هزيمة قاسية لحزب ميركل.. من يشكل الحكومة الجديدة في ألمانيا؟

3 years ago

12

طباعة

مشاركة

خلقت الانتخابات العامة الألمانية التي أجريت نهاية سبتمبر/أيلول 2021، حالة من الضبابية، بسبب فوز حزب الاشتراكي الديمقراطي بفارق ضئيل على حزب المسيحي الديمقراطي (تنتمي له المستشارة أنجيلا ميركل).

لم يحصل أي من الحزبين على أغلبية واضحة، ما يجعل تشكيل ائتلاف حاكم ومن ثم اختيار مستشار جديد لألمانيا أمرا بالغ الصعوبة بسبب الفوارق الكبيرة في وجهات النظر والتوجهات الحزبية الموجودة على الساحة السياسية الألمانية. 

عملية صعبة

ورغم أن العادة جرت على أن يقود الحزب الأول تشكيل الحكومات، فإن الفائز الثاني يمكن أن يشكل تحالفا داخل البرلمان يضمن له الأغلبية لتشكيل حكومة ائتلافية كما حدث في عامي 1976 و1980 عندما ظل المستشار هيلموت شميدت في منصبه رغم احتلال حزبه المركز الثاني في الانتخابات العامة. 

ومن التخوفات التي أثيرت أيضا بعد نتائج الانتخابات طول مدة المشاورات التي يمكن أن تصل لأشهر وربما حتى بداية العام القادم بسبب عدم وجود حد زمني في الدستور الألماني يحكم عملية تشكيل الحكومة الجديدة.

وتجري الأطراف محادثات استكشافية لتحديد من لديهم أرضية مشتركة أكثر ثم تنتقل مجموعة واحدة من الأطراف إلى محادثات رسمية لتشكيل الائتلاف الحاكم. 

جير مولسون الصحفي الألماني بوكالة أسوشيتد برس الأميركية يؤكد أن العادة جرت على أن المفاوضات الاستكشافية ينتج عنها اتفاق ائتلافي مفصل يحدد خطط الحكومة الجديدة، ويحتاج ذلك عادة إلى موافقة على الأقل من مؤتمرات الأحزاب المعنية.

حصل الحزب الاشتراكي على 206 مقاعد وهو ما يعادل نسبة 25.7 بالمئة من مقاعد البوندستاغ (البرلمان) البالغ عددها 735 مقعدا لكنه يظل بعيدا عن تحقيق الأغلبية في البرلمان. 

وحل الحزب المسيحي الديمقراطي في المركز الثاني بحصوله على 196 مقعدا بنسبة 24.1 بالمئة فيما حصل الخضر على 118 مقعدا بنسبة 14.8 بالمئة، وحل رابعا الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي بحصوله على 92 مقعدا بنسبة 11.5 بالمئة.

 

تؤكد هذه النتائج أن تشكيل حكومة جديدة يحتاج في كل الأحوال إلى تحالف من ثلاثة أحزاب حتى يستطيع الحصول على أغلبية برلمانية وهو أمر لم يحدث منذ أكثر من سبعة عقود. 

وتشير التقارير إلى أن كلا من الخضر والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي اللذين حلا في المرتبة الثالثة والرابعة يريدان إجراء مباحثات ثنائية بينهما في البداية قبل الدخول في مشاورات مع الحزبين الأول والثاني لتشكيل ائتلاف حكومي. 

وقال زعيم الديمقراطيين الأحرار كريستيان ليندنر في 27 سبتمبر / أيلول 2021 "قررنا إجراء محادثات أولية مع حزب الخضر". 

وأشار ليندنر إلى أنه رغم أن كلا الحزبين مطلوبان معا في ائتلاف، هناك اختلافات عميقة في مواقفهما السياسية.

 لكنه أعرب عن أمله في أن يتمكن الحزبان في الوصول إلى أرضية مشتركة تسمح بإنشاء تحالف جديد. 

ولا توجد رغبة لدى الحزبين الأول والثاني بالتحالف مع بعضهما كما جرى في الحكومتين السابقتين.

وهنا يقول الصحفي مولسون في تقريره 27 سبتمبر / أيلول 2021 إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة وزير المالية المنتهية ولايته أولاف شولتز، يريد بناء تحالف مع حزب الخضر والديمقراطيين الأحرار. 

وفي المقابل يبحث أيضا الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة أرمين لاشيت خليفة ميركل في الحزب تشكيل حكومة مع نفس الحزبين وهو ما يؤكد أن الخضر والأحرار هما من سيحددان شكل الحكومة القادمة والمستشار الجديد.

خلافات عميقة

لكن ثمة خلافات عميقة في وجهات النظر بين الأحزاب المختلفة.

ويقول مولسون: "قد لا يكون الاتفاق على أي منهما سهلا لأن حزب الخضر في العقود الأخيرة كان يميل إلى التحالف مع الديمقراطيين الاشتراكيين والديمقراطيين الأحرار مع الاتحاد المسيحي".

كما أن الحزبين لديهما أولويات مختلفة بشأن مكافحة تغير المناخ، والتي يريد الخضر وضعها في قلب جدول أعمال الحكومة الجديدة، وحول كيفية التعامل مع الاقتصاد أثناء تعافيه من وباء كورونا، وفق الصحفي.

ويضيف أن "الأحرار والاتحاد المسيحي يعارضون زيادة الضرائب وتخفيف القواعد الصارمة لألمانيا بشأن زيادة الدين العام، فيما يريد الاشتراكيون والخضر رفع الضرائب على أصحاب الدخول الأعلى وزيادة الحد الأدنى للأجور".

أما صحيفة بوليتيكو الأميركية فأشارت إلى أن زعيم الديمقراطيين الأحرار كريستيان ليندنر يريد خفض الضرائب حتى بالنسبة لأصحاب الدخول المرتفعة.

 بينما يرغب الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر في رفع الضرائب على الأثرياء.

 ووصف شولتز مؤخرا مقترحات ليندنر الضريبية بأنها "شعوذة رياضية" عندما يتعلق الأمر بموازنة الميزانية، و"يصعب تبريرها أخلاقيا".

وبحسب تقرير بوليتيكو في 24 سبتمبر/أيلول 2021 فهناك خلاف آخر في سياسة المناخ التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الحر تصعب وفاقه مع حزب الخضر. 

ويفضل الأخير الأدوات القائمة على السوق وكذلك قطع الروتين لمحاربة الاحتباس الحراري، لكن خلال خطاب لها في البرلمان، قدمت مرشحة حزب الخضر، أنالينا بربوك، عكس ذلك، وقالت: "لن ينظم أي سوق أزمة المناخ، لأن السوق لا يهتم بالناس".

بالنظر إلى الجبهة الداخلية للحزب المسيحي الديمقراطي تبدو الصورة قاتمة مع توجه نحو تغييرات ربما تصل إلى رأس الهيكل الحزبي بعد أن ذاق الحزب هزيمة قاسية لم يشهدها منذ إنشائه في أربعينيات القرن الماضي.

فالحزب المسيحي يواجه فعليا أزمة داخلية بعد النتائج المخيبة للآمال والتي قالت عنها صحيفة واشنطن بوست الأميركية إنها أدنى نتيجة للحزب منذ تأسيسه عام 1945. 

وتعكس تصريحات العديد من أعضاء الحزب المسيحي أزمة عدم الرضا والشعور المتنامي بالهزيمة، التي ألقى لاشيت فيها باللوم على الحملات الانتخابية السيئة بالإضافة إلى إقراره بأنه مسؤول جزئيا عن الأداء الضعيف لحزبه. 

ونقلت الصحيفة الأميركية في 27 سبتمبر/أيلول 2021 تصريحات لمايكل كريتشمر، الزعيم الديمقراطي المسيحي في ولاية ساكسونيا الفيدرالية قال فيها:" كان قرارا واضحا ضد الديمقراطيين المسيحيين قبل كل شيء، ما يهمني الآن هو أن يقبل المرء هذه الهزيمة".

واعتبر كريتشمر النتيجة بمثابة رفض تفويض لحزبه بالحكم، على الرغم من أنه حذر من أنه لا ينبغي استبعاد الديمقراطيين المسيحيين من محادثات الائتلاف تماما، خاصة إذا كان خطر حدوث فراغ في السلطة يلوح في الأفق.

ويرجح تقرير واشنطن بوست أن يزيح الحزب المسيحي الديمقراطي لاشيت من زعامة الحزب إذا انتهى به المطاف في المعارضة.

وتوقع أن يتحفظ الحزب على ترشحه في انتخابات الولاية المقبلة في ولاية الراين ويستفاليا حيث يتولى رئاستها منذ عام 2017. 

إلا أن لاشيت استبق هذه التوقعات بخطوة وقال في 27 سبتمبر/أيلول 2021 إن الحزب يحتاج إلى التجديد وأنه سيجري معالجة النتيجة على نحو مكثف.

وبين أنه سيكون هناك تجديد على كافة المستويات في التحالف المسيحي سواء كان سيشارك في حكومة ائتلافية أم لا.

تخوفات أوروبية

وسط الصراع الدائر حول تشكيل الحكومة، يراقب الحلفاء الغربيون عن كثب، المشاورات الجارية وسط تخوفات من أن الانشغالات المحلية يمكن أن تضعف دور ألمانيا على المسرح الدولي وتخلق فراغًا في القيادة الأوروبية.

يوضح مولسون وجود خلاف في وجهات النظر لدى الشركاء الجدد حول سياسة ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي.

فالمسيحي الديمقراطي والأحرار يميلان إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن المساعدات المالية للبلدان المتعثرة.

 لكن من غير المرجح أن يتعرض أي من الحلفاء للقلق بسبب الخلافات الضخمة في السياسة الخارجية، على الرغم من أن الخضر يفضلون اتخاذ خط أكثر صرامة تجاه الصين وروسيا، ويعارضون خط أنابيب نورد ستريم 2 الجديد الذي يجلب الغاز الروسي إلى ألمانيا.

تقرير آخر لواشنطن بوست نقل العديد من التخوفات الأوروبية وحالة القلق من طول المحادثات الائتلافية المطلوبة في برلين والتي قد تؤخر قرارات الاتحاد الأوروبي الرئيسة والتي لا يمكن للكتلة اتخاذها بدون الأعضاء الأغنى والأكثر نفوذا. 

وأشار التقرير في 27 سبتمبر/أيلول 2021 إلى أن محادثات تشكيل الحكومة ربما تستغرق شهورا لتحديد من سيكون التالي لقيادة ألمانيا وهو ما يجعل ميركل على رأس الحكومة المؤقتة لمدة أطول قبل تقاعدها.

 

وفي بروكسل، العاصمة الفعلية للاتحاد الأوروبي، أعرب المحللون والمسؤولون عن ارتياحهم لحكومة ألمانية من شأنها أن تكون مؤيدة لأوروبا، بغض النظر عن الأحزاب الرئيسة التي تتولى المسؤولية، بحسب التقرير. 

ومع ذلك، يشعر البعض بالقلق من تلك المحادثات الائتلافية. ونقلت واشنطن بوست عن سفين جيغولد، العضو الألماني في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر قوله: "آمل ألا يؤدي هذا إلى تأخيرات غير ضرورية".

مسألة أخرى طرحها البعض عن المهارة التفاوضية التي ميزت ميركل والتي من خلالها كانت تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على الاتحاد الأوروبي.  

الصحفي المتخصص في شؤون الاتحاد الأوروبي لورانس نورمان أكد وجود مخاوف بشأن ما إذا كان المستشار المقبل سيظهر مهارات التفاوض أو يتمتع بالسلطة السياسية المحلية التي استخدمتها ميركل لإقناع الاتحاد الأوروبي بانتظام.

وأشار في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في 28 سبتمبر/ أيلول 2021 إلى شكوك أخرى تحيط بمواقف الحكومة الألمانية المقبلة في العديد من الملفات.

من بينها دعم إنشاء قوة دفاعية خاصة أعمق في الاتحاد الأوروبي والرغبة في تجنب إضعاف الشراكة عبر حلف الناتو. 

واستشهد لورانس بمعارضة الحزب الاشتراكي الديمقراطي زيادة الإنفاق العسكري المتواضع لألمانيا، واعتبره عقبة في طريق تحقيق طموحات الاتحاد الأوروبي.

وتعليقا على هذه النقطة عبر بيوتر بوراس، رئيس مكتب وارسو التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية عن اعتقاده بأن "ألمانيا ستصبح شريكا أقل موثوقية مما كانت عليه في عهد ميركل".