رفعت الأسد.. سفاح حماة وقاتل النساء الذي غادر سوريا بصفقة وعاد بأخرى

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بشكل غير متوقع، عاد "رفعت" عم رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى دمشق بعد 37 عاما في المنفى؛ جراء صراعه على السلطة مع شقيقه رئيس النظام السابق حافظ، حسمت عام 1984 بصفقة مغادرته البلاد مقابل أموال طائلة صرفت له من خزينة الدولة.

وأعلن النظام صفح بشار عن عمه رفعت البالغ من العمر 84 عاما، والسماح له بالعودة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وذلك منعا لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي لمصادرة ممتلكاته وأمواله.

وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية أن بشار "ترفع عما فعله وقاله رفعت مثله مثل أي مواطن آخر لكن بضوابط صارمة، ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي، بعد أن أمضى أكثر من 30 عاما في أوروبا معارضا".

وثبتت محكمة الاستئناف بباريس في 9 سبتمبر/أيلول 2021، حكما بسجن رفعت أربع سنوات، بعد إدانته بتهمة جمع أصول في فرنسا بطريقة احتيالية تقدر قيمتها بـ90 مليون يورو، كما أدين بتهمة "غسل الأموال ضمن عصابة منظمة واختلاس أموال سورية عامة والتهرب الضريبي المشدد".

وبناء على ما قضت المحكمة، سيصادر على كل الممتلكات غير المنقولة المعنية بقضية رفعت، كما هو ملاحق في سويسرا أيضا بشبهة ارتكاب جرائم حرب في الثمانينيات، وقد يحاكم في إسبانيا كذلك للاشتباه في تحقيقه "مكاسب غير مشروعة" تتعلق بأكثر من 500 عقار تم شراؤها مقابل 691 مليون يورو.

وتجري فرنسا منذ 2014 تحقيقات حول الشقيق الأصغر لرئيس النظام السابق حافظ الأسد، وجرت محاكمته في باريس - لم يحضر جلسة المحاكمة - بتهم تتعلق بارتكابه جرائم بين أعوام 1984 و2016 تشمل "الاحتيال الضريبي والاختلاس".

النشأة والمغادرة

ولد رفعت الأسد عام 1937 في مدينة القرداحة بريف اللاذقية، وهو الشقيق الأصغر لحافط من أبيه علي سليمان.

تزوج رفعت من أربعة نساء، وهن أميرة الأسد ورجاء بركات وسناء مخلوف ولينا الخير، أما أولاده فمنهم، فراس ودريد وريبال وسوار وتماضر ومضر وسومر ولاما وتماذين.

وشغل رفعت مناصب نائب رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، وعضو القيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم، وقائد "سرايا الدفاع" وهي تشكيل عسكري أسسه من عناصر وضباط من الطائفة العلوية المنتمي لها، وبعد نفيه خارج البلاد، أدمجت تلك السرايا في "الفرقة الرابعة" التي يقودها حاليا شقيق بشار، ماهر الأسد.

فشل رفعت في الانقلاب على أخيه حافظ الذي كان رئيسا للنظام السوري بموجب انقلاب عسكري منذ 1971 وحتى وفاته عام 2000.

نجح حافظ عام 1984 في إبعاد شقيقه رفعت خارج سوريا؛ تجنبا لصدام عسكري مسلح بينهما، وكثيرا ما تحدثت تقارير إخبارية عن تفاصيل خروج رفعت من سوريا والتي قيل منها أن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي كان طرفا وسيطا بينهما، ودفع مبلغا إضافيا لرفعت غير ذاك الذي توافق عليه مع أخيه للقبول بخروجه.

إلا أن رواية داخل العائلة وثقت جانبا من هذه الحادثة المفصلية في حياة الشقيقين، جاءت على لسان فراس ابن رفعت، الذي اتبع نهجا مستغربا في معاداة والده وابن عمه بشار معا، ويعد حاليا من المعارضين لأبيه وابن عمه وينتقدهم بشدة عبر منشورات يتكلم فيها عن حقبة أبيه وما بعدها.

وقال فراس في هذه الجزئية محاولا توثيق وكشف أسرار العائلة في منشور على صفحته بـ"فيسبوك" في 2 يونيو/حزيران 2021: "عندما خرج رفعت من دمشق بعد الصراع على الخلافة، خرج ومعه 100 مليون دولار نقدا، ومعه الكثير من الذهب والآثار وكانت كلها معبأة في حقائب وصناديق خاصة".

 وكشف فراس أن والده "لم يرض بالخروج من سوريا قبل أن يرسل ولده دريد إلى مدينة جنيف السويسرية ليكلمه من هناك ويؤكد له وصول 200 مليون دولار التي تم تحويلها مباشرة من البنك المركزي السوري إلى البنك السويسري".

وأردف: "لولا هذه الأموال التي حولت إلى جنيف، وتلك الحقائب الكثيرة التي سمح له بإخراجها، لما كان رفعت ليقبل الخروج من دمشق بتلك السهولة".

عاش رفعت في بداية نفيه من سوريا في سويسرا أولا، لينتقل بعدها إلى فرنسا، وأقام هناك مع زوجاته الأربع وأولاده البالغ عددهم 16، وحاشية يبلغ عدد أفرادها نحو 200 شخص.

وخلال عيشه في أوروبا متنقلا بين دول عدة، جمع ثروة عقارية هائلة أثارت الشكوك؛ ما دفع القضاء الفرنسي لفتح تحقيق في أبريل/نيسان 2014، إثر شكاوى تقدمت بها منظمتان غير حكوميتين لمكافحة الفساد، هما "شيربا" و"الشفافية الدولية".

ويملك رفعت في فرنسا قصرين ونحو 40 شقة في أحياء باريس الراقية، بالإضافة إلى قصر مع مزرعة خيول في منطقة "فال دواز" قرب العاصمة ومكاتب في مدينة ليون.

وتقدر قيمة ممتلكاته في فرنسا بنحو 90 مليون يورو، تضاف إليها نحو 10 ملايين جناها من بيع ممتلكات، وتمكن رفعت من شراء هذه العقارات منذ ثمانينيات القرن الماضي، عبر شركات توفر ملاذات ضريبية آمنة.

وذكرت مصادر اقتصادية متطابقة، أن رفعت وأولاده يمتلكون شركات في بنما وليختنشتاين ولوكسمبورغ، إلى جانب عقارات فاخرة في إسبانيا والعاصمة البريطانية لندن.

معارض لبشار

بعدما تولى بشار الحكم وراثيا عقب وفاة والده عام 2000، أعلن رفعت معارضته لابن أخيه، وحينما اندلعت الثورة في مارس/آذار 2011 ضد حكم الأسد الابن، دعا رفعت ابن أخيه في 16 ديسمبر/كانون الأول 2011 للتنحي عن السلطة فورا للحيلولة دون نشوب ما وصفها بـ"حرب أهلية"، وفق مقابلة بثتها قناة "أل سي آي" الفرنسية.

وفي 2012، قال رفعت في مقابلة مع قناة "بي بي سي"، إن "بشار من الصعب أن يبقى في الحكم، لأن المشكلة امتدت إلى كل سوريا".

وفي لقاء آخر في نفس العام مع قناة "سي إن إن العربية"، قال رفعت: إن "بشار يعتقد أنه منتصر وكلما اعتقد ذلك، يجب أن نؤكد له أن ينهزم يوما بعد يوم".

وسبق أن كشف دريد، ابن رفعت في مايو/أيار  2020 عن طموح والده بالمشاركة في العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة في سوريا.

ويعتبر فراس منشقا عن عائلته، فيما باقي أخوته يرون أن والدهم ترك سوريا وفق ما يقول دريد: "بسبب الخلاف السياسي الكبير مع السلطة السياسية آنذاك وطرائق معالجتها للعديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونتيجة لذلك فإنه فضل سياسية النأي بالنفس مع أسرته وأولاده عن كل ما يجري بداخل سوريا".

وعلق فراس الذي يتخذ مواقف معادية لحكم عائلته في منشور له على عودة أبيه إلى سوريا بقوله: "رفعت قد بات ليلته في دمشق، وتم تنفيذ الصفقة بين مخابرات روسيا وفرنسا والنظام".

"المجرم" رفعت

يعتبر رفعت المسؤول الثاني بعد شقيقه حافظ عن مجزرة سجن "تدمر" الشهير الواقع شرق حمص، وفي التفاصيل فإن قوات "سرايا الدفاع" التي يقودها رفعت نفذت المجزرة في 27 يونيو/ حزيران 1980، قتل فيها نحو ألف معتقل رميا بالرصاص والقنابل اليدوية، من المعتقلين السياسيين المعارضين لحافظ بمن فيهم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين".

وجاءت المجزرة عقب يوم واحد من محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها حافظ، اتهم بها نظام الأسد الأب جماعة "الإخوان المسلمين" بمحاولة الاغتيال.

لم ينتظر نظام الأسد الأب طويلا حتى افتعل حافظ حجة القضاء على ما سماها "عصيان الإخوان المسلمين" المناهضين لحكمه في محافظة حماة الواقعة وسط سوريا وتبعد عن دمشق 222 كم، والتي تعد المعقل الرئيس للحركة ولجناحها العسكري "الطليعة المقاتلة" في سوريا.

وأعطى الأسد الأب الذريعة لنفسه لاجتياحها عسكريا بقيادة شقيقه رفعت، ووزير دفاعه آنذاك مصطفى طلاس عام 1982.

وحينها أفرغ رفعت إجرامه وحقده على أهالي حماة التي اقتحمها جيش النظام في 2 فبراير/شباط 1982 واستمر الهجوم لـ27 يوما، طالت محتجين في المدينة ضد عائلة الأسد، ما أدى لارتكب مجازر بشعة على يد جنود رفعت الذي كان قائد الاقتحام وضابطا في الجيش برتبة عقيد.

لقب إثرها رفعت بـ"جزار حماة" لإصداره أوامر بقتل 40 ألف سوري في حماة، بعد تطويقها وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكريا، إذ كان عناصر وضباط سرايا الدفاع يقتحمون البيوت ويقتلون عوائل بأكملها رميا بالرصاص.

كما سرق جنود رفعت ممتلكات الأهالي لدرجة أن شهود عيان أكدوا أن ضباطا كانوا يبترون أيادي النساء، لسرقة أساور الذهب من أيديهن، فضلا عن حدوث عمليات إعدام جماعي لمصلين في المساجد ثم إحراق جثثهم.

وقال عزام عبيسي وهو أحد شهود الناجين من "مجزرة حماة" لوكالة الأناضول التركية في فبراير/شباط 2021، إن القصف شمل 7 إلى 8 أحياء من المدينة، "لم يترك فيها حجر على حجر وتسبب بمقتل الآلاف من النساء والأطفال والرجال والشباب والمسنين، وكانت الأشلاء منتشرة في جميع الأنحاء".

وبين أن قوات حافظ وأخيه رفعت بدأت بعد ذلك بحملة اعتقالات عشوائية، وتمكنت من اعتقال نحو 15 ألف شاب ونقلتهم إلى سجن "تدمر" السيء الصيت، ولم ينج إلا الذين تمكنوا من الهرب خارج المدينة.

وأكد أهالي حماة أنه لا يزال نحو 15 ألف مفقود منهم، رغم أن الحملة العسكرية على المدينة قضت بتهجير 100 ألف شخص، وتدمير مئات المنازل فوق رؤوس أصحابها، وهدم أكثر من 80 مسجدا و3 كنائس.

ولا تزال لعنة ضحايا مجزرتي سجن تدمر السياسي وحماة تلاحق رفعت طوال أربعة عقود تقريبا، وسط مطالبات بالقصاص منه.

وبالعودة إلى فراس الذي تعد مواقفه تجاه أبيه لاذعة ومستفزة لبقية إخوته، لدرجة أنه كتب منشورا أواخر أيار/مايو2021 أكد على جرائم رفعت بحق السوريين جاء فيه: "منشور خاص هدية مني لأرواح ألف إنسان قتلهم رفعت وهم خلف قضبان زنازينهم بلا حول ولا قوة.. هدية مني.. لأرواح الأمهات الحوامل اللواتي بقرت بطونهن في حماة بحربات البنادق بأوامر من رفعت".

وأضاف "هدية مني.. لكل امرأة دمشقية لم تسلم من شهوات رفعت الأسد، ولكل علوي وضع ابنته في بيوت رفعت لتصبح عاهرة له ولأولاده، ولكل سوري ارتجف يوما من ذكر رفعت الأسد".

كما تضمن المنشور هجوما على بشار قال فيه: "هدية مني.. لكل طفل شهيد قتلته براميل بشار، ولكل من ماتوا تحت التعذيب في معتقلات بشار، ولكل امرأة سورية تعذب وتغتصب اليوم في معتقلات بشار الأسد، ولكل الشعب السوري الذي دمرت بلاده من أجل أن يحتفظ بشار بكرسي حكمه الذي صنعه من جماجم مليون قتيل سوري".

واستدعى ذلك المنشور غضب أخيه دريد ليبدأ هجوما على فراس أولا عبر إنكار ارتكاب والدهما للجرائم، وراح يجتهد في تبرئته خلال فترة صعوده للسلطة بسوريا بين أعوام 1970 و1984، إلى جانب توجيه شتائم لاذعة إلى أخيه فراس ووالدته.

العمالة لإسرائيل

تنعم رفعت بإمبراطورية مالية في أوروبا تعود أصولها إلى أموال حصل عليها من خزينة الدولة السورية دفعها له أخوه حافظ؛ لتسوية الصراع على السلطة بينهما.

وهذا ما أشار إليه فراس، الذي أكد تعرضه لمحاولات قتل من جانب والده بعضها جرى بجنيف، في منشور له فضح فيه بسلسلة متتالية جرائم والده وخفايا إبعاده من سوريا.

وقال فراس، إن "القشة التي قصمت ظهر البعير بيني وبين رفعت، القشة التي دفعتني إلى التمرد النهائي عليه، القشة التي قررت بأن تكون هي المحطة الأخيرة مع هذا الرجل مهما كان الثمن غاليا حتى لو كان موتي.. أنني رفضت الاجتماع في جنيف بمسؤول إسرائيلي سابق".

وأضاف: "رفعت الأسد عندما انتفضت في وجهه ورفضت لقاء الإسرائيلي قال لي: ولك حمار لتكون مفكر النظام ما بيحكي مع الإسرائيليين، لك انت حمار لهل درجة".

يذكر أن رفعت شارك في التصويت بالانتخابات الرئاسية التي أجراها نظام الأسد أواخر مايو/أيار 2021 في سفارة النظام بفرنسا، وقرئت تلك الخطوة بأنها "حركة تمهيدية للعودة إلى سوريا".

وعقب ذلك، رصدت وسائل إعلام فرنسية قيام المجموعة المحيطة برفعت ببيع مقتنيات ثمينة في فرنسا، وحينها تعالت الأصوات المعارضة محذرة باريس من احتمالية هروب رفعت.

ودعا رئيس "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، المحامي أنور البني في 23 سبتمبر/أيلول 2021، للقول إن "لدى رفعت أكثر من طريقة قد يسلكها للفرار من فرنسا، من بينها التوجه برا نحو روسيا بطرق غير شرعية ومنها نحو سوريا".

ويرى فراس طلاس وهو نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، في منشور له على صفحته أن "عودة رفعت إلى دمشق، ستقلق أسماء زوجة بشار".

واعتبر أن "أولاد رفعت، سومر وريبال وسوار العائدين معه، لديهم أطماع في السلطة، ولديهم بعض العلاقات الدولية وفهم السياسة الدولية، والأهم لديهم علاقات عميقة مع ابن عمهم ماهر ومع مئات الضباط في الساحل".