"واقع مفروض".. لماذا عجلت روسيا بتشكيل فصيل عسكري في السويداء؟
بعد انتهاء روسيا من إعادة ترتيب الخارطة العسكرية في محافظة درعا جنوب سوريا لصالح النظام السوري، اتجهت بشكل سريع للعمل على ترتيبات جديدة داخل جارتها السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
ويقتصر نفوذ النظام السوري في السويداء على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها، لكن السيناريوهات بدأت الآن بالتغير.
وأبقت روسيا علاقتها مع شيوخ عقل الطائفة الدرزية بشقيها المناهض لرئيس النظام السوري بشار الأسد والموالي له، على ذات المسافة من التقارب طيلة العقد الأخير، إذ قدمت موسكو نفسها كوسيط مقبول.
إلا أن تأجيل موسكو ملف السويداء ودفعها لتسوية مع النظام السوري، وعودة الأخير لإحكام سيطرته الكاملة عليها، كانت تحكمها عوامل كثيرة أولاها حساسية المحافظة من ناحية وجود الأقلية الدرزية، وثانيا سخونة ملف جارتها درعا وتشابكه مع دول جوار سوريا.
فصيل جديد
ووفقا لتقرير صادر عن موقع "أنا إنسان" الذي يهتم بأخبار السويداء، فإن روسيا بدأت بالعمل حاليا على تشكيل مليشيا جديدة داخل المحافظة تتبع لـ "الفيلق الخامس".
وبين التقرير في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن موسكو استطاعت تجنيد المئات من أبناء المحافظة مستغلة الحالة الاقتصادية المتردية التي تعيشها.
وأكد أن مكاتب "الفيلق الخامس" التابعة لروسيا رفضت قبول طلبات التجنيد من محافظة السويداء الخاصة بالذهاب إلى فنزويلا (تتولى روسيا هناك حماية منشآت نفطية وعسكرية لها)، وحصرتها بباقي المحافظات السورية.
وأرجع الموقع السبب الرئيس وراء رفض تجنيد شباب المحافظة إلى فنزويلا، ببناء روسيا تشكيل عسكري جديد بين محافظتي درعا والسويداء معظم قوامه من أبناء السويداء.
وأوضح الموقع أن مجندين من درعا سينضمون إلى التشكيل الجديد، وسيحصل كل منهم على راتب يتراوح بين 100 و200 دولار شهريا.
ولفت إلى أن سماسرة من شركتي "فاغنر" الأمنية الروسية، و"الصياد" المحلية التابعة للنظام السوري هم من يشرفون على عمليات تجنيد أبناء السويداء.
تمركز المليشيا الجديدة سيكون في ريف السويداء الغربي المحاذي لريف درعا الشرقي، بالقرب من انتشار "اللواء الثامن" التابع للفيلق الخامس المدعوم روسيا.
وشكل القيادي البارز أحمد العودة "اللواء الثامن"، وهو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة وقعت على اتفاق التسوية مع روسيا في محافظة درعا يوليو/ تموز 2018، قبل أن يلحق بـ"الفيلق الخامس" في الجنوب السوري.
والعودة أصبح تابعا للروس بشكل مباشر وليس لقائد "الفيلق الخامس" اللواء "ميلاد جديد" الذي تنتشر تشكيلاته في محافظات عدة ويعد فيلقا تابعا لوزارة الدفاع التابعة للنظام السوري.
وبذلك ضمن العودة أنه خارج سلطة النظام العسكرية عليه. وكان هذا الشخص يقود فصيل "شباب السنة" المعارض للأسد في مدينة بصرى الشام بدرعا قبل تشكيل اللواء إبان سيطرة المعارضة على المنطقة الجنوبية.
وتشكل "الفيلق الخامس" بأوامر روسية أواخر 2016 أي بعد عام تقريبا من تدخلها في سوريا ليصبح الفيلق الهجين والذي انضم إليه مدنيون وعسكريون، قوة عسكرية رديفة ساعدت قوات نظام بشار الأسد على استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
وفي عام 2018 تحول "الفيلق الخامس" إلى أشبه بـ"جيش خاص" لروسيا في سوريا.
عرض روسي
وأكد الناشط الميداني من درعا إبراهيم المحمد لـ "الاستقلال"، أن العودة الذي تجمعه علاقة قوية مع العقيد ألكسندر زورين المشرف على الملف السوري لصالح وزارة الدفاع الروسية، "تلقى عرضا في أغسطس/آب 2021 من زورين بالقيادة العسكرية للجنوب السوري بمحافظاته الثلاث ( درعا – السويداء – القنيطرة)، بينما تبقى القيادة المدنية للسويداء".
لكن العودة رفض ذلك "لأنه اعتبر نفسه أنه سيصبح مطية لتجهيز مرحلة قادمة ثم ربما تتخلى عنه روسيا"، وفق المحمد.
وأشار إلى أن "تسويات روسيا في درعا وصلت إلى المنطقة الشرقية معقل قوة أحمد العودة، ولهذا ذهب الأخير إلى الأردن خلال الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021 بالتوازي مع إجراء تسويات لعناصر من اللواء الثامن وطلب تهجير بعضهم بضغط من النظام السوري".
ولفت إلى أن من جملة أسباب زيارة العودة إلى الأردن، قد يكون "بحث مشروع الضابط الروسي بضم تشكيلات من السويداء إلى اللواء الثامن".
ولا سيما أن موقع تمركز اللواء هو في المنطقة الشرقية (بصرى الشام) من درعا المحاذية للسويداء وهذا ما يفسر عدم عبثية اختيار العودة لثقل قواته هناك، حيث مقر اللواء الثامن ومقر القوات الروسية الرئيس في الجنوب.
وسبق للقيادي العودة الذي يوصف بأنه رجل روسيا المدلل أن ألمح صراحة في يونيو/حزيران 2020 إلى أن المنطقة الجنوبية ستشهد تشكيل "جيش واحد".
وتعمل روسيا منذ إنشاء "اللواء الثامن" على فتح باب الانتساب إليه من قبل الشباب الفارين من الخدمة الإلزامية والمتخلفين عنها والمدنيين الراغبين أيضا بالانضمام من درعا.
وكل ذلك مقابل مغريات ووعود بتسوية أوضاعهم وأن يكون انضمامهم محسوبا من خدمتهم الإلزامية التي ستكون محصورة ضمن المنطقة الجنوبية.
وفي السياق نقل تجمع أحرار حوران المحلي، عن قيادي في اللواء الثامن، قوله إن "اللواء في طريقه للتفكك وجميع المؤشرات الحالية في المنطقة الشرقية من محافظة درعا، تدل على حله خلال المرحلة القادمة، وخصوصا بعد وصول التسويات إلى مناطق نفوذه، والتي شملت مجموعات تابعة له في عدة مناطق".
وقال القيادي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن "النظام يرفض وجود تكتل اللواء الثامن، الذي اعتبره عثرة كبيرة أمام تنفيذ مشاريعه في المحافظة، خلال السنوات الثلاثة الماضية، وأن النظام طلب من حليفه الروسي إنهاء ملف اللواء لرفض التكتلات العسكرية خارج ملاكه".
ولعل هذا ما دفع قائد اللواء الثامن "أحمد العودة" لزيارة الأردن بشكل سري في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عبر معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، وفق التجمع.
تحرك إيراني
وأمام هذا التحرك الروسي في هذا التوقيت، وبناء على المعطيات الآنفة، يجري على رقعة السويداء تحرك آخر بدعم من شيخ عقل الموحدين الدروز "يوسف جربوع" الموالي للنظام السوري ولأحزاب لبنانية تدور في فلك محور إيران.
ويبدو أن روسيا حركت الملف المؤجل لتشكيل لواء جديد على غرار اللواء الثامن في درعا بموازاة تحركات محور إيران.
إذ استقبل رئيس حزب التوحيد العربي اللبناني وئام وهاب المقرب من النظام السوري، في "دارته بالجاهلية" في لبنان أواخر سبتمبر/ أيلول 2021، شيخي عقل الطائفة الدرزية بالسويداء يوسف جربوع وحمود الحناوي.
وعقب اللقاء قال وهاب إنه جرى التباحث مع شيخي عقل الطائفة الدرزية "أمور خاصة وعامة".
وأضاف وهاب الذي التقى بشار الأسد في سوريا 5 سبتمبر/أيلول 2021: "اليوم السويداء في منطقة حساسة وخيارها واضح هو سوريا، خيارها العروبة والجيش السوري والرئيس بشار الأسد والدولة السورية، ولن يكون لها أي خيار آخر خارج الدولة السورية".
وحول هذه الجزئية لفت الصحفي السوري نورس عزيز المنحدر من السويداء أن "الفكرة المطروحة حاليا إقامة جسم معين في المحافظة بالتعاون بين يوسف جربوع ووئام وهاب، وحزب الله اللبناني وبإشراف مليشيا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد".
وأضاف عزيز لـ "الاستقلال"، أن "مهمة هذا الجسم إعادة ما يسمى هيبة الدولة عن طريق أبناء المنطقة أنفسهم وبإشراف من حزب الله وإيران، الأمر الذي أدى لتسريع روسيا في تشكيل اللواء الجديد الذي يتبع للفيلق الخامس".
وواقع الحال يشير إلى أن روسيا ترى أن الوضع بالسويداء حان لتشكيل جسم عسكري يتبع لها بعد إعادة رسم خارطة النفوذ في درعا ونسف اتفاق عام 2018، ولا سيما أن موسكو كما يؤكد عزيز، "تواصلت عام 2020 مع حركة رجال الكرامة لتشكيل اللواء التاسع ووقتها كان هناك بوادر موافقة".
وحركة "رجال الكرامة" على خلاف مع النظام السوري، ويقودها منذ فبراير/شباط 2017 يحيى الحجار أحد شيوخ الطائفة الدرزية، وتعد حاليا القوة العسكرية الأبرز على ساحة السويداء والمتوزعة عناصرها في مناطق متفرقة من المحافظة.
واقع مفروض
ويرى كثير من المراقبين أن النظام السوري ينظر إلى اللواء الثامن كجسم غريب يجب التخلص منه، لأنه يفرض نفسه عسكريا في الجنوب السوري ولديه القدرة على إعادة تشكيل جيش موحد هناك في أي لحظة.
ولا سيما أن حساسية الجنوب السوري القريب من إسرائيل تجعل من احتمالية خلط الأوراق عسكريا واردة رغم أن الجميع بما فيهم الروس يعملون هناك بحذر وكأنهم في حقل ألغام.
ولهذا فإن تحريك روسيا ملف السويداء وما يقابله من تحركات لمحور إيران، ما كان ليطفو على السطح لولا اتضاح صورة المشهد في درعا.
ولا سيما أن فكرة تشكيل موسكو للواء عسكري بالسويداء أيا كانت تسميته أو حتى الاضطرار لدمجه بمليشياتها في الجنوب تحت مسمى واحد، ستكون واقعا مفروضا على المحافظة نظرا لجملة من العوامل التراكمية أولها سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، التي يهدف من خلالها النظام السوري لتركيع المحافظة.
ثانيا، غياب فرص العمل لدى شباب السويداء الرافض للالتحاق بالخدمة الإلزامية في صفوف قوات الأسد خوفا من توريطهم في الدم السوري، ورفض مستمر من الأهالي للواقع والخروج بمظاهرات متكررة تحت وسم "بدنا نعيش" وسط هتافات مطالبة برحيل الأسد.
إضافة إلى أن السويداء تتمتع بوجود تشكيلات عسكرية محلية لها حظوة السيطرة منذ ثماني سنوات على أجزاء كبيرة من المحافظة.
واعتمدت هذه التشكيلات منذ البداية نهج تجنب الصدام المسلح مع النظام السوري وأجهزته الأمنية ومليشيا الدفاع الوطني التي شكلها من الموالين له من شباب المحافظة.
إلا أن هذا لم يغير من خطة النظام السوري الذي يريد أن تكون السويداء بكل تفاصيلها تحت سيطرة النظام وهو من يديرها، وتؤيده في ذلك روسيا التي تعد هي ضابط الإيقاع وهي من تختار التوقيت المناسب لقلب أي معادلة.
وخير دليل على ذلك ما حدث حينما تنكرت موسكو لاتفاق التسوية مع أهالي درعا المبرم منتصف عام 2018.
وقالها صراحة ضابط روسي للجنة الأهالي المفاوضة عن درعا، أن الزمن والظروف تغيرت حاليا عام 2021 عما كانت عليه عام 2018 ليجبر الأهالي تحت الحصار والقصف والتهديد بالتهجير على القبول مطلع سبتمبر/ أيلول 2021 بسيطرة النظام السوري على أحياء "درعا البلد" بعد عشر سنوات من خروجها من يده.
المصادر
- لماذا لا ترغب روسيا بإرسال مجندي السويداء إلى فنزويلا لحماية منشآتها؟
- وهّاب بعد لقائه شيخي عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا جربوع والحناوي
- وفد روسي يلتقي وجهاء السويداء، ماذا رد على مطالبهم ؟!
- وهاب: من دون العودة إلى سوريا لن يكون هناك وجود للعرب في المعادلة
- أحمد العودة يزور الأردن لبحث تطورات التسويات في درعا