تعقيد الأزمة.. هذه تفاصيل انهيار مفاوضات الأسرى بين حماس وإسرائيل
بنفس الطريقة الغامضة التي أبلغت بها المخابرات المصرية وفود الفصائل الفلسطينية تأجيل جلسات "حوار القاهرة" في 9 يونيو/حزيران 2021، أخبرتهم أيضا عقبها بـ12 يوما بتجميد مفاوضات تبادل الأسرى.
ورجحت مصادر مصرية وفلسطينية بالقاهرة لـ"الاستقلال" أن يكون إبلاغ مصر لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والفصائل بوقف المفاوضات "جاء كنوع من الغضب المصري لإصرار حماس وإسرائيل على شروطهما للتبادل".
فيما أرجعت مصادر دبلوماسية مصرية، طلبت عدم ذكر أسمائها، فشل الصفقة إلى "إصرار إسرائيل على ربط إعادة إعمار قطاع غزة بإعادة الأسرى الإسرائيليين دون مبادلتهم بأسرى فلسطينيين".
وأوضحت أن "القاهرة قررت التجميد بعد يومين من المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل كنوع من الضغط على الطرفين، لعلمهما أن الأوضاع متوترة وقد تندلع حرب خامسة بدون اتفاق".
لن نقبل
مصدر قريب من جهة سياسية مصرية أبلغ "الاستقلال" أن أحد أسباب تأجيل المفاوضات أيضا هو "سفر مدير المخابرات المصري عباس كامل إلى واشنطن للقاء مسؤولين في الكونغرس وجهات أمنية".
فيما أكدت القناة 12 العبرية الخاصة في 21 يونيو/حزيران 2021 أن السبب وراء فشل مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، هو "إصرار الأخيرة ربط إعادة إعمار قطاع غزة بقضية الأسرى".
وأشارت القناة إلى أن "إسرائيل ترفض دخول المنحة القطرية قبل انتهاء وتسريع قضية الأسرى"، لكنها لم تنف رفض إسرائيل إطلاق أسرى فلسطينيين قائلة: "إسرائيل طلبت من حمــاس تقديم قائمة بمشاريع الإعمار وخفض عدد الأسرى الذين تريد إطلاقهم".
مفارقة إبلاغ مصر لحماس بوقف مفاوضات تبادل الأسرى جاءت في أعقاب قول رئيس النظام عبد الفتاح السيسي: إن "غزة لن يعاد بناؤها دون تنسيق وإشراف كامل من السلطة الفلسطينية".
ومطلع يونيو/ حزيران 2021، قال السيسي في تصريحات صحفية إن "مبادرة مصر لإعادة إعمار غزة تمت بالتنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس".
من جانبه، قال "عباس" في 21 يونيو/ حزيران 2021 إن "السلطة الفلسطينية هي الوحيدة التي يجب أن تستقبل الدعم والمساعدات فقط، وهي العنوان الشرعي لإعادة إعمار غزة، ونحن على تواصل مع قطر ومصر والأردن ودول أخرى لهذا الغرض".
في اليوم ذاته، أبلغ المبعوث الأممي للشرق الأوسط، تور وينيسلاند، زعيم حماس في غزة، يحيي السنوار، نفس شروط إسرائيل لبدء الإعمار، التي أبلغها الوفد الإسرائيلي بالقاهرة لحماس عبر مصر، لذا انتهى اجتماع غزة بالفشل.
مصادر فلسطينية قالت إن السنوار أنهى الاجتماع وهو غاضب وخرج ليعلن: "كان الاجتماع سيئا ولن نقبل استمرار الحصار على غزة".
وفد الأمم المتحدة للسنوار:
— غزة الآن - Gaza Now #عاجل �� (@GazaNownews) June 21, 2021
لن تفتح المعابر ولن يرفع الحصار ولن يحدث الاعمار إلا بعد اطلاق سراح الجنود الأسرى لديكم !!
السنوار:
الخبر ما تروا لا ما تسمعوا.
انتهى اللقاء.
من جانبه، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، بعدم السماح بإعمار غزة اقتصاديا ما لم تعد حركة "حماس" أسرى ومفقودين إسرائيليين لديها، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 21 يونيو/ حزيران 2021.
توقف مفاوضات تبادل الأسرى جاء في وقت تؤكد فيه تقارير إسرائيلية وأجنبية أن القاهرة تسعى للعب دور في غزة بطلب أميركي؛ بـ"غرض مراقبة المقاومة ومنعها من إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وإعادة السلطة الفلسطينية لحكم غزة".
أسرار الفشل
قصة تعقيد الأزمة، بدأت بوصول وفد أمني إسرائيلي رفيع إلى مصر في 20 يونيو/حزيران، التقى بكبار مسؤولي المخابرات المصرية، لبحث ملف تبادل الأسرى لكن الإسرائيليين لم يتحدثوا عن "تبادل" بل الإفراج عن جنودهم الأسرى فقط.
الوفد الإسرائيلي ضم مستشار الأمن القومي نمرود غاز، ومنسق شؤون الأسرى والمفقودين في مكتب رئيس الحكومة يارون بلوم، وظل يطرح عرضا واحدا هو "إطلاق الأسرى الإسرائيليين".
فيما المقابل هو فقط، سماح إسرائيل بفتح المعابر ونقل الأموال القطرية وتيسير إعادة الإعمار.
العرض الإسرائيلي الذي نقله مسؤول ملف فلسطين في المخابرات المصرية، أحمد عبد الخالق، إلى وفد "حماس" بالقاهرة، كما هو، "قوبل برفض تام".
وطلبت حماس من المسؤول المصري إبلاغ الوفد الإسرائيلي أنها حضرت للاتفاق على تبادل "أسرى مقابل أسرى" وأن قضية إعادة الإعمار "ليست محل تفاوض".
وقالت الحركة الفلسطينية، بوضوح، إن "التبادل والوضع الإنساني في غزة ملفان منفصلان، وأن المقايضة فيما بينهما غير واردة البتة".
الوفد الإسرائيلي الذي غادر القاهرة يتوقع أن يعود في غضون أسبوعين تقريبا لمعاودة التفاوض، وفق مصادر مصرية.
الدور المصري
صحيفة "واللا" العبرية في 20 يونيو/ حزيران 2021 قالت إن الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي "لمسا عدم حماسة أو جدية" من جانب مصر في المفاوضات.
فيما مصدر فلسطيني أكد ذلك بقوله إن "القاهرة لم تتدخل للضغط على إسرائيل كما كان يحدث في مفاوضات سابقة"، و"نقلت -كما فعل ممثل الأمم المتحدة وينسلاند في غزة- شروط إسرائيل لحماس".
عقب الفشل وتجميد المفاوضات، أرسلت "حماس" رسائل للمخابرات المصرية أنها "ستنتزع رفع الحصار بيدها وتعاود القصف"، بحسب المصادر.
مصادر حماس تحدثت عن تصعيد المواجهات الشعبية أولا، بـ"الإرباك الليلي" والبالونات الحارقة، لإعطاء مصر فرصة للتوصل إلى حل.
لكنها حذرت أنه حال رد إسرائيل بقصف غزة، سترد المقاومة بالتدريج بالصواريخ وتقصف المستوطنات ثم تل أبيب.
القيادي في حماس محمود الزهار، أكد أن "الذي يحكم قضية تبادل الأسرى لدينا هو كيفية إخراج أكبر عدد من الأسرى في سجون الاحتلال وأصحاب المحكوميات العالية والأعمار الكبيرة".
وقال في حوار مع صحيفة "فلسطين" 20 يونيو/حزيران 2021 إن "الأسرى لهم دور أساسي في تحديد الأسماء التي ستتضمنها الصفقة"، ملمحا لاحتمال تضمنها الأسير مروان البرغوثي.
حرب خامسة؟
رغم المخاوف المصرية التي حاولت القاهرة نقلها إلى الطرفين لحثهما على التوصل لاتفاق، حول احتمال اندلاع مواجهة خامسة، ترى "مصادر فلسطينية" أن غزة "لن تخسر شيئا" لأنها بالفعل تعاني آثار المعركة السابقة.
وتؤكد المصادر لـ"الاستقلال": "تخوف تل أبيب من أي مواجهة، بعدما جربت قدرات المقاومة على إيذائها في عملية (سيف القدس)، ولو دخلت في مواجهة جديدة ستكون استعراضية ولفترة قصيرة جدا خشية انهيار الحكومة الائتلافية".
واعتبرت أن "الحكومة الحالية هشة وستنهار لو تجددت الحرب؛ لأن أصوات نواب الكنيست العرب ضد العدوان على غزة سيسحبون الثقة من حكومة نفتالي بنيت".
المحلل الفلسطيني ناصر ناصر يرى أن "إسرائيل لن تغامر بحرب جديدة على غزة تمتد أكثر من 3 أو 5 أيام، لكن قد يحدث تصعيد محدود بأيامه ووسائله وأهدافه ومدى متوسط".
ورصد في تقرير نشره موقع "حضارات" في 21 يونيو/حزيران 2021، 4 عوامل تجعل حربا خامسة في غزة "أمرا مستبعدا"، وما يجري جزء من عملية التفاوض، أي مجرد تهديدات وضغوط للوصول لأفضل صفقة ممكنة.
العوامل الأربعة تتلخص في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الهشة، وعدم وجود إستراتيجية واضحة لهذه الحكومة تجاه غزة والقضية الفلسطينية، والرفض الأميركي، وقدرات المقاومة.
وأوضح ناصر ذلك بالقول إن: العامل الأول، تعتمد الحكومة الإسرائيلية الحالية على أصوات العرب الذين لا يؤيدون مطلقا، كما أن حلفاءها اليمينيين لديهم نوايا لإسقاط الحكومة في أول فرصة.
العامل الثاني: الضغط الأميركي لوقف العدوان نهاية رمضان والذي من المتوقع أن يكون أكثر حدة هذه المرة، لأن اندلاعها هذه المرة هو بسبب إنساني أخلاقي بحت وهو فك الحصار الأساسي عن غزة (إدخال المواد الأساسية).
العامل الثالث: عدم وجود إستراتيجية واضحة لدى الحكومة الحالية تجاه غزة والقضية الفلسطينية وحاجتها إلى المزيد من الهدوء لبلورة سياساتها.
العامل الرابع: قدرات المقاومة التي ظهر بعضها في معركة "سيف القدس" فشكلت رادعا أو ميزانا للرعب يمنع أي حماقة أو مغامرة إسرائيلية ضد غزة.
تغيير المعادلة
ويرى ناصر أن طبيعة إسرائيل هي "الضغط حتى اللحظات الأخيرة لانتزاع التنازلات من المقاومة، خاصة في موضوع تبادل الأسرى، ولإضعاف وهج الانتصار اللامع في معركة سيف القدس، وقادة المقاومة يدركون تماما هذه المعادلات".
ومعركة "سيف القدس" هي المواجهة الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وإسرائيل.
وشنت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة، استمر 11 يوما، في الفترة ما بين 10 و21 مايو/أيار 2021، ما أسفر عن استشهاد وجرح الآلاف من الفلسطينيين، فيما ردت الفصائل الفلسطينية على العدوان بإطلاق آلاف الصواريخ تجاه كافة المدن الإسرائيلية.
بالمقابل، تتحدث التقديرات الإسرائيلية عن جملة ملفات قد تتسبب ببقاء حالة المراوحة بين الهدوء الحذر والتوتر المتصاعد، وصولا لجولة مواجهة جديدة من القتال عدة أيام.
وترى أن المسائل العالقة وهي: المنحة القطرية، مفاوضات التهدئة، الرد على البالونات الحارقة، صفقة تبادل الأسرى، ستؤدي لجولة قتال قصيرة أخيرة لمحاولة كل طرف تعزيز موقفه.
المحلل الإسرائيلي أمير بوخبوط، كتب في موقع "واللا نيوز" 21 يونيو/حزيران 2021 يقول إن "سبب تمسك إسرائيل برفض تبادل الأسرى يتجلى في إصرارها على تغيير المعادلة التي سعت حماس لفرضها عقب الحرب الأخيرة".
"معهد السياسات والاستراتيجية" الإسرائيلي، أوصى بالعمل على "قلب" سلم أولويات الساحة الفلسطينية، بإضعاف حماس، دون المساومة على تحسين الظروف الإنسانية في غزة.
ودعا عبر دراسة نشرها في عدد يونيو/ حزيران 2021 للخبير العسكري الإسرائيلي عاموس جلعاد، إلى العمل على "تغيير جذري وضرورة تعزيز سلطة الرئيس عباس بكل وسيلة كمنظومة سلطوية في مواجهة حماس".
وأشار جلعاد إلى فشل الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على الفصل بين غزة وسلطة الضفة بعد عملية سيف القدس الأخيرة التي وحدت ليس فقط غزة والضفة بل وسكان الأرض المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال.