منصور يافاش.. عمدة أنقرة صاحب التصريحات العنصرية المتطلع لحكم تركيا

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تمتلك العاصمة التركية أنقرة القابعة بين الجبال، نفس السحر والأهمية التي لعبتها إسطنبول على الدوام، باعتبارها النقطة الأهم إستراتيجيا والأكثر كثافة سكانية، التي تحمل الإرث التاريخي للأتراك على مر العصور.

لكن أنقرة في الوقت ذاته ظلت منذ حرب الاستقلال عاصمة الجمهورية الجديدة، وقلعتها الحصينة، ومركزها الإداري والبيروقراطي، ومحل "آنيت كبير"، ضريح مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. فهي وإن لم تضم عناصر إسطنبول الجذابة، فإنها تمتلك مركزية الدولة القوية.

وعندما يقول الأتراك في أدبياتهم: إن "أجمل ما في أنقرة هي الطرق المؤدية إلى إسطنبول"، فلا يمكن إغفال أن كل الطرق تؤدي أيضا إلى العاصمة، مركز الحكم ومقر القصر الرئاسي.

وهنا، يبدو أن أنقرة عن طريق عمدتها "منصور يافاش" المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، ستلعب دورا آخر قويا في الانتخابات العامة التركية، المزمع عقدها عام 2023.

يافاش الذي حقق صدمة بإزاحة حزب العدالة والتنمية عن رئاسة بلدية أنقرة (حكمها قرابة عقدين من الزمن)، يتم تجهيزه بضراوة ليخوض الانتخابات الرئاسية الحاسمة، أمام الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، أقوى رجل في البلاد، والذي قاد نهضتها بداية من العام 2002، وصاحب الشعبية الجارفة.

لكن المعارضة متمثلة في ائتلاف "الأمة" الذي يضم (الشعب الجمهوري/الحزب الجيد)، تحشد قوتها الضاربة، وبدأت تتوافق على منصور يافاش، ليكون ممثلها الأوحد في مواجهة أردوغان. 

مرشح محتمل

الوصول إلى المجمع الرئاسي العملاق، القابع وسط غابات منطقة "بشتابيه" في العاصمة التركية أنقرة، هو حلم المعارضة الأكبر، لا سيما حزب الشعب الجمهوري، الذي يعتبر نفسه حامل أفكار أتاتورك حامي العلمانية في البلاد. 

لذلك بدأ الاستعداد مبكرا لخوض الانتخابات القادمة في 2023، وسط توقعات باستقطابات حادة ومعركة شرسة دأبت عليها صيرورة استحقاقات الاقتراع في تركيا.

خاصة وأن المعارضة التي حققت إنجازها الأكبر في انتخابات البلديات عام 2019، بإسقاط الحزب الحاكم في الولايتين الأهم أنقرة وإسطنبول، ترى في نفسها القدرة على الفوز بالرئاسة، مع استفحال أزمات ما بعد كورونا، والأوضاع الاقتصادية، وكذلك استغلال ورقة اللاجئين، كمحاور ضغط على أردوغان.  

وفي 25 أغسطس/ آب 2021، أدلى عمدة بلدية أنقرة بتصريحات غير مسبوقة، تحدث فيها لأول مرة بشكل صريح عن موضوع ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.

وأجاب يافاش خلال مؤتمر صحفي على أسئلة الصحفيين حول مسألة ترشحه للرئاسة، قائلا: "قدمني (زعيم حزب الشعب الجمهوري) كمال كليتشدار أوغلو، على الرغم من وجود الكثير من الأسماء المعارضة.. لا يمكنني فعل شيء ضد إرادته". 

وهو ما يدلل على أن الائتلاف المعارض تجاوز مرحلة الاختيارات والاستثناءات، وأن عمدة إسطنبول "أكرم إمام أوغلو"، وزعيمة الحزب الجيد "ميرال أكشينار"، و"كليتشدار أوغلو" نفسه لن يقدموا أنفسهم، وأنهم توافقوا بشكل كبير على اسم "يافاش" كمرشح للرئاسة. 

وولد عمدة أنقرة في 23 مايو/ أيار 1955 (66 عاما)، في مقاطعة "باي‌ بازارى" بالعاصمة أنقرة، لأسرة فقيرة، حيث كان والده "أحمد صادق يافاش" يعمل نجارا، بالإضافة إلى عمله الآخر كبائع صحف، وقد عمل منصور معه خلال فترة الطفولة كموزع للصحف والمجلات.

وكسائر عائلات الأناضول، التي أرادت الارتقاء بحياتها، حرصت أسرته ووالدته "هافا يافاش" على إلحاقه بمراحل التعليم.

أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في "باي‌ بازارى"، قبل أن يسافر إلى مدينة الأحلام عام 1979، ليلتحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، ويحصل منها على شهادة القانون عام 1983.

بعدها التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية كمدع عام عسكري، ثم عاد يافاش إلى "باي‌ بازارى" ليبدأ حياته العملية كمحام خاص.

دخل يافاش إلى السياسية من باب القومية، وانتمى إلى حزب الحركة القومية (MHP)، وترشح عن ذلك الحزب في مقاطعته بأنقرة "باي بازارى" عام 1989.

شغل منصب عضو مجلس البلدية، ثم ترشح على منصب العمدة عام 1994، لكنه فشل في الفوز، قبل أن يحقق هدفه عام 1999، ويصبح عمدة المنطقة عن حزب الحركة القومية.

وللمفارقة فإن الحزب الأخير هو الحليف الوثيق لأردوغان اليوم، بينما يعتبر خصما عتيدا لـ "يافاش".

حصان الرهان

السياسيون الأتراك أسبغت عليهم طبيعة السياسة الشرسة في بلادهم، صبغتها الدائمة، حيث تتبدل الأوصاف والألقاب بينما تذوب الخصومات والعداءات في بحر المنافسة الطاحنة. 

منصور يافاش ابن حزب الحركة القومية، والذي صعد من خلاله إلى سلم المناصب الرفيعة في الدولة، قدم استقالته، وبدل طريقه، عام 2013، لينضم إلى حزب الشعب الجمهوري في نفس العام.

ومن ثم قدمه الحزب المعارض كمرشح في انتخابات المحليات التي جرت في مايو/أيار 2014، كعمدة للعاصمة أنقرة.

وخاض يافاش معركة انتخابية شرسة قبل أن يخسرها أخيرا، لكنه أثار اضطرابات على أثر عدم قبوله المبدئي بالنتيجة، واتهم حزب العدالة والتنمية بالتلاعب في النتائج، كما دعا أنصاره إلى التجمع أمام المجلس الأعلى للانتخابات مع التزام الهدوء.

تصاعدت الأزمة ولجأ منصور يافاش إلى المحكمة الأوروبية، لكنه في النهاية قبل بالأمر الواقع، وأن حزب العدالة والتنمية هو المنتصر والحاكم للعاصمة. 

كان نذيرا للعدالة والتنمية، صعود يافاش، وخسارته بفارق 1 بالمئة فقط عن منافسه من الحزب الحاكم، وتبين أن مرحلة ما بعد الهزيمة هي هدنة، وإعادة تموضع من أحزاب المعارضة، استعدادا للحظة الانقضاض المنتظرة.

وجاءت تلك اللحظة في انتخابات البلديات في مارس/آذار 2019، عندما تقدم "منصور يافاش" لمنصب عمدة أنقرة، مرة أخرى، عن "تحالف الأمة" الذي ضم الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، اللذين انشقا في الأساس عن القوميين المتحالفين مع أردوغان.

كانت المعركة الانتخابية هذه المرة صعبة وصادمة، ضد مرشح "ائتلاف الشعب" الحاكم، "محمد أوز هاسكي"، الذي لم يتوان في فتح ملفات فساد تتعلق بإدارة يافاش، أثناء وجوده في مجلس بلدية "باي بازارى".

 ومع ذلك انتصر يافاش أخيرا، بنسبة 50.9 مقابل 47.1 بالمئة لمنافسه، وأصبح أول عمدة لأنقرة من حزب الشعب الجمهوري بعد 25 عاما من الفشل.

كانت لحظة عصيبة على أنصار العدالة والتنمية، ومفصلية للمعارضة، فالعاصمة ومقر المجمع الرئاسي، والرئيس أردوغان نفسه، تحت مظلة عمدة من المعارضة، مع عدم إغفال أن معظم البلديات الصغرى ظلت في قبضة الحزب الحاكم.

لذلك لم يكن حكم يافاش ولا المعارضة حكما منفردا مطلقا، بل انتصارا جزئيا، حمل رمزية محددة، لها ما بعدها.

بدأ يافاش مدته في أنقرة بخطوة دلالية، عندما أعطى أوامره بتنظيف تمثال مصطفى كمال أتاتورك في منطقة أولوس، بزعم أنه تعرض للإهمال لعدة سنوات أثناء حكم من سبقوه.

نجح في استقطاب كل وسائل إعلام المعارضة، بل وركزت عليه وسائل الإعلام الأجنبية، ورصدوا ما أطلقوا عليه نجاح "يافاش" في قيادة الدفة، خاصة خلال جائحة كورونا، وإعلانه "الخطة 100" لتقليل الخسائر.

وبالفعل حاز على قبول شعبي في أكثر من استطلاع للرأي، مثل مؤسسة "متروبول" التركية للأبحاث، التي أكدت في 23 مايو/أيار 2021، تفوق عمدة أنقرة، عن نظرائه من السياسيين.

 فضلا عن أن ما اتخذه منصور يافاش من خطوات جادة وسريعة في أنقرة لفت إليه الأنظار، وتجاوز عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي أصبح يلام وينصح بأن يحذو حذو الأول الذي بادر بمعالجة القضايا بشكل فعال بدلا عن التذمر.

ومن هنا أصبح يافاش، حصان الرهان الجامح بالنسبة للمعارضة التركية.

جدليات يافاش

تبختر المعارضة بإنجازات "يافاش" في أنقرة لا يحجب حجم المشكلات التي تعانيها العاصمة، لا سيما وأن عمدة المدينة، يسير وفق أجندة حزب الشعب الجمهوري، التي تميل إلى زيادة الضرائب، وإثقال كاهل المواطنين بالفواتير المرتفعة للغاية.

ففي 13 يونيو/ حزيران 2021، أعلنت بلدية أنقرة عن رفع تسعيرة فاتورة المياه في المدينة، وأن مجلس البلدية وافق على مقترح "منصور يافاش" القاضي بزيادة التسعيرة بشكل تدريجي بنسبة 80 بالمائة.

فيما عارض أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، القرار بشدة والذي جرى تمريره بسبب تصويت أغلبية أعضاء المجلس، لكنه أحدث حالة غضب لدى المواطنين.

ظهر أن يافاش عازم على تحدي السلطات في بلاده، ومقارعة المنظومة الحاكمة، وبلغ الصدام بينهما أوجه في 5 أغسطس/ آب 2021، عندما وافق وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، على بدء التحقيقات مع منصور يافاش، بتهمة إساءة استخدام السلطة.

وبناء عليه فتح مكتب المدعي العام في أنقرة، التحقيقات فيما يتعلق بقرار يافاش إغلاق برجي توجو وإلغاء تراخيصهما.

وتقدم بطلب إلى وزارة الداخلية التركية يتهم فيه يافاش بإساءة استخدام السلطة.

ظاهرة ازدياد العنصرية ضد اللاجئين السوريين والأجانب في تركيا، التي حاكتها المعارضة كوسيلة ضغط مضمونة النتائج ضد الحزب الحاكم، شارك فيها يافاش أيضا.

فقبل أيام من حادثة حي "آلتين داغ" في أنقرة، سئل عمدة العاصمة عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، فأجاب حينها قائلا: "سنفكر في موضوع الانتخابات في وقته، أما الآن فعلينا حل مشكلة اللاجئين".

بعدها اندلعت الواقعة الدامية ضد السوريين في أنقرة، ليلة 11 أغسطس/ آب 2021، ولم تأت إلا نتاج حملة تحريض عنيفة، نظمتها أحزاب المعارضة التركية، وفي القلب منهم "منصور يافاش".

وفي 19 أغسطس/ آب 2021، اتهم الكاتب الصحفي التركي "فؤاد أوغور"، رئيس بلدية أنقرة، بوقوفه إلى جانب المهاجمين العنصريين في "آلتين داغ"، وإرسال الشاي لهم عبر سيارة تابعة للبلدية، في الوقت الذي يعملون فيه على تحطيم منازل وسيارات اللاجئين السوريين.

ودون أوغور، ساخرا: "كان (يافاش) يقدم الشاي، ويسمح بتجمع من وصفهم بالأبطال الذين كانوا متعبين وهم يرجمون المنازل بالحجارة، أو يضربون ويقتلون السوريين الذين قبضوا عليهم في الشوارع".

ووصل الأمر بـ"يافاش" عقب الحادثة المؤسفة، أن طالب حكومة بلاده بوضع خطة عمل طارئة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، محذرا من خروج المشاكل في المدينة عن السيطرة.

لكنه في الأساس كان يداعب وتر الغضب في نفسية بعض طوائف الشعب التركي ضد اللاجئين، محاولة أن يستغل تلك الحساسية لصالحه، وكعامل محفز للتصويت له وللمعارضة في صناديق الاقتراع المصيرية.