ذراع روسيا.. 3 سيناريوهات لتفكيك "اللواء الثامن" في درعا السورية
لم يعد أمام النظام السوري لإحكام قبضته الأمنية على محافظة درعا جنوبي البلاد، سوى "فصائل التسويات" ومجموعات منتشرة في الريف الشرقي للمحافظة، تتبع "اللواء الثامن" المدعوم روسيا.
وكان لافتا أن النظام السوري صب اهتمامه على البدء بإيجاد صيغة جديدة لشكل وجود "اللواء الثامن" في درعا، عقب إخضاعه أحياء "درعا البلد" المحاذية للحدود الأردنية إلى سيطرته أواخر أغسطس/آب 2021 بعد اتفاق مع الأهالي تحت تهديد التهجير.
ما اتضح لاحقا أن روسيا كانت تحتفظ بورقة "اللواء الثامن" للمساهمة في إبرام تسوية مع أهالي أحياء درعا البلد، بوصفه مقبولا من قبلهم كوسيط، ثم لما تمكنت موسكو من إنهاء الوضع وحصول النظام السوري على غايته بالسيطرة بدأت فورا بخطوات ترسم تفكيك ذلك اللواء.
"ذراع روسيا"
وشكل رجل روسيا الأول في درعا القيادي السابق بالمعارضة السورية، أحمد العودة "اللواء الثامن" بالمحافظة، وهو تجمع لمقاتلي وفصائل المعارضة وقع على اتفاق التسوية مع موسكو بمحافظة درعا في يوليو/تموز 2018، قبل أن يلحق بـ"الفيلق الخامس" في الجنوب السوري.
ويتخذ اللواء الثامن من مدينة بصرى الشام جنوب شرق درعا مركزا رئيسا لتجمع عناصره وتدريبهم، ويوجد فيها كذلك مقر اللواء ومقر القوات الروسية الرئيس في الجنوب.
ويبلغ عدد عناصر "اللواء الثامن" نحو 2000 مقاتل، ويتقاضى هؤلاء رواتب من روسيا تبلغ وسطيا 200 دولار شهريا.
والعودة أصبح تابعا للروس بشكل مباشر وليس لقائد "الفيلق الخامس" اللواء "ميلاد جديد" الذي تنتشر تشكيلاته في محافظات عدة، ويعد فيلقا تابعا لوزارة الدفاع التابعة للنظام السوري.
وبذلك ضمن العودة أنه خارج سلطة النظام العسكرية عليه، وكان يقود فصيل "شباب السنة" المعارض للأسد في مدينة بصرى الشام بدرعا قبل تشكيل اللواء إبان سيطرة المعارضة على المنطقة الجنوبية.
وتشكل "الفيلق الخامس" بأوامر روسية أواخر 2016 أي بعد عام تقريبا من تدخلها في سوريا ليصبح الفيلق الهجين والذي انضم إليه مدنيون وعسكريون، قوة عسكرية رديفة ساعدت قوات نظام بشار الأسد على استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
وفي عام 2018 تحول "الفيلق الخامس" إلى أشبه بـ"جيش خاص" لروسيا وذراعها في سوريا.
تغيير التبعية
ووفقا لوكالة "نبأ" الإعلامية المختصة بأخبار محافظة درعا، فإن العودة لم يستطع أن ينأى بنفسه وبعناصره عن المشهد الجديد في المحافظة، بعدما أمر النظام السوري بإنهاء ارتباط "اللواء الثامن" بالفيلق الخامس، ونقله إلى شعبة المخابرات العسكرية بقيادة العميد لؤي العلي والذي يعد "الحاكم العسكري" للجنوب السوري.
وأكدت "نبأ" في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن نحو 400 عنصر من "اللواء الثامن" أصبحوا من مرتبات فرع الأمن العسكري بدرعا، منوهة إلى أن رئيس مفرزة الأمن العسكري في مدينة بصرى الشام، سلم نحو 275 عنصرا رواتبهم الأولى بمبالغ أعلاها 490 ألف ليرة سورية (125 دولارا) لثلاث فئات منهم وهم (المتطوعون والاحتياط وصف الضباط).
وقرأت خطوة تسليم عناصر "اللواء الثامن" رواتبهم بالليرة السورية للمرة الأولى، وإنهاء تبعيته لروسيا وإلحاقه بشكل مباشر بأجهزة نظام الأسد، كخطوة ثانية على طريق حله بعد إجراء العشرات من عناصره "تسويات جديدة" مع فرع المخابرات العسكرية.
ورغم أنه لم تتضح بعد المهام الجديدة لعناصر اللواء، إلا أن مصادر محلية أكدت أن موسكو تسعى لدمج هؤلاء مبدئيا ضمن المخابرات العسكرية؛ بهدف مسانداتها في عمليات المداهمة والتفتيش على منازل الأهالي لكونهم من أبناء المحافظة ويشكل وجودهم تخفيفا للتوتر مستقبلا ومنع حدوث عمليات انتقام من قبل عناصر المخابرات.
وما يهم نظام الأسد هو عودة عمل أجهزة المخابرات وإطلاق يدها من جديد في درعا بالاعتماد على مليشيات الفرقة الخامسة، بينما أوكلت لـ"الفرقة الرابعة" التي يقودها شقيق رئيس النظام، ماهر الأسد، في ضاحية مدينة درعا وبلدات الريف الغربي ومنطقة حوض اليرموك على الحدود مع الأردن وإسرائيل.
ويعتبر "العودة" المساهم الأكبر في تسليم درعا للنظام السوري منتصف 2018، بعدما أبرم اتفاقا منفردا مع روسيا أثناء اجتياح قوات الأسد لدرعا، وسلم السلاح الثقيل من دبابات ومعدات وأسلحة للروس.
لكن "العودة" أحس عام 2020 أن النظام السوري بدأ بالضغط على الروس لإضعاف "اللواء الثامن"، الأمر الذي دفع العودة للإعلان أواخر يونيو/حزيران 2020، بأن منطقة حوران ستشهد تشكيل جسد عسكري واحد.
وبدا أن هذا الأمر أغضب الروس الذين قدموا بلاغا للعودة في يوليو/تموز 2020 يقضي بنقل تبعية "اللواء الثامن" من الفيلق الخامس إلى مليشيات الدفاع الوطني الرديفة لقوات النظام، إلا أن العودة رفضه ولم يقدم على هذه الخطوة.
سيناريوهات مطروحة
وأكد الصحفي السوري ياسر الرحيل المنحدر من درعا، وجود "ترتيب شديد على اللواء الثامن اتضح عقب انتهاء مفعول اتفاق عام 2018 بعد تسلم النظام أحياء درعا البلد أواخر أغسطس/آب 2021، ثم بدء نظام الأسد بإجراء تسويات في الأرياف الشمالية والشرقية إلى أن وصلت لحدود مدينة بصرى الشام معقل اللواء الثامن".
ولفت الرحيل في حديث مع "الاستقلال" إلى أن "اللواء الثامن جرى تأسيسه بموافقة دولية تتبع لاتفاق عام 2018 وربما بتشاور أميركي- روسي لبقاء اللواء الثامن ومن أبناء المنطقة في الجبهة الجنوبية".
وأشار إلى أن "النظام السوري منذ البداية كان غير راض عن اللواء وهو من يضغط بشكل كبير على روسيا من أجل التخلي عنه أو صهر عناصره ضمن فرق جيش النظام في الجنوب أو إلحاقه بأحد الأفرع الأمنية بالجنوب".
واستدرك قائلا إن "النظام السوري وجه تهما للواء الثامن ومنها منع أهالي درعا التصويت على مسرحية الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار 2021، وهذه من جملة الأسباب التي اختلقها النظام من أجل الضغط على الروس لحل اللواء".
فيما أكدت مصادر محلية متطابقة قيام قائد اللواء الثامن "العودة" بزيارة إلى الأردن بشكل سري في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عبر معبر نصيب الحدودي مع سوريا.
وعلق الرحيل على هذه الزيارة بقوله إن "الحديث عن زيارة العودة إلى الأردن أخيرا، تشي بأن هناك ترتيبا جديدا تستعد له المنطقة الجنوبية، بخصوص اللواء الثامن، إذ إن هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة، وهي إما إلحاقه بشكل مباشر بأحد الأفرع الأمنية أو بجيش النظام أو حله بشكل كامل ودمج عناصره بجيش النظام".
وألمح الصحفي السوري إلى أن "روسيا كانت مستفيدة من اللواء الثامن بشكل جزئي من خلال التدخل لحل أي تصعيد في الجنوب السوري، وأيضا فإن روسيا كانت تحتمي باللواء وخاصة أن مقر القوات الروسية في بصرى الشام معقل العودة، فضلا عن مرافقة عناصره للدوريات الروسية التي تتجول في الجنوب".
وسبق أن نقل "تجمع أحرار حوران" المحلي، عن قيادي في اللواء الثامن، قوله إن "اللواء في طريقه للتفكك وجميع المؤشرات الحالية في المنطقة الشرقية من محافظة درعا، تدل على حله خلال المرحلة القادمة، وخصوصا بعد وصول التسويات إلى مناطق نفوذه، والتي شملت مجموعات تابعة له في الريف الشرقي لدرعا".
إبعاد المنافس
وقال القيادي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن "النظام يرفض وجود تكتل اللواء الثامن، الذي اعتبره عثرة كبيرة أمام تنفيذ مشاريعه في المحافظة، خلال السنوات الثلاثة الماضية، وأن النظام طلب من حليفه الروسي إنهاء ملف اللواء لرفض التكتلات العسكرية خارج ملاكه".
ولعل الناشط الميداني من درعا إبراهيم المحمد قدم لـ"الاستقلال" إحاطة لما يجرى في درعا بقوله إن "العودة شعر بأنه بدأ يفقد ثقله العسكري في الجنوب السوري، وأكبر دليل على ذلك دخول مجموعات من عناصره ضمن جهاز الأمن العسكري التابع للنظام، وربما ذهابه للأردن في هذا التوقيت لبحث تخلي الروس عنه".
وحدد المحمد ثلاثة أسباب تدفع العودة للتوجه إلى الأردن، وهي عودة فتح ملف خط الغاز العربي لنقل الطاقة الكهربائية والغاز إلى لبنان من مصر والأردن مرورا بدرعا، وربما يبحث العودة عن مخرج من خلال حماية الخط".
وثانيا، بحث تفكيك اللواء الثامن وخلط تشكيلات من السويداء مع عناصره بجسم جديد ومسمى جديد بشرط أن يتبع بهيكليته العسكرية للنظام السوري، وثالثا "ربما يكون الرجل بدأ يشعر بالخوف من اغتياله بعد وصول التسويات إلى معقله الأخير بصرى الشام".
ولفت المحمد إلى أنه يجرى حاليا ضرب مكامن القوة في "اللواء الثامن" التي لا شك أنها تسبق تفكيكه وتقود إليه، والمتمثلة "ببحث موضع سلاحه الثقيل الذي يحتفظ به منذ ثماني سنوات ووضعه في مستودعات معروفة لدى الروس، وإجبار المقاتلين السابقين في المعارضة ممن لم يوقعوا على اتفاق التسوية عام 2018 أن يوقعوا على تسوية جديدة".
ويرى الناشط الميداني أن "النظام السوري يخطط لتأمين الطريق البري من الأردن مرورا بدرعا إلى دمشق أمام الحركة التجارية مستقبلا بحيث يضمن النظام عدم وجود سلاح منفلت قد يعيق تلك الحركة التي يعول عليها في تحقيق جزء من الانتعاش الاقتصادي بعد إنهاء القطيعة مع عمان".
واستطرد المحمد موضحا "نظام الأسد ينظر إلى اللواء الثامن كقوة تبحث عن مكسب اقتصادي تنافسه فيه، لذا يريد حله نهائيا، وقد بدأ فعليا بإضعافه حتى يصل لإيجاد صيغة رسمية مع روسيا لمسألة وجوده بدرعا".