رغبة شعبية.. هل يتقاسم الأسد السيطرة على درعا مع "جيش روسيا الخاص"؟
أمام حالة الاستعصاء في التوصل لحل لإنقاذ نحو 50 ألف سوري من حصار النظام السوري المطبق على أحياء "درعا البلد" ذات الأهمية الإستراتيجية والملاصقة للحدود الأردنية؛ بدأت الطروحات تحوم حول حل مؤقت يرضي الأهالي وربما لا يقبله النظام.
تلك الأحياء في "درعا البلد" يحاصرها النظام السوري منذ 24 يونيو/ حزيران 2021، ويمنع عنها المواد الغذائية والطبية، وسط انعدام المبادرات الإنسانية أيضا لإنقاذ الأهالي.
تقع درعا مهد الثورة السورية على الحدود الشمالية للأردن التي دفعها تصعيد النظام السوري عليها، واقتراب مليشيات إيران من الحدود، إلى إغلاق كامل حدودها مع سوريا في 31 يوليو/ تموز 2021، وبحث ملف درعا مع روسيا بشكل خاص.
ونتيجة لمباحثات بين لجنة من الأهالي مع النظام وقوات روسية، ينادي الطرح الجديد بمشاركة "اللواء الثامن" المدعوم من موسكو، قوات النظام السوري في السيطرة على البلدة، وهو ما يلقى قبول سكان درعا، ويضمن لهم بعض الأمان.
ذلك اللواء، يقوده القيادي السابق في المعارضة السورية أحمد العودة، وأسسه من مقاتلين وفصائل معارضة وقعت على اتفاق التسوية مع روسيا في محافظة درعا يوليو/ تموز 2018.
قبل أن يلتحق "اللواء الثامن" الذي تصاعد الحديث عن دوره مؤخرا، بـ"الفيلق الخامس" المشكل بأوامر روسية أواخر عام 2016 أي بعد عام تقريبا من تدخلها في سوريا، تحول إلى ما يشبه"جيشا خاصا" لروسيا في سوريا.
وبات اتفاق التسوية المذكور على مفترق طرق، عقب سياسة الضغط العسكري من قبل النظام السوري بدعم من مليشيات إيران على حوالي ٥٠ ألف مدني داخل أحياء "درعا البلد".
وفي وقت يستعد النظام السوري لاقتحام أحياء "درعا البلد"، تجري مفاوضات بوساطة روسية بين لجنة ممثلة عن أهالي درعا، وبين لجنة أمنية تتبع للنظام.
لكن إلى الآن ما يزال الطريق مسدودا أمام التوصل لتفاهم، وخاصة عقب رفض لجنة أهالي درعا منتصف أغسطس/ آب 2021، "خارطة الطريق" الروسية الأولى للحل بعدما وصفت بنودها بـ"المذلة".
إذ تشترط نسخة البنود التي تسلمتها اللجنة من الوفد الروسي، على المحاصرين تسليم السلاح الخفيف والمتوسط، وعودة المنشقين عن قوات الأسد إلى ثكناتهم العسكرية.
وكذلك تضمنت البنود، دخول قوات النظام السوري والمليشيات إلى الأحياء المحاصرة، والتحاق المتخلفين بالخدمة الإلزامية، والسماح بالبحث عن المطلوبين الذين لم يسووا أوضاعهم.
فضلا عن تهجير رافضي التسوية إلى الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام.
خيار مناسب
وبما أن كافة الاحتمالات مفتوحة، فإن أهالي درعا المحاصرين باتوا يفضلون إدارة الأحياء من قبل "اللواء الثامن" إلى جانب النظام السوري، كشرط لقبول أي طرح للحل.
وهذا ما يؤكده الناشط الميداني إبراهيم المحمد بقوله: إن "أهالي أحياء درعا البلد المحاصرة يتعاملون مع اللواء الثامن على أنه أمر واقع، لكونه قوة فعلية على الأرض ويمتلك مقاتلين من أبناء درعا".
ويضيف لـ"الاستقلال": "وبالتالي يعد اللواء الثامن هو الخيار المفضل لأهالي درعا عن أي طرح آخر".
المحمد، يلمح إلى أن "موقف قائد اللواء أحمد العودة والذي تجمعه علاقة قوية مع العقيد ألكسندر زورين المشرف على الملف السوري لصالح الدفاع الروسية، كان واضحا".
ويجزم بأن العودة، "غير راض عن اقتحام درعا البلد بحجة أن الفرقة الرابعة المدعومة من إيران هي من ستدخل تلك الأحياء، وهذا أمر مرفوض من العودة لحسابات عسكرية كثيرة تتعلق بموازين القوى".
ويبين الناشط الميداني أن "مطلب درعا البلد دخول اللواء الثامن للأحياء المحاصرة مع قوات النظام، لأنه ربما يضمن للأهالي عدم سرقة الممتلكات أو الأعمال الانتقامية بحق عناصر التسويات والمتخلفين والناشطين والمعارضين للنظام".
ويشير المحمد إلى نقطة هامة وهي "أن روسيا رفضت انضمام عناصر تسويات الأحياء المحاصرة إلى اللواء الثامن، ولذلك قدمت ورقة أوامر وليس خارطة للحل لإنهاء ملف درعا وخاصة أن أبرز الشروط تسليم هؤلاء السلاح الذي رفضه الأهالي".
ويذهب إلى أن مسألة "قبول النظام السوري بدخول أحياء درعا البلد مع اللواء الثامن هو معادلة روسية هي فقط من تفرضها، لكون النظام وإيران غير راضيين عنها".
ويعتقد أنها "ستصبح أمرا واقعا للوصول إلى صيغة للتفاهم تثبت في النهاية مناطق نفوذ بترتيبات عسكرية جديدة".
ويتلقى عناصر "اللواء الثامن" رواتب شهرية عالية تصل 200 دولارا شهريا، فيما يحصل الضابط في قوات النظام السوري على 100 ألف ليرة سورية أي نحو (33 دولارا).
حسابات روسية
لهذا يعتبر مراقبون ومنهم الصحفي السوري ياسر الرحيل، أن "اللواء الثامن تشكل بهدف محاربة التنظيمات المسلحة في الجنوب ومنع التمدد الإيراني، وهذا ما جرى على أساسه تطويع المقاتلين"، وفق قوله لـ"الاستقلال".
وتشير المعطيات إلى أن طبيعة الهيكل التنظيمي لتشكيل "اللواء الثامن"، هو ما يزيد من إصرار الروس أكثر على دخوله أحياء درعا البلد.
ولعل الصحفي ياسر الرحيل وضع يده على هذه الجزئية، التي تتداخل فيها الحسابات الدولية والروسية ويؤكد أن "اللواء الثامن نتاج اتفاقية تسوية حصلت بتوافق دولي عام 2018، بين الفصائل المعارضة وروسيا والنظام".
ويجزم بأنه "وبالتالي فإن قرار إنهاء وجود هذا اللواء سيكون شبه دولي".
وزير الدفاع في النظام السوري العماد علي أيوب، ذهب مطلع أغسطس/ آب 2021، إلى منطقة "درعا المحطة" المحاذية لـ"درعا البلد" المحاصرة، وعقد اجتماعا مع اللجنة الأمنية التي تفاوض أهالي "درعا البلد".
حينها أصر أيوب على قبول الأهالي بتسليم السلاح، ودخول النظام إلى كامل درعا، ومغادرة كل من يرفض التسوية الجديدة.
لكن تلك المطالب قوبلت برفض قائد "اللواء الثامن" أحمد العودة، تسليم سلاح مقاتلي درعا في الأحياء المحاصرة.
وشدد العودة وفق ما نقل موقع "تلفزيون سوريا" المعارض عن قيادي في اللواء، على أن "الحواجز ستبقى تحت سيطرة اللواء الثامن بناء على رغبة الأهالي".
وهذا ما يدلل على أنه رغم حشود النظام العسكرية الضخمة حول الأحياء المحاصرة بدرعا، إلا أنها لم تبدأ الاقتحام، واكتفت بالقصف المتقطع، والمضايقات واستفزاز الأهالي، وعرقلة دخول المواد الغذائية.
ولعل هذه الجزئية ترمز إلى أن النظام السوري ينتظر "الحل الذي ترسمه روسيا عن مصير أحياء درعا، لا سيما في ظل تعثر المفاوضات بين النظام وممثلي الأهالي.
كما أن النظام السوري لا يمكنه الدخول في صدام عسكري الآن مع "اللواء الثامن" ذراع روسيا الأول بجنوب سوريا، وخاصة أن الوقائع الميدانية أثبتت أنه دون غطاء جوي روسي، لا يمكن لقوات النظام اقتحام أحياء "درعا البلد".
وهنا يبدو واضحا أن الرأي العسكري الروسي، يسعى لإبقاء الجنوب السوري خاضعا لترتيبات محددة مع المقاتلين السابقين في المعارضة السورية.
وكذلك لرغبة روسية بعدم نسف صفقة التسوية في الجنوب السوري المبرمة منتصف 2018 بشكل كامل، وعلى الأقل في البند المتعلق بإبعاد المليشيات الإيرانية عن حدود الأردن، وخط الفصل في الجولان المحتل.
ورغم أن "اللواء الثامن" ما يزال متمتعا بالهيكلية العسكرية له، والحفاظ على السلاح الثقيل وبعدد مقالتين يبلغ نحو 1800 مقاتل، إلا أن حضوره ينحصر بمدينة بصرى الشام بدرعا، مقر "اللواء" والقوات الروسية في الجنوب.
لهذا فإن فشل المفاوضات وإصرار النظام على الحسم العسكري، وتأكيد لجنة أهالي درعا بالمفاوضات عدم القبول بدخول مليشيا "الفرقة الرابعة" وحدها للأحياء، عزز حظوظ "اللواء الثامن" كلاعب أساسي في تطبيق أي اتفاق ينهي الحصار.
تقاسم درعا
في هذا السياق فإن قبول النظام السوري بتقاسم حفظ أمن درعا مع "اللواء الثامن" كخيار مطروح وبقوة، يشير وفق القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، "لتقاسم قرار نظام الأسد بين روسيا وإيران".
حسون، يضيف لـ"الاستقلال": "وخاصة أن غالبية تشكيلات النظام العسكرية وأجهزته الأمنية التي ليست تحت السيطرة الروسية تكون تحت السيطرة الإيرانية".
ويؤكد أن من "حرض على قصف درعا ونفذ هجمات محدودة عليها وحاصرها هو التشكيلات المدعومة من إيران والتي جعلت الفرقة الرابعة رأس حربة، خاصة وأن من يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام وذراع إيران الأولى".
ويلمح العميد إلى أن "موسكو لم تستطع إظهار أنها المتحكم الوحيد بنظام الأسد، لكنها استطاعت أن تقنع طهران بإعطائها حيز مشاركة حفظا لماء وجهها".
ويتوقع، أن "هذا سينعكس سلبا عليها في المستقبل، وبالتالي ما عادت صاحبة القرار لوحدها في جنوب سوريا".
ويبين القيادي في المعارضة السورية أن "الأردن يدرك فاعلية الدور الروسي في جنوب سوريا، ولذا فإن عمان لا يعتبر وجود نفوذ قوي لإيران قرب حدوده شيئا يمكن تجاهله".