شهادات عديدة.. لماذا توقف نظام الأسد عن منح جوازات السفر للسوريين؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عقاب جديد فرضه نظام بشار الأسد على الشعب السوري، بإعلان وزارة داخليته بالداخل وقنصلياته بالخارج عدم توفر دفاتر جوازات السفر لمن يريد استخراجها، في أزمة غير متوقعة وغير مسبوقة وتسبب شللا في حركة المهاجرين.

وزير داخلية النظام السوري اللواء محمد الرحمون، قال في تصريح صحفي مطلع أغسطس/ آب 2021: إن الأزمة تعود لأسباب "فنية بحتة".

ودون إحراز تقدم، انتهت المدة التي حددها الوزير في 20 أغسطس/ آب 2021، لحل مشكلة التأخر بإصدار جوازات السفر للسوريين.

تلك الأزمة طفت على السطح منذ أن شهدت إدارة الهجرة والجوازات يونيو/ حزيران 2021 وفروعها في المحافظات السورية، ازدحاما بسبب التأخر في إصدار جوازات السفر وفق المدد الزمنية المعهودة.

ويعيش السوريون في الخارج حالة من التخبط نظرا لتوقف قنصليات النظام السوري عن إصدار جوازات السفر؛ مما يعني تعرقل كثير من المعاملات والإقامات المرتبطة به في الدول التي يقيمون فيها.

وحل جواز السفر السوري عام 2021 في المرتبة الـ105 بين دول العالم، وفقا لمؤشر "هينلي" الترتيب المعتمد لجميع جوازات السفر في العالم، والذي كشف أن 29 دولة فقط تسمح بدخول حامله دون تأشيرة مسبقة.

هذا الجواز يصفه السوريون بأنه الأغلى في العالم من حيث السعر المدفوع لاستخراجه وخاصة لمن بالخارج، والأضعف من ناحية الأهمية، والأقصر من حيث فترة الصلاحية.

يفاوض ليتوانيا

وبدا واضحا أن هذه الأزمة التي امتدت وطالت قنصليات النظام السوري في الخارج، لها أسبابها السياسية المرتبطة بطريقة تعاطي الغرب مع النظام بموجب العقوبات.

وهذا ما أكده السياسي والإعلامي السوري أيمن عبدالنور، بقوله: "إن حصول السوريين بكل فئاتهم على جوازات سفر، أدى إلى خلق أزمة الجوازات الجديدة بعد نفاد كمية الدفاتر المطبوعة في فرنسا".

وأضاف في رسالة صوتية وجهها للسوريين أن النظام "يعاني من حصوله على موافقة أي دولة أجنبية لطباعة جوازات سفر جديدة".

عبدالنور، كشف أن النظام كلف رجل أعمال سوري للتفاوض مع ليتوانيا لطباعة جوازات السفر لديها، مؤكدا أنه لا يمكن طباعتها بأي مكان، وهناك دول محدودة معتمدة لطباعتها في العالم.

ولفت إلى أن ليتوانيا بحاجة لموافقة دول الاتحاد الأوروبي كونها عضوا فيه، ولكي لا تخرق العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام، متوقعا أن يمنح الاتحاد الأوروبي ليتوانيا موافقته.

وأشار إلى أن دولا أوروبية لا تعرف نحو 15 بالمئة من الأسماء الحقيقية للاجئين، وأنها بحاجة لمعرفة ما إذا كانت لديهم جرائم سابقة أو أنهم مطلوبون بأحكام وجرائم دولية.

وألمح السياسي السوري إلى أن النظام "كلف ضابط أمن يتبع له وهو موجود في بلجيكا للتعاون مع الاتحاد الأوروبي وتزويدهم بالأسماء الحقيقية للاجئين الذين لا يمتلكون أي وثيقة تثبت الاسم السوري".

ملايين الدولارات

يحقق النظام السوري ملايين الدولارات مع اضطرار المهاجرين على إبقاء جوازات سفرهم سارية الصلاحية، ويتسلم تلك الأموال بشكل نقدي بعيدا عن التعاملات البنكية المحظور منها بموجب العقوبات الدولية.

في يناير/كانون الثاني 2020 أكد تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن النظام يستخدم إصدار جوازات السفر في تمويل الحرب ضد كل من طالب بعملية انتقال سياسي وديمقراطي، وفي إذلال معارضيه.

وبين التقرير أن مؤسسة الهجرة والجوازات تضخم دورها وباتت تدور في فلك دوامة ابتزاز ونهب أموال المجتمع السوري بهدف إضعافه وإذلاله.

وتبلغ قيمة استخراج جواز المقيم في سوريا، للبطيء (العادي) 14 ألف ليرة سورية (5 دولار أميركي) وللمستعجل (السريع) 32000 ألف ليرة (11 دولارا).

ويمنح النظام جواز سفر لمدة سنتين ونصف لمواطني الخارج سواء غادر بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، عبر أحد أقاربه أو وكيله القانوني، لقاء 800 دولار للمستعجل بنفس اليوم، و300 دولارا للعادي في أسبوع.

قنصليات النظام في الخارج تصدر الجواز المستعجل بـ825 دولارا أميركيا، وهذا الأخير له خصوصية؛ إذ يجري طباعته بشكل فوري داخلها، بينما العادي بقيمة 325 دولار يأتي من سوريا لذا يأخذ وقتا أطول يصل إلى شهر لمنحه.

تلك الكلفة المادية هي الأعلى عالميا في منح دولة وثيقة سفر لمواطنيها، خاصة وأن النظام نجح في حصر استخراج تلك الوثيقة بيده منذ البداية لتكون موردا ماليا لا ينضب فلا بديل عنه لملايين المهاجرين واللاجئين.

وزير داخلية النظام، اعترف بالحصول على 21.5 مليون دولارا من جوازات سفر أصدرها للسوريين خارج البلاد عام 2020، بينما بلغت في 2018 نحو 41 مليون دولار.

عدد جوازات السفر التي أصدرها بالداخل عام 2020 بلغت نحو 143 ألف جواز عادي، و75 ألفا و 714 مستعجل، وبلغت قيمة المبالغ المتحصلة 3.3 مليارات ليرة سورية، وفق الداخلية نفسها.

أسباب وهواجس

السوري عبدالله هاشم، صاحب مكتب سياحي في تركيا، يرى أن نقص الجوزات لها أسبابها الظاهرة، وهي "إيقاف فرنسا طباعة الجوازات السورية".

ويوضح لـ"الاستقلال" أن هناك إقبالا كبيرا من السوريين على استخراج جوازات السفر، بسبب تردي الوضع المعيشي في سوريا، الذي دفع الناس للخروج من البلد، ودفع الشباب لترك سوريا.

ويجزم بأن "الإقبال الآن على السفر ومغادرة سوريا كبير لأن الوضع المعيشي أصبح معقدا، ولا يطاق في ظل قلة الدخل اليومي، ونقص الخدمات، وأزمة المحروقات والكهرباء المزمنة".

ويؤكد أن "النظام همه الوحيد جمع الأموال والعملة الصعبة؛ لذلك يريد حل أزمة الجوزات بأي ثمن".

السوري المقيم في تركيا يوضح أن "أزمة جوازات السفر بقنصلية النظام في إسطنبول امتدت إلى نهاية أغسطس/ آب 2021"، مبينا أن "هذا الموعد قابل للتمديد مرة أخرى".

ويقول: "أزمة جوازات بمثابة كارثة إنسانية وقعت على رؤوس السوريين المقيمين في الخارج، لأنها تعرقل تجديد إقاماتهم في دول الخليج وأوروبا".

ويلفت إلى أنه "في تركيا يشترط جواز سفر سار على الأقل لمدة 6 أشهر لتجديد الإقامة السياحية 4 شهور فقط، وهي مدة قصيرة نظرا لوجود قرابة 700 ألف سوري يحملون هذا النوع من الإقامة".

ويلمح إلى أن "أكثر من 3 ملايين ونصف سوري يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) التي تصدرها الولايات التركية والتي لا يحتاج حاملها لجواز السفر السوري كشرط للإقامة".

"تجديد جوازات السفر في قنصلية النظام في إسطنبول، مرهقة ماليا ونفسيا لكونه يصدر بمدة صلاحية سنتين ونصف فقط، فيما يدفع السوريون مئات الدولارات لأجل الإصدار أو التجديد"، وفق هاشم.

ويؤكد أن هناك نحو 3 آلاف سوري حجزوا مواعيد تجديد جوازات سفر حاليا بقنصلية النظام في إسطنبول".

لم يستبعد هاشم أن تكون هذه خطوة "مدروسة من النظام لجني أموال إضافية من الرشاوي ومنح جوازات بشكل خاص عبر سماسرة لقاء مبالغ طائلة بالدولار، ما يعني ملء خزينته من جيوب المواطنين".

ويبدو أن التهافت على تأمين جواز السفر أخيرا من قبل السوريين في الداخل؛ مرتبطة بهواجس باتت تتولد أكثر من أي وقت مضى لديهم وجميعها مرتبط بالوضع الاقتصادي.

وهذا ما يستشرفه صاحب المكتب السياحي بقوله: "هناك مخاوف من وضع النظام شروطا معينة لإصدار وتجديد الجواز في الداخل، كأن يكون لديه حجز طيران خارجي أو إقامة في دولة ما يرغب صاحبها بتجديدها".

وزير يتهكم

كان واضحا الملمح الذي أراد وزير الاقتصاد السوري السابق محمد نضال الشعار إيصاله، حينما روى معاناته مع تجديد جواز السفر بشكل مستعجل بمبلغ 800 دولار لمدة سنتين من قنصلية النظام في إمارة دبي.

وخلص الشعار، بعملية حسابية إلى أنه يدفع كل يوم (1.09 دولار)، ما يعني مبلغا وقدره 90 ألفا شهريا، وهو حسب قوله: "أكثر من راتب أي موظف تحت مرتبة وزير في سوريا".

وختم كلامه بطريقة تهكمية قائلا: "يعني أنا سوري لسنتين؟.. لماذا تصادرون سوريتي".

وأمام تراكم الأزمات التي يصنعها النظام، يبقى العامل المالي أكثر ما يقلق السوريين مع إصرار دول العالم على اعتماد جواز السفر الصادر عن النظام، وعدم إيجاد حل بديل يمنح جهة ما حق إصدار تلك الوثيقة.