بعد انقلاب قيس سعيد.. لوموند: صبر رجال الأعمال في تونس بدأ ينفد
أكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن رجال الأعمال في تونس يشعرون بالقلق من أن البلاد لا تزال تفتقر إلى حكومة وبرلمان وخارطة طريق، وذلك من أجل عودة الحياة الديمقراطية واستقرار البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن "الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي جعل مكافحة الفساد والتكهنات إحدى تعاليمه منذ انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، تحدث بصراحة نهاية أغسطس/آب 2021، قائلا: سأطارد المضاربين أينما كانوا، حتى تحت الأرض".
واستدركت: "مع ذلك، رغم الزيارات الميدانية أو عمليات المصادرة وتضاعف التفتيش الجمركي منذ تولي سعيد كل مقاليد السلطة، تكافح دوائر الأعمال لمعرفة إستراتيجية الرئيس بوضوح".
في حين أن الكثيرين، قبل 25 يوليو/تموز 2021، شجبوا "العوائق السياسية" التي تقوض بلدا في خضم أزمة اجتماعية واقتصادية خطيرة، فإنهم يتساءلون اليوم عن تغيير المسار الذي أعلنه سعيد".
وأثار حظر السفر على عدد من رجال الأعمال والمسؤولين، خلال الصيف، توترا وانتقادات من المجتمع المدني، حيث استنكرت بعض المنظمات هذه الإجراءات "التعسفية".
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2021، أمر الرئيس وزارة الداخلية أخيرا، باقتصار العقوبة على أولئك الذين يواجهون المحاكمة.
وفي هذا السياق، قال عضو المجلس التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الطيب الكتاري: كان هناك استماع وحوار مع الرئاسة حول هذه القضية"، مما أثار "تفاؤلا حذرا" داخل منظمته التي ظلت متحفظة للغاية في الوقت الحالي.
ويصر الكتاري على أن "الكثيرين يتشاركون في فكرة أن الانتعاش الاقتصادي لن يحدث إلا من خلال القطاع الخاص، وهذه هي الرواية التي سمعناها من السلطات وكذلك من المانحين".
وصمة عار
يشعر العديد من رواد الأعمال بالقلق بشأن الوضع السياسي الذي لا يزال غير واضح، بينما لا تزال تونس تفتقر إلى رئيس حكومة وبرلمان وخارطة طريق، وهي حالة من الغموض لا تخلو من عواقب على مناخ الأعمال.
وهو ما جاء في شهادة فاروق زهير، الذي يعمل في قطاع صناعة منتجات التنظيف: "يمكننا أن نرى العواقب على مستوى الموردين، هناك خوف في مواجهة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، أنا مطالب بضمانات إضافية".
وأشار إلى أن صناديق الاستثمار التي كان يعمل معها قبل 25 يوليو/تموز 2021 باتت "اليوم أكثر حذرا".
وبينما أفاد زهير، بـ"رغبة الرئاسة في إحداث تغيير" ، فإنه يأسف لأن هذا يؤدي إلى "حملات من وصمة العار والإجراءات التي يبدو أنها تتخذ على عجل".
ويستشهد بقرار وزارة التجارة بفرض هوامش ثابتة على تجار الجملة والتجزئة في صناعته، في محاولة لخفض الأسعار.
ويصر زهير على أن "منتجات التنظيف ليست بالضرورة أكثر الممارسات المخالفة للمنافسة، وأن قطاعات الريع والاحتكار الحقيقية لم تتأثر حتى الآن".
ومن بين تلك القطاعات، نجد قطاعي الصناعات الغذائية والنقل، اللذين كانا محل جدل بشكل منتظم في تونس.
ويخشى آخرون أن يفشل الرئيس، بسبب عزلته وانعدام الدعم في الأوساط الاقتصادية، في إجراء إصلاحات عميقة.
من جانبه، قال خبير اقتصادي، طلب عدم الكشف عن هويته: إن "الرئيس يخاطر بتعيين شخص يحاول الحفاظ على أرصدة الاقتصاد الكلي للمانحين، ولكنه لن يشرع بالضرورة في إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي الذي كنا ندعو إلى إصلاحه منذ سنوات" .
فيما قالت أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والإدارة في تونس، فاطمة المراكشي الشرفي: إن "ما حدث في 25 يوليو/تموز 2021 كان بمثابة تصحيح للعملية الديمقراطية في سياق اقتصادي متصلب إلى حد ما، كان ينبغي أن نشعر بالقلق بشأنه منذ 2011".
وأضافت أنه يجب "ألا تعتمد الإصلاحات الاقتصادية على شخص واحد أو دولة بدون حكومة".
صبر ينفد
وقالت لوموند: "لا شك أن اختيار الشخصيات التي ستتولى رئاسة الحكومة ووزارة المالية، سيجعل الرؤية أكثر وضوحا".
وأضافت أنه "من المتوقع أن يقوم سعيد، الذي اعترف بأنه لا يعرف الكثير عن الاقتصاد، بتعيين الأسماء التي اقترحها".
ويأمل الكثيرون في الحصول على شخصية متخصصة مثل، محافظ البنك المركزي الحالي، مروان العباسي، والذي ورد اسمه عدة مرات.
في الوقت الحالي، لا شيء ظاهر للعيان من قصر قرطاج رغم العديد من الملفات العاجلة، وفق لوموند.
ومن المقرر عرض قانون موازنة 2022 على البرلمان بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وإقراره بحلول ديسمبر/كانون الأول من نفس السنة.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن "تونس تفتقر بشدة إلى الفسحة المالية، لكن الحديث عن قرض جديد من صندوق النقد الدولي قد توقف".
من جانبه، بدأ صبر الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT)، النقابة المركزية والمفاوض الرئيس للاتفاقيات الاجتماعية ينفد.
وفي مناخ عدم اليقين هذا، يحث العديد من رواد الأعمال قيس سعيد على المضي قدما.
وقال الشريك المؤسس لشركة "واليسكار" التونسية لصناعة السيارات، زياد غيغا: "يمكننا أن نتغاضى على مشاكله الاقتصادية لأنه يتمتع بالنزاهة ويريد حقا إضفاء الصفة الأخلاقية على الحياة السياسية والاقتصادية".
وتابع رائد الأعمال الذي يصف مكافحة الفساد بأنها "عقدة غوردية" (مشكلة مستعصية لا سبيل لحلها إلا باتخاذ قرار شجاع) بقوله: إنه "من الضروري التوجه لمعالجة كل من المفسدين والفاسدين".