عجز مزمن في موازنة الكويت.. الأسباب والتداعيات والحلول
شهدت موازنة الكويت للسنة المالية 2020-2021 ارتفاعا غير مسبوق في العجز بنسبة 174.8 بالمئة وبواقع 10.8 مليار دينار (35.5 مليار دولار) نتيجة تراجع إيرادات الدولة بنحو 38.9 بالمئة بسبب جائحة كورونا التي لعبت دورا سلبيا على أسعار النفط.
ويستحوذ النفط على 90 بالمئة من إجمالي إيرادات الميزانية، التي ارتبط بها العجز للمرة السابعة على التوالي، مما يؤزم المشهد المالي للبلاد، كما يشكل 90 بالمئة من الصادرات، وحوالي 50 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وفق معطيات الحكومة الكويتية.
ورصد صندوق النقد الدولي، في 16 أبريل/ نيسان 2021، تدهورا في رصيد الموازنة العامة الكلي للكويت بشكل ملحوظ مقارنة بالعام 2020.
وطالب الصندوق البلاد بضرورة العمل على ضبط مالي قوي وإصلاحات هيكلية للحفاظ على الهوامش المالية الوقائية وتعزيز النمو الاقتصادي.
وهو ما أكد عليه محافظ البنك المركزي الكويتي محمد الهاشل، في يوليو/تموز 2021، بالقول: إن "الكويت تحتاج إلى إصلاحات عاجلة لتقف أوضاعها المالية على أرضية أكثر استمرارية، إذ إن الأدوات النقدية غير كافية لمواجهة التحديات الهيكلية".
وقال وزير المالية خليفة حمادة، في بيان 7 أغسطس/آب 2021: "يعزى العجز إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط وتقليص الأنشطة الحكومية إلى الحد الأدنى نتيجة لجائحة كوفيد-19".
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في الكويت 9.9 بالمئة، خلال عام 2020، بهبوط كبير عن نمو طفيف كان قد بلغ 0.4 بالمئة في عام 2019، وفق تصريحات محافظ البنك المركزي الكويتي.
وتوقع البنك الدولي، في تقريره الصادر في 4 أغسطس/آب 2021، أن تستمر الكويت والبحرين وعُمان، وهي الدول التي سجلت أكبر عجز في الموازنات العامة في 2020، في تسجيل عجز طيلة السنوات 2021-2023.
تداعيات الأزمة
دفعت تلك المعطيات وكالة "ستاندرد أند بورز"، في شهر يوليو/تموز 2021، إلى خفض تصنيف الكويت درجة واحدة، بسبب الافتقار إلى إستراتيجية لتمويل عجز ميزانية الحكومة المركزية، الذي قدر عند 33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في السنة المالية المنتهية في مارس/آذار.
بالتالي فالكويت بحاجة إلى سرعة إيجاد بدائل حتى لا تزداد فجوة العجز بالموازنة التي بدورها ستؤدي إلى تآكل احتياطياتها.
خاصة وأن الزيادة الحاصلة الآن في عائدات النفط بسبب ارتفاع أسعار النفط لا تغطي التزامات موازنة الدولة التي تحتاج إلى أسعار نفط عند 90 دولارا للبرميل لضبط موازنتها.
فمع العجوزات المتراكمة، دائما ما تلجأ الحكومة للسحب من احتياطي صندوق الأجيال القادمة، (صندوق الثروة السيادي للكويت وتتم عبره معظم الاستثمارات الخارجية)، لسد عجزها.
فنجد أن حجم السحوبات من احتياطي "صندوق الأجيال"، منذ يونيو/حزيران 2020، اقترب من 7.5 مليار دينار (25 مليار دولار)، وذلك لتغطية عجز الموازنة لتوفير السيولة اللازمة لدفع رواتب موظفي الحكومة وتمويل عمليات الإنفاق الجاري، عبر عمليات نقل الملكيات أو مبادلة الأصول.
وجاء العجز نتيجة تراجع إيرادات النفط بنحو 42.8 بالمئة في 2020-2021 إلى 8.8 مليار دينار (29.27 مليار دولار)، بينما تراجعت الإيرادات الأخرى 6.5 بالمئة إلى 1.7 مليار دينار (5.66 مليار دولار).
وشكلت الأجور والدعم 73 بالمئة من إجمالي الإنفاق في حين شكلت المصروفات الرأسمالیة الفعلية والبنية التحتية 9 بالمئة.
دفعت تلك المعطيات الحكومة إلى إلغاء أكثر من 340 مشروعا تنمويا في البلاد، عبر تقليص الإنفاق على المشروعات التنموية بنحو 2.3 مليار دولار، وتأجيل البدء في 120 مشروعا، وفق تقرير اقتصادي حكومي نشر في سبتمبر/أيلول 2020.
كما ألغت الحكومة الكويتية مشروعين رئيسين للتنقيب عن الغاز في البلاد، بسبب تخفيضات الميزانية في شركة نفط الكويت المشغلة، وفق موقع "ميد" الأميركي.
ونقل الموقع عن مصادر صناعية كويتية قولها: "شركة نفط الكويت استبعدت مشاريع مرافق الإنتاج الجوراسية (JPF)، المعروفة باسم JPF-6 و JPF-7، من قائمة المشاريع المعتمدة".
وفي أغسطس/آب 2020، خفضت مؤسسة البترول الكويتية إنفاق قطاع النفط بمقدار 2.3 مليار دولار للسنة المالية 2020-2021، سبقه تخفيض شركة نفط الكويت لـ 25 بالمئة من ميزانيتها لخطتها الخمسية بهدف المساهمة في "الاستقرار المالي للدولة".
وبحسب الباحث الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، فالضخامة الحاصلة في عجز موازنة الكويت لا يفترض أن تتكرر نظرا لأن هبوط أسعار النفط في فترة كورونا تعد استثنائية، مشيرا إلى أن هذا العجز لا يعكس الحالة المالية للدولة، كون الموازنة تعتمد فقط على إيرادات النفط.
وأضاف رمضان، لـ"الاستقلال" أن استثمارات صندوق الأجيال الكويتي حققت خلال العام المالي 2020 أعلى إيراد، ما يعني أن الحالة المالية للدولة في أفضل حال.
بدائل النفط
وبالتالي المشكلات الاقتصادية الحاصلة الآن في الكويت ليست وليدة هذا العجز المالي ولكن ناتجة عن مشكلات مستمرة منذ سنوات وتحتاج إلى إصلاحات اقتصادية.
وأشار إلى أن العجز الكبير الحاصل الآن أضر بالسيولة في الاحتياطي العام والتصنيف الائتماني للكويت بسبب عدم إقامة قوانين من شأنها تعزيز السيولة في الحساب الجاري.
لذا يرى خبراء أن على الدولة العمل على إجراء إصلاحات تهدف إلى تنويع مواردها بعيدا عن النفط خاصة وأن أسعار النفط رهينة الأزمات والأوضاع الإقليمية والدولية، مما يخلق بدائل لمداخيل الدولة تكون بجانب مداخيل النفط.
بالإضافة إلى ضرورة التوجه نحو الاقتصاد الصناعي والإنتاجي مما يخلق حالة من الاستقرار الاقتصادي ويزيد من معدلات النمو، عبر العمل بشكل جدي على خطة الكويت الإستراتيجية لعام 2035 لتحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي.
ويسهم القطاع الصناعي في الناتج القومي بالكويت بنسبة أقل من 6 بالمئة (نحو 17 مليار دولار) فقط، وتهدف لوصوله إلى 8 بالمئة حتى نهاية 2021.
فيما تشكل نسبة العمالة الوطنية بالقطاع الصناعي 6 بالمئة، وتبلغ نسبة مساهمة القطاع الخاص في القطاع الصناعي نحو 98 بالمئة، بحسب الهيئة العامة للصناعة بالكويت.
ويرى رمضان، أن من ضمن الحلول التي قد تلجأ إليها الحكومة على المدى المتوسط هو فتح صندوق الأجيال والقيام بسحوبات منظمة بنحو 5 مليار دينار سنويا في حال كان هناك عجوزات، أو على المدى القصير اللجوء إلى الاستدانة عبر إقرار قانون دين عام يسمح بذلك خاصة في ظل انخفاض الفوائد بالنسبة لدولة مثل الكويت.
وأشار إلى أنه في حال اللجوء إلى الاستدانة فإنه من الضروري أن تكون ديونا قصيرة الأجل حتى لا تتراكم الفوائد على الدولة.
وحذر الخبير الكويتي من السير نحو الإصلاحات السريعة أو الترقيعية كونها تعد مجرد مسكنات، مضيفا أنه من الضروري اتخاذ إصلاحات جذرية متأنية، خاصة وأن الكويت لديها الملاءة المالية الكافية التي تتيح لها ذلك.
ويأتي ضمن هذه الإصلاحات الجذرية، وفق رمضان، إعادة النظر في سياسة التوظيف الحكومي خاصة وأن أكثر من 80 بالمئة من القوة العاملة الكويتية يعملون في القطاع العام والتي تتزايد أعدادهم سنويا.
وهو ما يعني أن هذه السياسة لا يجب أن تستمر لتخفيف أعباء الرواتب التي تأكل من مدخولات الدولة.
تقليص العجز
ويبلغ حجم الإنفاق على الرواتب نحو 81 مليار دينار (268.9 مليار دولار)، حيث يبلغ عدد العاملين في الحكومة لعام 2020 نحو 354.229 ألفا.
أي أن 85 بالمئة من المواطنين والمواطنات يعملون في الحكومة، وأن النسبة المتبقية البالغة 15 بالمئة وتعادل 62531 مواطنا يعملون في قطاعات أخرى، وفق الهيئة العامة للمعلومات المدنية.
ولكن يبقى السؤال المهم: هل سيظل عجز الموازنة الذي أصبح مزمنا في موازنة الكويت لصيقا لها خلال الأعوام القادمة ومتى سينتهي؟ خاصة في ظل تطورات فيروس كورونا التي ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
وفي 25 يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت الحكومة الكويتية أن الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2021 - 2022 ستتضمن مصروفات قدرها 23 مليار دينار (76.1 مليار دولار).
هذا بالإضافة إلى إيرادات 10.9 مليار دينار (36.22 مليار دولار)، بينما بلغ العجز المتوقع 12.1 مليار دينار (40.57 مليار دولار).
ووضعت الحكومة مقترح الموازنة على أساس 45 دولارا كمتوسط لسعر برميل النفط، ومعدل إنتاج 2.4 مليون برميل يوميا.
وذكر تقرير لوحدة "إيكونوميست إنتلجنس" التابعة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، أن العجز سيتقلص بشكل أكبر.
وبينت أنه سيستقر خلال الفترة بين أعوام 2022 - 2025، مع تخفيف تخفيضات إنتاج النفط التي أقرتها "أوبك"، وترشيد السلطات الإنفاق بالقيمة الحقيقية، وإدخال ضريبة القيمة المضافة (VAT) في 2022-2023.
وأرجع التقرير أسباب تفاقم العجز المزمن إلى التوترات الدائمة مع مجلس الأمة، والتي أدت إلى عدم تنفيذ خطط الإنفاق الرأسمالي بشكل كامل.
بدوره، قال رمضان: إن التخلص من عجز الموازنة يتوقف على كيفية التعامل مع الإصلاحات الجذرية الاقتصادية المطلوبة، بالإضافة إلى طبيعة الخطط الإستراتيجية التي ستعمل عليها الدولة.
المصادر
- موازنة الكويت تسجل عجزا قياسيا 10.8 مليار دينار بارتفاع 175% في 2020-21
- المركزي الكويتي يدعو لإصلاحات لضمان الاستقرار
- انكماش الناتج المحلي بالكويت 9.9%.. وتراجع أعداد السكان
- الكويت.. بيانات تحصي نسبة المواطنين ضمن القوى العاملة في البلاد
- مجلس الأمة الكويتي يوافق على موازنة 2021-2022
- "إيكونوميست": عجز موازنة الكويت سيتقلص بين 2022 – 2025