تهدد إيران أم مصر؟.. دلالات أول مناورة إسرائيلية عسكرية بالبحر الأحمر

12

طباعة

مشاركة

فتح تحرك إسرائيلي جديد ملف جزيرتي تيران وصنافير اللتين تنازلت مصر عنهما للسعودية ضمن اتفاقية ترسيم حدود بحرية عام 2016، لتلقي الضوء مرة أخرى على خطورة تلك الاتفاقية على قناة السويس والملاحة المصرية بخليج العقبة وتأثيرها على البحر الأحمر.

وتنازل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، للسعودية قبل 5 سنوات عن الجزيرتين الإستراتيجيتين بمدخل خليج العقبة الجنوبي، إثر الاتفاقية التي وقعها معها في أبريل/ نيسان 2016، ورفضتها المعارضة المصرية بشدة.

مناورات خطيرة

في تطور لافت يقول كثيرون إنه نتيجة التنازل المصري المثير للجدل، أجرى جيش الاحتلال الإسرائيلي في 30 و31 أغسطس/آب 2021، مناورة بحرية مع الجيش الأميركي في البحر الأحمر، هي الأولى التي تجرى في المنطقة.

ويطل على البحر الأحمر دول عربية هي السعودية ومصر والسودان والصومال واليمن والأردن وفلسطين.

الجيش الإسرائيلي عبر عن سعادته من إجراء المناورة العسكرية الأولى له في البحر الأحمر زاعما أنها جاءت بهدف "تعزيز الأمن والحفاظ على طرق التجارة البحرية".

 وقال عبر موقع "تويتر": "لأول مرة أجرت البحرية الإسرائيلية مناورة مع الأسطول الخامس الأميركي".

بيان للجيشين زعم أن المناورة نقطة انطلاق للحفاظ على طرق التجارة البحرية والاستقرار الإقليمي وضمان الأمن البحري والملاحة بين البحر المتوسط ​​والمحيط الهندي عبر المضائق الإستراتيجية بالمنطقة.

وكذلك توسيع دوائر الدفاع والأمن في المجال البحري لمنع الأعمال الإرهابية، وفق قول ضابط البحرية الإسرائيلية دانيال هاجري.

وتغطي منطقة عمليات الأسطول الأميركي الخامس 21 دولة بينها إسرائيل، ونحو 2.5 مليون ميل مربع مياه هي الخليج العربي، وخليج عمان، والبحر الأحمر، وبعض المحيط الهندي، ومضيقي هرمز وباب المندب، وقناة السويس.

ويرى مراقبون أن الأخطر من المناورة هو وضع إسرائيل موطئ قدم عسكرية لها في البحر الأحمر الذي كانت تمر فيها طوال العقود الماضية بإذن مصري خالص عبر مضيق تيران، أو من خلال قناة السويس المصرية.

وقال السياسي والمحامي المصري عمرو عبدالهادي: "إلى الخونة، والعملاء، وتجار تحيا مصر، وأقزام يحتلون مصر؛ نبارك لكم أول ثمار بيع السيسي جزيرتي (تيران وصنافير)"، وفق تعبيره.

ويضيف: "إسرائيل تجري لأول مرة مناورات في مياه البحر الأحمر الذي انتقل بعد بيع الجزر من مياة إقليمية مصرية خالصة لا تعبرها ذبابة إلا بإذن مصري؛ إلى مياه دولية مشاع".

ضد إيران

مراقبون اعتبروا أن المناورة موجهة في الأساس ضد طهران، خاصة بعد المواجهات البحرية بين طهران وتل أبيب في بحر عمان والخليج العربي، وإثر التصعيد الأميركي مع إيران على أراضي العراق، بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

ويرى خبراء آخرون أن الصراع بين إيران وإسرائيل وأميركا كان في منطقة الخليج وبحر عمان ولم يصل إلى البحر الأحمر، وأن للمناورات أغراضا أخرى.

تلك المناورات تأتي إثر قرار وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" 15 يناير/كانون الثاني 2021، نقل إسرائيل من منطقة القيادة الأميركية الأوروبية إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية؛ اعتبارا من مطلع سبتمبر/ أيلول 2021.

الجيش الإسرائيلي اعتبر أن المناورة موجهة في الأساس ضد إيران، خاصة بعد المواجهات البحرية بين طهران وتل أبيب في بحر عمان والبحر المتوسط.

وهي الرؤية التي عززها قول "إذاعة الجيش الإسرائيلي": إن "المناورة  أجريت على خلفية المعركة البحرية التي تقودها إسرائيل ضد إيران".

 صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قالت في مارس/ آذار 2021: إن إسرائيل استهدفت 12 ناقلة نفط إيرانية كانت تحمل نفطا وأسلحة متجهة إلى سوريا منذ 2019.

واتهمت طهران تل أبيب باستهداف ناقلات إيرانية في حوادث عدة بالبحر المتوسط قبالة ساحل سوريا ولبنان.

وتعرضت ناقلة نفط تشغلها شركة إسرائيلية إلى هجوم بخليج عمان 29 يوليو/ تموز 2021، أسفر عن مقتل بريطاني وكولمبي من طاقهما، فيما اتهمت تل أبيب ولندن وواشنطن طهران في الهجوم، وهو ما نفته إيران.

موقع "The Maritime Executive" الرائد في الصناعة البحرية قال: إن المناورة البحرية الأميركية الإسرائيلية والتي تجري تحت القيادة المركزية، تأتي في وقت تصاعدت فيه التوترات بمنطقة الشرق الأوسط.

 وأكد أن المناورة "جزء من إستراتيجية تنظيمية جديدة للبنتاغون في نهجه لإدارة إسرائيل والمنطقة".

ولفت الموقع إلى أن حوادث الشرق الأوسط عام 2021 أدت لزيادة التوترات، وإلى اتهامات بحرب ظل بين إسرائيل وإيران"، مشيرا إلى حملة نشطة قادها وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس لشن ضربات انتقامية على طهران.

موقع "نافال نيوز"، البحري المتخصص، أكد مطلع سبتمبر/ أيلول 2021، أن 4 طرادات صواريخ موجهة "يو إس إس مونتيري" (سي جي 61) أميركية، مع طراد البحرية الإسرائيلية وزورقي دورية، وطائرة للبحرية الأميركية "P-8A Poseidon"، شاركوا بالمناورة.

ولفت إلى أن الطرادات الـ4 أجرت عمليات دفاع جوي ودفاع وحدة عالية القيمة وعمليات قوارب صغيرة أخرى، كما أجرت السفن تدريبات على المناورة التكتيكية.

 ونقل الموقع عن نائب قائد الأسطول الخامس الأميركي والقوات البحرية المشتركة "NAVCENT" الأدميرال براد كوبر، قوله: "نتشارك بطرق جديدة، وهو أمر ضروري للحفاظ على الأمن البحري".

موقع "تيلر ريبورت"، لفت إلى أن هذه هي المناورة الثانية بين الجيشين في غضون نحو 3 أسابيع، مشيرا لمشاركتهما بمناورة "نسر الصحراء" الجوية التي تحاكي سيناريوهات عملياتية بالمجال الجوي.

القيادة المركزية الأميركية أكدت 11 أغسطس/آب 2021، أن تلك المناورات كانت الأولى من نوعها، معلنة مشاركة طائرات إسرائيلية وأميركية من طراز إف 15.

دائرة النفوذ

في رؤيته لدلالات وخطورة إقامة الجيش الإسرائيلي أول مناورات له في تاريخه بالبحر الأحمر، يقول رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري عمرو عادل: إن "الصراع في العقد الأخير بشأن المجالات البحرية تزايد بشدة".

ويضيف لـ"الاستقلال": إن ذلك الصراع "ليس في البحر الأحمر فقط، بل الأبيض، والأسود، وإيجه في منطقة الشرق الأوسط والبلقان؛ فضلا عن بحار ومضائق جنوب شرق آسيا".

ويتابع: "يعد البحر الأحمر طوال تاريخه عربيا خالصا تحت السيطرة المصرية نظرا للتحكم فيه عن طريق خليج وقناة السويس من جانب، وجزيرتي تيران وصنافير المتحكمة في خليج العقبة من الجانب الآخر".

الضابط السابق في الجيش المصري، يعتقد أن "صراع البحر الأحمر يظهر من خلال حرب السيطرة على الموانئ، والجزر الإستراتيجية كجزر اليمن والسودان".

وبشأن الرسالة التي أرادت إسرائيل أن ترسلها للدول العربية من عقد تلك المناورة، يرى عادل، أن "الكيان الصهيوني بتحالفه المعلن مع محور الشر العربي المصري السعودي الإماراتي بعد تحويل خليج العقبة لممر دولي أصبح له ذراع بالبحر الأحمر".

ويقول: إنه ولذلك "لم يعد الكيان يخشى من رد الفعل المصري من إجراء مناورات عسكرية في منتهى الخطورة على أمن المنطقة بالبحر الأحمر".

ووفق رؤية السياسي المصري فإن "هذا يوسع دائرة النفوذ الصهيوني العسكري سواء بفرض النفوذ على دول المنطقة الهشة، أو إعلان التحالف الأميركي مع تل أبيب كشرطي للمنطقة ضد أي قوى تحاول التوغل أكثر مما ينبغي؛ كإيران وربما تركيا".

ويلفت إلى تأثير الحضور القوي للأسطول البحري الإسرائيلي في البحر الأحمر على تآكل أدوار مصر بمنطقة نفوذها السابق.

ويؤكد أن "المناورات الأخيرة بالرغم من عدم وضوح تفاصيلها التي توضح الهدف منها، إلا أنها تشير إلى انهيار تام في أمن دول المنطقة واستسلامها الشامل للكيان الصهيوني وعمالتها التامة له".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب متابعون عن قلقهم من الخطوة الإسرائيلية بالبحر الأحمر.

وقال متابعون عبر "تويتر": إن مشهد ظهور إسرائيل العسكري في البحر الأحمر يعد تحركا عسكريا خطيرا جدا، وستكون له تداعيات كبيرة.

ويعتقد آخرون أن المناورات البحرية الأميركية الإسرائيلية بخليج العقبة لأول مرة لها أغراض أخرى خاصة بعد بيع جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية بوابتي البحر الأحمر وخليج العقبة وميناء إيلات.

استعدادات حرب؟

ومع حالة التوافق السياسي والتعاون الأمني الكبير بين النظام المصري وحكومات تل أبيب، فإن موقع الجيش الإسرائيلي أشار إلى احتمالات المواجهة العسكرية بين مصر وإسرائيل.

الموقع كتب تقريرا 12 يوليو/تموز 2021، بعنوان: "طبيعة الحرب القادمة بين إسرائيل ومصر إذا حدثت".

وقال: "رغم الصعوبات الاقتصادية الهائلة التي تواجهها القاهرة، فإنها تنفق الأموال في بناء جيشها"، متوقعا حدوث "صراع تقليدي بين إسرائيل ومصر التي تستعد قواتها المسلحة لاحتمال الحرب".

ولفت إلى تعاقد القاهرة في مايو/ أيار 2021، على شراء 30 مقاتلة "رافال" فرنسية، مؤكدا أنه "بهدف تحسين فرص مصر إذا كان عليها محاربة القوة الجوية الإسرائيلية".

وأكد أنه "في أي نزاع مستقبلي بين إسرائيل ومصر، ستدور المعارك مرة أخرى في سيناء"، لافتا إلى "قوة سلاح الجو المصري وامتلاكه أكثر من 200 طائرة من طراز إف 16".

وأضاف: "ربما تقاتل البحرية الإسرائيلية نظيرتها المصرية في البحرين الأحمر والمتوسط ​​لأول مرة منذ عام 1973".

 ويعتقد أنه إذا كانت هناك حرب بين إسرائيل ومصر، فإن استخدام الآلاف من أنظمة الأسلحة الأميركية المتقدمة والمماثلة مثل إف 16 وإم 113 يمثل مكونا فريدا".

وهنا يقول الخبير المصري في الشؤون الإفريقية والدولية: إن السبب الأساسي لعقد إسرائيل وأميركا تلك المناورات في البحر الأحمر في هذا التوقيت "هو التنامي الكبير في قوة البحرية المصرية".

ويضيف لـ"الاستقلال": إن الرسالة هنا لإسرائيل أكثر من الدول العربية، حيث تحمل "رغبة أميركا في طمأنة تل أبيب، بأنها حتى لو انسحبت نسبيا من الشرق الأوسط فإنها لن تتركها وحدها".

وفي مقابل المناورات الإسرائيلية مع الجيش الأميركي، يكثف الجيش المصري من مناوراته طوال السنوات الماضية، وفي عام 2020 وحده عقد 33 مناورة وتدريبا عسكريا، وفق صحيفة "الأخبار" المحلية.

في يوليو/ تموز 2019، نفذ الجيش المصري مناورات "تحية النسر" مع بحرية الرياض وأبوظبي وواشنطن، كما شارك في سبتمبر/أيلول 2019، بمناورة "الموج الأحمر" مع السعودية والأردن والسودان واليمن. 

وشارك جيش مصر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بمناورة "سيف العرب" مع السعودية والإمارات والبحرين والأردن والسودان، كما نفذ تمرينا تدريبيا جويا مشتركا حمل اسم "نسور النيل" 1 و2 مع الخرطوم عامي 2020 و2021.

وفي فبراير/ شباط 2020، انضمت البحرية المصرية للسعودية والأميركية في تمرين "مورغان-16" البحري، وشاركت في نسختها في 2021.

كما شارك الجيش المصري بمناورة "ميدوسا" من 30 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 30 ديسمبر/ كانون الأول 2020، مع الإمارات وقبرص وفرنسا واليونان.

لكن تظل النوايا الإسرائيلية من أي عمل "مجهولة"، خاصة مع حضور الدعم الأميركي الكبير لها بنقل تبعيتها للمنطقة المركزية الأميركية ومشاركة البحرية والجوية للجيش الإسرائيلي في مناورتين متتابعتين.