسكر السودان ودولة الاحتلال، قد يعطيهم المسوغ للاستعانة بإسرائيل إذا ما تفاقمت الأوضاع خارجيا على نحو أسوأ، فضلا عن وجود الداعم الإقليمي الأساسي في القاهرة وأبوظبي، وفق متابعين.

ضامن مصري إماراتي 

الدور المصري الإماراتي المتقدم في السودان، يتخطى بكثير فكرة الاعتراف بالانقلاب من عدمه، إلى كونهم "جزءا أصيلا" من العملية الانقلابية، وأن النظامين قدما كل المحفزات والدعم لجنرالات السودان لإنفاذ انقلابهم مع كثير من الضمانات. 

وهو ما ذكرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تحت عنوان "السودان.. جيش في مواجهة شعبه"، حيث قالت إن "العسكريين السودانيين يحظون بدعم من مصر، المحكومة بقبضة حديدية من قبل رجل عسكري (عبد الفتاح السيسي)، وكذلك الإمارات". 

صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية بدورها أكدت ذلك، في نفس اليوم، عبر تقريرها "انقلاب السودان هو تحد لبريطانيا والولايات المتحدة"، وأعلنت بوضوح أن عملية الانقلاب العسكري حظيت بدعم كامل من الحلفاء الإقليميين لعسكر السودان في مصر والإمارات.

وسردت أسباب إقدام الجيش بقيادة البرهان على خطوته، بالقول: "الجيش لم يعد لديه صبر على الضغوط الغربية، ورغم حساباتهم أنهم لن يتخلصوا أبدا من النقد الغربي وتوقف الدعم الأجنبي، إلا أنهم تشجعوا من لاعبين إقليميين على رأسهم مصر والإمارات اللتان تقيمان علاقات قوية مع الجيش السوداني وقادته".

لا ضمانات 

وفي حديث مع "الاستقلال"، قال الناشط الحقوقي السوداني حامد بشير الإدريسي، إن "كل الضمانات الممكنة التي يحاول البرهان ومن ورائه محمد حمدان دقلو (حميدتي) وفلول الدولة العميقة، ليست كافية طالما أن الشارع غاضب وثائر، وهبة المدن في ازدياد، وبؤرة الاعتصامات والإضراب العام تتسع، وبالتالي فإن موقفهم غاية في الصعوبة".

وشدد الإدريسي على أن "البرهان وضع المؤسسة العسكرية وكل مفاصل الدولة في كفة رهان خاسر، غير مأمون العواقب، وظن أن مصر والإمارات والسعودية سيقفون بجواره ويضمنون له الشرعية الدولية، وإمدادات المال والسلاح إذا لزم الأمر".

وأكد أن "الأجدى بالبرهان وقادة الجيش أن ينظروا وضع الجوار الليبي، وكيف أن الانقلاب على المسار الديمقراطي والانتخابات أسقطها في فخ الحرب الأهلية والتقسيم، وتداخلت فيها جميع القوى الدولية ولم ينفعها أحد".

وتابع: "السيسي وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قدما للانقلابي خليفة حفتر جميع الضمانات، وأمداه بجسر غير منقطع من المال والرجال والعتاد، وفي النهاية هزم شر هزيمة، ولكن بعد أن تحولت المدن الليبية إلى ركام". 

وأشار الحقوقي السوداني إلى أن "فكرة التطبيع مع إسرائيل (عام 2020) من أجل الحصول على دعم دولي (كذبة كبيرة) أولا لأن الكيان المحتل، هو كيان (براغماتي)، يبني علاقاته وفقا لمصالحه البحتة، فإذا لم يجد أن العسكر تحكموا في البلاد، وقدموا له ما يرضيه من التنازلات والمزايا الاقتصادية، لن يدعمهم أبدا".

واستطرد: "السودان في ذلك يختلف عن مصر، لأن الأخيرة تمتلك حدودا ونقاط تماس إستراتيجية مع دولة الاحتلال، فضلا أن جيشها مركزي ومتحكم تماما في البلاد، وكذلك لا يوجد فيها تقسيمات قبلية وجيوش موازية وحركات مسلحة منتشرة في شتى ربوعها". 

وشدد الإدريسي على أن "موقف القوى الغربية وتحديدا الولايات المتحدة والصين، من الانقلاب العسكري في السودان، ليس موقفا مبادئا بشكل أساسي، فهم قبلوا ومرروا ودعموا انقلابات كثيرة في العالم".

وتابع: "لكنه موقف نابع من معرفة أهمية السودان كنقطة إستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وانفلاتها سيشعل الأوضاع ويؤثر على كثير من البلاد، مثل إثيوبيا والصومال وإريتريا وتنزانيا وليبيا، وسيفاقم من معضلة مكافحة الإرهاب أيضا، فكل هذا لن يتم تجاوزه إلا بوجود سودان مستقر، كما يريدون".