الإطاحة بإسلاميي المغرب.. ما سر نجاح "الحمامة" فيما فشل فيه "الجرار"؟
.jpg)
حلق حزب التجمع الوطني للأحرار، وشعاره الحمامة، بنتئاج الانتخابات البرلمانية في المغرب، بحصوله على 97 مقعدا، مقابل تراجع كبير لقائد الائتلاف الحكومي، حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، بفقده أكثر من 90 بالمئة من مقاعده وحصوله على 12 فقط، بعد فرز 96 بالمئة من الأصوات، وفق وزارة الداخلية.
تبعا لعدد من المؤشرات بدأت بالظهور قبل بدء الحملة الانتخابية كان من المتوقع تراجع الحزب الإسلامي الذي قاد الائتلاف الحكومي لولايتين متتلايتين منذ تغيير الدستور في 2011، لكن أحدا لم يكن يتوقع هذا "السقوط التراجيدي" للحزب.
تصدر "الأحرار" للانتخابات لم يكن هزيمة للعدالة والتنمية فقط بل فشلا لحزب الأصالة والمعاصرة (الجرار) الذي تأسس من أجل مواجهة الإسلاميين، بالإضافة إلى أن يكون القوة الأساسية في المشهد السياسي بالبلاد، وتلقى دعما قويا من جهات نافذة داخل الدولة.
حزب السلطة
جاء حزب الأصالة والمعاصرة في المرتبة الثانية بحصوله على 82 مقعدا، فيما حصل حزب الاتحاد الاشتراكي على 35، وحزب الحركة الشعبية على 26، وحزب التقدم والاشتراكية على 20.
وقالت وزارة الداخلية: إن نسبة التصويت بلغت 50.35 بالمئة، بينما تخطت نسبة المشاركة في بعض المناطق الجنوبية 66 بالمئة، بزيادة قليلة عن النسبة المسجلة في انتخابات 2016 وهي 43 بالمئة.
يوصف حزب الأصالة والمعاصرة (ليبرالي)، الذي تأسس عام 2008، بأنه "مقرب من السلطة"، كما يشار باستمرار إلى أنه جاء لمجابهة الإسلاميين، وهو ما ظهر عبر مسار طويل من التصريحات والتحركات.
حل الحزب في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية عام 2016، بعد "العدالة والتنمية"، إذ حصل على 102 مقعد من إجمالي مقاعد مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) البالغة 395 مقعدا.
الصعود المفاجئ لآخر حزب وفد على الساحة السياسية المغربية جعله محط اهتمام، وكذلك ارتباط تأسيسه بالسياسي "فؤاد عالي الهمة" مستشار الملك، ورجل الدولة المثير للجدل إلياس العماري، الذي شغل منصب الأمين العام للحزب.
"جئنا لمحاربة الإسلاميين منذ أيام التأسيس" تصريح صريح من الأمين العام الأسبق، للأصالة والمعاصرة إلياس العماري، يبدو للبعض مباشرا حد الصدمة، إلا أنه لم يكن الأول في معناه، فقد سبقه في ذلك مؤسس حزب "الهمة" في أول مقابلة له مع القناة الثانية بعد انتخابات 2007، حين قال: إن "الإسلاميين هامش المجتمع".
عقب تصريحات الهمة مباشرة، أخذ آنذاك القيادي البارز في "العدالة والتنمية"، ورئيس مجلسه الوطني (برلمان الحزب) عبد الإله بنكيران، على عاتقه الرد على "صديق الملك" محمد السادس بتصريحات قوية، متزعما لواء التصدي لمشروع الهمة ومن تحلقوا حوله.
هذه الخطوة دفعت أنصار الحزب لاختيار بنكيران أمينا عاما له عام 2008، معتبرين أنه الأقدر من بين قياديي حزبهم على إفشال مخططات الهمة.
بنكيران كان "حائط الصد" لحزبه وفوهة الهجوم على حملة استهدفت إطفاء "المصباح" (العدالة والتنمية)، حيث دعا في تصريحات غير مسبوقة، الملك إلى إبعاد الهمة والعماري و(السكرتير الخاص للملك) منير الماجيدي عن المشهد السياسي "احتراما للديمقراطية وصونا للملكية".
الهدف الذي حدد للجرار -في عهد العماري- ، مع ظهوره في المشهد السياسي هو منع أي اكتساح للعدالة والتنمية، غير أن هذا الهدف انتفى إثر فشله في ذلك، مما أدى لإبعاد العماري الذي اختار طواعية المنفى الاختياري في إسبانيا.
تصويت عقابي
في 28 مارس/آذار 2018، نفى عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي أمين عام حزب "التجمع الوطني للأحرار" أن يكون حزبه "قد جاء لمواجهة (قائد الائتلاف الحكومي) حزب العدالة والتنمية (إسلامي)".
وقال الأمين العام للحزب (شعاره الحمامة) المشارك في الائتلاف الحكومي، في حوار مع القناة الثانية المغربية (حكومية): "لم نأت لكسر أحد، ولدى حزبنا تراكم وتاريخ سياسي وكفاءات، ولن نلعب إلا الدور الذي يناسب كفاءتنا".
لكن الأسابيع التي سبقت الانتخابات، تظهر -حسب مراقبين- أن الحزب جاء فعلا للقيام بدور "الأصالة والمعاصرة (يمين/معارض) في محاولة إزاحة الإسلاميين الذين قادوا الحكومة للمرة الأولى في المغرب لولايتين متتاليتين (2012-2021)".
يرجع تأسيس حزب التجمع إلى قبل نحو 42 عاما، ويأتي صعود نجمه مؤخرا بعد فشل حزب "الأصالة والمعاصرة" في الإطاحة بـ"العدالة والتنمية" خلال الانتخابات البرلمانية عام 2016، وتراهن "الحمامة" على قيادة الحكومة المقبلة، بدعم من رجال الأعمال.
أسس "التجمع الوطني للأحرار"، في أكتوبر/تشرين الأول 1978، أحمد عصمان رئيس الوزراء السابق (1972 – 1979)، وصهر الملك الراحل الحسن الثاني (1961 – 1999)، ويوصف الحزب (يمين وسط) بأنه "موال للقصر" وممثل "للنخبة"، لأن جل كوادره أعيان أو رجال أعمال أو كوادر إدارية.
وفي الانتخابات التشريعية التي أجريت في المغرب عام 2016، حل "العدالة والتنمية" بالمركز الأول (125 مقعدا في البرلمان من أصل 395)، فيما حل "الأصالة والمعاصرة" ثانيا (102 مقعد)، و"الاستقلال" (معارض) ثالثا (46 مقعدا)، فيما "التجمع الوطني للأحرار" رابعا (37 مقعدا).
المثير بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية محمد شقير، ليس أن يمنى العدالة والتنمية بهزيمة انتخابية، بل المثير أن يتدحرج من 125 مقعدا في 2016 إلى 12 مقعدا في 2021.
واعتبر في حديث لـ"الاستقلال" أن الأمر لا يتعلق بهزيمة انتخابية بل "سياسية"، وأنه لم يسبق لأي حزب أن كان في الصدارة ويتدحرج بهذا الشكل خصوصا وأنه من الأحزاب الكبرى ويتوقع أن يتقاسم مع باقي الأحزاب المراتب الأولى.
رأى شقير أن نسبة المشاركة الكبيرة (أشارت مصادر إلى أنها الأعلى في المغرب منذ 20 عاما) تلفت إلى أن التصويت لأحزاب أخرى كان عقابيا، معتبرا أن الهزيمة اقترنت أيضا بأمينه العام ليس فقط الحزب، وهذا له علاقة برمزية الحزب.
رد فعل الصناديق لم يكن لسوء الأداء فقط والإنهاك السياسي بل كان أيضا "سلوكا عقابيا" لبروز حزب بمرجعية وخطاب دينيين، "ليتحول إلى حزب من المتشبثين بالكراسي".
العامل الإقليمي
كانت مدينة أكادير كبرى مدن الجنوب المغربي، محطة نزال سياسي وانتخابي بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية، كون المنطقة معقلا لكليهما على المستوى الاجتماعي والعرقي لأغلب قيادات الحزبين.
وحسم أخنوش في بداية يونيو/حزيران 2021، ترشحه على رأس لائحة حزبه في الانتخابات المحلية ببلدية أكادير، بعدما كان مترددا بين النزول في الانتخابات التشريعية في منطقة تزنيت (قرب أكادير)، أو الترشح على رأس لائحة الجماعة الترابية للمدينة، رغم أن قيادة الحزب كانت ترجح انتخابه على المستوى البرلماني كي يعزز من حظوظ حزبه لنيل رئاسة الحكومة.
شكل هذا المؤشر تحديا كبيرا لكلا الحزبين في استقطاب منتخبين يثقون في المتقدمين للانتخابات المحلية والتشريعية.
وزاد التنافس الحاد كون أغلب القيادات السياسية الهامة للحزبين تنتمي إلى جهة سوس ماسة، وعلى رأسهم الأمينان العامان، أخنوش، وسعد الدين العثماني، اللذان ينتميان إلى بلدة تافراوت ومدينة إنزكان (وسط).
انتماء أخنوش إلى منطقة "سوس" -أكادير إحدى مدنها- وحضوره بقوة فيها ساعد الحزب على الظفر بالمركز الأول، وفق أستاذ العلوم السياسية محمد شقير، وأيضا منصبه لسنوات كوزير للفلاحة باعتبار ضم المجال لفئات متعددة من المغاربة لطبيعة البلد الفلاحية.
شقير أرجع أحد أسباب الفوز إلى ارتباط أخنوش في أذهان المغاربة بأنه "صديق للملك" بعد ظهور محمد السادس في أكثر من مناسبة ضيفا في منزل السياسي.
قال شقير: إن حزب التجمع الوطني للأحرار له تجذر في المشهد السياسي، وليس وليد السنوات الأخيرة (في إشارة إلى الجرار).
الحملة الانتخابية السابقة لأوانها والتي بدأها الحزب في 2020؛ مثل مبادرة "100 يوم 100 مدينة" والتي زار من خلالها مختلف مناطق البلاد، كانت أيضا واحدة من الأسباب.
الاعتماد أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي والترويج للحزب عبر تمويل حملته عليها بشكل قوي، كلها كانت أسبابا للتصدر، بحسب المتحدث.
"سقوط تراجيدي"
فشل "الأصالة والمعاصرة" في تحقيق ما حققه التجمع الوطني للأحرار تتحكم فيه مجموعة من السياقات، وفق أستاذ العلوم السياسية المهتم بالجماعات الإسلامية عبد الرحمن منظور.
أولها سياسي؛ حيث وسم الأصالة والمعاصرة بأنه "حزب التحكم" من طرف السياسي القوي عبد الإله بن كيران، إلى جانب السياق الإقليمي للربيع العربي.
وقال منظور في حديث لـ"الاستقلال": اختلفت السياقات الآن، فحزب الأحرار أيديولوجيا لا يعتمد محاربة الإسلاميين بشكل كبير مثل الأصالة؛ بل يعتمد على التكنوقراط والأعيان وقوة التسويق الإعلامي والاستقطاب الانتخابي عن طريق المال ورجال الأعمال الذين ينتمون إليه.
لم يواجه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الحالية خصما يسهل وسمه أيديولوجيا، بل خصما ارتبط بشبكة المال والمصالح، وفق المتحدث.
واعتبر أن الحزب الإسلامي واجه 3 أحزاب (الأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال) كلها اعتمدت على الأعيان وقوتهم المالية والعلاقات.
على مستوى السياق السياسي، يقول منظور: يعيش حزب العدالة والتنمية ضعفا من حيث الجاهزية الداخلية وقوته الخطابية التي كانت ترتكز على الرجل الأول فيه (بن كيران).
وأضاف: "عاش الحزب محطات صعبة خلال ولايته الأخيرة، تتمثل في تقنين زراعة القنب الهندي وفرنسة التعليم واتفاق التطبيع، وكلها عوامل داخلية وخارجية أدت إلى سقوطه الذي كان متوقعا، لكن ليس بهذا الشكل التراجيدي".
وزاد: "كان العدالة والتنمية يتفوق على منافسيه بالخطاب السياسي، لكنه فقد قاعدته الشعبية بسبب تضرر الطبقة الوسطى من تمرير عدد من المشاريع الاجتماعية وأيضا توقيع اتفاق التطبيع".
وفق منظور، يمكن وصف خطاب العثماني بالتكنوقراطي، وهو ما دفع عددا كبيرا إلى التصويت على من يمتلكون نفوذا ماليا، وقد استخدم المال بشكل كبير في هذه الانتخابات (شراء الأصوات) بملاحظة سواء من أحزاب أو مراقبين، وارتكز التصويت على العلاقات الزبونية بين الناخب والمرشح، ليس سياسيا كما في التجربتين السابقتين.
خلص المتحدث إلى أن العدالة والتنمية واجه تيارا للنفوذ المالي لا الإيديولوجي، إلى جانب ضعفه الداخلي والأزمة الاجتماعية.