تضارب البيانات الرسمية.. هكذ كشف الأعداد الحقيقية لوفيات كورونا في مصر
رغم التعتيم الحكومي الذي فرضه النظام المصري على ضحايا جائحة كورونا من مدنيين وكوادر طبية، شكلت التقارير الصادرة عن أعداد الوفيات المرتفعة "صدمة" وكشفت حقيقة المأساة.
ومنذ بداية تفاقم كورونا في مارس/آذار 2020، عجزت المنظومة الصحية في مصر عن المواجهة، الأمر الذي هدد حياة الملايين وعرضهم للخطر.
الحكومة عجزت عن وضع خطة واضحة لتعبئة المستشفيات وتجهيزها وحماية الطواقم الطبية، وتوعية المواطنين بقواعد التباعد الاجتماعي، ومع الوقت، أصبح الوضع في غاية الخطورة، وبدأت الإصابات في الانتشار على نحو غير مسبوق، وحصد الفيروس أرواح آلاف المواطنين.
وأصبح السؤال المستفز، لماذا لم يتم الإعلان عن الأرقام الحقيقية لوفيات كورونا؟ وما هي الأرقام الدقيقة لمن سقطوا نتيجة الجائحة بعيدا عن تقارير الحكومة ووزارة الصحة المشكوك في صحتها؟
وفيات بالجملة
في 5 يوليو/تموز 2021، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري "حكومي"، ارتفاع أعداد الوفيات في النصف الأول من عام 2021 مقارنة بنفس الفترة من عام 2020 إلى 49 ألفا و818 وفاة، بنسبة زيادة 14.9 بالمئة.
وأشار البيان إلى تسجيل 383 ألفا و651 وفاة في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران من العام 2021، وذلك مقارنة بتسجيل 333 ألفا و833 وفاة في الفترة نفسها من عام 2020.
وأوضح البيان ارتفاع الوفيات في 2020 بـ95 ألفا و620 حالة مقارنة بعام 2019، بنسبة زيادة 16.8 بالمئة، حيث تم تسجيل 666 ألفا و200 وفاة عام 2020 مقارنة بـ570 ألفا و580 وفاة عام 2019.
ويذكر أن عضو اللجنة القومية لمكافحة "فيروس كورونا" في مصر، محمد النادي، وهو متخصص في الأمراض الصدرية، أدلى بتصريح صادم في 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما قال: "الرقم الحقيقي لإصابات كورونا في مصر 10 أضعاف المعلن، وسنكون مجاملين أيضا؛ لأن هذا أقل تقدير".
وفيات الأطباء المرتفعة في مصر، منذ بداية انتشار الفيروس، أعطت أيضا دلالات على عمق الأزمة، ففي 30 أبريل/نيسان 2021، أطلقت حملة "باطل" المعارضة، نداء استغاثة لإنقاذ أطباء مصر من التعرض للموت بنسب وصفتها بـ"المرعبة" نتيجة فيروس كورونا.
ولفتت الحملة إلى أن مصر تحتل الرقم الأعلى عالميا للوفيات من القطاع الطبي مقابل إجمالي عدد الوفيات المتأثرة بكورونا، وذلك طبقا للأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة.
وفي 29 أبريل/نيسان 2021، أعلنت نقابة الأطباء المصرية، وفاة 4 من أعضائها جراء الإصابة بفيروس كورونا، ما يرفع الإجمالي إلى 496.
فيما تحفظت النقابة على ذكر عدد المصابين من الأطباء، أو إجمالي الوفيات والإصابات بين الطواقم الصحية في عموم البلاد.
جنائز كاشفة
وفي 3 مايو/أيار 2021، قال الباحث الرئيس بمعهد "كارينغي" لدراسات الشرق الأوسط، البروفيسور يزيد صايغ، إن "وفيات الأطباء بكورونا في مصر كبير للغاية".
وقارن صايغ في تغريدة له عبر "تويتر" بين عدد وفيات الأطباء في مصر والولايات المتحدة الأميركية، حيث ذكر أن "مصر فقدت 500 طبيب بسبب كورونا من بين 13 ألفا و469 وفاة معلنة رسميا بنسبة (3.71 بالمئة)، بينما فقدت الولايات المتحدة نحو 3600 عامل بالصحة (ليس أطباء فقط) من أصل 577 ألف وفاة بنسبة (0.62 بالمئة).
وأضاف صايغ: "نسبة الوفيات بين أطباء مصر أعلى بـ 6 أضعاف على الأقل، وإذا أضفنا جميع العاملين الطبيين ستصبح النسبة أعلى بكثير".
وذكر متسائلا: "حتى لو أخذنا بالفروقات في طرق الاحتساب أم حجم القطاع الصحي، تشير المقارنة إلى أن عدد الوفيات الفعلي في مصر أعلى بكثير من المعلن، أم أن مستوى الوقاية والأمان في مراكزها الطبية سيء للغاية؟".
فقدت ����#مصر 499 طبيباً بسبب الكورونا حتى نهاية نيسان/أبريل من بين 13469 وفاة معلنة رسمياً (3,71٪). فقدت ����#الولاياتالمتحدة أكثر من 3600 عاملاً صحياً (ليس أطباء فقط) من أصل 577000 وفاة (0,62٪). نسبة الوفيات بين أطباء مصر أعلى بستة أضعاف على الأقل
— Yezid Sayigh يزيد صايغ (@SayighYezid) May 3, 2021
وبحسب موقع "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، في 3 مايو/أيار 2021، يبلغ عدد الأطباء في مصر 188 ألفا، غير أن المتاح من اللقاحات 800 ألف جرعة فقط، حسب بيانات رسمية.
يذكر أنه في 26 ديسمبر/كانون الأول 2020، غرد الخبير المصري، مراد علي، المتخصص في الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات، عبر حسابه بموقع "تويتر" قائلا: "كارثة في مصر..".
ونقل علي عن موقع قناة "بي بي سي" البريطاني قوله: "إنه بناء على الإحصاءات الرسمية، فإن معدل الوفيات في مصر زاد 60 ألف حالة وفاة خلال 3 شهور (مايو/أيار، يونيو/حزيران، يوليو/تموز)، مقارنة بمتوسط الوفيات في ذات الشهور خلال 5 سنوات. يا ترى شكل الوفيات هيبقي إزاي بعد المهرجانات؟ لا بد من إجراءات مشددة للتباعد الاجتماعي".
وفي 6 مايو/أيار 2021، نشر معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في كلية الطب بجامعة واشنطن، دراسة أكد خلالها أن "عدد وفيات كورونا بمصر يقترب من 13 ضعفا للرقم المعلن، حيث قدر عددها بأكثر من 170 ألف وفاة حتى موعد صدور الدراسة"، وذلك رغم أن الرقم المعلن عنه من قبل الحكومة مختلف تماما عن الإحصائيات والدراسات المعنية بانتشار كورونا في مصر.
وحسب وزارة الصحة في مطلع يونيو/حزيران 2021، فقد بلغت وفيات كورونا 16 ألفا و306 حالات، من بين 282 ألفا و421 إصابة تم تسجيلها منذ بدء الجائحة في مارس/آذار 2020.
لكن دراسات ميدانية وخبراء شككوا في صحة أرقام الصحة المصرية، وأن عدد الإصابات الحقيقي أعلى بكثير لقلة المسحات الطبية (PCR)، واستبعاد نتائج الفحوص الخاصة، وهي الإستراتيجية التي اتبعتها وزيرة الصحة هالة زايد منذ بداية الجائحة، وتسببت في "نتائج كارثية".
بيانات مضللة
الطبيب المصري المقيم بالخارج، إبراهيم كمال الدين، قال لـ"الاستقلال": إن "بيانات وزارة الصحة بشأن أسباب الوفيات الناجمة عن جائحة كورونا، مضللة قولا واحدا، لعدة شواهد أساسية، أهمها أن النسبة الضئيلة لا تتوافق مع حجم الإصابات، ولا تتوافق مع النسب المرتفعة في بلدان أخرى، أنظمتها الصحية أقوى بكثير من مصر".
وأضاف: "النقطة الأخرى أن وزارة الصحة لم تعتمد مسحة PCR منذ البداية وحتى وقتنا هذا بشكل أساسي، لذلك اعتبرت معظم مرضى كورونا أصيبوا بالتهاب رئوي حاد، أو أنفلونزا شديدة، ثم أرجعوا أن السبب الرئيس للوفاة هبوط في الدورة الدموية وأزمة قلبية".
واستدرك كمال الدين قائلا: "كل من يعمل في المنظومة الصحية يعلم أن هذا ضربا من الخيال، ولا يمكن أن يسقط هذا العدد من الموتى نتيجة أزمة قلبية، أو موجة أنفلونزا عادية".
الطبيب المصري أرجع أن "ممارسة التضليل والكذب في إحصائيات وزارة الصحة، ناتجة عن ضعف المنظومة الصحية وعدم قدرتها على استيعاب المرضى وعلاجهم، وتوفير الرعاية اللازمة لهم، وهو ما حدث بالمناسبة في دول مثل الهند وإيران، بل وإيطاليا وإسبانيا، لكنهم اعتمدوا المكاشفة، ومحاولة الإنقاذ".
وختم كمال الدين حديثه بالقول: "لو اتبعنا سياسة مختلفة، أساسها التوعية وإصدار بيانات صحيحة، كنا سنتجاوز ضعف إمكانيات النظام الصحي من نقص المستلزمات الطبية والأسرة وغرف العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي، حيث إن الكثير من الأطباء والمرضى ماتوا بسبب عدم توفر تلك الإمكانيات، ولو كانت موجودة كنا قللنا من الخسائر البشرية".
المصادر
- التعبئة والإحصاء: زيادة الوفيات في النصف الأول من 2021
- «يزيد صايغ»: عدد وفيات الأطباء بكورونا في مصر كبير للغاية.. ما السبب؟
- حملة باطل: مصر الأعلى عالميا بنسب وفيات الأطباء بكورونا
- لماذا ارتفعت معدلات الوفيات في مصر؟
- COVID-19 has caused 6.9 million deaths globally, more than double what official reports show
- وفيات الأطباء بسبب كورونا تضاعف التهاب العلاقة بين السلطة ونقابة أطباء مصر