ينزع هيبة الدولة.. ما مصير الحشد الشعبي بعد 7 سنوات على تأسيسه بالعراق؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سبع سنوات مضت على تأسيس قوات الحشد الشعبي في العراق، لكن الجدل يتجدد مع مرور هذه الذكرى بعد زوال السبب الأساس الذي تشكلت من أجله، وهو محاربة تنظيم الدولة الذي اجتاح البلاد وسيطر بشكل متسارع على ثلث مساحته في يونيو/حزيران عام 2014.

وقبل عام من إعلان العراق الانتصار على تنظيم الدولة وطرده من البلاد بشكل كامل نهاية 2017، أقر البرلمان العراقي قانونا للحشد الشعبي في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وسط مقاطعة القوى السنية، التي عدت إقرار قانون بأنه "نسف للشراكة الوطنية".

وخلال الفترة الأخيرة، أثيرت تساؤلات بخصوص مصير الحشد الشعبي الذي تشكل لحالة استثنائية شهدتها البلاد، بسبب انهيار أجهزة الأمن عام 2014، مع دخول تنظيم الدولة، وعن إمكانية بقائه جهة مستقلة بذاته أو دمجه وإذابته بالوزارات الأمنية.

مسؤولية السيستاني

من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي، يحيى الكبيسي، خلال مقابلة تلفزيونية في 13 يونيو/ حزيران 2021 إن "فتوى المرجع الديني علي السيستاني كانت تتحدث عن تطوع أفراد في صفوف القوات الأمنية، بسبب انهيار القوات الأمنية في تلك الفترة، وليس تشكيل مؤسسة أمنية".

وقال الكبيسي إن "موقف المرجعية الدينية كان فتوى استثنائية من تاريخ الفقه الشيعي، لكن المشكلة في استغلال واستخدام هذه الفتوى، لأن رئيس الوزراء في حينها، نوري المالكي، أمر بتشكيل الحشد الشعبي قبل الفتوى وأصدر أمرا ديوانيا في 11 يونيو/ حزيران 2014، وجاءت الفتوى في يوم 13 من الشهر ذاته".

وأوضح المحلل السياسي أن "الفتوى استخدمت لشرعنة مليشيات كانت قائمة قبل الفتوى، بمعنى أنه كانت هناك مليشيا عقائدية استغلت هذه الفتوى لشرعنة وجودها وأنتجت الوضع الكارثي اليوم، لذلك وجدنا مليشيا أعلنت وصولها قاعدة سبايكر العسكرية في محافظة صلاح الدين قبل تشكيل الحشد الشعبي".

الكبيسي أشار إلى أن "هناك أربعة عناوين منضوية داخل منظومة الحشد الشعبي، الأولى هي المليشيات الولائية (الموالية لإيران) فهي الأكبر عددا والأكثر تسليحا واندماجا في السياسة، والطرف الثاني هي (سرايا السلام) التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ولا تأتمر بأي أوامر خارج أوامر الصدر".

وتابع: "الصنف الثالث هو حشد العتبات الدينية (تابع للمرجعية)، أما الصنف الرابع فهم الحشد العشائري، وهذا محدود التسليح والإمكانيات، وهم الأقرب إلى النواطير، كونهم غير قادرين على القيام بأعمال قتالية حقيقية".

وشدد الكبيسي على أن "السيستاني عليه مسؤولية اليوم، فإذا لم يرفع الغطاء الذي استخدمته هذه المليشيات لشرعنة وجودها، فلا إمكانية للحديث عن تفكيكها، خاصة أن الفاعل السياسي الشيعي كان متواطئا من الأصل في تشكيل الحشد، ولا سيما قرار رئيس الوزراء نوري المالكي".

ونوهت تقارير صحفية في 15 يونيو/ حزيران 2021 إلى أن "الحشد الشعبي كان بالفعل استغلالا إيرانيا سريعا لفتوى السيستاني في إنشاء جيش طائفي رديف للقوات العراقية من أجل تحويل النفوذ السياسي لإيران في العراق إلى سيطرة ميدانية على مناطقه".

وحسب ما ورد في التقرير، فإن "الجيش النظامي العراقي بغض النظر عن مستوى تسليحه وتنظيمه ومدى قوته، يظل موضع ارتياب الإيرانيين لأنه يبقى وريث الجيش الذي واجههم في حرب الثماني سنوات خلال ثمانينيات القرن الماضي".

قوة متمردة

فتوى السيستاني التي أطلق عليها "الجهاد الكفائي" كانت سببا في تشكيل الحشد الشعبي من عشرات المليشيات الشيعية، وتحوله إلى "جيش رديف" للقوات النظامية قام بدور كبير في الحرب ضد تنظيم الدولة، لكنه تحول الآن إلى معضلة تعيق استعادة هيبة الدولة وحصر السلاح بيدها.

على الرغم من إلحاق الحشد الشعبي بالقوات المسلحة العراقية عبر قانون البرلمان وربطه بالقائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، لكنه ظل عمليا خارجا عن سيطرة قيادتها وتابعا لقادة المليشيات التي يتشكل منها ومدافعا عن مصالحهم ومنفذا للأجندة التي يخدمونها وهي بالأساس أجندة إيرانية تتعارض في الغالب مع مصالح وسيادة العراق.

ويتكون "الحشد الشعبي" من 76 مليشيا مسلحة فيما يصل عدد مقاتليهم إلى نحو 90 ألفا، ومن أبرزها: "كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق، كتائب سيد الشهداء، حركة النجباء، كتائب الإمام علي، الطفوف، حركة أنصار الله الأوفياء".

واستغلت تلك المليشيات فتوى "الجهاد الكفائي"، لتوسيع نفوذها وارتكاب مجازر بحق سكان محافظات ذات غالبية سنية، كما حصلت عمليات تطهير ديموغرافي كحال منطقة "جرف الصخر" في محافظة بابل، إلى عمليات سرقة وتهديم منازل لمواطنين هربوا من سطوة تنظيم الدولة.

وكانت حذرت في حينها جهات سياسية حكومية من تلك الممارسات التي تنفذها جماعات مسلحة وموالية لإيران، مؤكدة أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى تشويه صورة "الحشد الشعبي" أو فتوى "الجهاد الكفائي".

ففي منتصف 2016، أشاد ممثل المرجع السيستاني، أحمد الصافي، خلال خطبة الجمعة، بالعمليات العسكرية التي ينفذها "المتطوعون"، ولم يذكر مصطلح "الحشد الشعبي" حتى هذه اللحظة، ففي كل خطبة يركز الرجل على جملة "متطوعين في الدفاع عن أرض العراق".

وقد أشار الصافي إلى ممارسات جهات مسلحة ضد الأهالي في محافظات الأنبار وصلاح الدين وبابل، إذ أقدم "حزب الله" العراقي على خطف مئات المدنيين، فيما حرقت "عصائب أهل الحق" قرى وبساتين في صلاح الدين ورفعت شعارات طائفية ومستفزة في مناطق السنة.

وأكد مسؤولون ونواب عن محافظة الأنبار اختطاف ما يقرب من 1200 مدني بينهم نساء كما توجد سجون سرية تابعة للمليشيات في بابل وبخاصة في منطقة جرف الصخر.

ومن وقتها، يعاني "الحشد الشعبي" من فوضى كبيرة تتعلق بالإدارة والمناصب والرواتب وتوزيع المهمات العسكرية والتدريب والاستغلال السياسي والصفقات المالية.

ولم تكتف تلك المليشيات بعملياتها هذه، بل وصلت الأمور في داخلها إلى درجة الفساد المالي، متخذة غطاء "الحشد الشعبي".

 إذ زرعت أسماء وهمية داخل "الهيئة"، فهي لديها نحو أكثر من ألف اسم وهمي في المديرية المالية لـ"الحشد" فضلا عن فرض الأتاوات وخطف مستثمرين ورجال أعمال وغيرهم، بحسب تقارير صحفية.

 تلك الممارسات دفعت إلى انسحاب "حشد العتبات" من قوات الحشد الشعبي في ديسمبر/ كانون الأول 2020، والذي يتكون من "فرقة العباس، لواء علي الأكبر، فرقة الإمام علي، لواء أنصار المرجعية".

ورفعت هذه المجموعات، شعار "حشد العتبات: حاضنة الفتوى وبناة الدولة".

وفي وقتها، قال قائد أكبر هذه الفصائل، فرقة "العباس القتالية"، ميثم الزيدي إن "الأسباب الرئيسة لتشكيل "حشد العتبات" هي خدمة الوطن وتصحيح المسير والمسار".

فيما قال آمر لواء "علي الأكبر" علي الحمداني إن المؤتمر "معني فقط" بالفصائل التي "التزمت منذ صدور فتوى الجهاد الكفائي بتوصيات المرجع السيستاني".

 لاقت تلك الخطوة ترحيبا كبيرا من العراقيين، لكن في الوقت نفسه، واجهت رفضا من قبل قادة وزعماء المليشيات الموالية لإيران، إذ اتهم قيس الخزعلي زعيم حركة "عصائب أهل الحق"، "حشد العتبات" بأنهم يندرجون ضمن المشروع الإسرائيلي.

مشكلة النظام

في ذكرى تأسيس الحشد الشعبي السابعة، قال الرئيس برهم صالح، في 13 يونيو/حزيران 2021 عبر "تويتر" إننا "نستذكر باعتزاز نداء الجهاد الكفائي، الذي أطلقه المرجع الأعلى السيستاني؛ ونحيي من لبى النداء في لحظة التحدي الأصعب".

وأضاف الرئيس العراقي قائلا: "تحقق تحرير الوطن من دنس الإرهاب بتكاتف العراقيين من الجيش والحشد والبيشمركة"، مؤكدا أن "النصر لن يكتمل إلا بترسيخ الدولة المقتدرة وسيادة القانون والحكم الرشيد".

 من جهته، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بيان: "مرت بلادنا الحبيبة في مثل هذه الأيام بظروف بالغة الصعوبة، وضعت العراق أمام تحد وجودي خطير، ولولا العناية الإلهية بهذا الوطن المقدس وما صدر من المرجع الأعلى علي السيستاني، من فتوى وتوجيهات أوقفت وحشا إرهابيا كان قد أرعب العالم كله".

وقد أدت الفتوى إلى القضاء على هذا التنظيم خلال مدة لم يكن يتصورها العالم كله.

وأضاف الكاظمي أن "الفتوى جاءت من منطلق وطني خاطب الهوية العراقية الشاملة، كما هو المنهج المتعارف الدائم في مواقف المرجعية الرشيدة التي أبت أن تخاطب أي عراقي سوى بهويته العراقية، تاركة العناوين الطائفية والعرقية بعيدة تماما من خطابها السياسي".

ولفت إلى أن العراقيين لبوا النداء بكل فئاتهم وأطيافهم والدعوة الشاملة لجميع المتطوعين للالتحاق بالقوات الأمنية الرسمية لمواجهة تنظيم الدولة.

في السياق ذاته، رأى الكاتب العراقي علاء اللامي خلال مقال نشره موقع "البديل العراقي" في 22 مايو/ أيار 2021 إن "الحشد الشعبي ولد كعلاج طارئ واستثنائي لواحدة من كوارث نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي جاء به الاحتلال الأميركي وليس علاجا نهائيا لهذا المرض العضال الفتاك، والذي لا علاج له إلا بتغيير نظام الحكم".

وأشار اللامي إلى أنه "حين نجحت الهبة الشعبية التطوعية في مهمتها وقضت على التمرد التكفيري الداعشي، بادرت أحزاب ومليشيات الفساد والتبعية إلى استغلال الهبة وتحويل المتطوعين إلى جيش بديل أو مواز لجيش الدولة، مستغلة أبشع استغلال فتوى المرجع السيستاني".

ودعا العراقيين القادرين على حمل السلاح إلى التطوع في القوات المسلحة الحكومية ولم يدعهم أبدا إلى تشكيل حشد أو جيش بديل.

وبحسب الكاتب فإنه "ورد في فتوى السيستاني حرفيا: (ومن هنا فإن المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعا عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية/ الصورة1)".

 ثم تكرر هذا المعنى في توضيح الصدر عن المرجع يؤكد فتواه، بالقول "باسمه تعالى: قد أفتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوبا كفائيا، للدفاع عن الشعب العراقي وأرضه ومقدساته، وهذه الفتوى لا تزال نافذة، لاستمرار موجبها، بالرغم من بعض التقدم الذي أحرزه المقاتلون الأبطال في دحر الإرهابيين".

وبحسب اللامي، فإن المليشيات والأحزاب "تمكنوا من تمرير أكذوبتهم هذه وتنفيذ خطتهم، ثم تم تحويل الحشد الشعبي إلى قوة عسكرية دستورية.

حينها قال الناس لا بأس في ذلك مؤقتا، طالما أن العراق يفتقد لأي جسم عسكري وطني يعول عليه في الدفاع عن البلاد والناس، ولكن الحشد تحول لاحقا إلى حشود.

 وإلى جانب الحشد الشعبي الدستوري هناك الفصائل المليشياوية خارجه وعلى مقربة منه وهي تعتبر نفسها منه وفيه.

وتابع الكاتب قائلا: "كما نرى فالأمور باتت معقدة وتنذر بالخطر الوشيك والصدام الدامي بين أطراف النظام المسلحة ولم تعد المعادلات كما كانت في بداية الهبة الشعبية لصد الاجتياح الداعشي.

وتساءل: فأي حل ممكن في هذه الأحوال؟ أهو في حل الحشد الشعبي وتجريد العراقيين من آخر وسيلة للدفاع عن أنفسهم، أم دمجه بالجيش ذي القيادات المخترقة أم في بقاء الحال على ما هو عليه من فساد وتشرذم وقتل وتبعية حتى يحدث الصدام الدموي المدمر المتوقع؟".

وخلص اللامي إلى أن "المشكلة الأصلية ليست في الحشد الشعبي فقد كان هبة شعبية حققت هدفها بنجاح كما قلنا، ولكنها في نظام الحكم الطائفي العرقي التابع لأميركا وإيران ولا يمكن حل هذه المشكلة أو أية مشكلة بنيوية أخرى من مشاكل العراق الكبرى ببقاء هذا النظام".

وتابع أن "الحل الوحيد والممكن هو بتغيير نظام حكم المكونات الطائفية والعرقية إلى نظام حكم المواطنة والمساواة وإلغاء اتفاقيات التبعية مع أميركا كاتفاقية الإطار الإستراتيجي وإعادة كتابة الدستور العراقي وقوانين الأحزاب والانتخابات من قبل خبراء دستوريين مستقلين تحت إشراف الشعب المباشر والشفاف".