بوبليكو: هذه دلالة تجاهل العالم تهديدات عباس بسحب اعترافه بإسرائيل
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يسير على خطى إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا في تجاهلها للقضية الفلسطينية.
فبعد تهديده الأخير بإلغاء الاعتراف بإسرائيل في غضون سنة، الذي صاغه أمام الأمم المتحدة، أصبحت هذه الوعود محل تشكيك من قبل المجتمع الدولي.
وقالت "بوبليكو" إن مداخلات عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول 2021، تؤكد أن القضية الفلسطينية والاحتلال المتزايد للضفة الغربية، بما في ذلك القدس، لن تحل أبدا بطريقة عادلة ومنطقية.
وأضافت الصحيفة أنه بينما تجاهل بينيت الفلسطينيين عمدا في خطابه، أصدر عباس إنذارا، وأمهل إسرائيل سنة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وخلافا لذلك، وعد الرئيس بإلغاء الاعتراف بإسرائيل.
وأمام هذا الوضع، لم يتأثر المجتمع الدولي بصمت بينيت الصارخ أو تهديد عباس المثير للشفقة، والذي يعطي فكرة واضحة على أنه "انتهى به الأمر إلى الاستسلام للنصر المطلق لإسرائيل وهزيمة الفلسطينيين؛ المسألة التي لم تعد تهم المجتمع الدولي حتى في أدنى تفاصيلها" وفق الصحيفة.
عواقب وخيمة
ونوهت الصحيفة بأن إنذار عباس يأتي بعد أكثر من 15 سنة من توليه الرئاسة، وهي فترة طويلة اتسمت بتعاونه الوثيق مع إسرائيل، خاصة في الجوانب الأمنية، دون أن يخطو الرئيس الفلسطيني أي خطوة ذات أثر دفاعي.
في المقابل، خلال هذه السنوات الـ15، اتسم عباس بخضوعه لأي نزوة صدرت عن دولة الاحتلال.
وبينت الصحيفة أن هذا الموقف كان له عواقب وخيمة على الشعب الفلسطيني الذي كان يراقب عباس وهو يقوده إلى الهاوية، في هذا المعنى، ليس من المستغرب أن يكشف استطلاع للرأي نشر هذا الشهر أن 80 بالمئة من الفلسطينيين يريدون أن يتنحى عباس.
في الآن ذاته، توضح نتائج الاستطلاع أيضا سبب رغبة عباس مرة أخرى في تبييض صورته من خلال إطلاق هذا الإنذار الأجوف قبل الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقلت الصحيفة أن شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية شهدت هذا الأسبوع انتشارا واسعا لمنشورات تستهزئ بعباس بطريقة فكاهية، رغم حقيقة أن كل من يجرؤ على ذلك يتعرض لخطر المضايقة من قبل قوات الأمن الفلسطينية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن دور قوات أمن السلطة الفلسطينية الرئيس يختزل على وجه التحديد في الحفاظ على الحصار على الضفة الغربية، حتى تتمكن إسرائيل مواصلة توسعها الاستعماري الذي لا يمكن إيقافه.
وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، يعتبر أن الرئيس عباس "حمل المجتمع الدولي مسؤوليته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
ومع ذلك، فمن المعروف أن شخصيات مثل المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راضية عن الموقف ولم تحرك ساكنا لتصحيحه.
وأوضحت الصحيفة أن شلل المجتمع الدولي "يمنع أي تطور إيجابي للصراع".
من جانبه، لم يشر بينيت أبدا إلى الاحتلال لأنه يعتبر أن الضفة الغربية هي بالفعل جزء من إسرائيل.
احتلال وحشي
من جهة أخرى، يعمد الإسرائيليون وشركاؤهم الدوليون إلى تسمية أولئك الذين يجرؤون على انتقاد الاحتلال الوحشي "معادون للسامية" بكل بساطة، كما يفعلون بشكل يومي، وبينما يحدث كل هذا بالتعاون مع عباس، يجادل الأوروبيون حول ما إذا كانت الكتب المدرسية الفلسطينية "معادية للسامية".
ويتمثل الهدف، وراء إحداث هذا الجدل أو غيره، في فتح الجبهات في كل مكان "حتى لا يتم الحديث عن الاحتلال الغاشم، والقتلى الفلسطينيين بشكل مستمر، والانتهاكات والقمع اليومي، وسرقة الأرض والمياه، أو العزلة التي يتعرض لها السكان الفلسطينيون؛ وهو ما يحدث في وضح النهار".
وأوردت الصحيفة أن موقف أوروبا من القضية الفلسطينية أصبح نسخة طبق الأصل من الموقف الأميركي، فيما يتعلق بإسرائيل. وعلى وجه الخصوص، أصبحت أوروبا الآن قلقة بشأن "معاداة السامية" المزعومة في الكتب المدرسية الفلسطينية.
لكن، لم يكن لدى الأوروبيين الوقت الكافي لإدراك أن الكتب المدرسية الإسرائيلية لا تصف أبدا القضية الفلسطينية أو ترسم حدود إسرائيل؛ وهذا ليس من سبيل الصدفة، ولكن لأنهم لا يعترفون بأي حدود في انتظار ترسيخ الاحتلال، وفيما يتعلق بهذه المسألة، لا يعتبر أعضاء البرلمان الأوروبي ذلك نوعا من التحريض.
وأضافت الصحيفة أن أعضاء البرلمان الأوروبي لم يروا أيضا أن بينيت، قبل بضع سنوات فقط، عندما كان وزيرا للتعليم، سحب من المدارس رواية طرح فيها روائي يهودي صراعا تم حله من خلال التعايش بين الشخصيات الإسرائيلية والفلسطينية.
وإن لم يكن ذلك كافيا، فإن نفس الأوروبيين الذين لم يتحدثوا آنذاك، يرون الآن "معاداة السامية" في الكتب المدرسية الفلسطينية.
زيادة عن ذلك، عندما قررت النيابة الإسرائيلية عدم توجيه الاتهام إلى مؤلفي كتاب تورات هاميليج، وهو كتاب ديني يبرر قتل غير اليهود بموجب القانون الديني اليهودي ولا يزال معروضا للبيع في المكتبات؛ لم ينبس أعضاء البرلمان الأوروبي ببنت شفة.
وعلقت الصحيفة أن الأوروبيين التزموا الصمت ولم يعتبروا ذلك تحريضا، لكن غضبهم الجديد أكثر إثارة للدهشة، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار ما يتم تدريسه في المدارس الحاخامية بالأراضي المحتلة وداخل إسرائيل، وهي تعاليم لا يمكن مقارنتها إلا بما يتم تدريسه في المدارس الدينية الأكثر تطرفا، لكن هذا لا يدخل في دائرة اهتمام أعضاء البرلمان الأوروبي.
وأضافت بوبليكو أن أعضاء البرلمان الأوروبي لا يهتمون بما يحدث كل يوم في الأراضي المحتلة؛ حيث يقتل الجنود والمستوطنون اليهود الفلسطينيين، ويسرقون أراضيهم، ويقتلعون أشجارهم، ويحاصرونهم في مدنهم وبلداتهم، ويسرقون مياههم. كما يتهمون الفلسطينيين بـ"الإرهاب" بنفس السهولة التي يتهمون بها من ينتقد الاحتلال بـ"معاداة السامية".
ونوهت الصحيفة بأن "نفاق واستهانة أوروبا بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي، هو ببساطة ليس إلا مثلا على تجاهل الفلسطينيين، وتتمثل إحدى عواقبها الأولى، على وجه التحديد، في إيقان السكان العرب والفلسطينيين أن الأوروبيين متشائمون ومنافقون مثل الأميركيين، خاصة بقيادة ميركل وماكرون".