رفع التأشيرة بين إيران والعراق.. ما علاقته بمستقبل الكاظمي السياسي؟
في زيارة إلى طهران سبقت الانتخابات البرلمانية العراقية بنحو شهر، وافق رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي خلال لقاء جمعه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، على رفع تأشيرة الدخول بين البلدين، بعدما أجلتها كل الحكومات العراقية التي تشكلت بعد عام 2003.
رئيسي أعلن خلال مؤتمر صحفي مع الكاظمي عقد بعد محادثاتهما في 12 سبتمبر/ أيلول 2021، أنه "جرى اتخاذ قرارات عدة في الاجتماع المشترك، وأن رئيس الوزراء العراقي وافق على زيادة حصة طهران بشأن زائري الأربعينية، والاتفاق على إلغاء التأشيرة بين العراق وإيران".
رفع التأشيرة بين البلدين أثار تساؤلات ملحة بخصوص توقيتها، والهدف من موافقة رئيس الحكومة العراقية عليها قبل موعد الانتخابات البرلمانية بشهر واحد فقط، رغم أنها تضر العراق اقتصاديا بنحو 120 مليون دولار سنويا بحسب مختصين.
زخم الانتخابات
الخبير في الشأن العراقي، مؤيد الجحيشي، فسر لـ"الاستقلال" توقيت رفع التأشيرة بالقول: إنه "سيساعد في زخم الانتخابات البرلمانية العراقية، لأن السلطات على يقين أن الاشتراك في هذه الانتخابات المبكرة سيكون ضئيلا".
وأوضح الجحيشي أن "المعلومات تؤكد بأن 7 ملايين إيراني جرى تجنيسهم منذ عام 2004 وحتى اليوم، وهؤلاء سيدخلون مع حلول الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021".
وبخصوص دخولهم في هذه الانتخابات تحديدا دون غيرها، علل الجحيشي ذلك بأن "مفوضية الانتخابات ألغت تصويت المقيمين في الخارج، لذلك سيجري إدخال المجنسين الإيرانيين عبر رفع تأشيرة الدخول بين العراق وإيران للإدلاء بأصواتهم".
وفي تحرك مفاجئ، قررت مفوضية الانتخابات بالعراق في 23 مارس/آذار 2021 إلغاء مشاركة الناخبين في الخارج بالاقتراع واقتصارها على الداخل فقط، مشيرة إلى أن الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار تتعلق بجوانب فنية ولوجستية ومادية.
وبحسب الخبير في الشأن العراقي، فإن "رؤساء الحكومات بعد عام 2003 جميعهم خدموا المصالح الإيرانية، واليوم خرجت تقارير للعلن تشير إلى أن رئيس الحكومة العراقية ينتمي إلى القومية الكردية الفيلية (شيعة الأكراد) ذات الأصول الإيرانية".
ورأى الجحيشي أن "رفع التأشيرة بين البلدين يخص الانتخابات البرلمانية المبكرة، وأن تحديد يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 الذي يتزامن مع مناسبة أربعينية الإمام الحسين (مناسبة مقدسة لدى الشيعة)، ليست مصادفة، وإنما حتى تأتي الجموع الإيرانية للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العراقية".
وبين الخبير أن "كل إيراني سواء كان جده أو أبوه أو أمه قد ولدوا في العراق منحوا الجنسية العراقية ويبلغ عددهم 7 ملايين شخص، وهؤلاء تستعين بهم إيران في كل انتخابات تجريها بغداد منذ عام 2003، وكذلك في المظاهرات لتأييد الفصائل الشيعية الموالية لها".
ولفت الجحيشي إلى أنه "بإمكان الإيراني الذي يحمل الجنسية العراقية أن يصوت في دوائر انتخابات محافظة واسط، وتحديدا في الدوائر الانتخابية لمدينة مندلي التابعة للمحافظة، والتي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن الحدود الإيرانية".
وينص قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020 على أن "يصوت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقة البيومترية حصرا".
"ولاية ثانية"
وفي المقابل، رأى مراقبون أن رفع التأشيرة بين البلدين قبل شهر من الانتخابات البرلمانية، يندرج ضمن محاولة رئيس الوزراء العراقي، كسب تأييد ودعم إيران في حصوله على ولاية ثانية.
وقال الباحث والأكاديمي العراقي وحيد عباس خلال تصريحات صحفية في 12 سبتمبر/ أيلول 2021: إن "زيارة الكاظمي إلى إيران لها أهميتها ولا سيما مع قرب موعد الانتخابات، من ذلك ربما استكمال الموقف الإيراني مما سيجري على الساحة العراقية أولا".
وأضاف عباس أن "الأمر الآخر، أن الطموح الشخصي للكاظمي بالبقاء في السلطة سيكون حاضرا دون شك، فمن غير الممكن الاقتناع بأنه سيغادر منصبه هكذا دون جهد يبذل للبقاء، والأمر يمتد ليشمل كذلك تحوله ليكون مرشح التيار الصدري للحكومة. ولكن كم سيحقق من نجاح، هذا المهم".
ورأى الباحث أن "الموقف الإيراني، وفي ضمن ملف علاقة إيران مع الولايات المتحدة وتطوراتها، لن يكون مستفزا، وربما ستوجد حالة مناسبة بين تعديل الصورة التي أوجدها حراك تشرين بالعراق، من خلال إعادة تحالف (الفتح) بقيادة هادي العامري ومن معه إلى الإمساك بزمام السلطة، ولكن ليس بالشكل الفاقع".
ولفت عباس إلى أن "ترشيح هادي العامري لرئاسة الوزراء بدأ يتردد، وتجرى استطلاعات إعلامية بهذا الخصوص، ولكن لا نرى أن ذلك ممكنا".
فالعامري يمثل الصورة الفاقعة للتيار الولائي (يتبع ولاية الفقيه في إيران)، ولكن كما كان يطرح سابقا، قد يأتي بواجهة ترضي المقابل، وفي الوقت نفسه تمكن هذا التيار من العودة المنشودة، وفق تقديره.
وأيد الباحث ما ذهب إليه البعض من أن "السبب الجوهري لهذه الزيارة، هو بحث مدى إمكانية دعم طهران للكاظمي في رئاسة الحكومة القادمة، متسلحا بوعود إسناد من الصدريين وتيار الحكمة إلى حد ما في الوسط الشيعي، إضافة إلى قوى سنية وأخرى كردية".
من جهته، أشار الكاتب والمحلل السياسي العراقي، يحيى الكبيسي، إلى "وجود أربعة محددات لاختيار الرئاسات بالعراق، الأول نتائج الانتخابات وهي عامل أساسي لتحديد من هم أسماء الرئاسات، والعامل الآخر هو طبيعة التحالفات ما بعد الانتخابات. أما العامل الثالث فهي طهران، والرابع واشنطن".
وأضاف الكبيسي خلال تصريحات صحفية في 12 سبتمبر/ أيلول 2021: "بالنسبة للكاظمي، فإن فرصة حصوله على ولاية ثانية، تكمن في القوى نفسها التي دعمته ليكون رئيسا لمجلس الوزراء، من دون أن يكون لديه حزب سياسي وكتلة داخل البرلمان، ومن ثم هي ذاتها تستطيع أن تختاره مرة ثانية ما دامت المعطيات التي حكمت بوجوده بالأول قائمة".
وكانت قناة "البغدادية" العراقية أفادت عبر موقعها الإلكتروني، في 9 سبتمبر/ أيلول 2021 بأن "زيارة رئيس الوزراء لإيران جاءت بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، وبأنها تأتي من أجل ضمان التطمينات السياسية لرفع حظوظه في الحصول على ولاية ثانية في بلاده، في ظل دعم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للكاظمي".
خسائر اقتصادية
وعلى صعيد المنافع والأضرار التي يمكن أن تنتج عن اتفاقية إلغاء تأشيرات الدخول بين بغداد وطهران، نقل موقع "روسيا اليوم" عن مصدر رسمي عراقي في 12 سبتمبر/ أيلول 2021 أن "اتفاقية الإلغاء تجلب فوائد للبلدين، فيما اعتبرها مراقبون ومحللون اقتصاديون مجاملة تضر بمصالح العراق الاقتصادية.
وقال مصدر في الحكومة العراقية (لم تكشف هويته) في حديثه للموقع الروسي: إن "الاتفاقية ليس فيها أي ضرر على العراق، وإنما فيها فائدة للبلدين، ومثلما ألغيت عن المسافرين الإيرانيين ألغيت عن العراقيين أيضا".
وأشار إلى أن "الحكومة لم تتخذ هذا القرار بشكل عشوائي، بل درسته، لأننا نعرف أن ثلاثة ملايين عراقي تقريبا يزورون إيران سنويا".
وفي المقابل، قالت الأكاديمية وخبيرة الاقتصاد العراقية، سلام سميسم، خلال تصريحات صحفية في 12 سبتمبر/ أيلول 2021: إن "قرار إلغاء التأشيرات بين البلدين فيه ضرر على العراق.
وبينت أن "الرسوم ليست ترفا، وإنما هي مقابل خدمات تقدم لهم، خاصة وأن الإيرانيين يتمتعون بخدمات شبه مجانية خلال الزيارة الأربعينية".
وأضافت الخبيرة الاقتصادية، أن "الإيرانيين لا ينفقون داخل العراق، على عكس العراقيين الذين يذهبون إلى هناك وينفقون آلاف الدولارات في رحلات سياحية وعلاجية".
وأشارت سميسم إلى أن "هذا القرار قد يسمح للإيرانيين بالتربح داخل العراق، وسيكون بإمكانهم الدخول إلى البلاد وبيع بضائعهم، خاصة وأنهم معفيون من الجمرك والضريبة".
وبحسب تقارير صحفية، فإن العراق يخسر نحو 120 مليون دولار سنويا بسبب هذه الاتفاقية، حيث كان يدخل نحو ثلاثة ملايين إيراني سنويا مقابل 40 دولارا رسوم فيزا (تأشيرة الدخول) قبل أن تلغى.