احتفاء اليمنيين الواسع بذكرى ثورة سبتمبر.. لهذا أزعج الحوثيين بشدة
على نحو غير معهود، احتفى اليمنيون بالذكرى الـ59 لثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 في ذات اليوم من عام 2021، في تحد لجماعة الحوثي التي تسيطر على جزء كبير من البلاد.
هذه الثورة التي قضت على الملكية في اليمن، أنهت حقبة دامت لنحو ألف عام، ابتداء من الإمام الهادي يحيى الرسي الذي استولى على الحكم في اليمن عام 897م، وانتهاء بالإمام أحمد حميد الدين ملك المملكة المتوكلية الهاشمية.
امتداد للإمامة
بحسب مراقبين، فإن سر هذه الحفاوة الواسعة تعود إلى أن الذكرى جاءت في فترة سياسية حساسة للغاية، حيث سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 في مسعى منهم لإعادة الإمامة التي ثار عليها اليمنيون قبل نحو 60 عاما.
ويعتقد اليمنيون أن الحوثيين هم امتداد للدولة التي حكمت اليمن لنحو ألف عام بالحديد والنار، على اعتبار أنهم يستندون إلى نفس النظرية السياسية.
فتلك الفترة من الحكم تميزت بأن "السلطة حق حصري" لأبناء وأحفاد الحسن والحسين ابني الصحابي علي بن أبي طالب، أو ما يسمى نظرية "البطنين" في المذهبين الشيعي والزيدي.
وعليه فإن احتفاء اليمنيين بهذه الذكرى يراد به التأكيد على أن ثورة 26 سبتمبر/أيلول التي قضت على حكم الأئمة ستمضي في طريقها لتقضي على جماعة الحوثي.
وهو حكم عرف بالظلم والقمع والقتل والتجويع والتجهيل في عهد الأئمة، ويبدو أنه يكرر في نفسه في فترة سيطرة الحوثيين، كما يقولون.
في حديث لـ"الاستقلال"، يقول وكيل وزارة الثقافة اليمني زايد جابر: "ما من شك أن هذه الحفاوة والاحتفال بذكرى الثورة، وهو احتفال شعبي بحت، دليل على تمسك اليمنيين بثورتهم وجمهوريتهم، وإدراكهم لأهميتها وعظمتها والمخاطر التي تتهددها".
يضيف الباحث اليمني: "ما حدث عام 2014 لم يكن سوى عودة للإمامة التي قضت عليها ثورة 1962، وقد عجز الحوثيون رغم حملاتهم الإعلامية المكثفة ووسائل الترهيب والترغيب في إقناع الناس بالاحتفال بمناسبتهم الطائفية والسلالية".
بل على العكس زادوا الشعب إصرارا وتحديا لإحياء ذكرى ثورتهم العظيمة في كل اليمن بما في ذلك مناطق سيطرة الحوثي، وفق قوله.
رأى رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول بهذا الإصرار دليل على وعي اليمنيين بما تعنيه الجمهورية، بعد أن ذاقوا الويلات في ظل سيطرة جماعة الحوثي.
وبين عبدالله القيسي أن إحياء ذكرى الثورة يعني "مقارعة الإمامة التي سفكت دماء اليمنيين ونهبت أموالهم".
وكتب في منشور على صفحته في فيسبوك: أجمل إحياء لذكرى الثورة، هو العودة إلى خطها الرئيس، صراع اليمني مع الإمامة طوال التاريخ، صراع اليمني لمقارعة تلك الخرافة".
وأضاف القيسي: "الوعي بالجمهورية يقتضي تكثيفا للبحث عن أساليب الإمامة -رغم قلة المؤمنين بها- في التسرب من ثغراتنا وحماقاتنا".
أما وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان فقد شارك جانبا من احتفاء اليمنيين وكتب على فيسبوك معلقا: "تعز تحتشد الآن! تعز جمهورية 26 سبتمبر (أيلول)، كانت وما تزال صمام أمان الجمهورية! من هذه المدينة كان التثوير والتغيير والتنوير".
ثورة مستمرة
من جانبه شارك رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد مقطع فيديو للشيخ سلطان العرادة محافظ مأرب وهو يعلق على ذكرى الثورة وقد قال في أجزاء منها: "إيقاد شعلة الـ26 من سبتمبر سيظل معنا يجري في عروق ودماء الشعب اليمني".
وتابع: "ستظل هذه الثورة المباركة تطارد كل فلول الإمامة، وكل قوى التخلف والظلام، بإذن الله تعالى، مهما حصل من تآمر عليها، فهي ستظل متجددة دائما وأبدا" في إشارة إلى جماعة الحوثي.
أما الكاتب والصحفي محمد المياحي فقد نشر صورا لاحتفال اليمنيين بذكرى الثورة في مأرب، بينها صورة للحظة إيقاد شعلة الثورة، أوقدها كل من محافظ مأرب سلطان العرادة ورئيس هيئة الأركان العامة عزيز بن صغير.
وقال معلقا في فيسبوك: "لم تكن ثورة سبتمبر حدثا مناهضا لعرق أو مذهب أو حتى طائفة، لكنها كانت ثورة ضد الحكم الطائفي".
وتابع: "أزاحت ثورة سبتمبر السلالة؛ كي تفرش رداء الوطنية، وتدعو الجميع إلى الاستظلال بها، دخل اليمنيون جميعا تحت علم الجمهورية، ورددوا نشيدها، وبقيت السلالة مختنقة، بحديث الولاية، وشعار الطائفة".
في المقابل، احتفى الحوثيون في 21 سبتمبر/أيلول 2021، وهو اليوم الذي استولوا فيه على السلطة، عام 2014.
وقد عمت احتفالاتهم كل الميادين في المدن الخاضعة لسيطرتهم في كل من صنعاء وعمران وحجة والحديدة وذمار وإب.
ونقلت وسائل الإعلام التابعة لهم تلك الفعاليات، كما تفاعلت معهم الشركات الوطنية التي استولوا عليها ضمن هذا الصراع عبر التعبئة الشعبية وحشد الدعم.
ففي سلسلة رسائل قصيرة، بعثت "يمن موبايل"، وهي الشركة الوطنية الأولى في البلاد رسائل قالت في بعض منها: "ثورة 21 سبتمبر أثبتت أن اليمن مقبرة الغزاة".
وأخرى تقول: "من يقف مع ثورة 21 سبتمبر يقف مع الوطن". وثالثة تقول إنها "أفشلت مخططات الأميركي الإسرائيلي باحتلال البلد".
ومع ذلك، لم يفوت الحوثيون الاحتفاء بثورة 26 سبتمبر/أيلول، وإن كان ليس بذات المستوى لفعاليات إحياء انقلابهم في اليمن.
وفي حديثه لـ"الاستقلال"، علق وكيل وزارة الثقافة اليمني زايد جابر بالقول: "لا يخفي الحوثيون بغضهم لثورة سبتمبر وقيمها ورجالها وإحياءهم فكر ورموز الإمامة إلا أنهم لم يجرؤوا على إعلان براءتهم الرسمية منها".
وتابع: "لا يزالون يتجرعون الاحتفال بها كل عام، وإن كان بطريقة باهتة حتى لا يستفزوا الشعب أكثر وليستمروا في التضليل على البسطاء من الناس".
يضيف جابر: "هذا الأمر يدل على أن ثورة سبتمبر أصبحت من أهم ثوابت الشعب التي لم يعد يجرؤ حتى أعداؤها من الإماميين الجدد تجاوزها أو إلغاءها رسميا في مناطق سيطرتهم".