الغارديان تكشف تفاصيل جديدة عن المصنع الفرنسي الداعم لتنظيم الدولة
تحدث ضابط مخابرات أردني عن تفاصيل دعم مصنع لافارج الفرنسي في سوريا تنظيم الدولة، مبينا أن للقضية جانبا آخر لم يكشف عنه.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن الضابط والجاسوس الأردني أحمد الجالودي تأكيده أن أجهزة المخابرات العالمية استخدمت مصنع لافارج للإسمنت لجمع معلومات عن رهائن كان يحتجزهم تنظيم الدولة.
مركز معلومات
وقالت مصادر على صلة بالعملية: إن أجهزة مخابرات غربية استخدمت المصنع كمركز لجمع معلومات عن الرهائن المحتجزين، على الرغم من الاتهامات الموجهة للشركة المشغلة بتمويل الإرهاب.
وأكد ضابط المخابرات الذي كان محوريا في جهود التجسس لصحيفة الغارديان أن مصنع "لافارج" الذي استمر في العمل بعد اجتياح الجماعة الإرهابية شرق سوريا، في واحدة من أكثر حلقات الحرب إثارة للجدل، كان المركز الإقليمي لجهود فاشلة لإنقاذ ما يصل إلى 30 رهينة.
وكان من بين المعتقلين الصحفي الأميركي جيمس فولي والمصور البريطاني جون كانتلي والطيار الأردني معاذ الكساسبة، وقد تأكد مقتل اثنين منهم فيما بعد.
وقضت أعلى محكمة في فرنسا 7 سبتمبر/أيلول 2021 بأنه يمكن التحقيق مع لافارج بشأن مزاعم التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية بسبب تعاملاتها في سوريا، قائلة: إن القرار السابق بشطب التهمة كان معيبا.
وتخضع الشركة لتحقيق رسمي في فرنسا بشأن مواصلة نشاطها حتى في ظل سيطرة الجماعة الإرهابية على المنطقة التي يقع فيها المصنع في عامي 2013-2014.
واتهمت شركة لافارج بدفع ما يصل إلى 13 مليون يورو كضرائب ورسوم لتنظيم الدولة للحفاظ على عمل المصنع، الذي يقع في قلب الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم آنذاك.
ولم تعترض الشركة على الرقم وأقرت بدفع الرسوم للوسطاء لكنها قالت: إنها لا تعرف الوجهة النهائية للأموال.
ويعتبر الحكم الذي طال انتظاره سابقة قضائية وله تداعيات واسعة على الشركات التي تعمل في مناطق الحرب.
لكن دور ضابط المخابرات الأردني قد يثير أيضا تساؤلات حول تأثير أجهزة المخابرات على القرارات التجارية الحساسة التي تتخذها الشركات الكبرى ظاهريا، وعن أي دور غير معلن للحكومة الفرنسية في الحفاظ على تشغيل المصنع.
وقال مصدر استخباراتي رفيع: "كان هذا قرارا أكبر من لافارج، قضية المحكمة لا تروي القصة كاملة".
ونفى الرئيس التنفيذي السابق برونو لافون، وكذلك مدير الأمن السابق جان كلود فيلارد، والمدير السابق لفرع الشركة السوري، فريديريك جوليبو، اتهامات بتمويل منظمة إرهابية وتعريض حياة الآخرين للخطر.
ويمكن أن يواجه هؤلاء عقوبات تصل إلى 10 سنوات سجنا وغرامات كبيرة في حالة إدانتهم.
مع ذلك، لم يواجه كبار المسؤولين الفرنسيين تدقيقا عاما ولم يتم تحديد هويتهم في تقرير أمرت به لاحقا الكيان المدمج.
وعلمت صحيفة الغارديان أنه وطوال ذروة سيطرة تنظيم الدولة على المنطقة، كان الجاسوس الأردني يتنقل بانتظام بين المصنع وعمان لإطلاع رؤساء المخابرات الإقليمية والعالمية على مكان وجود الرهائن.
وفي مرحلة ما كان يتعقبهم إلى معمل نفطي قرب مدينة الرقة شرقي سوريا.
مهمة صعبة
والجالودي الذي كانت وظيفته التمويهية مديرا أول للمخاطر في لافارج، سافر أيضا إلى الرقة للتعامل مع أحد كبار قادة تنظيم الدولة لمحاولة تأمين الإفراج عن الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي تحطمت طائرته المقاتلة من طراز إف 16 بالقرب من الرقة.
حرق تنظيم الدولة الطيار حيا في وقت لاحق وصور وفاته وبثها كدعاية، في واحدة من أكثر اللحظات المروعة من سيطرة التنظيم على سوريا.
وبعد أن اتصلت به صحيفة الغارديان خلال سبتمبر/أيلول، أكد الجلودي، وهو ضابط مخضرم في مديرية المخابرات العامة الأردنية، دوره في سوريا.
وقال "أنا فخور جدا بالعمل الذي قمت به لمحاولة إطلاق سراح الرهائن ومن بينهم الطيار الأردني وحماية العمال في المصنع".
وتابع: "قدمت معلومات استخبارية دقيقة، كان من الممكن أن تؤدي إلى إنقاذ المحتجزين".
وعلى مدى ثلاث سنوات، أجرى الجلودي رحلات متكررة من مصنع لافارج، بين الرقة وحلب، وإلى تركيا ثم عمان لإطلاع المسؤولين كل شهر أو نحو ذلك بالمعلومات التي جمعها.
وكان دوره معروفا لدى الجواسيس في فرنسا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والأردن، وقد ساعدوا جميعا في تسهيل وصوله إلى واحدة من أخطر مناطق العالم، مرورا بنقاط التفتيش التابعة لتنظيم الدولة، وفق الصحيفة.
وشددت أن الرجل "نجح في تجاوز التدقيق المستمر من فرق مكافحة التجسس التابعة للتنظيم".
وأكدت مصادر استخبارية أن الجلودي لم يلعب أي دور في العمليات التجارية للشركة.
وجرى تسهيل دخوله وخروجه من سوريا عبر الحدود التركية من قبل جهاز المخابرات التركي، وكان على اتصال مباشر مع رئيس المخابرات العامة الأردنية آنذاك الجنرال فيصل الشوبكي.
وأوضحت مصادر أن الجالودي كان من أهم رجال الاستخبارات داخل أراضي تنظيم الدولة سابقا، حيث كان يقدم معلومات منتظمة عن تحركات التنظيم وقيادته، وعلى وجه الخصوص مكان وجود الرهائن الذين احتجزتهم.
وفي أوائل عام 2014، ساعد الجلودي في تأكيد أن الرهائن بمن فيهم صحفيون وعمال إغاثة محتجزون في محطة الأكيراشي النفطية في ضواحي الرقة.
جرى تأكيد المعلومات من قبل سائقي التوصيل إلى المصنع، كما قال مصدر ثان من داخل التنظيم لصحيفة الغارديان إن مصنع النفط كان يستخدم كمركز احتجاز.
وبدأت مهمة إنقاذ الرهائن في أبريل/نيسان 2014، لكن التنظيم نقل الرهائن قبل أيام من ذلك الموعد.
ولافارج هي شركة عالمية رائدة في مواد البناء، لديها أكثر من 2500 مصنع في جميع أنحاء العالم.
وبلغت قيمة استثمارها في سوريا في عام 2007 حوالي 600 مليون يورو في ذلك الوقت، وكانت تعتبر علامة تجارية فرنسية مؤثرة في الشرق الأوسط.
واعترفت الشركة سابقا بعد تحقيقها الداخلي الخاص، بأن فرعها السوري دفع للجماعات المسلحة للمساعدة في حماية الموظفين في المصنع.
لكنها رفضت عدة اتهامات ضدها في إطار التحقيق القانوني الفرنسي، منها أنها متواطئة في جرائم ضد الإنسانية بسبب تعاملها مع جماعات متشددة في المنطقة، من بينها تنظيم الدولة.
واستولى تنظيم الدولة على المصنع بالقرب من الجلابية، في أواخر عام 2014، وأطيح به خلال حملة جوية للتحالف الدولي، ثم سيطرت فرق القوات الخاصة الأميركية والفرنسية المصنع مع اشتداد المعركة لهزيمة التنظيم.