تراجع حاد للثقة برئاسته.. لهذه الأسباب تآكلت شعبية قيس سعيّد وزاد خصومه
خطابات متكررة لم يترجمها على أرض الواقع، وأداء سياسي ضعيف، كانت سببا في تآكل شعبيته، هكذا فسر خبراء سياسيون واجتماعيون لـ"الاستقلال" خسارة الرئيس التونسي قيس سعيد، لأول مرة منذ انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، صدارة ترتيب السياسيين الذين يحظون بثقة التونسيين.
المؤسسة التونسية المختصة في سبر الآراء "سيغما كونساي"، نشرت في 4 يوليو/ تموز 2021، نتائج “الباروميتر” السياسي، الذي كشف تراجعا كبيرا في مؤشر الثقة في الرئيس سعيد، بـ10 نقاط، وفقدانه المرتبة الأولى لفائدة القيادي في "حركة النهضة الإسلامي" ووزير الصحة السابق، عبداللطيف المكي.
نتائج الاستطلاع التي نشرتها صحيفة "المغرب" التونسية، أثارت الكثير من الجدل والتساؤلات، إذ إن سعيد تصدر مؤشر الثقة في الشخصيات السياسية دون منازع منذ انتخابه رئيسا عام 2019.
وأظهر سبر آراء في فبراير/ شباط 2020، حصول سعيد على 67 بالمئة من ثقة التونسيين، إلا أن منسوب الثقة بدأ في التآكل إلى حدود 40 بالمئة في ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وفي سبر الآراء الأخير، وصل سعيد لأسوأ مستوى له منذ انتخابه، إذ تحصل على نسبة 30 بالمئة فقط من ثقة التونسيين.
لكن عبداللطيف المكي، حصد المرتبة الأولى بنسبة ثقة 39 بالمئة من التونسيين، إذ اعتبر جزء هام من الشعب إدارة المكي، للموجة الأولى من كورونا عام 2020، وقت توليه وزارة الصحة، كانت إيجابية للغاية.
تراجع أخلاقي
الباحث والأكاديمي التونسي سامي براهم، يرى أن تراجع مؤشر الثقة في الرئيس، لا يعود فقط إلى "الأداء السياسي" بل هو "تراجع أخلاقي".
وقال براهم، لـ"الاستقلال": إن "خطاب سعيد، المتشنج، وتناقضه في كثير من المسائل بين ما كان يصرح به قبل انتخابه وما أصبح يصرح به الآن؛ أدى إلى تراجع الصورة الاعتبارية لرئيس الدولة لدى التونسيين".
وأكد أن "صورة سعيد من الناحية الأخلاقية اهتزت لدى التونسيين"، مشيرا إلى أن "الرئيس يعبر اليوم في خطابه على عكس ما كان يعبر عنه سابقا، خصوصا في علاقته بالدستور، وصلاحيات رئيسي الحكومة، والجمهورية".
براهم، أضاف أن "النخبة السياسية والمتابعين للمشهد يعيبون عليه (سعيد) عدم تقديره لأي مبادرة طرحت للخروج بالبلاد من الأزمة السياسية الراهنة".
ولفت إلى أنه "لم يترأس إلى الآن أي مجلس وزاري رغم أن له صلاحية ترؤس المجالس الوزارية وتقديم المقترحات ومحاورة الحكومة".
ومنذ 16 يناير/ كانون الثاني 2021، تمر تونس بأزمة سياسية إثر الخلافات بين سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير .
ورغم مصادقة البرلمان على التعديل، فإن سعيد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.
وشدد براهم، على أن "النظام السياسي في تونس قائم على سلطة تنفيذية برأسين، والرئيس له صلاحيات معتبرة ودوره ليس شكليا على عكس ما يتم الترويج له".
وأوضح أن "له دورا فعليا وبإمكانه أن يقدم الكثير وأن ينسق مع الرأس الثاني للسلطة التنفيذية أي الحكومة".
واستدرك: "لكنه (سعيد) لا يقدم شيئا سوى خطاب متشنج، يشير فيه دائما إلى أطراف لا يسميها، يتهمها بالنفاق والفساد والخيانة بنبرة متوترة، وهذا لم يعتده التونسيون من الرؤساء السابقين".
معركة الصلاحيات
واعتبر براهم أن سعيد، منشغل عن مشاكل البلاد الصحية، والاقتصادية، بمعركة الصلاحيات، ومناكفة رئيسي الحكومة هشام المشيشي والبرلمان راشد الغنوشي.
وجزم بأنه "لا يهمه الوضع الصحي الكارثي في البلد بسبب فيروس (كورونا)، ولم يقدم مبادرات جدية في إطار مجابهة هذا الوباء".
ويعتقد أنه "لو قبل قيس سعيد، أداء أعضاء الحكومة اليمين الدستورية، وأجل الخلافات المتعلقة بنظام الحكم؛ لكانت الحكومة تعمل الآن بكامل فريقها بإسناد منه".
وبحسب براهم، فإن "ما طغى على خطاب رئيس الدولة هو تغيير منظومة الحكم ومنظومة الاقتراع (الانتخاب) وتحديد الصلاحيات، وتأكيد قيادته للقوات العسكرية والأمنية، في حين غابت عنه المسألة الصحية بشكل يكاد يكون كاملا".
ويسعى سعيد إلى تعديل "الدستور التونسي" وتغيير نظام الحكم في تونس من نظام "برلماني معدل" يقوم على التوازن في توزيع الصلاحيات بين السلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية برأسيها (الحكومة ورئاسة الجمهورية) إلى "نظام رئاسي".
وتوقع براهم أن يشهد مؤشر الثقة في سعيد، "انحدارا متواصلا"، إذا ما واصل الأخير بنفس المنوال.
واستدرك بأن "الرئيس ربما يستفيد فقط من انحدار الطبقة السياسية في البلد وتراجع الثقة الشعبية فيها"، معتقدا أن (سعيد) يستفيد من الوضع السياسي الرديء الذي يعتبر أحد المساهمين فيه.
وأوضح أنه "لذلك ربما تتراجع شعبيته بشكل نسبي أو يستقر في نفس مؤشر الثقة نظرا لعدم وجود منافسين حقيقيين وأطراف سياسية تحظى بثقة الشعب".
قيادة فاشلة
ويتفق المحلل السياسي عبد الله العبيدي، مع ما ذهب إليه براهم، بأن تراجع مؤشر الثقة في سعيد يعود إلى أنه "لم يقدم إنجازا يذكر" بالصلاحيات المتاحة له.
كما أنه وبرغم خصومته مع الأطراف السياسية المفلسة إلا أنه لم يقدم بديلا عن هذه الطبقة، لذلك تقهقرت شعبيته، وفق العبيدي.
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "التونسيين سئموا حياتهم على هذه الأرض، بسبب هذه القيادة الفاشلة للبلد، سواء رئيس الدولة أو بقية الموجودين في صدارة الساحة السياسية".
ويتابع محدثنا بأن "من أسباب تراجع شعبية سعيد أنه لا يملك فريقا في مستوى رئاسة الجمهورية من شأنه أن يكسبه رصيدا سياسيا هاما".
الباحث في علم الاجتماع، التونسي ممدوح عز الدين، يرى أن التونسيين يعيشون حالة "إحباط"، و"عدم رضا"، من الطبقة السياسية كلها بما في ذلك سعيد، وأحزاب السلطة والمعارضة، إذ يعتبرونهم مسؤولين عن التقصير والوضع الكارثي بالبلاد.
عز الدين، قال لـ"الاستقلال"، إن "التونسيين يشعرون بتقصير المسؤولين والطبقة السياسية بمستوياتها بسبب الصراع السياسي والانفلات على مستوى تصرفاتهم".
وتابع: "في حين أن المواطن التونسي يطالب بحقه في الحياة وتوفير الحد الأدنى من المستلزمات الصحية، والعيش الكريم، في ظل التدهور الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية".
وأضاف: "التونسيون يطالبون رئيس الدولة بالقيام بدوره باعتبار أنه رئيس مجلس الأمن القومي، وعليه وضع مكافحة كوفيد19 (كورونا) على رأس أولوياته، ونفس الأمر بالنسبة لرئاسة الوزراء".
يذكر أن سعيد، حقق فوزا ساحقا على منافسه نبيل القروي، في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019، بنسب تصويت قياسية بلغت 72.71 بالمئة، مقابل 27.29 بالمئة، وفق النتائج الرسمية، ليكتسب شرعية شعبية لم يسبقه إليها أي رئيس تونسي.
وبلغ عدد المصوتين لسعيد، آنذاك، مليونين و777 ألفا من جملة 7 ملايين ونصف مليون ناخب مسجل، وهو رقم تجاوز بأشواط نسبة المصوتين للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عام 2014، الذي بلغ مليونا و700 ألف صوت.
كما تجاوزت أرقام المصوتين لسعيد عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي بلغت نحو مليون و750 ألف ناخب.