للتواصل مع قطر وتركيا.. لماذا أرسل آل زايد طحنون وجنبوا عبدالله؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

اعتمدت السياسة الخارجية الإماراتية في الآونة الأخيرة، أسلوب الشرطيين "الطيب والشرير"، في محاولة لاستعادة العلاقات مع دول كانت قد هاجمتها على مدار سنوات طويلة.

الرجل الأول هو وزير الخارجية عبدالله بن زايد، الذي تورط في مشكلات واشتباكات كثيرة في المنطقة، والآخر هو طحنون بن زايد الرجل الهادئ الذي بدأ دوره يتصاعد خارجيا، ويجري مفاوضات وزيارات لخصوم أبوظبي اللدودين، وتمثل آخرها في زيارته لكل من قطر وتركيا والأردن.   

وبحسب "كرستن فونتروز"، المديرة السابقة لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي ضمن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فإن طحنون "يدير كل شيء في الدولة، وموثوق به لدى ولي عهد أبوظبي محمد ابن زايد، ويعمل في الظل". 

طحنون خرج من ألعاب الظل، وكشف أوراقه علانية، حيث يشغل حاليا منصب مستشار الأمن القومي للدولة، ويدير محفظة أعمال تتجاوز الأمن القومي إلى قطاع الشركات الغامضة والاستخبارات والتسليح، كما يشرف على خطط أبو ظبي في النزاعات الإقليمية من تركيا إلى اليمن.

وهو ما جعل التساؤل مطروحا حول أسباب ترجيح دور طحنون على وزير الخارجية عبد الله بن زايد؟ 

تركيا وقطر 

جاءت زيارة طحنون بن زايد، إلى تركيا في 18 أغسطس/آب 2021، ولقائه الهام بالرئيس رجب طيب أردوغان، لتعزز من واقع مختلف للاتصالات الدبلوماسية بين البلدين، يقوده وجه آخر في السياسة الخارجية، ليس بمرتبة الحاكم الفعلي للدولة محمد بن زايد أو وزير الخارجية.  

أثمرت زيارة طحنون عن نجاح في إذابة الجليد عندما أعلنت أنقرة وأبوظبي تقدما في علاقاتهما، ما قد يفضي إلى تطورات دبلوماسية، واستثمارات كبيرة بين البلدين.

وذهب إلى أبعد من ذلك عندما تحدث عن التمهيد بوجود مباحثات مع محمد بن زايد، وأعرب عن آمال حكام أبوظبي بعلاقات أكثر قربا.

ولعل ما أبعد عبد الله بن زايد عن إدارة الملف التركي تحديدا، وهو من أكثر الملفات حساسية في العلاقات الخارجية الإماراتية، هو الاصطدام الذي وقع بينه وبين الرئيس التركي شخصيا.

 ففي 20 ديسمبر/ كانون الأول 2017، شن أردوغان، هجوما لاذعا على عبدالله بن زايد، عندما أشار إليه قائلا: "حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان"؟

ورغم أن أردوغان لم يذكر اسم وزير الخارجية الإماراتي صراحة، فإن مسؤولين أتراكا آخرين وجهوا انتقادات مباشرة لعبد الله بن زايد واعتبروا أنه يعيد ترديد "أكاذيب"، وطالبوه بالعودة عن "خطئه".

واندلعت الأزمة الدبلوماسية بسبب إعادة وزير الخارجية الإماراتي نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تعود لحساب شخص مجهول، ادعى فيها أن قائد الجيوش العثمانية فخر الدين باشا، سرق عام 1916، أموال أهل المدينة وخطفهم ورحلهم إلى الشام وإسطنبول. 

تلك المناوشات جعلت من عبدالله بن زايد، شخصية غير محببة لإدارة المفاوضات مع أنقرة، على عكس طحنون الذي لم يدخل في تلك المناوشات والصدامات. 

ولا بد من الإشارة هنا أيضا إلى إعفاء أنور قرقاش من منصبه كوزير دولة إماراتي للشؤون الخارجية، وهو أيضا كان معروفا بمعارضته لتركيا.

وأيضا، وقع اختيار ولي عهد أبوظبي، على شقيقه طحنون، كأرفع مسؤول إماراتي، يجري زيارة إلى الدوحة منذ أزمة المقاطعة الخليجية من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، لقطر عام 2017. 

وفي 26 أغسطس/ آب 2021، التقى طحنون، بأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، في الدوحة، حيث حمل تحيات رئيس الإمارات خليفة بن زايد، ونائبه محمد بن راشد، وولي عهد أبوظبي، واستعرض اللقاء العلاقات الثنائية، وسبل تنميتها، بعد سنوات الصدام والعداء. 

لا شك أن تقديم طحنون على عبد الله في ذلك الملف الصعب، جاء لأن الأخير هو الذي تصدر في أزمة حصار الدوحة، وكانت له تصريحات مسيئة بحق قيادتها، خاصة يوم 18 مارس/ آذار 2018، عندما خرج في مؤتمر صحفي، وقال: "قطر هي إحدى منصات نشر الإرهاب والتطرف". 

وهو الذي تصدر المؤتمر الصحفي لدول الحصار عن دولة الإمارات، وأشار خلاله أن قطر تلعب دورا تخريبيا على مدى عقدين من الزمن. 

التصريحات الحادة والمخالفة للأعراف الدبلوماسية، ولميثاق دول التعاون الخليجي، جعلت من عبدالله شخصية صعب تقبلها في الدوحة، وكان وجود طحنون هو الحل الأمثل للوضع الجديد. 

خازن الأسرار 

طحنون ولد في 4 ديسمبر/ كانون الأول 1969 (52 عاما)، وهو من أشقاء محمد بن زايد من نفس الأم، وواحد من أخلص رجاله، الذين يستخدمهم في إطار واسع من الأعمال العلنية، بالإضافة إلى مهمات الظل، باعتباره خازن الأسرار.

يوصف بأنه هادئ ودائم التنقل، وخبير في الفنون القتالية، وهو مولع كذلك بركوب الدراجات والعدو والشطرنج، يكون في واشنطن في يوم، ثم تكتشف في اليوم التالي أنه أصبح في طهران، وهو مع ذلك لا يتحدث عن تحركاته، كما وصفته وسائل إعلام دولية.

يتزعم مجموعة من الشركات الكبرى، فهو رئيس مجلس إدارة "ADQ"، وهي شركة قابضة حكومية، وواحدة من أكثر المستثمرين نشاطا في أبوظبي.

كما يرأس بنك أبوظبي الأول، أكبر مصرف في الإمارات، والذي تمتلك فيه الحكومة والأسرة الحاكمة حصصا كبيرة. 

وجرى تعيينه رئيسا لمجموعة 42، وهي كيان مقره أبوظبي أسس عام 2018. وتصف المجموعة نفسها بأنها شركة للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ولدت من رحم الدور الأمني للشيخ طحنون، واعتبر راعيها منذ نشأتها.

كذلك يشغل مناصب قيادية في كثير من الشركات والمجموعات الاقتصادية الأخرى.

بحسب تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية 25 يناير/ كانون الثاني 2021، فإن "لدى محمد بن زايد دائرة صغيرة من الأشخاص الذين يتحدث معهم عن القضايا الحساسة، وطحنون رقم واحد فيهم".

وفي عام 2015 كان له دور محوري في نشر الإمارات لقوات في اليمن كشريك بارز في التحالف الذي تقوده السعودية، ومن ثم التورط في انتهاكات مروعة ضد حقوق الإنسان.

من صنعاء إلى طرابلس، تمدد دور طحنون، حيث كان من المساهمين الأساسيين في تزويد الجنرال الليبي المنشق خليفة حفتر، ليشن هجوما على طرابلس في عام 2019، بالأسلحة وأشكال الدعم الأخرى. 

وهو كذلك الذي وفر الدعم المالي للعمليات التي تنفذها مليشيات فاغنر الروسية، لمساعدة حفتر في القتال الليبي.

رسول التطبيع

وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2021، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن طحنون، باعتباره ذراع محمد بن زايد.

وقالت: "بعد وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 2004، اتجه كثير من الأبناء إلى أعمالهم التجارية، طحنون حرص على الجمع بين دوره السياسي في إدارة الدولة، ومملكته الاقتصادية".

وأضافت: "إذا كنت تريد التفاوض على صفقة تجارية مع العائلة، وليس في القصر، فسوف تقترب من خلال طحنون".

وذهب الحديث إلى أبعد من ذلك عندما أشارت أنه بالتقاء أدواره الاقتصادية والأمنية يصبح  طحنون ثاني أكثر الرجال نفوذا في أبو ظبي بعد محمد بن زايد، نفسه. 

وأضافت أن إيمان طحنون بالتكنولوجيا، جعله مربوطا بالتورط في التجسس.

وهو ما حدث عام 2019، عند الكشف عن فضيحة تطبيق "تيك توك" وتجسسه على المستخدمين، من خلال شبكته التنفيذية، المستثمرة في التطبيق، والتي يديرها أسامة الأهدلي وحمد الشامسي.

الدور التفاوضي لطحنون خارجيا، برز أيضا عندما أعلنت الإمارات اتفاق التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في أغسطس/آب 2020، محدثة صدمة واسعة في العالم العربي.

فلم يغب دور طحنون بن زايد الأساسي، الذي التقى برئيس الموساد السابق يوسي كوهين، بحسب وسائل الإعلام الإماراتية والعربية.

لقاء طحنون كوهين، هو الذي رسم خريطة التعاون الاستخباراتي والأمني في صميم التحالف الجديد، بين أبو ظبي وتل أبيب.

وبالرغم من تلك المواقف، وصفت "فايننشال تايمز"، طحنون بن زايد بأنه "براغماتي واستقصائي وتحليلي، ليس له موقف ثابت إلا ما يدور في نطاق مصلحته المطلقة".