"عنصرية الجنتلمان".. قصص مسلمات يعانين لعيش حياة طبيعية في بريطانيا

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد آخر، وعلى مدى سنوات، تتحمل مسلمات بريطانيا معاناة موجات الكراهية والإسلاموفوبيا المتصاعدة ضدهن، كأحد أهم مرتكزات أجندة اليمين المتطرف والاستقطابات الانتخابية بين أحزاب المعارضة والسلطة. 

واللاجئات المسلمات تحديدا حملن مفارقات عدة، بين الفرار من واقع أليم في بلادهن، وصولا إلى أحلام الأمان والاستقرار في البلد الأوروبي، وإنشاء حياة جديدة أقل قسوة وأكثر أملا. 

وعبرت النائبة البريطانية زارا سلطانة، عن ما تعانيه المرأة المسلمة في المجتمع الإنجليزي، من إهانات وعبارات لفظية تحريضية، وذكرت أن رحلة المسلمات في بريطانيا أكثر صعوبة ورهبة في ظل الوضع الراهن من الإسلاموفوبيا الهستيرية. 

يأتي ذلك بعدما كشفت بيانات صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن ما يقرب من نصف ضحايا جرائم الكراهية في إنجلترا وويلز عام 2020، "كانوا من المسلمين".

دموع نائبة 

أثارت النائبة المسلمة، سلطانة (27 عاما)، الجدل حول الكراهية ضد المسلمين من داخل قاعات البرلمان، بمداخلة مؤثرة اختلطت فيها الدموع بالعبارات القوية والمركزة، مظهرة حجم العنصرية التي تتعرض لها النساء المسلمات داخل المجتمع البريطاني، وتبين تداعيات التغاضي عن هذه الظاهرة المستشرية والمتصاعدة.

وخلال كلمتها في 14 سبتمبر/أيلول 2021، قالت سلطانة: "كبرت وأنا أرى الإساءات التي يتعرض لها المسلمون البريطانيون الذين وصلوا إلى مناصب عليا أو للبرلمان".

وبكثير من الألم، أقرت بأنها "كانت مخطئة عندما أخبرت المسلمات الشابات بأنه ليس عليهن القلق من النجاح داخل المجتمع، وبأن العقبات التي سيصادفنها هي نفسها العقبات التي تصادف بقية الفتيات من خلفيات ثقافية أخرى"، مضيفة "بعد فترتي القصيرة داخل البرلمان أود أن أعترف أن رحلتي ليست سهلة".

وسرعان ما تساقطت دموع سلطانة، وهي تروي كم الأحداث العنصرية التي تعرضت لها منذ وصولها للبرلمان ومشاركتها في النقاش العام، كنموذج بسيط لمعاناة المسلمات في المجتمع البريطاني بشكل عام. 

وقدمت النائبة المسلمة الشابة في كلمتها، تعريفا للإسلاموفوبيا، وعرضت  نماذج من الرسائل التي تتلقاها والتي تقطر بالعنصرية والتجريح والتحريض، مما أحدث حالة من الصدمة داخل لجنة الاستماع البرلمانية، وفي صفوف العديد من السياسيين البريطانيين.

ومن بين أبرز الرسائل التي عرضتها سلطانة، "أنت والمسلمون تمثلون خطرا حقيقيا على الإنسانية"، وكذلك "أنت سرطان أينما ذهبت وقريبا ستلفظك أوروبا"، وآخر يتهمها بأنها متعاطفة مع الإرهاب، واستخدم عبارة "حثالة هذه الأرض ويجب تطهير العالم من أمثالها".

هنا انهارت النائبة المسلمة وأعلنت "كوني سيدة مسلمة، وأن أتحدث في الفضاء العام، وأن أنتمي للتيار اليساري، كل هذا يجعلني موضوعا بطوفان من الكراهية".

عاقب مسلما! 

"الوقائع المأساوية" السابقة في بريطانيا خلال العقد الأخير، كشفت أن موجات الكراهية ضد المسلمات متصاعدة ولا تنخفض، ففي 3 مارس/آذار 2018، تلقت نساء مسلمات بريطانيات، رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تدعوهن إلى "ترك الحجاب"، بالتزامن مع انطلاق يوم "عاقب مسلما" الذي دعا إليه متطرفون للتشجيع على العنف ضد المسلمين. 

ووصل الأمر إلى أن حملت الرسائل تحذيرات للمسلمين عامة في المملكة المتحدة، من بينها السير في تجمعات، والوجود في أماكن مفتوحة، وتحري الدقة عند فتح أبواب المنازل.

الأكثر إثارة أن دعاة التحريض قالوا في رسائلهم إن "من يقوم باعتداء لفظي سيحصل على 10 نقاط، ومن يلقي مادة حارقة على وجه مسلم يحصل على 50 نقطة، ومن يفجر أو يحرق مسجدا سيحصل على ألف نقطة"، في حين أن الشرطة البريطانية لم تتخذ إجراءات أو تتبع هوية مرتكبي تلك الحادثة الشنيعة.

والمجتمع الإسلامي في بريطانيا ليس بقليل، إذ يبلغ تعداده في مختلف أنحاء المملكة المتحدة نحو مليونين و800 ألف مسلم، ويشكلون 4.4 بالمائة من سكان البلاد، وفقا لإحصاءات الحكومة البريطانية.

وفي 11 يونيو/حزيران 2016، كشف تقرير مجلس العموم البريطاني عن أن "المسلمات هن أكثر فئات المجتمع حرمانا من الناحية الاقتصادية".

وذكرت لجنة "المرأة والمساواة" في المجلس أن "عدد المسلمات البريطانيات المعرضات للبطالة أو الباحثات عن عمل يفوق عدد أقرانهن عامة بمقدار 3 أضعاف، كما يزيد عدد غير الناشطات اقتصاديا منهن على الضعفين". 

وقالت اللجنة إن "آثار الإسلاموفوبيا على السيدات المسلمات يجب ألا يستهان بها".

صدمة البدايات

اللاجئة السياسية بمدينة مانشستر الإنجليزية، سارة الجميل، وصفت اللحظات الأولى للجوء السياسي والانتقال إلى بريطانيا بـ"الصدمة".

وقالت في حديث مع "الاستقلال" إن "المعاناة الحقيقية تبدأ منذ الوصول للمطار، والتقدم بطلب اللجوء، حيث قدمت مع عائلتي إلى مطار (هيثرو) بلندن، وأخبرنا مسؤولو الأمن في المطار أننا سنتقدم بلجوء سياسي بناء على خطر نتعرض له في بلدنا الأم، ولن نستطيع العودة مرة أخرى".

وأضافت: "بمجرد إعلان ذلك الأمر يتم الاحتجاز فورا في غرف مخصصة بالمطار، وتبدأ سلسلة من التحقيقات والمعاناة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى 36 ساعة، ومنهم من يستمر لأكثر من شهر كامل داخل غرف الاحتجاز". 

وأشارت إلى أنه "بعد تجاوز لمراحل الانتظار الطويلة حتى البت في قضية اللجوء والحصول على وثيقة السفر البريطانية، والموافقة على الإقامة، تبدأ مرحلة أشد وهي التعايش وبناء حياة جديدة ليست سهلة على الإطلاق، خاصة للنساء المسلمات".

وأوردت أنها "مرت بتجارب عنصرية متعددة، أثقلها على النفس عندما تعرضت لعبارات كراهية مقيتة داخل وسيلة مواصلات بسبب حديثها مع صديقتها باللغة العربية، لتقوم امرأة كبيرة في السن بريطانية بتوجيه السباب، وتأمرها بخلع الحجاب والعودة إلى الصحراء التي جاءت منها، وأنها تمثل تهديدا إرهابيا على بلادها".

وقالت الجميل: "مع ذلك لا يمكن إغفال أن القوانين وإن كانت غير كافية في مواجهة العنصرية والإسلاموفوبيا المرتفعة، لكنها تمثل الحد الأدنى من حفظ الحقوق والتكفل بالحماية، وفي بعض الأحيان يتم معاقبة مرتكب تلك الوقائع بالحبس والغرامة". 

وشددت على أن "المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى القيام بحملات كبيرة للتوعية، وسرد مظلومية المرأة المسلمة في الغرب بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام، مثلما فعلت النائبة سلطانة، التي فجرت الملف وأحدثت دويا داخل البرلمان، وتناولت وسائل الإعلام تصريحاتها الخطيرة".

وأكدت الجميل أن "هناك دورا مضاعفا على اللاجئة والمهاجرة المسلمة، كونها أصبحت تنتمي إلى عالم جديد ومجتمع مختلف، فلا سبيل معها إلا النجاح وإثبات الذات، والبعد الكامل عن المشكلات وإثارة الأزمات، حيث تكون ردود الفعل مضاعفة، وجامعة لكل لاجئة مسلمة، ولا تسقط على الشخص الواحد فقط". 

واقع أليم 

الباحثة في جامعة "إدنبرة" الأسكتلندية، آية الله سعد، التي تقدم دراسات حول اللاجئات المسلمات في المجتمع البريطاني، قالت في حديث مع "الاستقلال"، إن "المسلمات في الغرب عموما وبريطانيا تحديدا في ظروف صعبة وقاسية، لعدة أسباب".

منها طبيعية، لاختلاف المجتمعات والطباع، وأخرى نتيجة العنف والكراهية وعوامل الإسلاموفوبيا التي انتشرت وتصاعدت في الغرب بشكل كبير، خاصة في السنوات الـ10 الأخيرة، منذ قيام ثورات الربيع العربي، وتوافد اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا. 

وأضافت سعد: "بخصوص بريطانيا، فإن المسلمات هناك يقسمن إلى شرائح متعددة، كل طائفة منهن لها معايير وظروف خاصة، فنجد المسلمة البريطانية المولودة هنا، لعائلة مهاجرة، وكذلك المهاجرات لظروف اقتصادية أو تعليمية أو للزواج".

وتابعت: "وأخيرا شريحة اللاجئات السياسيات اللواتي خرجن من بيوتهن لعوامل الحرب والأزمات السياسية والانقلابات العسكرية، وهي الشريحة الأكثر عددا والأكثر أيضا في التعرض للمضايقات والعنصرية". 

وعن أشكال العنصرية التي يتعرضن لها، قالت سعد: "أول صدمة تتعرض لها اللاجئة المسلمة في بريطانيا، ما يتعلق بالزي والملابس، خاصة المحجبات أو المنتقبات، وتبدأ المضايقات من النظرات والإيماءات في الأماكن العامة والمواصلات، وصولا إلى المصالح الحكومية أو المؤسسات التعليمية".

وأوضحت أن "هناك تمييزا على أساس الزي أحيانا، وقد تجد الفتاة والمرأة المسلمة تعثرا في قضاء مصالحها بناء على هذا الأمر".

واستطردت: "يصل الأمر أحيانا إلى تمييز على أساس الاسم، فإذا كانت الفتاة لها اسم إسلامي أو عربي خالص مثل (عائشة، خديجة، حفصة)، تجد امتعاضا أو سوء تقدير من الشخص المقابل، الذي قد يتنمر على اسمها، أو يتحفظ في تقديم الخدمة المطلوبة منه". 

وأوردت أن "المشكلة الأكبر هي في الإيذاء اللفظي والبدني، وتم رصد حوادث اعتداء متعددة على محجبات بالسباب وعبارات الكراهية، وأحيانا بالاشتباك المباشر ومحاولة نزع الحجاب، وتزايد الأمر في ظل حملات الكراهية ضد المسلمين، وعدم وجود قوانين رادعة تعاقب مرتكب تلك الحوادث، التي تخلف آثارا نفسية عميقة على الضحية". 

واختتمت سعد حديثها بالقول إن "الجاليات الإسلامية في بريطانيا ليست في حاجة إلى مراكز إسلامية فقط، بل إلى تجمعات أكبر ومنظمات حقوقية أكثر شمولا تستطيع حمايتهن، ومخاطبة المجتمع ومراكز صناعة واتخاذ القرار بحقوقهن، ومحاربة نزعة الإسلاموفوبيا عموما والحد منها".