موقع حقوقي أوروبي: المصريون ممنوعون من التفكير خارج إطار السيسي
أكد موقع أوروبي مختص في قضايا حقوق الإنسان أن مصر تشهد أسوأ فتراتها فيما يتعلق بهذا الملف إلى جانب حرية الصحافة بسبب بطش نظام عبدالفتاح السيسي.
ورغم مرور عشر سنوات على الإطاحة بالديكتاتور المصري حسني مبارك، فإن مسار العقد الماضي كان، بعبارة ملطفة، مؤسفا، وفق ما يقول "Fair planet".
ويتهم الفاعلون الأساسيون في تلك الثورة النظام العسكري الذي تولى السلطة منذ 2013، بأنه ملتزم بالقضاء على أي مساحة للحرية وينتهك أبسط حقوق الإنسان.
ويرسم أولئك الذين قادوا احتجاجات عام 2011 وغيرهم من الناشطين حالة قاتمة في مصر حيث تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية لصالح رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.
وتستمر الرقابة على كل أشكال الإعلام الناقد ويتم إغلاق المنظمات المدنية، فيما يواجه آلاف السجناء السياسيين نظاما قضائيا فاسدا. ويخرج هؤلاء باستنتاج جماعي مفاده أن الوضع الآن أسوأ بكثير.
وقال كريم طه وهو ناشط حقوقي اضطر لمغادرة مصر في عام 2014 "كان الأمر سيئا بشكل كبير، لكنه كان أفضل بكثير (من الوقت الحالي)".
ويضيف طه نائب المدير التنفيذي للجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية مقرها في الجمهورية التشيكية: "الآن يمكنك المشي في الشارع أو الجلوس في مقهى لتدخين الشيشة أو شرب الشاي وسيأتون ويقبضون عليك".
وتابع: "حدث ذلك بالفعل، يكتب شخص ما تغريدة واحدة، ويقول ما يفكر فيه فيتم القبض عليه".
واعتقل طه عام 2014 في الذكرى الثالثة لثورة يناير، بعد حضوره جنازة صديق قتلته الشرطة، ثم أطلق سراحه ليقرر مغادرة البلاد قبل إدانته، والآن ينتظره حكم مؤبد في مصر.
ويعرف طه الحكومة المصرية على أنها "نظام شمولي" يستخدم أي أداة مثل الدين أو القومية من أجل "قتل وضرب المجتمع المدني".
وأضاف: "مع مبارك، بعد عام 2005، كان لك الحق في تأسيس حزبك الخاص، يمكنك الذهاب للانتخابات دون إذن من المخابرات المصرية ويمكنك تأسيس منظمتك، لكن الآن لا يمكنك فعل أي واحدة من هذه الأمور".
وبما أن النظام الجديد لا يريد أن يخاطر بنفس مصير مبارك، فقد أعاد فرض دولة بوليسية بالقمع كإجابة لأدنى انتقاد.
في هذا السياق يقول طه "يخشى الناس التحدث عن الوضع السياسي أو الاقتصادي، كل من يفكر في مصر يمكن أن يتم القبض عليه لمجرد التفكير".
وسجنت حكومة السيسي صحفيين وسياسيين معارضين وعلماء ومدونين وحتى ناشطين على تيك توك لتحريضهم على "الفجور" برقصاتهم، وفق ما يراه النظام.
ويعد نشر الأخبار الكاذبة من أكثر الاتهامات المتكررة التي يستخدمها النظام ضد منتقديه.
وكان هذا هو الحال مع اعتقال خمسة أطباء العام 2020 بعد أن انتقدوا نقص الموارد التي قدمتها الحكومة لمواجهة جائحة فيروس كورونا.
حريات تحت الهجوم
تعتبر حرية الصحافة من أهم ضحايا القمع في مصر، حيث قال شريف منصور ، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين "إنه أسوأ وقت بالنسبة للصحفيين في مصر في التاريخ الحديث".
وأضاف أن "مصر تحتجز 27 صحفيا من ديسمبر/كانون الأول" رغم أنه وبحلول عام 2012، لم يكن هناك صحفي واحد خلف القضبان في مصر.
وبدأ هذا الاضطهاد مباشرة بعد انقلاب السيسي ضد حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي في عام 2013.
بعد ذلك بعامين، بدأت "الرقابة على الإنترنت التي تحظر المواقع وتؤسس هيئة رقابة أو هيئة تنظيمية لوسائل الإعلام يتم تعيين رئيسها من قبل الرئيس".
نتيجة لذلك، أغلقت الصحف المستقلة وحظرت المواقع الإخبارية، وأجبر العديد من الصحفيين على مغادرة البلاد.
وأوضح منصور: "كل شيء يكتب ويوزع لينشر كلمة بكلمة من قبل وسائل الإعلام الحكومية والموالية للحكومة، وأي شخص لا ينشر البيان الرسمي يكون عرضة للسجن".
ولا تعد المنظمات المدنية أفضل حالا من الإعلام الحر، فقبل انقلاب السيسي "كان هناك حوالي 35 منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان".
والآن هناك خمس منظمات فقط وتحت ضغط كبير ، لأن أعضاءها لديهم بالفعل حظر سفر وحساباتهم المصرفية مجمدة"، وفق ما أوضح طه من الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اعتقل ثلاثة أعضاء من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى جانب المدير التنفيذي، جاسر عبد الرازق، بعد أن نظموا لقاء مع دبلوماسيين معتمدين من دول غربية بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وإسبانيا لمناقشة وضع حقوق الإنسان في مصر والعالم.
ووجهت إليهم تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وتقويض الأمن العام وتمويل الإرهاب. وبعد ضغط دولي هائل للغاية لم يكن أمام مصر خيار سوى إطلاق سراحهم. ومع ذلك، لم تسقط التهم.
ويستخدم قانون مكافحة الإرهاب في إسكات المعارضين إلى جانب نشر الأخبار الكاذبة.
ويعد قانون مكافحة الإرهاب الأداة الرئيسة الأخرى التي تستخدمها الحكومة المصرية لسحق المعارضة.
كما وجد النظام في خطر الإرهاب اتهاما متعدد الأغراض لإرضاء النقاد الدوليين، ويتم استخدامه بشكل عشوائي لسجن أي شخص ينظر إليه على أنه يتحدى الحكومة من ناشطين مؤيدين للديمقراطية إلى أم استنكرت تعذيب ابنها واغتصابه في سجن.ويشير طه إلى أن بداية هذا الاستخدام الملتوي للقانون كان في عام 2017 قائلا "فجأة ، أصبحنا جميعا إخوانا مسلمين، إرهابيين. حتى العلمانيين أو المسيحيين الذين ألقوا القبض عليهم".
وتابع: "كان الاتهام الأول الموجه إليهم هو الانضمام إلى جماعة إرهابية وجماعة الإخوان المسلمين".
وقال منصور إنه بحلول ذلك الوقت، كان قانون آخر قد شدد القيود المفروضة على حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن أن يتهم أي شخص لديه 5000 متابع بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتتم ملاحقته في محاكمة الأمن القومي.
وأشار منصور إلى أن هذا ليس من قبيل الصدفة كما حدث بعد استقبال السيسي من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض عام 2016.
وزعم الناشط في لجنة حماية الصحفيين أن ترامب الذي وصف السيسي ذات مرة بأنه "الديكتاتور المفضل لدي"، لم يقدم له "الدعم المادي والمعنوي فحسب، بل حتى الشرعية".
ليس ترامب فقط، فقد حرصت العواصم الغربية على ضمان إفلات السيسي من كل ما فعله تقريبا من قمع للصحافة وحقوق الإنسان.
وكان استخدام السيسي لقانون مكافحة الإرهاب واتهامات الأخبار الكاذبة فيما بعد يهدف إلى استرضاء هذه العواصم الغربية، التي لم تهتم حقا بخلاف بيع الأسلحة وتزويد هذا النظام بالمراقبة والأسلحة والأدوات لمواجهة المتظاهرين وسجن الصحفيين والناشطين.
عقوبات وآمال
وأصبح النظام المصري بمرور الوقت أقل حذرا في أساليب القمع، حيث أوضح منصور “نرى محاكمات جماعية تجمع الصحفيين والناشطين والأكاديميين معا بتهم الإرهاب ويبقون محتجزين لسنوات دون محاكمة".
وأشار إلى أن العديد منهم، وحتى بعد أن تم الإفراج عنهم بسبب نقص الأدلة، أعيد اعتقالهم بنفس التهم مع إعادة تدوير رقم القضية الجديد. وتصاعدت قسوة القوات المسؤولة عن اضطهاد المنشقين.
قبل بضعة أسابيع، كشفت منظمة العفو الدولية عن قضية امرأة تبلغ من العمر 27 عاما ، وهي معلمة جامعية، تم القبض عليها في عام 2019 مع ابنها البالغ من العمر عاما واحدا.
واحتجز كلاهما في حجرة صغيرة لمدة 23 شهرا دون السماح لهما بمقابلة القاضي.
والتقى الاثنان أخيرا بالقاضي في فبراير/شباط 2021، كما لو كان قد تم القبض عليهما للتو في ذلك الوقت.
وأفرج عن الطفل وجرى تسليمه لأقاربه، لكن الصبي الذي لا يعرف أيا منهم ولا يعرف العالم بالخارج، عانى من ضائقة نفسية شديدة وطلب باستمرار "العودة إلى السجن".
علاوة على ذلك، أصبحت مصر في عهد السيسي إحدى أكثر البلدان تنفيذا لعقوبة الإعدام.
ووفقا للتقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول هذه المسألة، ضاعفت البلاد في العام الماضي عدد عمليات الإعدام ثلاث مرات من 32 في عام 2019 إلى 107 في عام 2020.
وذكر التقرير أنه جرى الحكم على ما لا يقل عن 23 شخصا من الذين تم إعدامهم "في قضايا تتعلق بالعنف السياسي"، بعد محاكمات بالغة الجور شابتها "الاعترافات" القسرية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري.
على الرغم من حملة السيسي الصارمة على حقوق الإنسان، لا يزال لدى الناشطين بعض الأمل في تحسين الوضع في السنوات المقبلة.
ويقدر هؤلاء تغير الموقف الدولي تجاه مصر خاصة بعد انتهاء رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
وقال طه إن شيئا ما تغير في أوروبا أيضا حيث أكد "في وقت سابق، كانت أوروبا محتلة من قبل اليمين وكان لهم مصالح مشتركة مع مصر".
لكن الآن، تراجع اليمين وصعد اليسار والإصلاحيون، لذا هناك فرصة كبيرة للتغيير في مصر في غضون ثلاث إلى أربع سنوات.
وأشار إلى أنه وفي أبريل/نيسان 2021، وقعت 31 دولة بينها الولايات المتحدة إعلانا مشتركا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدين الوضع في مصر، لا سيما بعض الجوانب مثل استخدام قانون مكافحة الإرهاب لمعاقبة المعارضة السلمية.
وردت الحكومة المصرية بغضب، مشيرة إلى أن القرار يستند إلى "معلومات غير دقيقة" وهددت بالكشف عن معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول التي وقعت على الإعلان.
ويعترف كريم طه أن المجتمع المصري لم يكن جاهزا، عندما اندلعت شرارة الثورة عام 2011 ، "قائلا لم نكن مستعدين لإجراء تحول ديمقراطي. نعم، بدأنا ثورة ، لكننا لم نعرف ماذا نفعل بعدها".
وأضاف أنهم الآن "بنوا جيلا جديدا من الناشطين وبإستراتيجية جديدة، نحتاج إلى ثلاث سنوات أخرى لنكون جاهزين تماما للانتقال الديمقراطي، والآن هناك منظمات ومنتدى مصري لحقوق الإنسان في باريس".
لذلك يقول "نحن نستعد لذلك، إنها ديمقراطية حقيقية"، واختتم حديثه قائلا: "هناك انتخابات في عام 2024، وقبل ذلك، يجب أن نكون مستعدين وعلينا بناء جبهتنا بشكل جيد للغاية".